فدراليات ميتة قبل أن تولد

معقل زهور عدي

يومًا بعد يوم تسقط سياسيًا دعاوى الفدراليات المتلطية وراء اللامركزية، هذه اللامركزية التي يحجم أصحابها المدلسون عن تعريفها هل هي لامركزية سياسية أم إدارية تماما كمن يضع بضاعة في الواجهة ويخفي بضاعته السيئة في الداخل .

ومع ذلك مازالت بعض النخب الطائفية تردد كالببغاء بمطلب تارة تسميه الحكم الذاتي وتارة تسميه اللامركزية دون الافصاح عن ماهيتها وحين يتشجع بعضهم وهو جالس في المهاجر بعد تناول قهوة الصباح يصرح بطلب الفدرالية .

كل المؤشرات تدل على أن موازين القوى تتجه لدفن تلك المطالب ذات الأساس الطائفي أما في حالة قسد فالواقع أن أساس مطالب قسد الوحيد هو منطق القوة , هذه القوة التي كانت ذات يوم مدعومة أمريكيا ولم تعد كذلك .

نأتي لمطلب فدرالية الساحل الذي تحلم بها نخب طائفية , وباعتبار أنها أصبحت تعلن طائفيتها وتسمي منظماتها بالصفة ” العلوية ” فلابد أن نناقشها بمنطقها قبل الانتقال منه للمنطق الوطني .

فالساحل ليس لطائفة واحدة , والعلويون هم أحد المكونات الاجتماعية فيه , وهناك مؤشرات عديدة أنهم بالكاد يشكلون نصف سكان الساحل والذي من المعروف أن مدنه الرئيسية الأربع هي أساسا من السنة عدا طرطوس التي يختلط فيها السنة مع المسيحيين , هذا هو الواقع التاريخي ومامن شك أنه تغير خلال السنوات السابقة من حكم الأسدين لكن النسب الاجمالية هي نفسها حسب التقدير طالما لايوجد إحصاء كما ذكرت , فكيف يمكن تصور أن يكون لمكون واحد الحق في المطالبة بالفدرالية مع معارضة السنة والمسيحيين والتركمان ؟ وهل يفكر مكون واحد بالاستئثار بالساحل وحكم بقية المكونات كما كان يحكم بشار الأسد ؟

أقول ماسبق فقط لأبين تهافت مطلب الفدرالية لدى بعض النخب العلوية .

وبالطبع فهناك العديد مما يمكن أن يقال غير ماسبق في هذا الصدد .

فتجربة فرنسا في إنشاء دولة علوية خلال السنوات من 1920 وحتى 1936 انتهت للفشل ليس بسبب التيار الوطني داخل الطائفة العلوية فقط وقد كان موجودا بالتأكيد , لكن بسبب أن مقومات تلك الدولة كانت هشة إلى حد أن فرنسا شعرت أن تلك الدويلة لايمكن لها أن تستمر دون الصرف عليها , وأن الجغرافيا والديموغرافيا السورية تجعل من ترابط الساحل مع الداخل ضرورة حيوية للطرفين , لذا حاولت في البدء المراوغة بإنشاء اتحاد فدرالي بين الدولة العلوية وكلا من دولة دمشق ودولة حلب لكن ذلك الاتحاد أيضا وصل لطريق مسدود . وهكذا استسلمت فرنسا لوحدة سورية عام 1936 مع المعاهدة التي اعترفت باستقلال مشروط لسورية .

النضال الوطني الوحدوي السوري والذي أشعلته الثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة سلطان باشا الأطرش من جهة وانعدام الواقعية في التقسيمات الفرنسية لسورية كان وراء انهيار فكرة الدويلة العلوية , والآن فالفكرة أقل واقعية وأكثر ضعفا مما كانت عليه , واستنادها الوحيد هو على الآثار النفسية السيئة للأعمال الاجرامية التي ارتكبتها مجموعات غير منضبطة خلال محاولة الانقلاب الدموية الفاشلة وبعد استشهاد المئات من عناصر الأمن مما ترك المنطقة خالية للمتطرفين حتى استطاعت الدولة استعادة الأمن .

جميع السوريين على وعي بأن أمن كل مكون اجتماعي في سورية هو خط أحمر والدولة السورية هي الضمان لذلك وليس فدرالية مزعومة يمكن أن تشعل مواجهات طائفية بدل أن تكون حلا .

المصدر: صفحة معقل زهور عدي

تعليق واحد

  1. لماذا تصاعد الأصوات المنادية باللامركزية والفيدرالية لدى شرائح المجتمع من الطائفة العلوية خاصة الى جانب مسد/قسد بشرق الفرات وبعض الموحدين الدروز ؟ دعوات فشلت عبر التاريخ منذ 1925 لماذا إحياءها؟ قراءة موضوعية دقيقة، السوريين الأحرار السوريين يعون بأن أمن المكونات الاجتماعية خط أحمر والدولة السورية هي الضمان لذلك وليس الفدرالية لأنها تشعل مواجهات طائفية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى