في مئوية احتلال الأحواز العربية إيران الخطر المحدق

أحمد مظهر سعدو

لقدعانت فلسطين ومازالت تعاني من الاحتلال الإسرائيلي  وقضم الأراضي، وتهجير السكان، وبناء المستوطنات، واستمرار سياسات القتل والاعتقال التعسفي. لكن هناك أيضًا أرضًا عربية أخرى، وإقليم عربي على الضفة الأخرى،  تعادل مساحته  375 ألف كم مربع، وسكان فاق عديدهم ١٢ مليون نسمة، مازالوا يعانون الاحتلال الإيراني، حيث أتمت سنوات الاحتلال المئة عام في ٢٠ نيسان/ إبريل المنصرم .

الأحواز العربية التي تعيش فيها القبائل العربية منذ آلاف السنين، دخلها الفرس محتلين في العشرين من نيسان / إبريل ١٩٢٥، على يد الشاه (رضا خان)، وتم اعتقال أميرها الشيخ (خزعل بن جابر بن مردوا الكعبي) وهو آخر الأمير العربي على إقليم الأحواز العربي، وشرد المحتلون أهلها ووزعوهم على كثير من الأقاليم الإيرانية الأخرى، التي تحكمها السلطات الإيرانية/ الفارسية، وهيمنوا على خيراتها جميعها، وهي كثيرة مثل نفطها ومائها ومواردها الزراعية الكثيرة، وألحقوها بدولة أخرى هي إيران الفارسية، حتى بات أهل الأحواز شعبًا من الشعوب التي ترزح تحت نير الاحتلال الفارسي الشاهنشاهي، وبتواطيء بريطاني ودولي أيضًا، لتنشأ بعد ذلك، وإبان احتلال الأحواز، الإقليم الذي يحيط بالخليج العربي من الشمال والغرب، مقاومة أحوازية عربية، تحاكي حالات المقاومة المشروعة دوليًا لدى كل الدول المحتلة أرضها، ولتكون قد صنفت ضمن أروقة عصبة الأمم ، وكذلك في هيئة الأمم المتحدة، ضمن حالات تصفية الاستعمار أمميًا .

لم يكن الأحوازيون ينتظرون مساعدة الخارج العربي، أو الإقليمي، ليعيدوا بناء وطنيتهم وكفاحهم من أجل وطن أحوازي عربي مستقل وحر، له الحق في حكم نفسه بنفسه، وإنتاج الأداة السياسية الوطنية، التي يبتغونها، بل عملوا وقبل وصول  أية معونة من الخارج  عبر العراق أو سورية أو مصر، أو بعض دول الخليج العربي، على لملمة الصفوف وتكوين جبهات مختلفة ومتنوعة من المقاومة والقوى السياسية والأحزاب السياسية، التي تريد استمرار النضال الوطني، وصولًا إلى بناء الدولة الأحوازية المستقلة، المنعتقة من ربقة الاحتلال الإيراني وهيمنته، ورفضًا لسياساته الاستيطانية، التي تتكيء على سياسات التفريس  وامتصاص خيرات الوطن الأحوازي . لقد عملت جميع القوى الوطنية الأحوازية، طيلة مئة عام سبقت من الاحتلال، على بناء نفسها في الداخل والخارج، كما وثقت صلاتها بمعظم قوى الحرية والتحرر في الوطن العربي، وكذلك في العالم شرقًا وغربًا،  من أجل إعادة بناء الذات أولًا، وإنتاج أوضاع وطنية أحوازية جديدة، متوافقة ومتحالفة فيما بينها، وتعمل من أجل وحدة الأرض الأحوازية، وعودة المهجرين الأحوازيين قسرًا، من الداخل الإيراني أو من كل بقاع الدنيا الأربع، المهجرين إليها هربًا من ظلم الاحتلال الإيراني وعسفه وقهره،   ليساهم الجميع دون استثناء في عملية البناء الوطني الديمقراطي للشعب الأحوازي.

لقد كان الأحوازيون وعلى طول المدى متمسكون بعروبتهم، منتمون للعرب، ومحيطهم العربي، مقتنعين أنه لابد للاستعمار والاحتلال من الزوال، مهما طال الزمن،  وقد وجدوا في جميع الساحات التي ناهضت الهيمنة الإيرانية في المنطقة العربية، بابًا مفتوحًا وأملًا لا ينقطع على طريق استقلال الأحواز، ووحدة أراضيها، حيث شعروا به حقًا وفعلًا مع انتصار ثورة الشعب السوري، ثورة الحرية والكرامة، ووصول السوريين إلى حالة كنس كل الوجود الإيراني، من كامل الجغرافيا السورية، حيث وجد الأحوازيون في خروج إيران من سورية، وقطع مسار ومسيرة المشروع الإيراني في المنطقة، عبر انقطاعه في الجغرافيا السورية، بارقة أمل لهم، من أجل امكانية فعلية وواقعية لإنهاء احتلال إيران لأراضيهم، وعرفوا بالملموس أن  من يعمل ويمتلك أدواته، لا بد من أن ينتصر حتى لو طال أمد الاحتلال، وهم يشعرون اليوم كقوى سياسية، أو كشعب أحوازي عربي يقع تحت الهيمنة الإيرانية، أن باب الاستقلال قد أضحى مفتوحًا على مصراعيه، نحو إنجاز وتحقيق الحلم الأحوازي، في عودة سيطرة شعب الأحواز على كامل الوطن، بدون احتلال أو هيمنة أو احتلال من إيران او سواها.

وهم اليوم وبينما يعيشون الذكرى المئوية لاحتلال الأحواز، فإنهم في ذلك يحاولون وعبر توافقات وتفاهمات وطنية أحوازية بينية أن يلموا الصفوف ويعيدوا إنتاج الواقع الوطني الأحوازي على أسس متغيرة وجديدة، عبر تثمير جل العمل الوطني الأحوازي، ووحدة جميع القوى الوطنية في إقليم الأحواز العربي، والتواصل مع القوى المعارضة في إيران، من  الشعوب الأخرى من كورد وبلوش وأذريين، على طريق النضال الوطني الجدي ليفعل واقعيًا ويبني وطنيًا على أمل إعادة إنتاج الواقع الأحوازي الجديد، الآني والمستقبلي، في مجمل جغرافية الأحواز العربية.

إن الوقوف اليوم في ذكرى مرور مئة عام على احتلال الأحواز، لابد له من امتلاك الوعي المطابق لمتغيرات الواقع المحيط، واستثمار هذه المتغيرات الكبرى الحاصلة في المنطقة، وأيضًا في العالم لتكون قضية الأحواز، واحتلال الأحواز،  قضية عربية بامتياز، وعتبة مهمة لابد من تخطيها نحو عودة عقلانية حقيقية إلى الساحة العربية، مهما كان هناك من معوقات، ومهما اعترى طريق ذلك من مطبات ، لأن إمكانية العمل الوطني الأحوازي مازال ممكنًا وواقعيًا، ضمن حراك وطني أحوازي وعربي منجدل فيما بينه، يعي ماله وماعليه، ويعيد بناء النفس، وفق عقلنة في السياسة، وإدراك منفتح على طبيعة المرحلة المتحركة، وتوجه وطني أحوازي جامع وشامل، يستوعب كل هذه المتغيرات وحيثياتها الممكنة والمتغيرة.

ولعل انفتاح الأحوازيين اليوم، كقوى سياسية وجبهات كفاحية، على المحيط العربي برمته، وكذلك على العالم بمجمله، سيفتح الباب واقعيًا وعمليًا، من أجل الخروج حقًا وفعلًا من عنق الزجاجة، ومن ثم يضع الشعب الأحوازي المكافح  وكل نضالاته السابقة، وتراكماتها على طريق جديد وواعي ،خالي من كل حالات التشظي والتذرر التي سبق وعوقت في الماضي الكثير من مسارات النضال الوطني الأحوازي، عبر التاريخ الحديث للشعب العربي الأحوازي.

المصدر: مجلة الوعي السوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى