
منذ رئاسته الأولى، وترامب يهدد بالانسحاب من سوريا، ثم تعود تطورات الأحداث في المنطقة لتنفي إمكانية هذا الانسحاب، وتجعل قرار ترامب، كما الكثير من قراراته، أحجية تقلبات مزاجه. وإسرائيل التي تخشى تزايد شهية تركيا في سوريا، وبذلت جهدها لتقنع ترامب بالمحافظة على الوجود القوات الأميركية وفشلت حتى الان، تواصل مفاوضاتها مع الأميركيين لإعادة النظر بالقرار، حسب ما نقلت في 16 الجاري عن صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بالطبعة الأوكرانية من المجموعة الإعلامية الكبيرة RBC.
رأت الصحيفة الإسرائيلية أن انسحاب القوات الأميركية من سوريا، يجعل تركيا وإسرائيل تقتربان من “الخط الأحمر”. وقالت إن إسرائيل قلقة من قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، لأنه سيسمح لتركيا بتعزيز نفوذها في سوريا والمنطقة. وأشارت إلى أن القرار لم يشكل مفاجأة، إذ أن ترامب كان خلال رئاسته الأولى يؤيد تخفيض الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط. ويعكس هذا الموقف عقيدة السياسة الخارجية الانعزالية التي تنتهجها إدارة ترامب، والتي تشكلت جزئياً على يد نائب الرئيس جيه دي فانس.
تشير الصحيفة إلى أن ترامب صرح أكثر من مرة بأن هذه الحرب “ليست حربنا”. ومن المعروف أن البنتاغون يستعد لهذا السيناريو منذ فترة طويلة. واليوم تنتقل واشنطن إلى المرحلة العملية، حيث تُبلغ الجانب الإسرائيلي بانتظام بالإجراءات المقبلة. وخلال المشاورات، أعرب الممثلون الإسرائيليون مراراً عن قلقهم العميق إزاء العواقب المحتملة لمثل هذه الخطوة.
نقلت يديعوت أحرونوت عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن انسحاب القوات الأميركية لا يمكن أن يكون إلا جزئياً. وتخشى إسرائيل أن يؤدي مثل هذا التطور إلى تعزيز طموحات تركيا لتدعيم وجودها في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
تشير الصحيفة إلى أن القوات الأميركية تنتشر الآن في عدة مواقع استراتيجية في شمال وشرق سوريا، وتلعب دوراً مهماً في ضمان الاستقرار الإقليمي. وتخشى إسرائيل من أن تقوم أنقرة بعد الانسحاب بتكثيف محاولاتها للسيطرة على منشآت عسكرية رئيسية، وخصوصاً في منطقة تدمر السورية، بما في ذلك قاعدتي T4 وتدمر.
وتقول يديعوت أحرونوت إن الرئيس التركي يسعى إلى استغلال الوضع الجيوسياسي المتغير لتعزيز مكانته في المنطقة. وقد أدى الخطاب العدواني المتزايد الذي تنتهجه أنقرة تجاه إسرائيل منذ بداية الحرب في قطاع غزة إلى تفاقم المخاوف في تل أبيب، مع أن تركيا ليست دولة معادية رسميًا، ووصفها نتنياهو بأنها شريك “صعب”.
تشير الصحيفة إلى أن إسرئيل سبق أن حذرت الولايات المتحدة وتركيا من أن الوجود الدائم للقوات العسكرية التركية في القواعد المذكورة أعلاه سوف يُنظر إليه على أنه تجاوز “خط أحمر”، وسوف يهدد حرية عمل القوات الإسرائيلية في الاتجاه الشمالي.
وبشأن المفاوضات التركية الإسرائيلية حول الاتفاق على آلية لتفادي المواجهة المسلحة بين الطرفين في سوريا، والتي جرت في 9 الجاري في أذربيجان، ولم تخرج بنتيجة، قالت الصحيفة إن إسرائيل أكدت بأنها تحمل السلطات السورية الجديدة المسؤولية عن التطور اللاحق للأحداث. وأي عمل من شأنه أن يهدد أمن إسرائيل سوف يعتبر سبباً للرد العسكري.
موقع الخدمة الروسية في وكالة الأنباء الكردية ANF التي تصدر في مدينة أمستردام نقلت في 8 الجاري عن أسبوعية الإيكونوميست البريطانية مقتطفات من مقالة رأت فيها أن “تركيا وإسرائيل تتحولان إلى خصمين لدودين في سوريا”. وقالت الأسبوعية بأن الأحداث السياسية العسكرية في سوريا قد تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين البلدين.
ونقلت عن وزير الخارجية الإسرائيلي قوله بإن التنازلات التي قدمتها سوريا لتركيا، والتي تشمل “فتح أراض واسعة” و”الاعتراف بنفوذ أنقرة”، تشكل تهديداً خطيراً لأمن إسرائيل. وبدوره، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي من أن “سوريا ستدفع ثمناً باهظاً إذا فتحت الباب أمام قوى معادية لإسرائيل”.
وترى الأسبوعية في مقالتها أن لإسرائيل مصلحة في إبقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة. ويشار إلى أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الطائرات السوفيتية القديمة التابعة لنظام الأسد قد أدت إلى تقويض البنية التحتية العسكرية للجيش السوري.
وفي الوقت نفسه، تسعى الحكومة السورية الحالية إلى إعادة بناء البلاد، وتتعاون بشكل نشط مع تركيا. وتخشى إسرائيل من أن يؤدي هذا إلى ظهور “سوريا تحت النفوذ التركي”.
صحيفة الكرملين VZ رأت في 16 الجاري أن قرار ترامب الانسحاب من سوريا يعني بأن “الولايات المتحدة تفكر بالهروب من دولة محتلة أخرى”. استهلت الصحيفة نصها بالقول إنه يبدو بأن الساعة باتت قريبة لإنهاء احتلال القوات الأميركية للأراضي السورية التي تتواجد فيها منذ عشر سنوات. وقالت إن الولايات المتحدة أبلغت إسرلئيل بخططها لبدء سحب قواتها من سوريا في غضون الشهرين أو الثلاثة المقبلة. ونقلت عن يديعوت أحرونوت قولها إن إسرائيل تحاول تفادي هذا السيناريو، لكنها لم تتمكن من إقناع الأميركيين بتغييره.
تشير الصحيفة إلى أن تعداد القوات الأميركية التي بقيت في سوريا أثناء محاولة ترامب الأولى سحبها كان حوالى 900 عسكري. لكن تعدادها عاد إلى سابق عهده في عهد بايدن وبلغ 2,2 ألف عسكري. وتنتشر هذه القوات في 10 قواعد عسكرية في سوريا متواجدة في المناطق الزراعية الخصبة. وتقول الصحيفة أن عدد القواعد التي أقامها الأميركيون بين العامين 2015 و 2018 بلغ 12 قاعدة، إضافة إلى أربعة مواقع متقدمة مزودة بمهابط طائرات مروحية، بعضها تم تفكيكه أو تسليمه للأكراد.
نقلت الصحيفة عن نتنياهو تصريحاً ملفتاً إن ثبتت صحته، حين يقول إن أي طرف (تركيا) سيحاول زعزعة استقرار سوريا، “سوف يجد أننا ندعم الحكومة السورية”. وأضاف بالقول “لن نسمح بتقسيم سوريا أو عودتها إلى ما كانت عليه قبل الثامن من كانون الأول/ديسمبر، ومن يسعى لإثارة الصراع في سوريا سنواجهه”.
ترى الصحيفة بأن دعوة إسرائيل للحفاظ على وحدة أراضي سوريا، مردها إلى أن هذه الوحدة هي لصالحها الآن. فظهور القوات التركية على الأراضي السورية، وانفصال المناطق الكردية ووضعها تحت الحماية التركية، يثير قلق تل أبيب.
ترى الصحيفة أن سوريا هي الآن رصيد مضر للولايات المتحدة، ولدرجة أن واشنطن تتجاهل مخاوف تل أبيب. وتعتبر أن سوريا هي المنطقة الوحيدة على خريطة العالم، حيث القوات الأميركية تنخرط في حرب غريبة غير مفهومة، وتدافع فيها عن مصالح لا تخصها. وتنتظم تدريجياً الاتصالات مع الحكومة السورية الجديدة، ويفقد اي معنى تواجد القوات الأميركية في سوريا. وإضافة إلى ذلك، يتذكر ترامب أيضًا أنه في عام 2018، رفضت بريطانيا وفرنسا وألمانيا استبدال القوات الأميركية بقوات خاصة بها، وبالتالي حالت دون تدويل الوجود العسكري الأجنبي في سوريا. وهذا سبب آخر يستدعي سؤال الأوروبيين، أي حلفاؤهم.
وتستنتج الصحيفة أن قرار سحب القوات الأميركية من سوريا قد أصبح أمراً لا مفر منه الآن. وهذه ليست سوريا التي عرفناها، وترامب على استعداد للسماح للاعبين الإقليميين بترتيب الأمور بأنفسهم. ومن الصعب في هذه المرحلة تقييم عواقب هذه الخطوة، ولكن يجدر القول إن القوات الأميركية لم تكن تتمتع بالفعل بقدر كبير من التأثير على الأحداث. والأميركيون كانوا، في حقيقة الأمر، يحرسون أنفسهم وسجون معتقلي الدولة الإسلامية.
المصدر: المدن