العدالة الانتقالية في سورية من بوابة السويداء

أحمد مظهر سعدو

                                                                                            

لعل عقدة السويداء (في جنوب سورية) التي لم تحل بعد، ولا يبدو أنها تمتلك (في المنظور القريب) بوادر جدّية عملانية لحلها، حيث ما زالت المسائل تتعقّد قضية إثر قضية، وتتلاطم الأمواج وتتوسّع، كما تتّسع الشقوق بشكل كبير، التي اقتربت (حسب بعض المتابعين) من أن تكون شاقولية، وصعبة الحل أو المراس أو البلسمة على الأقل بوجود جراح مفتوحة وغير مندملة.

ولكن أيضاً لا بد من السؤال: هل يمكن لمسار العدالة الانتقالية في سورية أن يتحرّك ويمضي بشكل حقيقي وجدّي، ضمن أنساقه المطلوبة من دون المرور والتوقف طويلا مع مشكلات السويداء التي باتت مستعصية، والتي تتصاعد يوميّاً من دون هوادة، وتتعقد أكثر وأكثر، ثم تلعب بها قوى خارجية، ليس آخرها إسرائيل، التي لا تريد بالضرورة لسورية إلا أن تكون دولة ضعيفة مهلهلة مفتّتة، قابلة للانقسام والتشظي، إنفاذًا للرؤيا الإسرائيلية التي تقول: لا يمكن لإسرائيل أن تستمر بالوجود والعيش إلا بالتساوق مع وجود محيط إقليمي عربي ضعيف قابل في كل لحظة للتشظي والانشقاق.

ما زال مسار العدالة الانتقالية الذي بدأ في سورية أخيراً على استحياء يعثر في الأكم وفي الوهد محتملاً المزيد من الأعباء والأثقال، التي تساهم في إعاقة تقدّمه أو مضيه في مساراته التي أضحت ضرورية جدّاً لإنجاز وحدة السوريين، ومحاسبة الجاني، وجبر الضرر الكبير جدّاً، الذي وقع فوق رؤوس البلاد والعباد في سورية منعاً لأية احتمالات جديدة للاحتراب البيني، وهي التي قد لا تغلق فيما لو فُتحت لا قدّر الله.

أما عن السويداء التي لم تعد مستريحة البال، كما كان سابقاً، على سفح جبل العرب الذي يحضنها بعطفٍ وحنان، فهي ما زالت محتاجة إلى الكثير جدّاً، وكذلك للاشتغال حثيثاً على مسألة إنفاذ كل مسارات العدالة الانتقالية، لأنها كانت وما زالت ولا يمكن إلا أن تكون المدخل الأكيد الضروري واللازم، للسلم الأهلي في سورية والمنشود من الجميع، عدا التدخّلات الإسرائيلية العدوانية، التي لا تريد لسورية استقراراً ولا خيراً بكل تأكيد.

محاسبة الجناة وجبر الضرر باتا ضرورتيْن ملحّتين كل الإلحاح، ولا خروج من ماهية الانقسام الذي حصل، من دون العودة ومن ثم الدخول في أتون عمل يومي حقيقي وقانوني وعادل

لا يمكن أن يُنجز السلم الأهلي في السويداء وجبل العرب بدون عملية البدء في سياقات جدّية لانبثاقات الاشتغال في أتون مسألة العدالة الانتقالية في سورية، التي هي وحدها ومع وجود مساراتٍ حقيقيةٍ لحوار جدّي يوازيها ويتساوق معها، يمكنها بذلك أن تعبر بسلاسة وهدوء عنق الزجاجة، خروجاً نحو فضاءات أرحب لإنجاز مهام الدولة الوطنية السورية المبتغاة، وتعيد بالضرورة إنتاج الوطن السوري الواحد الموحّد، عالي الأسوار، توطئةً لصياغة الدستور الوطني الدائم للبلاد، وكذلك العقد الاجتماعي السوري، الذي يجمع ولا يفرّق ولا يستثني أحداً على المستوى الإثني أو الطائفي أو الأيديولوجي… ثم إقامة دولة المواطنة التي يحلم بها كل السوريين، بعد أن حرموا منها 54 عاماً خلت من حكم حافظ الأسد وابنه الوريث غير الشرعي بشّار الأسد، قبل أن يفرّ إلى موسكو.

ارتكاباتٌ كثيرة تتكشف وتتمظهر إلى السطح، قضية إثر أخرى في السويداء، وهذه القضايا كانت وما زالت ويجب أن تكون في صلب اشتغال هيئة العدالة الانتقالية، وضمن مهامّها، ولعل العمل عليها سريعاً في جبل العرب والسويداء، بات أكثر ضرورة وحاجة، حيث ستساعد العدالة الانتقالية والبدء في مساراتها كذلك، على رأب الصدع وعودة السويداء إلى أهلها السوريين، فمحاسبة الجناة وجبر الضرر باتا ضرورتيْن ملحّتين كل الإلحاح، ولا خروج من ماهية الانقسام الذي حصل، من دون العودة ومن ثم الدخول في أتون عمل يومي حقيقي وقانوني وعادل، يبلسم الجراح، ويحاسب كل المرتكبين، من كل الأطراف، بلا مهادنة، ولا تسويفات، إذ لا بدّ من أن يُعاقَب كل من ارتكب فعلاً يُحاسِب عليه القانون، لابد من أن يعاقب قانونيّاً من دون رحمة وضمن سياقات القانون السوري الوضعي.

تحتاج السويداء جميع السوريين لمنع كل التحرّكات والأدوات التي تفعل لجرّها إلى مآلاتٍ لا يريدونها

تحتاج السويداء الآن جميع السوريين من كل ألوان الطيف السياسي، والأيديولوجي، لمنع كل التحرّكات والأدوات التي تفعل يوميّاً وبشكل دؤوب لجرّها إلى مآلاتٍ لا يريدونها، وارتماءات في أحضان إسرائيل، العدو الرئيسي للأمة وللوطن، كما لا يريدها أهل السويداء الوطنيون العروبيون، وهم أغلبية مطلقة في جبل العرب، حيث لا يشكّل هؤلاء الذين يستقوون بالإسرائيلي إلا قلة قليلة لا تعبّر، ويجب ألا تعبّر، عن جموع السوريين في السويداء وخارجها.

نعود إلى القول إن الدفع الجدي بمسار العدالة الانتقالية، ومن ثم المضي به مباشرة في السويداء خاصة، وبعدها في كل أصقاع الجغرافيا السورية، بات ضرورة ملحّة ومهمّة أيما إلحاح، ولوجاً بمسألة السلم الأهلي المبتغى. وبغير ذلك، حسب رؤية الكاتب، قد يكون الاستقرار السوري برمته، ليس فقط في السويداء، صعباً وخطراً، لأن من السهل العمل عليها خارجيّاً من إسرائيل وسواها، إن لم يسارع السوريون إلى كبح جماحها وعرقلتها كليّاً عبر الإصرار المباشر على المضي في مسار العدالة الانتقالية في السويداء وخارجها. وهذا عمل سياسي وطني مطلوب من الحكومة السورية الحالية التي عليها حقّاً الاشتغال عليه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. وبشكل سريع، قبل أن تكون هناك انزياحات كبرى قد تؤدّي إلى تفتّت الوضع السوري وتشظّيه. فهل من مستمع لذلك ضمن الفاعلين الأساسيين من أهل الحكم في دمشق؟ كما أن الأمل ما زال قائماً والتعويل عليه ممكناً، في مقبل الأيام، من أجل سورية ديمقراطية تعدّدية، تعمل على إقامة دولة المواطنة المطلوبة شعبيًاً.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى