بين خطوط النار وغرف التفاوض: أوكرانيا تبحث عن طريق السلام

تمرّ أوكرانيا اليوم بمرحلة حاسمة من الحرب، ليس على الصعيد العسكري فحسب، بل أيضًا في الساحة الدبلوماسية الدولية. فعلى الرغم من تزايد الضغوط الخارجية على كييف لوقف إطلاق النار، تواصل روسيا عملياتها القتالية، وتُظهر علانية ازدراءها لمبادرات السلام.

على الخطوط الأمامية، تبقى الأوضاع حرجة. فقد كثفت القوات الروسية هجماتها في دونيتسك، لا سيما في مناطق توريتسك، كوستيانتينيفكا، وكليشيفكا، مستخدمة تكتيك “الهجمات الموجية”. وفي مقاطعة سومي، حيث تدافع القوات الأوكرانية قرب قرية باسييفكا، تبدو محاولات الاختراق كأنها عمليات استطلاع قتالي. وقد تستعد القيادة الروسية لحملة هجومية جديدة تستمر طوال الصيف.

في هذه الأثناء، تستمر الجهود الدبلوماسية المكثفة لوقف إطلاق النار. ففي 17 أبريل، عُقدت جولة مفاوضات مهمة في باريس بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا، وأُكد خلالها أن “ينبغي أن يكون وقف إطلاق النار الكامل وغير المشروط الخطوة الأولى على طريق السلام المستدام”. وقد لاقت هذه الصيغة ترحيبًا في الولايات المتحدة، إذ تسعى إدارة ترامب إلى تحقيق اختراق دبلوماسي قبيل عيد الفصح، الذي يصادف هذا العام في 20 أبريل ويُحتفل به المسيحيون.

ومع ذلك، تبددت سريعًا الآمال حول “سلام عيد الفصح”. فبعد ساعات قليلة فقط من انتهاء المفاوضات، صرّح المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن “وقف إطلاق النار في هذه المرحلة غير واقعي تمامًا”. وقد جاء ذلك على خلفية الهجمات الجديدة التي شنها الجيش الروسي وتكثيف الضربات على البنية التحتية المدنية في أوكرانيا. تواصل موسكو استخدام الدبلوماسية كغطاء تكتيكي، دون أي نية لإنهاء الحرب.

وعلى الرغم من ذلك، وجّه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إنذارًا لبوتين: على الكرملين وقف القتال بحلول 20 أبريل، وإلا فإن الولايات المتحدة ستعيد النظر في استئناف الدعم العسكري الواسع لأوكرانيا وفرض عقوبات جديدة. لكن منتقدين يحذرون من أن هذه ” الدبلوماسية المشروطة بالمواعيد النهائية” قد تخدم مصلحة المعتدي من خلال منحه المزيد من الوقت، وجعل واشنطن شريكة في فشل المفاوضات.

اتخذ حلفاء أوكرانيا الأوروبيون موقفًا أكثر وضوحًا. فقد شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك، في تصريحات منفصلة، على أن أي سلام لا يمكن التوصل إليه دون مشاركة أوكرانيا. وأكد الأمين العام لحلف الناتو، مارك روتّه، خلال زيارته لأوديسا في 14 أبريل، أن “السلام لا يمكن أن يكون نتيجة مساومة على حساب دولة تكافح من أجل البقاء”، مُذكّرًا بأن الهجوم على مدينة سومي، الذي أسفر عن مقتل 34 شخصًا، بينهم طفلان، يمثّل دليلًا إضافيًا على أن موسكو تسعى إلى التدمير بدلاً من الحوار.

وفي خطابه يوم 17 أبريل، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي موقف كييف: “إن السلام من دون عدالة لا يعدو أن يكون هدنةً تسبق الحرب التالية”. وشدد على أن أي وقف لإطلاق النار من دون ضمانات بانسحاب القوات الروسية ومساءلة المعتدي قانونيًا، لن يؤدي إلى حل النزاع بل إلى تجميده.

إن أوكرانيا عالقة بين الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار وواقع الحرب المستمرة. أما الانخراط في مفاوضات غامضة بلا التزامات واضحة من الجانب الروسي لا يتعارض فقط مع مبادئ القانون الدولي، بل يشكّل سابقة خطيرة تُكافئ المعتدي. وينبغي أن تكون مشاركة أوكرانيا في عملية التفاوض إلزامية.

المصدر: arab.com.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى