ترمب وجائزة نوبل للسلام.. هل سوريا هي المفتاح؟

أحمد زكريا

تعدّ جائزة نوبل للسلام واحدة من أرفع الجوائز العالمية، تحمل في طياتها رمزية استثنائية تجمع بين الطموح الإنساني والإنجاز الملموس. منذ تأسيسها عام 1901 على يد ألفريد نوبل في السويد، أصبحت هذه الجائزة حلمًا يراود العلماء والسياسيين والناشطين، من نيلسون مانديلا إلى العالم المصري أحمد زويل.

في خضم هذا السياق، يبرز اسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب كشخصية مثيرة للجدل تسعى بقوة لنيل هذا اللقب المرموق، مدفوعًا بطموحه لترك بصمة تاريخية تخلّد اسمه، لكن هل يمكن أن يحقق ترامب هذا الهدف؟ وما الدور الذي قد تلعبه سوريا في هذا المسعى؟

يُعرف ترمب بشخصيته الجريئة وتصريحاته الواثقة، وقد أعرب مرارًا عن رغبته في نيل جائزة نوبل للسلام، معتبرًا أن إنجازاته تفوق ما حققه سلفه باراك أوباما، الذي نال الجائزة عام 2009.

يرى ترمب أن جهوده في إنهاء النزاعات وتعزيز السلام تستحق التقدير، بل إنه يعتبر نفسه مصلحًا لما أفسده آخرون، وهذا الطموح لا ينبع فقط من رغبة شخصية، بل يعكس استراتيجية سياسية تهدف إلى تعزيز مكانته كرجل دولة يسعى لإعادة تشكيل النظام العالمي.

خلال ولايته الأولى، ركز ترمب على دبلوماسية الصفقات، حيث أسهم في رعاية اتفاقيات أبراهام التي جمعت إسرائيل بدول عربية مثل الإمارات والبحرين.

هذه الاتفاقيات، التي وُصفت بأنها خطوة تاريخية نحو التطبيع في الشرق الأوسط، أُبرزت كدليل على قدرته على تحقيق السلام. ومع عودته إلى البيت الأبيض في 2025، يبدو أن ترمب يضع نصب عينيه توسيع هذه الاتفاقيات لتشمل دولًا أخرى، وربما تكون سوريا إحدى المحطات الرئيسية في هذا المسار.

في الآونة الأخيرة، أثارت تصريحات وتحركات ترمب حول سوريا تساؤلات حول دورها المحتمل في مساعيه لتحقيق السلام، خاصة وأن سوريا، التي عانت من حرب مدمرة لأكثر من عقد، تمثل تحديًا معقدًا لأي مبادرة دبلوماسية، ومع ذلك، يبدو أن ترمب يرى فيها فرصة لتحقيق إنجاز دبلوماسي كبير.

هناك تلميحات إلى إمكانية عقد اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، أو ربما دمج سوريا في إطار اتفاقيات أبراهام، كما أشار البعض إلى أن ترمب قد يسعى لتطوير معاهدة فك الاشتباك بين البلدين التي أُبرمت عام 1974 برعاية هنري كيسنجر.

إحدى الخطوات الملفتة التي اتخذها ترمب مؤخرًا هي رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وهو قرار أثار جدلًا واسعًا، فالبعض يرى أن هذا القرار لم يكن مجرد إجراء إنساني، بل جزءًا من صفقة مشروطة تهدف إلى دفع سوريا نحو التطبيع مع إسرائيل.

هذه الخطوة، إذا نجحت، قد تعزز صورة ترمب كصانع سلام، خاصة إذا أدت إلى استقرار المنطقة وتقليص التوترات الإقليمية.

ومع ذلك، فإن هذا المسار ليس خاليًا من العقبات، فالعلاقات بين سوريا وإسرائيل ظلت متوترة لعقود، مع قضايا شائكة مثل هضبة الجولان، التي تحتلها إسرائيل منذ 1967، وأي اتفاق سلام محتمل سيحتاج إلى معالجة هذه القضايا، إلى جانب ضمانات أمنية ودعم دولي، علاوة على ذلك، فإن الإدارة السورية، بقيادة أحمد الشرع، قد يواجه ضغوطًا داخلية وإقليمية تحول من دون قبوله باتفاقيات تُنظر إليها على أنها تنازل عن الحقوق الوطنية.

لنيل جائزة نوبل للسلام، يتطلب الأمر إنجازات ملموسة ومستدامة، وليس مجرد نوايا طيبة أو صفقات سياسية.

لجنة نوبل النرويجية معروفة بمعاييرها الصارمة، حيث تمنح الجائزة لمن يسهمون بشكل مباشر في “تعزيز السلام العالمي”، في حين أن ترمب، الذي يروّج لنفسه كرجل صفقات، يواجه تحديات جمة في إثبات أن جهوده تتجاوز المصالح السياسية أو الاقتصادية الضيقة.

على سبيل المثال، اتفاقيات أبراهام، رغم أهميتها، لم تحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وهو العقبة الأكبر أمام السلام الشامل في الشرق الأوسط، كما أن محاولاته لإنهاء الحرب في غزة أو التوترات بين إسرائيل وإيران لم تُكلل بالنجاح الكامل حتى الآن.

وفي سوريا، فإن أي اتفاق مع إسرائيل قد يُنظر إليه على أنه انتصار دبلوماسي لترامب، لكنه قد يثير انتقادات حادة إذا اعتُبر تنازلًا عن مصالح الشعب السوري.

من ناحية أخرى، يتمتع ترمب بدعم قوي من أوساط معينة، خاصة في الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث يُنظر إليه كقائد غير تقليدي قادر على اتخاذ قرارات جريئة.

تصريحات مستشاريه ومقربيه تشير إلى أنه يضع نصب عينيه إنهاء الصراعات الكبرى، سواء في أوكرانيا أو الشرق الأوسط، كوسيلة لتعزيز فرصه في نيل الجائزة، لكن هناك أصوات تشكك في نواياه، معتبرة أن سعيه لنوبل قد يكون مدفوعًا برغبة شخصية أكثر من كونه التزامًا حقيقيًا بالسلام.

إذا أراد ترمب تحقيق هذا الحلم، فعليه مواجهة عدة تحديات:

أولًا، يجب أن تكون أي اتفاقية سلام مستدامة وشاملة، تشمل أطرافًا رئيسية مثل الفلسطينيين، الذين ظلوا خارج إطار اتفاقيات أبراهام.

ثانيًا، يحتاج إلى كسب تأييد المجتمع الدولي، بما في ذلك دول أوروبا والصين، التي قد تنظر بحذر إلى تحركاته الدبلوماسية. ثالثًا، يجب أن يتعامل بحذر مع التوازنات الإقليمية، خاصة مع إيران، التي تمثل لاعبًا رئيسيًا في سوريا والمنطقة.

في المقابل، فإن الفرص متاحة أمام ترمب، إذ إن سوريا، بظروفها الحالية، قد تكون أرضية خصبة لتحقيق اختراق دبلوماسي، خاصة إذا تمكن من إقناع الإدارة السورية بالانضمام إلى اتفاقيات أبراهام أو تطوير معاهدة سلام جديدة، ونجاحه في هذا المجال قد يعزز صورته كرجل سلام، لكنه يتطلب مهارة دبلوماسية استثنائية وتنازلات من جميع الأطراف.

سوريا ليست مجرد ساحة نزاع، بل قد تكون العامل الحاسم في طموح ترامب لنيل جائزة نوبل، فقراراته الأخيرة، مثل رفع العقوبات، تشير إلى أنه يراهن على دمشق كمحور لتحقيق اختراق دبلوماسي غير مسبوق.

لكن ما الذي يجعل سوريا مفتاحاً محتملاً وطريقاً بوصول ترمب إلى جائزة نوبل؟

أولاً، استقرار سوريا قد يغير ديناميكيات الشرق الأوسط، خاصة مع تراجع النفوذ الإيراني بعد ضربات إسرائيلية استهدفت قواعد عسكرية في سوريا.

ثانيًا، إشراك سوريا في اتفاقيات أبراهام قد يفتح الباب أمام دول أخرى مترددة، مثل لبنان أو العراق، للانضمام إلى مسار التطبيع.

ثالثًا، نجاح ترمب في إقناع سوريا بتسوية مع إسرائيل، خاصة بشأن الجولان، قد يُنظر إليه كإنجاز تاريخي يتجاوز ما حققه أي رئيس أميركي سابق، لكن هذا المسار يتطلب تنازلات كبيرة، سواء من سوريا التي قد تخشى ردود فعل شعبية، أو من إسرائيل التي قد ترفض التفاوض حول الجولان.

وإذا نجح ترمب في تجاوز هذه العقبات، فقد يصبح اسمه مرادفًا للسلام في المنطقة، لكن الفشل قد يعزز الانتقادات التي تصفه بالانتهازية.

في النهاية، يبقى السؤال: هل سيحصل ترمب على جائزة نوبل للسلام؟ الإجابة تعتمد على قدرته على تحقيق إنجازات ملموسة ومستدامة، وليس فقط على طموحه الشخصي.

سوريا قد تكون مفتاحًا لهذا الهدف، لكن التحديات السياسية والإقليمية تجعل هذا المسار محفوفًا بالمخاطر.

وإذا نجح ترمب في تحقيق سلام حقيقي يشمل سوريا وإسرائيل، فقد يقترب خطوة كبيرة نحو تحقيق حلمه، لكن، كما يعلم الجميع، فإن طريق السلام ليس مفروشًا بالورود، وجائزة نوبل تتطلب أكثر من مجرد نوايا طيبة أو صفقات سياسية.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى