وسط محاولات لاحتواء الأزمة.. عودة الهدوء الحذر إلى جرمانا بعد ليلة دامية

عاد الهدوء الحذر إلى مدينة جرمانا بريف دمشق، بعد ليلة دامية من الاشتباكات المسلحة التي أسفرت عن مقتل 13 شخصاً، بينهم عنصران من الأمن العام، وسط تضارب في الروايات حول هوية المسلحين وأسباب اندلاع القتال.

وذكرت وكالة “رويترز”، نقلاً عن عمال إنقاذ، أن الاشتباكات استُخدمت فيها أسلحة خفيفة ومتوسطة، واندلعت في أعقاب انتشار تسجيل صوتي نُسب لشخص درزي، تضمّن إساءة للنبي محمد، ما فجّر موجة احتجاجات وتحركات مسلحة.

وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية، مصطفى العبدو، إن مجموعات من المدنيين الغاضبين خرجوا في احتجاج تطوّر إلى اشتباك مع مسلحين من سكان جرمانا، نافياً حصول هجوم من خارج البلدة.

في المقابل، أفاد شهود عيان ومصادر محلية لتلفزيون سوريا بأن المواجهات اندلعت بعد وصول مسلحين من المليحة وبيت سحم إلى أطراف المدينة، حيث بدأت عند حاجز في حي النسيم، بعد جدال مع راكب دراجة نارية، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة أربعة من عناصر الحاجز.

وأكد مصدر أمني مقتل عنصرين من الأمن العام خلال الاشتباكات، موضحاً أنهما ينتميان إلى فصيل “رجال الكرامة”، وقد تم استقطابهما مؤخراً إلى الجهاز الأمني. وأضاف أن قوى الأمن لم تكن طرفاً مباشراً في القتال، بل تدخلت لفض اشتباك بين مجموعات محلية مسلحة.

وبحسب روايات متقاطعة، تطورت الاشتباكات إلى تبادل قذائف هاون وأسلحة يُعتقد أنها من نوع “آر بي جي”، وسط حظر تجول غير معلن.

وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تُظهر جثث خمسة مسلحين، دون تأكيد رسمي لهويتهم أو الجهة التي يتبعون لها، وسط حالة من التوتر الشعبي والدعوات للتهدئة.

تعزيز أمني وتحذيرات قانونية من التحريض

نشرت وزارة الداخلية السورية صوراً لانتشار عناصر من إدارة الأمن العام على أطراف مدينة جرمانا، مشيرة إلى أن هذا الانتشار جاء “منعاً لأي تجاوز حاصل، وفي إطار الجهود الرامية لضبط الأمن وتعزيز الاستقرار في المنطقة”.

وصرّح المكتب الإعلامي في الوزارة بأن المنطقة شهدت، على خلفية انتشار مقطع صوتي يتضمن إساءة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، اشتباكات متقطعة بين مجموعات مسلحة من داخل المدينة وخارجها، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى، من بينهم عناصر أمنية.

وأضاف في بيان: “توجّهت وحدات من قوى الأمن العام، مدعومة بقوات من وزارة الدفاع، إلى المنطقة بهدف فض الاشتباك وتأمين المدنيين والحفاظ على السلم المجتمعي. كما فُرض طوق أمني لمنع تكرار الحوادث، ويتم حالياً ملاحقة المتورطين ومحاسبتهم وفق القانون، في حين تتواصل التحقيقات لتحديد هوية صاحب المقطع الصوتي المسيء”. وأكدت الوزارة أنها “لن تتساهل مع من ساهم في إثارة الفوضى وتقويض الاستقرار”.

وفي السياق ذاته، أصدرت وزارة العدل بياناً رسمياً أكدت فيه متابعتها الحثيثة للأحداث الأخيرة في جرمانا، وشددت على أهمية اللجوء إلى القضاء باعتباره السبيل المشروع لمحاسبة الجناة ومثيري الفتن.

وأكدت الوزارة أنها “لن تتهاون في ملاحقة أي اعتداء يمس الرموز الدينية، خاصةً تلك التي تطال مقام النبي محمد عليه الصلاة والسلام”، داعية المواطنين إلى الالتزام بالقانون وتجنّب خطاب الفتنة، مشددة على أن “هذه الأفعال تُعد جرائم يعاقب عليها القانون”.

وأضاف البيان أن الوزارة تنسق مع النيابة العامة ووزارة الداخلية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، داعية الجميع إلى التعاون مع الجهات المختصة لضمان تحقيق العدالة.

من جهتها، أكدت وزارة الأوقاف السورية، على لسان المتحدث باسمها أحمد الحلاق، أنها تتابع ما تم تداوله من إساءات تمس مقام النبي والمقدسات الدينية، مشددة على أن “حماية الرموز الدينية تمثل ركناً أساسياً من الهوية الدينية والوطنية”.

وأوضح الحلاق أن الوزارة، بالاستناد إلى المواد 462 وما بعدها، والمواد 568 وما بعدها من قانون العقوبات العام، وبدلالة المادة 208، إضافة إلى المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 2022، “بادرت إلى التواصل مع النيابة العامة لتحريك الدعوى العامة باسم الوزارة ضد من أساء إلى المقدسات عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.

وأكد الحلاق أن الوزارة “لن تتهاون مع أي اعتداء على الرموز الدينية”، مشدداً على أن “احترام الثوابت الدينية والأخلاقية يعد من ركائز الخطاب الوطني”، داعياً إلى التحلي بالمسؤولية في التعبير للحفاظ على السلم الأهلي ووحدة المجتمع.

مواقف متباينة داخل مشيخة العقل بشأن أحداث جرمانا

أصدرت مشيخة العقل لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، ممثَّلة بالشيخين يوسف جربوع وحمود الحناوي، بياناً دعت فيه إلى الاحتكام للعقل والإيمان، معتبرة أن سوريا تمر بـ”فتنة كبرى”.

وأكدت المشيخة أن موقفها الوطني والديني كان ولا يزال إلى جانب أبناء الوطن، تحت شعار “الدين لله والوطن للجميع”، معربة عن ثقتها بوحدة الشعب السوري وأراضيه في مواجهة المؤامرات.

ورأت المشيخة أن “الأصوات النشاز التي مست الرسول الأكرم” كانت “نفحات فتنة مأجورة من أعداء الوطن والدين”، تهدف إلى زرع الانقسام في النسيج السوري، داعية إلى التمسك بلغة العقل والإيمان، ومحذّرة من تداعيات الانقسام في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة.

في المقابل، أصدر الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، بياناً منفرداً بشأن أحداث جرمانا، اتهم فيه “عصابات إرهابية تكفيرية” بالوقوف خلف الاعتداءات، ووجّه انتقادات مباشرة للحكومة السورية.

وقال الهجري إن “أيادي الغدر، والعصابات الإرهابية التكفيرية، قتلت أبناء جرمانا”، معتبراً أن هذه الاعتداءات تهدف إلى “شق الصف، وبث الفتنة، ونشر العنف”. وأشار إلى أن “الكثير انشغلوا ببعضهم، وحرضوا على بعضهم بالتخوين والتكفير”، مشدداً على أن “من ينتقد يُجرَّم، ومن يطالب بحقه يتعرض للهجوم من جهات مرفوضة”.

وحذّر الهجري من مغبّة الإساءة إلى الأديان والمعتقدات، داعياً إلى تجنب الفتن التي “ستأكل الجميع”. كما هاجم الأداء السياسي للسلطات السورية، قائلاً إن الشعب لم يجنِ حتى الآن ثمار ما وصفه بـ”الانتصار”، بسبب غياب مؤتمر شعبي حر أو دستور جديد يعكس تطلعات السوريين.

وأضاف أن “مفاسد النظام المخلوع لا تزال حاضرة في الأداء الراهن”، متهماً السلطات باتباع سياسات طائفية ممنهجة، داعياً إلى بناء دولة المواطنة والقانون. وطالب بمنح الكفاءات الوطنية المؤهلة دورها في إعادة بناء الدولة، مشدداً على أن “العدالة الانتقالية لا تعني المحاسبة فقط، بل تتطلب توزيعاً عادلاً للمهام وضمان انتقال منصف بعيداً عن الانتقام وإثارة الفتن”.

من جانبها، أصدرت الهيئة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز في جرمانا بياناً ذكرت فيه أن “غالبية من أصيبوا أو استُشهدوا من أبناء المدينة هم من منتسبي جهاز الأمن العام، وكانوا في مواقع عملهم حينما فاجأتهم يد الغدر والعدوان”، وطالبت الأجهزة الأمنية بالتحرك، مستنكرة الإساءة للنبي.

ودعت الهيئة الروحية في جرمانا الجهات الرسمية إلى “الخروج للرأي العام وتوضيح ملابسات ما جرى وكشف الحقائق كاملةً، وإيقاف حملات التحريض والتخوين التي تزيد الأوضاع تأزماً”، كما حمّلت السلطات المسؤولية الكاملة عما حدث، وعن أي تطورات لاحقة أو تفاقمٍ للأزمة.

تسجيل صوتي مسيء يشعل فتيل التوتر

تأتي الاشتباكات التي اندلعت في مدينة جرمانا فجر الثلاثاء، في سياق توتر ديني ومجتمعي تصاعد مؤخراً بعد تداول مقطع صوتي مسيء للنبي الكريم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تسبب بردود فعل غاضبة واحتجاجات محلية في أكثر من منطقة، أبرزها جرمانا وحمص.

وأصدرت وزارة الداخلية السورية بياناً أكدت فيه أن التسجيل الصوتي “مفبرك”، ونفت صحة نسبه إلى الشخص المتهم مبدئياً، مشيرة إلى أن التحقيقات لا تزال جارية لكشف الفاعل الحقيقي. وأكدت الوزارة أنها ستتخذ الإجراءات القانونية بحق من يثبت تورطه، داعية المواطنين إلى الحفاظ على السلم الأهلي وعدم الانجرار وراء حملات التحريض.

وفي جرمانا، أصدرت الهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز بياناً حذّرت فيه من الفتنة، مستنكرة الإساءة للنبي، ومنددة بالهجوم الذي استهدف المدينة، والذي أدى إلى مقتل وجرح عدد من أبنائها، معظمهم من منتسبي قوى الأمن العام. ودعت الهيئة الدولة إلى تحمّل مسؤولياتها، ووقف ما وصفته بـ”حملات التخوين” و”زرع الفتنة”.

كما دان شيخا عقل الطائفة الدرزية، الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي، التسجيل المسيء، محذّرين من الانزلاق إلى فتنة تهدد وحدة المجتمع السوري، ومؤكدين أن من أساء لا يمثل الطائفة الدرزية ولا قيمها.

وأصدرت “مضافة رجال الكرامة” بياناً أكدت فيه أن هذه التصرفات “مدفوعة من جهات خارجية مشبوهة”، تهدف إلى زرع الفتنة بين السوريين، داعية إلى التعقل ورفض أي خطاب يحض على الكراهية والتفرقة.

لم يقتصر الحدث على جرمانا، إذ شهد السكن الجامعي في مدينة حمص مساء الأحد توتراً مشابهاً بعد انتشار التسجيل المسيء، ما أثار غضب عدد من الطلاب. وبحسب روايات طلاب وشبكات محلية، هاجم عدد من الشبان غرف طلاب من محافظة السويداء.

وتدخلت قوى الأمن العام لإيقاف التوتر، وأطلقت النار في الهواء لتفريق المتجمهرين، كما نفذت حملة اعتقالات في صفوف بعض المتورطين. وأفادت شبكة “السويداء 24” أن الحادثة أسفرت عن إصابة طالب تم نقله إلى المستشفى.

وأكد طلاب من السويداء أن المقطع الصوتي لا علاقة لهم به، وأنه صادر عن شخص معروف بسلوكياته المثيرة للجدل وتطاوله على الرموز الدينية، وليس كما روّج بأنه “قيادي درزي”.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى