
جاء تعيين نائب للرئيس ولرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمّة التحرير الفلسطينية استجابة لضغوط مالية، وليس ضمن رؤية إصلاحية وطنية، في وقتٍ تتصاعد فيه الاعتداءات على غزّة، وتزداد الفجوة بين القيادة والشعب. هل تصبح الشرعية مرهونةً بالدعم المالي أم بإرادة الشارع الفلسطيني ووحدة صفّه؟
منذ بدء حرب الإبادة على غزّة، بدت القيادة الفلسطينية غائبةً من المشهد، لا تتحرّك إلا تحت ضغوط سياسية ومالية. لم يكن الحراك أخيراً لتعيين نائب للرئيس نابعاً من رؤية استراتيجية أو حرص على ترتيب البيت الفلسطيني، بل جاء استجابة لشرط سعودي لاستئناف الدعم المالي الشهري البالغ عشرة ملايين دولار، وتوقّف قبل ثلاثة أشهر. ولم يكن الشرط السعودي علنياً، ولكنه بات واضحاً من تصريحات الرئيس محمود عبّاس، سيّما خلال القمة العربية أخيراً في القاهرة، أن تعيين نائب بات ضرورة سياسية لاستئناف الدعم المالي.
ولكن مراجعة تاريخ منظمّة التحرير تظهر أن وجود نائب للرئيس ليس أمراً جديداً، ففي أعقاب استقالة أحمد الشقيري بعد نكسة 1967، تولّى يحيى حمودة رئاسة اللجنة التنفيذية، وجرى اختيار المحامي إبراهيم بكر نائباً له، وبقيا في منصبيهما حتى عام 1969 حين تولى ياسر عرفات قيادة المنظمّة. ومنذ ذلك الحين، لم يُعيّن نائب جديد. من الناحية القانونية، يشير القانون الأساسي الفلسطيني إلى أن رئيس المجلس التشريعي يتولى الرئاسة مؤقتاً في حال شغور المنصب، إلى حين إجراء انتخاباتٍ خلال 60 يوماً. وهنا المعضلة: فتغيير النظام الأساسي ليس سهلاً في الوقت الذي حلّ فيه المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي له الحقّ في تغيير النظام الأساسي، الذي شكلّ شرعية السلطة الوطنية الفلسطينية، التي لا تزال معترفاً بها دولياً، وأحياناً إسرائيلياً. وهذا ما يزيد تعقيد أيّ محاولة لترتيب انتقال السلطة بطريقة دستورية واضحة. وبات واضحاً أن تعيين نائب لرئيس اللجنة التنفيذية لا يحلّ معضلة خلافة الرئيس عبّاس، سواء في رئاسة السلطة الوطنية أو حركة فتح.
وحدة الصف الفلسطيني لم تعد ترفاً سياسياً، بل ضرورة وجودية في مواجهة تصاعد القتل والاستيطان الإسرائيلي
بعد يومين من اجتماعات المجلس المركزي، التي سبقتها مداولات اللجنة المركزية لحركة فتح، أُقرّ إنشاء منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية. للأسف! وشكّل انعقاد المجلس المركزي فرصة ضائعة لبناء وحدة وطنية حقيقية بناءً على اتفاقات موسكو في مارس/ آذار من العام الماضي. وكان غياب حركتي حماس والجهاد الإسلامي متوقعاً، لأنهما لا تزالان خارج عضوية المنظمّة، ولكن غياب فصائل من داخل منظمة التحرير، مثل الجبهتَين الشعبية والديمقراطية، وحركة المبادرة الوطنية، شكّل صفعة قاسية لآمال إعادة اللحمة الوطنية، خاصة في ظلّ استمرار الجرائم اليومية للاحتلال.
بدلاً من توحيد الصفوف، فضّلت القيادة التركيز على تحصيل التمويل المالي، وأهملت متطلبات إعادة بناء الوحدة الوطنية. كما أن تصريحات الرئيس عبّاس الهجومية تجاه “حماس” لم تساهم في تهدئة الأجواء، رغم مسؤولية “حماس” أيضاً بإصرارها على الانفراد بقرارات الحرب والسلم. قد تتدفق المساعدات السعودية مجدّداً، لكن السؤال الأهم: بأيّ ثمن؟ هل ستواصل القيادة تفضيل استرضاء الممولين على حساب استعادة ثقة الشارع الفلسطيني؟ وهل تدرك أن شرعيّتها الحقيقية لا تأتي من المال، بل من قدرتها على تمثيل تطلّعات شعبها؟
الرهان على المال بدل الوحدة الوطنية خاسر. لم تعُد وحدة الصف الفلسطيني ترفاً سياسياً، بل ضرورة وجودية في مواجهة تصاعد القتل والاستيطان الإسرائيلي. لقد حان الوقت للقيادة الفلسطينية أن تعيد ترتيب أولوياتها قبل فوات الأوان.
المصدر: العربي الجديد