نصر الله و”البديل الحقيقي”

حسن فحص

الكلام الذي قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه المؤرخ 14 آب اغسطس 2020 بذكرى انتهاء حرب تموز 2006 والذي تحدث فيه عن ان “المقاومة بالنسبة للبنان وشعب لبنان هي شرط وجود وليس شرط كمال، ليست صفات اضافية، ليست عناصر اضافية وليست خصوصيات اضافية يمكن الاستغناء عنها حتى اشعار اخر، طالما لم يقدم البديل الحقيقي”، هذا الكلام استوقفني، واعادني بالذاكرة الى شهر مايو/آيار من عام 2007 وما جرى في الاجتماع الدولي حول العراق الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية والذي شاركت فيه ايران ممثلة بوزير خارجيتها انذاك منوتشهر متكي جنبا الى جنب مع الولايات المتحدة الامريكية ممثلة بوزيرة خارجيتها كونداليسا رايس.

اجتماع شرم الشيخ سبقه موقف للمتحدث باسم الخارجية الامريكية شون مكورماك في 15 ابريل/ نيسان 2007 عن عدم استبعاد حصول لقاء بين الوزيرة رايس ونظيرها الايراني متكي على هامش المؤتمر المزمع عقده انطلاقا من انه “اذا رأت رايس ان هناك مسألة يجب التطرق اليها فسننتهز الفرصة للحديث عنها مع الوزير الايراني”.

وفي الوقائع، فقد حصل اللقاء بين رايس ومتكي الذي كان برفقة شخص واحد يعتبر من المعنيين في رسم المسارات الاستراتيجية لسياسات النظام الايراني ويعرفه الامريكيون جيدا على الساحة العراقية. ولم يستمر اللقاء أكثر من دقائق “وقوفا” قدم فيها متكي مسودة للرؤية الايرانية حول مساحات التعاون بين النظام الايراني والادارة الامريكية في الاقليم، خصوصا على الساحات العراقية واللبنانية والفلسطينية. وفي ذلك الوقت سربت صحيفة “الحياة” بتاريخ 5 مايو/ ايار الجزء المتعلق بما يمكن تسميته نقاط تفاهم حول الساحة العراقية، الامر الذي ادى الى احراج وزارة الخارجية الامريكية ودفع وزيرة خارجيتها للاتصال بمكاتب الجريدة لمعرفة مصدر هذه المعلومات التي تسببت لها بحرج ليس بقليل مع حلفائها الاقليميين.

ما لم تنشره “الحياة” حينها كان الاجزاء المتعلقة بالملفات الاخرى ومنها الساحة اللبنانية، والتي لم تتردد الادارة الامريكية بوضع الجانب اللبناني حينها باجواء ما يمكن ان تسفر عنه مسارات التفاوض لحل الازمة اللبنانية، خصوصا ما يتعلق بالصراع العسكري بين حزب الله واسرائيل، بما فيه الرؤية التي يمكن ان تشكل نقطة تلاقٍ بين ما تريده واشنطن وما تريده طهران، وهو الامر الذي من الممكن ان يشكل الخلفية السياسية والاستراتيجية التي تضمنتها اشارة الامين العام لحزب الله الحديث عن “البديل الحقيقي” لسلاح المقاومة، خصوصا في ظل التطورات الاخيرة على جبهة الصراع الامريكي الايراني والنقاط التي يسجلها الطرفان في مرمى بعضهما البعض الاخر تحت سقف عدم الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة على العكس مما ترغب به حكومة تل ابيب التي من المفترض ان تقبل بجوائز الترضية في معاهدات سلام ثنائية في المنطقة لاستكمال الطوق على الاطراف الممانعة لهذا المسار.

فهل يمكن ان يكون البديل الحقيقي الذي يبحث عنه امين عام الحزب، شيئا يشبه تطويرا لاتفاق نيسان عام 1996 الذي جرى برعاية سورية امريكية ومواكبة ايرانية، والذي قال عنه المساعد السياسي للامين العام حسين خليل انها المرة الاولى التي يعطي فيها نصرالله تفويضا عاما للرئيس السوري الراحل حافظ الاسد ليتخذ القرار الذي يراه مناسبا نيابة عن الحزب وقيادته، والذي يمكن ان يشكل المخرج الايديولوجي والسياسي والاخلاقي للحزب امام قواعده التي رفعت مستوى توقعاتها الى حدود “المقدس” الذي لا يمكن المس به او التراجع والتنازل عنه.

من هنا، قد يكون من المسوغ سياسيا استعادة الاسس التي قامت عليها رؤية الحل التي جرى تداولها في المحافل السياسية حول الازمة اللبنانية على ان تتولى الدولة اللبنانية مهمة التعامل مع الاطراف التي ستعمل على تسويق هذه الرؤية من دون ان يكون الحزب موجودا في المشهد المباشر، والتي قد تتضمن نقاطا وبنودا تتعلق بوضع تفاهم لوقف الاعتداء بين الجانبين اللبناني الرسمي والاسرائيلي يشمل الحدود البرية والبحرية والجوية لمدة لا تقل عن عشر سنوات تشكل مرحلة اختبار لكلا الطرفين لاثبات حسن النوايا، بالتزامن مع ذلك توضع مسألة ترسيم الحدود البحرية والبرية على نار حامية، مع امكانية تقديم حسم ملف الحدود البحرية لما لها من اعتبارات ملحة لدى الجانبين الامريكي والاسرائيلي تتعلق بموضوع الغاز في البحر المتوسط، على ان تتولى الامم المتحدة مهمة الاشراف على ترسيم الحدود في منطقة مزارع شبعا تحدد نتيجتها الجزء الفلسطيني من هذه المزارع مع الحصتين السورية واللبنانية. وان تنتقل الامور بعد تحديد الحصص في مزارع شبعا الى مسألة ترسيم الحدود اللبنانية السورية انطلاقا من نقطة مزارع شبعا.

في مقابل هذا المسار المتعلق بالحدود والجبهة المفتوحة مع اسرائيل، ينتقل البحث الى المسار الثاني وترتيب الوضع الداخلي الذي من المفترض ان يتزامن مع المسار الاول، والذي من المفترض ان يتمحور حول نقطتين أساسيتين، الاولى هي إعادة إنتاج الصيغة اللبنانية على أسس جديدة تراعي حجم ودور المكون الشيعي في الكيان، او ما اصطلح على تسميته بالمؤتمر التأسيسي او عقد اجتماعي سياسي جديد حسب تعبير الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في زيارته الاخيرة لبيروت بعيد انفجار المرفأ. والثانية تتعلق بموضوع الاستراتيجية الدفاعية وسلاح حزب الله، وهي استراتيجية مرتبطة بشكل وثيق بمحصلة الحوار في المؤتمر التأسيسي.

فالمدخل الاساس للاستراتيجية الدفاعية قد يكون عبر المرور باستحداث مواقع جديدة داخل هيكلية النظام اللبناني، بحيث يتم استحداث موقعين شيعيين منفصليين، الاول نائب لرئيس الجمهورية بصلاحيات سياسية وعسكرية محددة، والثاني نائب لقائد الجيش تسند له قيادة اركان القوات المسلحة، يقوم بمهمة قيادة وأمرة الصنف العسكري الجديد الذي ستخرج به الاستراتيجية الدفاعية وعماده الوحدات القتالية التابعة لحزب الله. ما يعني وضع صيغة مشابهة لما هو قائم في ايران مع مؤسسة حرس الثورة الاسلامية التي تعتبر قوة عسكرية منفصلة عن قوات الجيش الرسمي ولها قيادتها المستقلة الا انها تتبع لقيادة اركان القوات المسلحة، وايضا ما بدأ يتبلور في العراق عبر تحويل قوات الحشد الشعبي الى صنف من صنوف القوات المسلحة تتبع لامرة القائد العام للقوات المسلحة.

هذه التصورات جرى تداولها قبل نحو عقد من الزمن، ولعل المدخل الى الحل الشامل قد يكون ايضا بالعودة اليها مع اضافة التعديلات الضرورية الناتجة عن التطورات الميدانية والسياسية والاستراتيجية الحاصلة بعد الاحداث التي شهدتها المنطقة خلال هذه المدة، وقد تشكل الاساس الذي يمكن ان يبنى عليه “البديل الحقيقي” الذي يريده امين عام حزب الله في خطابه الاخير. الذي يساهم في ترسيخ معادلة اقليمية تقوم على تقاسم المنطقة بين المحورين الفاعلين فيها لا يكون لصالح اسرائيل على حساب الاطراف الاخرى ولا تتفرد تل ابيب برسم معالم الشرق الاوسط وتتربع على عرشه حسب تعبير نصرالله.

المصدر: المدن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى