بعد انقضاء اربع وعشرين ساعة على خطفه، عمّت لبنان الصدمة والحزن حينما ظهرت جثة المواطن اللبناني “باسكال سليمان”، مُنَسِّق “حزب القُوات اللبنانية” في منطقة جبيل، داخل الاراضي السورية ـ حسب ما جاء في بيان رسمي لـ”مديرية المخابرات” في الجيش اللبناني، التي اعلنت “انها تعمل على استرداد الجثة، بالتعاون مع الصليب الاحمر اللبناني”.
وأرفقت بيانها بنشر فيديو “مُريع” يمتنع “الشفاف” عن نشره مراعاةً لأهل “باسكال” وآصدقائه.
عملية خطف وقتل سليمان، ليست الاولى التي تطال مسؤولا “قُواتياً”! فقبل اشهر، قُتل مُنَسِّق “القوات اللبنانية” في جنوب لبنان، “الياس الحصروني” في ظروف مجهولة معلومة، أي في منطقة يسيطر عليها الحزب الإيراني.
حسن نصرالله برّأ حزبه من خطف باسكال سليمان قبل أن يتّهمه أحد…! توقّع اللبنانيون “النهاية المأساوية” لباسكال سليمان حينما سمعوا نفيَ نصرالله أن يكون له يد في خطفه!
وفور انكشاف خبر اختطاف “باسكال سليمان، سرّب احد اصدقاء القتيل مضمون مكالمة بينهما في لحظة اختطافه كان يناشد فيها الخاطفين عدم قتلهلانه “رب عائلة وعنده اولاد”، ويبدو ان مناشَدتهُ لم تلقَ آذاناً صاغية فقتلوه “بطريقة بشعة”… توحي بأنه رُبَّما تعرّضَ لاستجوابٍ وتعذيب قبل قتله! ولكن.. لماذا التعذيب والتشويه الوحشي الذي يُذَكِّر بمقتل صحفي لبناني لامع كان إسمه “سليم اللوزي”!
“فيلم” مديرية مخابرات الجيش أقلّ ذكاءً من فيلم “أبو عدَس”!
مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، ساهمت بدورها بنشر اخبار اقل ما يقال فيها انها ملفقة، ولا تمت الى المنطق بصلة! قفالت انها “القت القبض على العصابة، وهي ثلاثية، وتتألف من سوريين هدفهم سرقة السيارة”، وأضافت في بياناتها لاحقا خلال يوم الاختطاف الطويل، ان “سليمان ما زال حيا، وانهم حددوا مكانه، وانهم يعمون على تحريره”!!!
وفي الواقع ان سيارة القتيل ما زالت في لبنان، فكيف لعصابة سرقة (تتألّف من 4 سيارات، إثنتان سبقتا سيارة “باسكال سليمان، واثنتان سارتا خلفه!!!!!!) ان تسرق سيارة لتتركها في لبنان، وتنتقل مع جثة صاحب السيارة الى سوريا ثم تعود الى لبنان، ثم يلقى القبض على افرادها من قبل مديرية المخابرات؟!
والمثير للريبة ايضا ان امين عام حزب الله حسن نصرالله، هاجم في كلمة له بالامس المسيحيين عموما وحزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” خصوصا، لانهما ـ حسب ما زعمَ نصرالله ـ اتّهما الحزب و”الثنائي” الشيعي بالوقوف وراء عملية الخطف! والواقع (وعلى نقيض ما قاله نصرالله)، كانت “القوات اللبنانية”، وهي المعنية اولا واخيرا بحادث الخطف، قد عَمَّمت على انصارها ومحازبيها بضرورة عدم الادلاء باي تصاريح سياسية ذات صلة بعملية الخطف قبل ان تقول الاجهزة الامنية كلمتها!
ولم تتهم “القوات اللبنانية” لا حزبَ الله ولا سواه بالعملية (ربما لأنها كانت تأمل، مثلَ الرأي العام اللبناني كله، أن تنتهي العملية ببقاء “المخطوف” على قيد الحياة).
المسؤول القواتي، “باسكال سليمان”، لم يشارك في الحرب الاهلية، وتالياً لا اعداءَ له على المستوى الشخصي! وهو يعمل رئيسَ قسم “المعلوماتية” في “بنك بيبلوس”، ووظيفته تقنية لا علاقة لها مبدئياً بحسابات الزبائن، ولا بعمليات غسيل اموال ولا تبييض اموال ولا سواها ـ ما يُبعد فرضية ان يكون الخطف والاغتيال على صلة بمهنة المغدور.
عملية اغتيال سليمان تحاكي في شكلها ومضمونها اغتيال الكاتب والمفكر لقمان سليم من قبل، والياس الحصروني منسق القوات اللبنانية في جنوب لبنان، وعمليات الاغتيال التي جرت في السنوات الممتدة من العام 2005 الى اليوم، والتي لم تكشف الاجهزة الامنية فاعليها.
اما المقصود من اختطاف واغتيال باسكال سليمان، فيمكن ايراده ضمن سياقات متعددة
– وقوع الخطف ضمن منطقة ملتبسة فيها حزب الله من جهة وحضور مسيحي وازن من جهة ثانية.
– وجود نائب لحزب الله في منطقة جبيل يلتزم الصمت منذ شيوع خبر الاختطاف وحتى اللحظة.
– مَثَّل “باسكال سليمان” صيداً سهلاً تم اصطياده منفردا في منطقة معزولة نسبيا بين قريتين على طريق لا يشهد حركة سير كثيفة عادةً.
– استفزاز حزب القوات اللبنانية، وهو الحزب المسيحي الاكبر والذي يعرف بمواقفه المناهضة لحزب الله، ما يساهم في تسعير الخلاف الداخلي، خصوصا ان انصار القوات، فور وقوع عملية الخطف، اتّهموا حزب الله بالوقوف وراء العملية، مع ان “القوات”، رسمياً، شدَّد على ضرورة انتظار كلمة الاجهزة الامنية. والفحوى هنا هي أن اتهام حزب الله بالضلوع في عملية الخطف من شأنه ان يُعَمّّقَ الانقسام الداخلي، ويحرفَ الانظار عن الدمار الذي يجري في الجنوب والخسائر التي يتكبدها حزب الله يوميا في صفوف عناصره! وبطبيعة الحال، فإن الحزب الذي سينفي تورطه في العملية، سيلعب دور الضحية المستهدف من “الصهاينة” على الحدود، وممن يصفهم بـ”عملاء” الداخل، من اجل شد عصب بيئته التي باتت تخشى استمرار الحرب لاسناد غزة، والعزلة لتي بدأت تضرب الحزب داخليا وافليمياً.
– جرت رياح العملية بعكس ما تم التخطيط له: اذا انتفض “القواتيون” فور انتشار الخبر، وقطعوا بعض الطرق الدولية، وطالبوا بكشف الفاعلين، وإعادة المخطوف الى ذويه!
وجود مليوني سوري في لبنان مشكلة حقيقية جداً. و”سحل” أو قتل بضعة عمّال أو لاجئين سوريين من أسهل الأمور!
وإذا حصل، فسيوزّع “الحزب” البقلاوة في برج البراجنة كما فعل بعد اغتيال جبران التويني ولقمان سليم اللذين لم يكن لـ”الحزب” يد في اغتيالهما.
كلّ ما يَطلبه “الحزب” من جمهور اللبنانيين هو أن يتوقفوا عن رفع شعار “الإحتلال الإيراني”! إرفعوا شعار “الإحتلال السوري”! وطاردوا السوريين في شوارع جبيل وجونيه وطرابلس وبيروت! لا تخافوا! مديرية المخابرات لن تحميهم!
ما حتَّم البحث عن مخرج لاستيعاب ردة فعل القواتيين المتصاعدة، فكان سيل الشائعات عن ان الهدف هو السرقة وطلب فدية وتورط في عمليات غسيل اموال وانه ما زال حيا وان مديرية المخابرات استطاعت تحديد مكانه و……….
فكان الامر الاسهل الصاق التهمة باللاجئين السوريين الذين ارادوا سرقة سيارة القتيل، بالتعاون مع عصابة لبنانية من بيت جعفر بزعامة “ناجي جعفر”! ولكن ما لم يكن في الحسبان ان المدعو ناجي جعفر ظهر في فيديو نفى فيه تورطه جملة وتفصيلا في عملية الخطف، ما انهى رواية السرقة واعاد الرواية الى اساسها، وهي تورط جهة سياسية لبنان في عملية الخطف، ونقل الصراع الداخلي في البلاد من المطالبة بإزالة الاحتلال الايراني الى المطالبة بازالة الاحتلال السوري!
المصدر: ميدل ايست