
التصريحات النارية االتي مهدت بها القيادة الإيرانية لانصياعها لتهديدات ترامب بالعواقب الوخيمة، لرفضها الدخول في مفاوضات مباشرة حول النووي الإيراني، كانت تترجم في الداخل الإيراني بعكس ظاهرها تماماً. فقد نشر الخبير الروسي المعروف بالشؤون الإيرانية Nikita Smagin في 8 الجاري على موقع شبكة التلفزة الروسية RTVI نصاً تحدث عن المفارقات بين المعلن والواقعي في سلوك سلطة الملالي. كان ملفتاً العنوان الذي اختاره الخبير لنصه، وعبّر تماماً عن المفارقات في سلوك السلطة الإيرانية وهي تواجه التهديدات الأميركية المتواصلة، في حال لم تنصع للإملاءات الأميركية في مفاوضات النووي، التي انطلقت السبت المنصرم، وستتواصل في روما السبت المقبل. جاء عنوان الخبير: “يخافون شعبهم. كيف حرر ترامب فجأة النساء الإيرانيات؟”.
يستطرد الخبير في الحديث عن المفاوضات، وكيف يضرب ترامب بعرض الحائط بالخطاب الإيراني المتشدد، وينصاع خامنئي لما يرسمه ترامب بشأن هذه المفاوضات ولما ينبغي أن تؤدي إليه. ويوجز هذا المقطع من النص بالقول إن “صفقة ترامب” ستسفر عن تقييد أيدي إيران وأرجلها، ولا تقدم لها شيئاً مهماً بالمقابل.
ويقول الخبير إن محاولة إيران جرّ الولايات المتحدة إلى ملعبها، لا تلغي الخوف الحقيقي من الضربة المحتملة، والذي يعبر عن نفسه بموجة عارمة من التصريحات الإيرانية المتناقضة. ففي حين كانت الخارجية تصرح أن إيران لن تنتج سلاحاً ذرياً “تحت أي ظرف من الظروف”، كان المجلس (البرلمان) الإيراني يدعو لإنتاج السلاح الذري “من أجل الحوار المتساوي مع الغرب”. ويقول أيضاً إن ثمة أموراً أكثر غرابة تجري على الساحة الداخلية. فقد نشرت صحيفة كيهان الناطقة بإسم المحافظين مقالة قالت فيها إن ترامب يستحق الموت بسبب الأمر بقتل قاسم سليماني أثناء ولايته الأولى. ومثل هذه الصيغ معتادة في الإعلام الإيراني في تناوله ممثلي ألولايات المتحدة وإسرائيل. لكن هذه المرة، أصدرت هيئة الرقابة على الصحافة تحذيراً مكتوباً لصحيفة كيهان، مشيرة إلى أن المقالة “تتعارض مع المصالح القومية”. وهذا يعني أنه في بلد يظل شعاره الرسمي “الموت لأميركا!”، تحذر السلطات الصحافة من التصريحات المناهضة لأميركا، “ولمن، للصحيفة التي كانت تعتبر طيلة هذه السنوات الناطقة بإسم خامنئي نفسه”.
ويرى الخبير أنه في ظل التهديدات الأميركية شبه اليومية، تخشى السلطات جدياً التشدد بشأن الحجاب النسائي. ففي نهاية كانون الأول/ديسمبر المنصرم تم وقف تنفيذ القانون الشهير بشأن التشدد بحق المخالفات للشريعة الإسلامية بشأن اللباس النسائي، ويقول إنه لن يكون هناك من تشدد بعد الآن، بل الضغوط سوف تمارس بحق المصرّات على الحجاب، وليس العكس.
في العودة إلى المفاوضات الأميركية الجارية الآن، طرحت “المدن” على على بعض الخبراء الأوكران والروس بشؤون الشرق الأوسط سؤالين حول موقف إسرائيل من المفاوضات، ولماذا تم نقلها إلى أوروبا.
البوليتولوغ الأوكرانية Olesya Yakhno رأت من الطبيعي ان تتابع إسرائيل بدقة عملية المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران. وتل أبيب ليست واثقة من أن إيران سوف تتخلى عن برنامجها النووي.
وتعتقد بأن الولايات المتحدة هي صاحبة المبادرة باقتراح نقل المفاوضات إلى أوروبا، وذلك لأنها معنية بمفاوضات من دون وسيط، وهو ما كرره ترامب عدة مرات. لكن ممثلي عُمان سيشاركون في الجولة الجديدة أيضاً كوسطاء. وهي لا تعتقد أن نقل المفاوضات إلى أوروبا يهدف إلى إشراك أوروبا بالمفاوضات في هذه المرحلة. ولا تستبعد مشاركة الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية في المفاوضات. وترى البوليتولوغ أن نقل مكان المفاوضات يرتبط برغبة الولايات المتحدة بإجراء مفاوضات من دون وسيط، في حين أن إيران تريدها غير مباشرة لتتأكد من جدية الولايات المتحدة بشأن اللجوء إلى القوة في حال عدم التوصل إلى إبرام إتفاقية، كما لتتأكد من مواقف دول المنطقة. وتشير إلى قيام طهران بإبلاغ دول الجوار بأن السماح باستخدام أراضيها وأجوائها من قبل الولايات المتحدة لشن هجمات على إيران، سيعتبر عملاً عدوانياً.
الصحافية الروسية القوزاقية المستقلة Yulia Yuzik رأت أن إسرائيل كانت تعول على قصف المنشآت النووية الإيرانية بمساعدة ترامب، وليس مرة واحدة، بل عملية جدية وطويلة الأمد، مع تدمير كامل للمنشآت النووية، وحتى ترسانات الصواريخ. وبالنسبة لنتنياهو، فإن نجاح المفاوضات ووصف ترامب لجولة المفاوضات الأولى بأنها بناءة، يشكلان كابوسا. وحقيقة أن الأميركيين فتحوا سفارات إفتراضية نتيجة للمفاوضات، وتصريح صناع الأخبار الإيرانيين بأنهم مستعدون نتيجة للمفاوضات لفتح سفارة أميركية في طهران، لم يكن حتى أوباما ليحلم بذلك. وفي إسرائيل، يعد هذا الأمر خيبة أمل كبيرة ومأساة. ولا تستبعد الصحافية أن تجرب إسرائيل من جانبها أن تطيح بهذه المفاوضات، والحرس الثوري بدوره من الجانب الإيراني.
وعن انتقال الجولة الثانية من المفاوضات إلى روما، قالت الصحافية إن ثمة من يزعم أن الجانب الأميركي الذي على علاقة جيدة مع رئيسة الوزراء الإيطالية اقترح هذا الانتقال. لكنها هي تعتقد أن الجانب الإيراني هو الذي بادر باقتراح بنقل المفاوضات إلى أوروبا. فالمسؤولون في الخارجية الإيرانية وفريق المفاوضات بشأن النووي، كانوا عادة يسافرون إلى أوروبا مع زوجاتهم لقضاء أوقات جميلة في أوروبا، يتسوقون خلالها ويستمتعون بالبرامج الثقافية. لكن السبب الجدي برأيها، هو أن إيران تتعاون بصورة نشطة مع الفاتيكان. والفاتيكان ليس مركزًا دينيًا فحسب، بل هو أيضًا بنك غامض للغاية بالنسبة للعامة.
نائب مدير مركز دراسات الشرق الأوسط الأوكراني Sergey Danilov رأى أن علاقة إسرائيل بالمفاوضات الأميركية الإيرانية تتراوح بين الحذر والعداء المكشوف. وكثيرون في إسرائيل يعتبرون أن الصفقة المحتملة مع إيران تسمح بإمكانية تحسين الوضع الاقتصادي، لكنها لن تحل المسائل المتعلقة بالأمن. أما إيران فهي تصر على رفع العقوبات والإفراج عن أرصدتها المجمدة في الغرب.
الولايات المتحدة سحبت من جدول أعمال المفاوضات الكثير من المسائل المهمة بالنسبة لإسرائيل، والمتعلقة بقضايا الأمن: برنامج الصواريخ، دعم المجموعات السياسية العسكرية الحليفة لإيران، والكثير سواها. والاعتقاد السائد في إسرائيل، هو أن إيران أصبحت الآن في وضع صعب، وأن العمل المنسق قد يؤدي إلى إضعاف النظام بشكل أكبر. وبالتالي، فإن إسرائيل لا تثق بإيران وتشكك في استراتيجية التفاوض الأميركية.
يرجح الخبير بأن اقتراح نقل مكان المفاوضات قد صدر عن إيران بهدف جر أوروبا إلى عملية التفاوض. لكنه يشير إلى أن تصرفات الإدارة الأميركية في الفترة الأخيرة كانت غالباً ما تحددها عوامل عشوائية أو ثانوية. ولذلك لا يمكن استبعاد الأسباب غير المتوقعة لنقل المفاوضات من مسقط إلى روما.
المدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط الأوكراني Igor Semivolos يرى، كما نائبه أعلاه، أن إسرائيل تنظر بحذر إلى المفاوضات، وتعتبرها تهديداً محتملاً لأمنها. ويعتبر أن أي اتفاق مع إيران ينبغي أن يلحظ الوقف الشامل للبرنامج النووي، وليس الحد منه. وما يثير قلق إسرائيل، هو أن تخفيف العقوبات على إيران، أو عقد اتفاق معها قد يؤدي إلى تعزيز مواقعها في المنطقة. وهي ليست مرتاحة لعملية المفاوضات بحد ذاتها، لأنها تعتبر أن المقاربة الدبلوماسية نادراً ما كانت تردع إيران، وتفضل الخطوات الاستباقية، بما فيها العسكرية.
ويرى أن نقل المفاوضات إلى أوروبا قد يحمل عدة تفسيرات. أولاً، إشراك أوروبا بالمفاوضات، ثانياً، قد تكون إيران صاحبة المبادرة لنقل المفاوضات إلى روما، حيث تشعر بعزلة أقل.
المصدر: المدن