من سيردع إسرائيل في سوريا؟

سمير صالحة

إلى متى ستستمر إسرائيل في توجيه “الضربات التحذيرية” عبر مقاتلاتها ومسيراتها باتجاه الداخل السوري، في محاولة لإيصال رسائل سياسية وأمنية تخدم مصالحها، وخاصة تجاه اللاعبين المحليين والإقليميين وعلى رأسهم تركيا؟

تركت تل أبيب كلا الطرفين التركي والسوري أمام تحديات صعبة وخيارات أصعب. فكيف سيأتي الرد وهل ستواصل تركيا مثلا انتظار رد ترامب؟ أم هي ستعيد رسم سياستها في المعادلة السورية نتيجة التصعيد والاستفزاز الإسرائيلي العلني؟

ساعدنا مؤخرا وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في الإجابة عن هذا السؤال عندما وضع سوريا ضمن الأهداف الإقليمية الجديدة لإسرائيل: قائلاً: “إسرائيل لن توقف الحرب إلا بعد تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من قطاع غزة، وتقسيم سوريا، وتجريد إيران من سلاحها النووي”.

من جانبه، قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، إن إسرائيل قلقة من “الدور السلبي” الذي تلعبه تركيا في سوريا ولبنان ومناطق أخرى. “يبذلون قصارى جهدهم لجعل سوريا محمية تركية” . كلام يتناقض تماما مع ما يردده سموتريتش.

تعلن أنقرة ودمشق أنه لا نية لهما بالدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل فيرد نتنياهو عبر تحريك المسيرات فوق شرق دمشق وجنوبها دفاعًا عن دروز تلك الأحياء.

نحن نتحدث عن وضع معقد كان من المفترض أن يتبدل مع سقوط نظام الأسد، لكن دخول اللاعب الإسرائيلي على الخط حوّل المسألة إلى مأزق إقليمي تتشابك فيه الأبعاد السياسية والأمنية والعسكرية.

لن تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا في المدى المنظور. هذه الضربات ليست مجرد عمليات عسكرية، بل تحمل رسائل موجهة لعدة أطراف تحت ذريعة الحؤول دون رسم سياسات جديدة تتعارض مع حسابات ومصالح تل أبيب هناك، وهي أبعد من قطع الطريق على عودة إيران وحزب الله إلى سوريا.

وبينها:

إبلاغ دمشق أن ما تتطلع إليه في سوريا أبعد من معاهدة سلام تطمئن تل أبيب.

وتذكير أنقرة بأن أمن حدود إسرائيل ومصالحها في سوريا لا يمكن تجاهلها أو الالتفاف عليها عبر تصريحات سياسية أعلنها ترامب بحضور نتنياهو في البيت الأبيض حول العقلانية الواجب اعتمادها.

وإعلام روسيا بأن إسرائيل قادرة على فرض خطوطها الحمراء رغم التنسيق الأمني مع موسكو.

تقليص المخاطر وتحقيق الأهداف دون الانجرار إلى حرب شاملة لا تريدها واشنطن في المنطقة وهو ما تفضّله إسرائيل أيضًا حتى الآن.

تعلن أنقرة ودمشق أنه لا نية لهما بالدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل فيرد نتنياهو عبر تحريك المسيرات فوق شرق دمشق وجنوبها دفاعًا عن دروز تلك الأحياء. القيادة السورية الجديدة هي المعني الأول والأخير في تحديد خيارات وخطط مواجهة المخطط الإسرائيلي وما تعد له تل أبيب وتريده في سوريا.

الدعم الإقليمي والدولي أساسي حتمًا، والتنسيق مع تركيا والدول العربية الفاعلة والمؤثرة محوري أيضًا. كما أن كسب العواصم الغربية وروسيا في خطط إعادة بناء سوريا الجديدة ضروري كذلك. لكنّ القرار سيكون سوريًا في النهاية، ودمشق هي التي ستتحمل ارتداداته ونتائجه، على مستوى الداخل والخارج.

تردد أنقرة من ناحيتها أن الكرة هي في الملعب الأميركي لأن ترامب هو القادر على التأثير في سلوك نتنياهو وتصرفاته الإقليمية، وطالما أنه هو الذي يوفر لإسرائيل الغطاء العسكري والسياسي والمادي. لكن تركيا عليها أن تبحث عن بدائل أخرى وعدم المراهنة كثيرًا على مواقف ودعوات الرئيس الأميركي لتل أبيب أن تكون واقعية وعملية ومرنة في سوريا.

على أنقرة أن تستعد في سوريا لما هو أبعد من لعب الورقة الدرزية من قبل إسرائيل. الورقة الكردية على حدودها الجنوبية لا تقل أهمية. ما الذي ستقوله وتفعله تركيا عندما تقرر إسرائيل توجيه مسيراتها لمهاجمة الجيش السوري أو التركي إذا ما حدثت مواجهات عسكرية في شمال شرقي سوريا عند فشل الحوار بين دمشق و”قسد”، وإذا قررت الأخيرة طلب الحماية الإسرائيلية، على غرار بعض القيادات الدرزية التي تطالب بالتدويل بعد ما جرى في “أشرفية صحنايا”؟ فهل سنشهد تكرار المشهد في “أشرفية حلب” تحت ذريعة الدفاع عن مشاريع انفصالية؟

إسرائيل مع الفوضى الإقليمية في سوريا، وهي لذلك توسع يومًا بعد يوم من رقعة أهدافها هناك كخيار أفضل لإبقاء البلاد فوق صفيح ساخن. من سيردع نتنياهو قد لا يكون بالضرورة إدارة ترامب، بل المفاجآت والمواقف السياسية والميدانية التي ستتخذها القيادة السورية الجديدة، للدفاع عن وحدة البلاد وتماسكها في مواجهة مشروع انزلاقها نحو الحرب الأهلية التي يعد لها البعض على نار هادئة.

الرد المناسب قادم حتمًا وبمن حضر أمام الطاولة التي يجري الإعداد لها وسيعلن عنها ويتم توجيه الدعوات على أساسها قريبًا.

تجد تركيا نفسها اليوم أمام مفترق طرق صعب يهدد سياستها السورية. عليها أن ترد على إسرائيل عبر ترامب ربما، لكن المشكلة أن يكون هو من يحرض ويخطط نيابة عن إسرائيل في سوريا. الاستفزازات الإسرائيلية مستمرة، سواء من خلال الاعتداءات الجوية أو التحركات العسكرية المباشرة، أو التلويح بمطالب سياسية معقدة. هي محاولات مستمرة لفرض واقع جديد في سوريا، هدفه تقليص دور تركيا بشكل كبير في منطقة تعتبرها حيوية بالنسبة لاستراتيجيتها الأمنية والإقليمية. إما أن تواصل سياسة “الصبر الاستراتيجي” والتريث، وحيث قد تجد نفسها أمام معضلة تراجع نفوذها في سوريا، أو أنها قد تختار الرد بحسم، وإظهار قوتها على الأرض وفي الساحة الدبلوماسية، لحماية مصالحها وأمنها القومي في المنطقة. الخيارات أمام تركيا تتقلص يومًا بعد يوم بسبب التحدي والتعنت الإسرائيلي، والقرار الذي ستتخذه قد يكون مصيريًا بالنسبة لمستقبل نفوذها في سوريا والمنطقة ككل.

رفض تل أبيب لكل الرسائل الانفتاحية الموجهة نحوها من قبل أنقرة ودمشق لم يترك أمامهما الكثير من الوقت والفرص. بعض الأطراف تراهن على مواجهة تركية إسرائيلية في سوريا على طريقة المواجهة الإيرانية الإسرائيلية ليس بقليل. ما الذي سيجنيه هو من تحويل سوريا إلى ساحة حرب إقليمية؟

أحلام الراعي تكسر جرة العسل، ونظرات الفتى الحالم تسقط جرة الماء من يد الشابة في الطريق إلى النبع. الراعي فقد ماله الوحيد جرة العسل، وأعين الشاب العاشق كلفت الفتاة جرتها. والنتيجة واحدة: انكسار لا يداويه ندم.

الرد المناسب قادم حتمًا وبمن حضر أمام الطاولة التي يجري الإعداد لها وسيعلن عنها ويتم توجيه الدعوات على أساسها قريبًا.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى