
في وقت تزداد الدعوات الدولية لإسرائيل من أجل السماح بإدخال المساعدات إلى القطاع، أعلن جيش الاحتلال عن تشغيل مركزين لتوزيع المساعدات، في إطار الآلية الأميركية- الإسرائيلية للتوزيع، والتي انهارت في يومها الأول بعد أن فقدت الشركات الأمنية الخاصة السيطرة، ليعقب ذلك إطلاق نار باتجاه الحشود من قبل آلة الحرب الإسرائيلية والمروحيات العسكرية.
جاء ذلك فيما أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، اليوم الثلاثاء، أن إسرائيل تمارس حملة تضليل في شأن إدخال المساعدات للتغطية على سياساتها “الإجرامية في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي”، نافياً دخول أي “مساعدات حقيقية” إلى قطاع غزة.
فشل الآلية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات
وأعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم، بدء تشغيل مركزين لتوزيع المساعدات في منطقة تل السلطان ومحور “موراغ” في منطقة رفح جنوب قطاع غزة، وذلك ضمن “الافتتاح التدريجي” لأربعة مراكز أُنشئت خلال الأسابيع الماضية.
وأتت الخطوة، في إطار ما يعرف بـ”الآلية الأميركية الإسرائيلية” الجديدة لتوزيع المساعدات، والتي تشرف عليها شركات ومؤسسات أميركية خاصة مرتبطة بإسرائيل، في عملة “إغاثة” تخضع بالكامل لسيطرة سلطات الاحتلال الإسرائيلية.
لكن ما إن أعلن جيش الاحتلال بدء تشغيل المركزين، حتى فقدت الشركات الأمنية الخاصة السيطرة على أحد الموقعين، في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية في قطاع غزة، وسط أنباء عن تدافع جماهيري واقتحام للمركز. وأفادت تقارير صحافية بأن قوات الاحتلال أطلقت النار على المدنيين في الموقع باستخدام مروحيات عسكرية.
وأفادت مصادر محلية بأن الخطة الإسرائيلية الأميركية لتوزيع المساعدات في غزة، انهارت في يومها الأول، إذ انسحب عناصر المؤسسة الأميركية من الموقع بعد اندلاع حالة من الفوضى، تزامناً مع إطلاق قوات الاحتلال النار باتجاه الحشود، ما أدى إلى تفاقم الوضع وخروج المركز عن السيطرة، وسط حالة من الفوضى والذعر.
وقال مسؤول أمني إسرائيلي إن “حشوداً من سكان غزة اقتحمت موقع توزيع المساعدات في رفح”، وادعى أن “عناصر الشركة الأميركية أطلقوا النار في الهواء”. وأضاف أن “الجيش الإسرائيلي لم يتدخل في الأحداث في هذه المرحلة”، وزعم أنه “تمت استعادة السيطرة على الموقع في الوقت الراهن”.
حملة تضليل ممنهجة
في المقابل،قال المدير العام للمكتب الحكومي إسماعيل الثوابتة، إن إسرائيل تمارس حملة “تضليل ممنهجة” تروج خلالها لمعلومات “كاذبة” بشأن دخول المساعدات، بهدف التغطية على سياساتها “الإجرامية والإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تنفذه ضد المدنيين”.
ونقلت وكالة أنباء “الأناضول” عن الثوابتة، أنه على الرغم من “الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة”، فإنه “لم تدخل أي مساعدات حقيقية، في خرق صارخ لاتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول، ما يشكّل جريمة جماعية تستهدف المدنيين”.
وذكر الثوابتة أن تلك الجرائم تتزامن مع “اشتداد المجاعة ووصول غزة إلى المرحلة الخامسة من انعدام الأمن الغذائي وفق تقارير دولية وحكومية”.
وذكر أن هذه المعطيات تؤكد ارتكاب إسرائيل “جريمة تجويع السكان المدنيين عمداً” بموجب مواد نظام روما الأساسي.
وحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة أمام المجتمع الدولي والمحاكم الجنائية المختصة، جراء منعها الغذاء والإغاثة من دخول القطاع وتدمير مصادر العيش بغزة، الأمر الذي يكشف عن “نية إبادة جماعية موثقة”.
وأشار الثوابتة إلى أن المكتب الإعلامي رصد بعد 80 يوماً من الإغلاق الإسرائيلي للمعابر، 58 وفاة بسبب سوء التغذية، و242 حالة أخرى نتيجة نقص الغذاء والدواء معظمهم من كبار السن. وقال إنه تم توثيق 26 وفاة بين مرضى الكلى جراء غياب الرعاية الغذائية والعلاجية، فضلاً عن أكثر من 300 حالة إجهاض بين الحوامل، بسبب نقص العناصر الغذائية الضرورية لاستمرار الحمل، خلال الفترة ذاتها.
وطالب الثوابتة، المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، بتحمل “مسؤولياتهم الأخلاقية والقانونية والتدخل الفوري والعاجل لإنقاذ المدنيين في غزة من كارثة المجاعة والضغط على الاحتلال لفتح المعابر وإدخال المساعدات ووقف سياسة الإبادة التي يمارسها بحقهم بالتجويع والقتل اليومي”.
الأمم المتحدة: لا علم لنا بتسليم مساعدات
من جهتها، نفت الأمم المتحدة علمها حول ما إذا كانت منظمة إغاثة مدعومة من الولايات المتحدة سلّمت أي مساعدات داخل قطاع غزة. وذلك بعد إعلان المؤسسة أنها بدأت مواد غذائية في شاحنات في قطاع غزة.
لكن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، أفادا خلال مؤتمر صحافي في جنيف، بأن لا علم لهما بتوزيع مساعدات.
وقالت الناطقة باسم “الأونروا” جولييت توما في اتصال عبر الفيديو: “لا معلومات لدينا”، مضيفةً “نعرف ما هي الحاجات ونعرف ما هو غير متوافر ونحن بعيدون جداً عن هذا الهدف اليومي”.
ولفتت إلى أنه “ثمة حاجة إلى دخول 500 إلى 600 شاحنة محمّلة إمدادات كحد أدنى إلى غزة. والأمر لا يقتصر على المواد الغذائية، بل كذلك أدوية ومعدات طبية ولقاحات للأطفال والوقود والمياه وغيرها من الأساسيات الضرورية لبقاء الناس على قيد الحياة”.
بدوره، أشار الناطق باسم “أوتشا” ينس لايركه، إلى أن الأمم المتحدة لا تشارك في عمليات الإغاثة التي تنفذها “مؤسسة غزة الإنسانية”.
وواجهت المؤسسة اتهامات بالتعاون مع إسرائيل من دون مشاركة الفلسطينيين. وقال لايركه إن الأمر “يصرف الأنظار عن الاحتياجات الفعلية، وهي إعادة فتح جميع المعابر إلى غزة وتوفير بيئة آمنة ضمن غزة وتسهيل التصاريح والموافقات النهائية بشكل أسرع لجميع الإمدادات الطارئة الموجودة لدينا مباشرة خارج الحدود والتي يتعيّن أن تدخل”.
ضغوط دولية
في غضون ذلك، لا تزال الضغود الدولية على إسرائيل من أجل السماح بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة مستمرة. وأكد وزير الخارجية الألمانية يوهان فاديفول، أنه “من غير المقبول بتاتاً بقاء سكان غزة بلا غذاء أو دواء”، فيما قالت الحكومة الإسبانية إنها تعمل على التوصل إلى “موقف قوي وحازم من المجتمع الدولي حيال المذبحة في غزة”، وأضاف “نعمل لتحقيق هدف وقف الحرب وكسر الحصار المفروض على المساعدات الإنسانية في غزة”.
وفي السياق نفسه، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أنه على إسرائيل استئناف إيصال المساعدات إلى غزة فوراً بمشاركة أممية وشركاء إنسانيين دوليين، لافتة إلى أن “توسيع إسرائيل عملياتها في غزة ومقتل مدنيين بينهم أطفال في قصف مدرسة أمر مرفوض بشدة”.
وإذ أكدت على دعم “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها”، أشارت فون دير لاين إلى أن “التصعيد بشكل غير متناسب ضد المدنيين غير مبرر”. ودعت إسرائيل إلى “وقف التصعيد فوراً وحماس للإفراج غير المشروط عن الرهائن”.
المصدر: المدن