زيارة الشرع للإمارات: انفتاح سياسي ورسائل استراتيجية في ملفات الاقتصاد والإقليم

معاذ الحمد

 زيارة الشرع إلى الإمارات ترسم ملامح الدور الخليجي في سوريا الجديدة

في تطور لافت على مستوى العلاقات الإقليمية، أجرى رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، يرافقه وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية أسعد الشيباني، زيارة رسمية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، الأحد الماضي، حيث التقى الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، وعدداً من كبار المسؤولين، إضافة إلى نخبة من رجال الأعمال السوريين المقيمين في البلاد.

الزيارة التي وُصفت بأنها “مفصلية” في سياق الانفتاح الخليجي على الإدارة السورية الجديدة، شهدت مناقشات حول ملفات حساسة تتعلق بمستقبل العلاقات بين البلدين، لا سيما في مجالات الاستثمار، حركة الطيران، وإعادة الإعمار، بحسب ما أفاد الشرع في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الرسمية.

تحول في الموقف الخليجي تجاه سوريا الجديدة

وفي سياق تفسير دلالات هذا الانفتاح، قال الكاتب والصحافي السوري المقيم في غازي عنتاب، أحمد مظهر سعدو، في تصريحات لموقع “963+”: “زيارة السيد أحمد الشرع إلى الإمارات تمثل خطوة مهمة في سبيل تعزيز العلاقات بين الحكومة السورية الانتقالية والدول الخليجية، خاصة وأن الإمارات التي كانت مترددة في السابق تجاه الانفتاح على النظام الجديد في سوريا، باتت اليوم أقرب إلى علاقة أكثر استقراراً وتقدماً”.

وأضاف سعدو موضحاً خلفية هذا التحول: “ما لمسناه من استقبال رسمي رفيع يؤكد أن أبوظبي لم تعد تنظر إلى دمشق من زاوية الصراع السابق، بل من منظور شراكة محتملة في مستقبل أكثر توازناً للمنطقة. هذا التحول يحمل أيضاً رسائل سياسية إلى دول إقليمية أخرى بأن الإمارات مستعدة لتولي أدوار أكثر تأثيراً في الملف السوري”.

دعم سياسي مباشر ومؤشرات على دور وساطة محتمل

الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، وخلال لقائه الشرع، أكد دعم بلاده لسوريا خلال المرحلة الانتقالية، قائلاً إن “استقرار سوريا وتعزيز أمنها هو مصلحة للمنطقة بأكملها”، مشدداً على أن الإمارات “لن تدخر جهداً في تقديم كل ما تستطيع من دعم إلى سوريا وشعبها خلال الفترة المقبلة”، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الإماراتية (وام).

وفي تفسير أبعاد هذا الدعم، قال الباحث في الفلسفة السياسية بجامعة باريس، الدكتور رامي خليفة العلي، في تصريحات خاصة لـ”963+” من العاصمة الفرنسية: “هذه الزيارة تأتي في سياق طبيعي ضمن سياسة الانفتاح الإقليمي والدولي التي تتبعها الإدارة السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد. الاستقبال الرسمي يعكس اعترافاً فعلياً من دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات، بالإدارة السورية الجديدة”.

وأضاف العلي في معرض شرحه لطبيعة الدور الخليجي المقبل: “دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات وقطر، تلعب دوراً محورياً في تسهيل تواصل الإدارة السورية مع الدول الغربية، وهي بمثابة جسر ضروري لإعادة دمج سوريا في محيطها السياسي والدبلوماسي. وهذا ما يجعل للزيارة أبعاداً تتجاوز الطابع البروتوكولي نحو تأثيرات استراتيجية محتملة”.

تطلعات اقتصادية

الشرع، وخلال لقائه رجال الأعمال السوريين في الإمارات، أكد أن النقاشات مع الجانب الإماراتي شملت ملفات اقتصادية محورية، على رأسها استئناف حركة الطيران وتوسيع الاستثمارات الثنائية.

وقال: “لقد ناقشنا مع القيادة الإماراتية قضايا الاستثمار، واستئناف حركة الطيران بين البلدين، إضافة إلى دعم جهود إعادة الإعمار في سوريا. كان هناك توافق واضح على أهمية تسريع وتيرة التعاون في هذه الملفات الحيوية”.

ومن جهته، صرّح وزير الخارجية أسعد الشيباني بأن الزيارة “حققت إنجازات عظيمة”، مشيراً إلى أن ذلك تحقق “بجهود الرئيس أحمد الشرع”، لا سيما في ملف استئناف الرحلات الجوية وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.

وفي هذا السياق، يوضح أحمد مظهر سعدو البعد الاقتصادي للزيارة قائلاً: “من بين الرسائل غير المباشرة لهذه الزيارة هو تأكيد الانفتاح على دول الخليج، ولا سيما الإمارات، التي يمكن أن تلعب لاحقاً دوراً محورياً في مشاريع إعادة الإعمار، كما يمكنها توظيف علاقتها المتينة مع الولايات المتحدة وأوروبا للمساعدة في رفع العقوبات المفروضة على سوريا”، مضيفاً أن “ملف العقوبات لا يزال من أبرز العوائق أمام التعافي الاقتصادي السوري”.

هل تلعب الإمارات دور الوسيط الإقليمي؟

الزيارة، وبحسب متابعين، تحمل في طياتها أيضاً مؤشرات على دور سياسي محتمل للإمارات في التوسط بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل، خصوصاً في ظل تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية مؤخراً.

أحمد مظهر سعدو أشار في هذا الصدد إلى أهمية الدور الإماراتي قائلاً: “استمرار الاعتداءات الإسرائيلية يخلق حالة من عدم الاستقرار، ووجود وسطاء فاعلين مثل الإمارات وتركيا قد يساهم في تهدئة الوضع عبر رسائل تطمين تؤكد أن دمشق الجديدة لا تسعى لتقويض الوضع الأمني القائم على الحدود”.

وفي تأكيد لهذا الطرح، أشار العلي إلى أن “من المرجح أن تلعب الإمارات دور الوسيط بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل، خاصة في ظل توتر العلاقات بين إسرائيل وتركيا في الآونة الأخيرة. للإمارات القدرة على نقل رسائل متبادلة، ولديها موقع إقليمي ودولي يؤهلها للقيام بهذا الدور بفعالية”.

تمهيد لمرحلة سياسية جديدة

وفي ختام تحليله، لفت العلي إلى أن هذه الزيارة ليست مجرد محطة ديبلوماسية، بل جزء من مسار متكامل لإعادة تموضع سوريا في الإقليم، قائلاً: “تعزيز العلاقات مع الإمارات ودول الخليج ليس فقط فرصة لدعم سياسي واقتصادي مباشر، بل هو أيضاً عامل حاسم في تسريع عملية اندماج سوريا في الإطارين الإقليمي والدولي، وتمهيد الطريق لمرحلة جديدة من التفاعل مع المجتمع الدولي”.

وبحسب ما ورد في الرسالة التي وجهها الشرع للرئيس الإماراتي عقب الزيارة، فإن العلاقات بين الجانبين مقبلة على مرحلة من التطوير والتوسعة الشاملة، إذ قال: “أعبّر عن بالغ تقديري لما لمسته من حرص كبير على تعزيز علاقاتنا وتطويرها في مختلف المجالات. هناك رغبة إماراتية صادقة في دعم سوريا، ونحن من جانبنا نعمل على خلق بيئة تعاون قائمة على الثقة والاحترام المتبادل”.

وتمثل زيارة الشرع، إلى الإمارات العربية المتحدة تحولاً كبيراً في العلاقات بين البلدين بعد سنوات من التوتر والقطيعة. ففي بداية الحرب السورية عام 2011، اتخذت الإمارات موقفاً متحفظاً، إذ أغلقت سفارتها في دمشق وانضمت إلى المواقف الخليجية المطالبة برحيل نظام الأسد. إلا أن العلاقات بدأت تتغير تدريجياً بعد 2018، مع إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق، في إطار سياسة إماراتية تسعى إلى تعزيز استقلالية تحركاتها الديبلوماسية بعيداً عن ضغوط القوى الغربية.

كما تمثل زيارة الشرع إلى الإمارات خطوة مهمة في تعزيز العلاقات السورية-الإماراتية، مدفوعة بالعديد من العوامل الاستراتيجية، إذ إن الإمارات تدرك أهمية استقرار سوريا في الحفاظ على أمن المنطقة، وتعتبر أن انهيار النظام السوري سيؤدي إلى انتشار الفوضى والتطرف.

كما تسعى لتوسيع نفوذها في مواجهة إيران وتركيا في الملف السوري، فيما تركز على فرص الاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الإمارات دور الوسيط في القضايا الإقليمية، وهو ما يجعلها مؤهلة للوساطة بين سوريا وإسرائيل، وكذلك مع القوى الغربية، مما يسهم في إعادة دمج سوريا في محيطها الإقليمي والدولي.

المصدر: 963+

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى