
المقاومة في العصر الحديث :
============
في بداية القرن العشرين شهد العالم ثورات فكرية وسياسية كبرى ناتجة عن بزوغ مفاهيم حقوق الشعوب والانسان .وفي سياقها اكتسب (مفهوم المقاومة) مزيدا من المشروعية كرد فعل على طغيان الاستعمار الاوروبي في العالم , وعلى الحرب العالمية الاولى التي اشعلها نهم الدول لاقتسام العالم ونهب الشعوب الضعيفة , إذ أصدر الرئيس الاميركي ويلسون عام 1917 مبادئه الأربعة عشر التي شكلت نقلة كبرى في ارساء حقوق الشعوب , وخاصة حق مقاومة الاستعمار والتحرر .
في هذه الحقبة ولد مفهوم (المجتمع الدولي) النابع من الايمان بوحدة الحياة الانسانية, كثمرة لوعي عالمي جديد مضاد لنزعات التمييز العنصري, والعبودية, والاستعمار, والتوسع العدواني , مما أدى للحرب الاولى التي ازهقت ارواح خمسة عشر مليونا. كما ولد مفهوم (السلام العالمي) كحاجة مشتركة للجنس البشري , وهو الاساس الذي نشأت عليه (عصبة الأمم) وتولد عنها مبدأ (القانون الدولي) .
وأدى نشوب الحرب العالمية الثانية بعد ثلاثة عقود من سابقتها ومصرع ستين مليون انسان تعززت تلك المفاهيم والتوجهات بإقامة (منظمة الامم المتحدة ) وتسليحها بصلاحيات أ كبر من سابقتها وتوسيع عضويتها لتشمل دول العالم كافة. ورغم أنها كسابقتها تأسست بمبادرة من الدول المنتصرة في الحرب, وجسدت هيمنتها على العالم بواسطة نظام مجلس الامن الدولي واحتكار اعضائه الدائمين الخمس لحق النقض , فقد اضطرت هذه الدول لمسايرة التطور العالمي وتقديم تنازلات جوهرية للشعوب , وحركات التحرر , فنص ميثاقها على حق الشعوب في تقرير مصيرها , ومقاومة الاحتلال الاجنبي .وكان أبرز معالم حقبة ما بعد الحرب الثانية ارتفاع مكانة وقوة الدول المستقلة حديثا على المسرح الدولي بفضل تأسيس حركات (عدم الانحياز) و(التضامن الآفرو – آسيوي) و(منظمة الوحدة الافريقية) و(جامعة الدول العربية ) فحدث توازن نسبي في مواجهة الدول الامبريالية والكبرى تجلت آثاره على قرارات الامم المتحدة والقانون الدولي :
– في عام 1948 أصدرت الامم المتحدة (الاعلان العالمي لحقوق الانسان) الذي مثل ثورة كبرى في القانون الدولي . وتلاه عام 1966 اصدار وثيقتين متممتين هما : العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ووثيقة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . وتشكل الوثائق الثلاثة معاً ما يسمى “لائحة الحقوق الدولية”] ولكن المجتمع الدولي ناضل عشر سنوات حتى استطاع اقناع عدد كاف من الدول للتصديق على الوثائق الثلاث عام 1976, وحازت قوة القانون الدولي .
– معاهدة جنيف 1949 التي حفظت حقوق المدنيين واللاجئين في الحروب ,وضمنت بعض حقوق الثوار والمحاربين ضد الاحتلال .
– في عام 1972أصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارها 3034 الذي يعترف بشرعية النضال في سبيل التحرر الوطني, وميزه عن الارهاب الدولي .
– في عام 1974 اصدرت الجمعية العامة قرارها 3246 الذي اعترف بحق الشعوب في الكفاح المسلح ضد الاحتلال , واصبح حقا محميا بالقانون الدولي , وقمعه مخالفا لمبادىء القانون الدولي .
– وفي عام 1976 انعقد مؤتمر دولي لتطوير قواعد القانون الدولي الانساني خلص الى أن حروب التحرير مشروعة وعادلة , ووصف حركات التحرر المسلحة بقوات ذات صفة دولية . ونتيجة لهذا المؤتمر اضافت الامم المتحدة في عام 1977 لمعاهدة جنيف 1949 بروتوكلين جديدين يتضمنان هذه المعاني المهمة .
– وفي الثمانينات اكتسبت (شرعة حقوق الانسان) قوة دفع على المستوى الدولي نتيجة تنبه العالم لتفشي القمع السياسي في الانظمة المستبدة في العالم الثالث والدول الشيوعية, فظهرت منظمات المجتمع المدني الناشطة في الدفاع عن حقوق الانسان ,وساهمت بالتمهيد لثورات بلدان شرق اوروبا التي قوضت الاتحاد السوفياتي والانظمة الشيوعية في شرق اوروبا , وعدد كبير من الانظمة الديكتاتورية في العالم .
ومع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الجديد تعززت مفاهيم حقوق الانسان وغدت شريعة عالمية تتبناها الامم المتحدة وتعترف بها ولو نظريا كافة الدول, وتأسس عام 2006 (مجلس حقوق الانسان) التابع للمنظمة الدولية. وفي العام التالي اعتمد (حزمة بناء مؤسسات) من بينها آلية الاستعراض الدوري لأوضاع حقوق الإنسان في كل الدول .
الى ذلك بات لهذه الشرعة حضور مؤثر في المجتمع المدني في العالم تمارسه منظمات عالمية تراقب سلوكيات الدول وتوثق الانتهاكات (منظمة العفو الدولية – أمنستي وهيومن رايتس ووتش , والمنظمة العربية لحقوق الانسان .. مثلا )
– يتبع –
============
هذه المقتطفات كتبها الراحل محمد خليفة في سبتمبر 2015 لمجموعة المقاومة الثورية ونعيد نشرها في إطار (ذاكرتنا) الوطنية.
المقاومة الوطنية الثورية معترف بشرعيتها لأنها كنضال في سبيل التحرر الوطني, وميزتها القرارات الدولية والأمم المتحدة عن الارهاب الدولي، ذكريات جميلة عن أيام المقاومة الوطنية الثورية والكاتب المناضل العروبي الراحل محمد خليفة الله يرحمه ويغفر له ويسكنه الفردوس الأعلى .