
في صباح اعتيادي أمام بوابة مدرسة “سيف بن ذي يزن” في صنعاء، فتح الحارس الباب ككل يوم، ليُفاجأ برجل يبتسم بلطف ويقول:
– السلام عليكم يا عم، أنا ولي أمر أحد الطلاب، وقد استدعَتني المدرسة.
لم يعرفه الحارس، لكن صوته كان مألوفًا بطريقة غريبة. فأجابه ببساطة:
– تفضل، يمكنك الانتظار في غرفة الوكيل حتى ينتهي الاجتماع.
جلس الرجل بهدوء في زاوية الغرفة، منتظرًا كأي ولي أمر عادي.
غير أن المفاجأة الكبرى جاءت بعد دقائق…
خرج المدير مسرعًا يصيح:
– أسرع! اجمع المعلمين والطلاب في الساحة! الرئيس في زيارتنا!
– رئيس؟! أي رئيس؟!
– إنه الرئيس إبراهيم الحمدي بنفسه! ألم تدرك من دخل قبل قليل؟! لقد جعلناه ينتظر!
صُدم الحارس، ولم يكن يعلم أن من استقبله بكل تلقائية كان رئيس الجمهورية ذاته.
دخل المدير على الحمدي معتذرًا بحرارة:
– نعتذر يا سيادة الرئيس، لو علمنا بقدومكم لأعددنا ما يليق بمقامكم…
لكن الحمدي ابتسم قائلاً:
– لا داعي للاعتذار، أنا اليوم لستُ رئيسًا، بل ولي أمر عبد الرحمن، شقيقي الصغير. جئت لأن معه استدعاء من المدرسة. والحارس لم يُخطئ، بل أدّى واجبه كما ينبغي.
أصرّ المدير على إقامة تحية رسمية واحتفال، لكن الرئيس رفض:
– لا حاجة لأي مظاهر… دعوا الطلاب يواصلون يومهم. أنا اليوم مجرد مواطن.
ثم أردف:
– وإن احتجتم إلى شيء، فإدارة التربية موجودة، وإن قصّروا فمكتبي مفتوح للجميع.
وفي طريق خروجه، اقترب الحمدي من الحارس، ووضع يده على كتفه قائلاً:
– أحسنت يا عم. لقد أديت عملك بإخلاص واحترام.
ثم أخرج من جيبه ظرفًا صغيرًا، وقال له:
– هذه مكافأة بسيطة لك… على أمانتك وانضباطك.
حاول الحارس الاعتذار، لكنه لم يستطع أن يُخفي تأثره، فالكلمات خانته، ولم يخرج من فمه سوى جملة واحدة:
– سامحنا يا رئيس، والله ما كنت أعرفك!
ابتسم الحمدي، وربت على كتفه مجددًا وقال:
– لا عليك… هذا هو الواجب، وأنا فخور بك.
غادر الرئيس بهدوئه وتواضعه المعتاد، دون حرس أو مظاهر، كما دخل تمامًا.
أما الحارس، فظل واقفًا يراقبه، والدهشة تعلو وجهه، وعيناه تدمعان وهو يردد:
– والله ما نلقى مثلك… ولا بعد ألف سنة!
بعدها بفترة قريبة تم اغتيالة في ظروف غامضة رحمه الله
المصدر: صفحة نجيب سليقة