تتحرك المياه في محافظة إدلب بطرقة دراماتيكية، بحيث لم يكن يتوقعها النظام الأسدي، وهو الذي استند إلى داعميه من إيرانيين وروس، ووضع رجليه في المياه الباردة ، ظنًا منه أنه بات في مأمن، وأن من باعهم الوطن بثمن بخس لقادرون على إنقاذه من هذه المخاضة، فسلم أمره وسيادته وكل قراره لهم، وراح يؤجرهم سورية قطعة إثر قطعة، ثم تمادى وتورط فكانت الطامة، عندما قرر أن ينال من القوات التركية بموافقة روسية إيرانية بالطبع، هي أشبه بالتوريط، عندما هاجم الجنود الأتراك ونال منهم بأكثر من 33 عسكريًا، وهو ما أدخله في نفق مظلم ليس من السهولة الخروج منه، وهو الذي لم يعد قادرًا على مجابهة جيش بحجم الجيش التركي، بعد أن أنهك جيشه، وأصبح هذا الجيش الذي بُني (كما يفترض) من أجل تحرير الجولان، وإذ به يساهم في تدمير الشعب السوري ، فأضحى مهلهلًا، فاقدًا لأية قدرات، منهكًا، بلا معنويات.
ما يجري في إدلب اليوم هو درس يقوم الأتراك بتلقينه لهذا المجرم، ومن ثم فإن مجرد وجود دعم ناري، وطيران، حتى لو كان مسيرًا وبلا طيارين، فإن الجيش الوطني والفصائل الثورية تكون قادرة على تحرير الكثير من البلدات، وهو ما شهدناه في تحرير النيرب وسراقب وكفرعويد، والآتي أكبر وأوسع.
المعركة التي تسير في إدلب اليوم يعيش فيها النظام السوري أسوأ أيامه وأشنعها، وهو يتراجع وينتكس، ويفقد الكثير من قواته وميليشياته، وقدراته العتادية، والروس يتفرجون عليه، وهم الذين لا يقامرون بعلاقاتهم المصلحية النفعية الكبرى مع الدولة التركية، ولا يشتبكون مع دولة هي عضو في حلف الناتو من أجل بشار الأسد، أو سواه. ويحاول الروس عبر مفاوضات ماراثونية مع الأتراك، الخروج بتوافقات جديدة لا يبدو أنها سوف تريح النظام، لكنها تحاول أن تعيد مسار أستانا المرفوض أميركيًا وغربيًا، كما تعيد إحياء اتفاق سوتشي الخاص بإدلب، بعد أن كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويبدو أن التوافقات الجديدة أو التفاهمات المستحدثة، تريد إنجاز الجديد، وهو كما تشير التسريبات يبغي الاحتفاظ بما فعله الجيش الوطني والفصائل الثورية، عبر تسيير دوريات تركية روسية مشتركة، للحفاظ على الطريقين الدوليين، ومن ثم عودة النظام السوري إلى ما بعد مدينة معرة النعمان، وإعادة تموضع جديدة لنقاط المراقبة التركية بما يخدم هذا التفاهم الجديد، الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الإنجاز، والذي سيتم توقيعه عبر لقاء قريب جدًا يجمع الرئيسين التركي والروسي في موسكو.
المشهد السوري بات مختلفًا جدًا بعد الهجوم الأسدي بالطيران على القوات التركية الخميس الفائت، وأصبح اللاعب التركي فعالًا، ولم يعد بمقدوره التراجع، وتمكن من تحقيق الكثير من عمليات تأديب مباشر (وليس بالوكالة هذه المرة) للنظام السوري، ولا يبدو أن بالإمكان إحداث أي تغيرات جديدة يستفيد منها النظام السوري، حيث أوضاع الداخل التركي تفرض ذلك أيضًا، كما أن السياسة الدولية الأميركية تحاول الضغط كذلك، سياسيًا ودبلوماسيًا ، دون الدخول في أتون المعركة، مهما حاول الأتراك زجها بذلك، وكذلك حال حلف الناتو الذي يعتبر أن الجنود الأتراك سقطوا خارج الجغرافيا التركية وليس داخلها.
الأيام القادمة حبلى بالكثير من المتغيرات، التي بات الشعب السوري يترقبها، وهو على أحر من الجمر، ليدرك هل إن هذه التفاهمات الجديدة ستعيده إلى بلداته التي هُجر منها قسرًا أم لا، وهذا هو الأهم حاليًا بالنسبة للسوريين المهجرين قسرًا إلى الشمال، حيث لا مكان بالقرب من الحدود التركية يؤويهم، ولا من يقف إلى جانبهم لحظة تخلى الداعم، وساعة خذلهم الجميع.
ولا ضير أن الخسائر الكبرى التي يعيشها النظام السوري، وطائراته التي تتهاوى واحدة بعد أخرى، هذه التي كانت تقصف المدنيين السوريين، لعلها من المشاهد السوريالية التي تثلج صدور السوريين بحق، لأنه لم يعد هذا الجيش للنظام الذي يُفترض أنه سوري، لم يعد لهم بل هو من يُمارس القتل فوق رؤوسهم يوميًا.
الشعب السوري اليوم فرح وهو يرى النظام السوري ينهار في إدلب، لسبب بسيط وهو أن هذا النظام المجرم القاتل لشعبه، عاث فسادًا وما يزال، وقتل مئات الآلاف من السوريين، واليوم جاء من يرد له الصاع صاعين، حتى لو كان تركيًا وليس سوريًا.
المصدر: المدار نت