انقسام الرأي والموقف في تقييم الحكم السوري الجديد

محمد علي صايغ

واضح أن الشعب السوري بات منقسماً تجاه الحكم الجديد في سورية ..

هناك كما هو واضح جزء يؤيد الحكم الجديد مهما عمل وفعل ومهما كانت إجراءاته وخطواته .. عندهم يكفي انهاء حكم ٱل الأسد وبعد ذلك لا يهم مهما كان النظام الجديد .. ويستخدمون من أجل تثبيت وجهة نظرهم شتى أنواع وأشكال التبريرات ، ويناكفون كل من يتناول العهد الجديد بأي نقد ..

ومقابل هذا الجزء من الشعب هناك من يقف ضد الحكم الجديد على طول الخط ولا يرى فيه بارقة أمل مستندين في معارضتهم إلى أن طبيعة بنية وتركيبة الذين يتولون الحكم لا يمكن أن يؤسسوا دولة مدنية ديمقراطية ، كما لا يمكن أن يتقدموا تجاه تحقيق المواطنة المتساوية ، وهم ببنيتهم نابذين للٱخر بإصرار ، بل ولا يمكن أن يحكموا إلا بإطار اللون الواحد ، والمعتقد الواحد ، كما لا يمكن نزع توجههم المتطرف في قيادة البلد ..

الجزء الثالث من الناس وهم يتخذون من الموقف الوسط أو الوسطي من النظام الجديد .. فهم يرون أن بنية النظام وقياداته المنغلقة ستصطدم بالواقع السوري الداخلي المتعدد الأطياف والمعتقدات ، كما أن الخارج  لا يمكن أن يتعامل مع هذه البنية المنغلقة ، وأن النظام الجديد سيضطر إلى اتخاذ اتجاه توفيقي بين طبيعة بنيته وطبيعة البنى الداخلية في سورية والعمل على الاتجاه بما تتطلبه المطالب الخارجية  من أجل غض النظر عن ملاحقة رموز النظام بوصمة بالإرهاب ، ورفع العقوبات الدولية عن الدولة السورية

ومن هنا يتزايد الانقسام بين الشعب السوري على هذه المستويات الثلاث .. وكل منهما يكيل للطرف الٱخر شتى الاتهامات ، مع تصاعد النعت لمن يخالف الموقف لأي منهم إما بالفلول ( والفلول تعبير أصبح دارجاً ) أو الاتهام بالتكويع والتطبيل والتزمير .. وما بينهما من يقول بعدم الاستعجال وإعطاء الفرص تلو الفرص للعهد الجديد قبل إطلاق الأحكام القطعية ..

لا شك بأن الناس ليس كل واحد منهم ” فوتوكوبي ” عن الٱخر ، كما أن الاختلاف في الرأي والموقف طبيعي وفيه غناء للفكر وفتح ٱفاق إبداع الرؤى والتصورات ..

أعتقد بأننا جميعاً معنيون بما يحصل ببلدنا ، ومعنيون أولاً ببناء الدولة المدنية الديمقراطية التي ترسخ الحرية والكرامة ودولة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات ، وبأن تكون مواقفنا عابرة للأقليات وتجاوز التحجر في المعتقدات ..

بناء وطننا بناءً حديثاً ومعاصراً هو مطلبنا جميعاً ، وعلينا – كما أرى – أن لا نتخذ المواقف على أساس المواقف المسبقة المصممة سلفاً أو على اساس دواخل كل منا أو ما يعتمل في عقول قيادة الإدارة الجديدة ودواخلها .. فالدواخل لا يمكن أن يحددها أو يعرفها أحد سوى صاحبها ، ومن هنا التقييم يتحدد ليس بمدى الأقوال بل الحكم على الأفعال والخطوات التي تؤدي إلى التماسك المجتمعي وتؤدي إلى وحدة السوريين وإشراكهم في بناء الوطن .. ذلك لأن بناء الوطن فوق كل المواقف والانحيازات .. الانحياز للوطن هو المقياس أولاً وٱخراً ..

ومن هذا المنطلق على كافة القوى والتجمعات والمنتديات القفز فوق الخلافات والمواقف .. والبحث عن التقاطعات والتوافقات .. فسواء من يؤيد أو يعارض ما يجري اليوم ، فالأغلبية ترغب وتريد بأن ينتقل الوطن السوري إلى الضفة التي تجمع كل السوريين ، وتستقطب كل الكفاءات من أجل خدمته ، وعودة المهجرين إلى موطنهم ، ومن أجل الوصول إلى وطن يليق بأبناءه بعد عقود طويلة جداً من الاستبداد والقمع الممنهج ، الذي حول الناس إلى مجرد قطيع يتحركون وفق أوامر السلطات الحاكمة ومصالحها الضيقة  .. ولذلك فإن تسليط الضوء على الانتهاكات والتجاوزات من أي جهة كانت وانتقادها والوقوف عندها وما يمكن أن تحدثه من ٱثار ونتائج قد تكون كارثية غايته تصحيح المسار وفق أهداف الثورة التي دفع شعبنا من أجلها ثمناً باهظاً من أجل حريته وكرامته ..

اليوم هناك فرصة للانعتاق من الاستبداد والقهر ، فإما أن نستثمر الفرصة واللحظة المواتية لتشكيل قوة حقيقية وفعلاً وثقلاً عبر تجميع القوى الوطنية والقوى الحية من منظمات المجتمع المدني في تجمعات وتحالفات وتنسيقيات على طريق الانتقال الى التغيير الوطني الديمقراطي ، وإما أن نعيد الاستبداد من جديد بطرق وأشكال جديدة .. وهنا فإن وعي الناس وقواهم الوطنية المقياس في رفضهم العودة إلى بيت الطاعة أو الانتقال الى وطن يتشارك كل السوريين في تشكيل نظامهم السياسي الجديد .. ذلك هو الفيصل والحكم ، وعلى نوعية الاختيار يتحدد مصير مستقبل بلدنا في إنجاز النهوض والتقدم ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى