أصدرت مجموعة من السياسيين والكتاب السوريين والفلسطينيين بيانًا مهمًا أدانت فيه ما جرى من اتفاق أماراتي إسرائيلي برعاية أميركية، من أجل التطبيع مع الكيان الصهيوني جاء فيه ”
كان هذا اليوم بالنسبة الى رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي يومًا تاريخيًا بحسب تعبيره، لكنه كان بالنسبة إلى العرب عمومًا هزيمةً أخرى تُضاف إلى سجلٍّ حافل بالهزائم على مدى نصف القرن الماضي؛ فالهزائم المتراكمة لا تنتج إلا هزائم جديدة، ولا يُتوقَّع من أنظمة عصر الضعف والهوان أن تنتج شيئًا سوى الهزائم.
لم يكن إعلان دولة الإمارات و”إسرائيل” اليوم عن الاتفاق بينهما لتطبيع علاقاتهما حدثًا مفاجئًا، فقد سبقته مقدمات عديدة، علنية وسرية، في السنوات الماضية، وعلى الأرجح سيتلوه اتفاقات مع دول أخرى تقف في الطابور، وتنتظر كسر بوابة الخجل للإعلان عن علاقاتها القديمة-الجديدة بإسرائيل. إلا أن ما يميز هذا الاتفاق هو أنه الأول من خارج إطار دول الطوق ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتي لها أراضٍ محتلة ووقعت اتفاقاتها السابقة- الباطلة والمرفوضة من شعوبها أساسًا- تحت شعار “محو آثار عدوان الـ ٦٧”. هذه الاتفاقات أتت بالوبال على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة كلها على مدى العقود الأربعة الماضية، ولا يمكن أن تستعمل مبرِّرًا أو حجةً لتطبيع دول عربية أخرى ليس لها أراضٍ محتلة، ولا هدف لها سوى كسب رضا واشنطن.
يأتي الاتفاق في سياق هزيمة عربية على الصعد كافة، أبرزها وأد الربيع العربي؛ فتحطيم الشعوب العربية ضروري ليصبح الطريق أمام تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” سالكًا. وقد شارك كثيرون في وأد أمل هذه الشعوب بالديمقراطية من دول المحور الأميركي الاستبدادية التي تروِّج لـ “إسرائيل” في العلن لكسب العروش أو استدامتها، إلى دول “الممانعة” التي تتاجر بفلسطين وقضيتها لستر عجزها وفشلها وقمعها شعوبها.
لم تقم الأنظمة العربية بمسؤولياتها الواجبة تجاه العراق وسورية ولبنان وفلسطين وليبيا واليمن، وغيرها، بل إنها تدخلت بصورة سلبية، وتنازعت فيما بينها، ودمرت حركات شعوبها الطامحة إلى الحرية. ويأتي التنازع بين الدول العربية الخليجية في مقدمة المهازل التي انعكست آثارها سلبًا على الساحات العربية كافة، الأمر الذي ترك المجال مفتوحًا لإيران و”إسرائيل” وتركيا وأثيوبيا للدخول إلى عمق النسيج العربي والعبث به انطلاقًا من مصالحها وإراداتها المتصارعة والمتبدلة.
يقينًا، إنه لا يمكن للأوزان الخفيفة أن تفوز في أي حرب، ومن ثمَّ لا يمكن لها أن تصنع السلام المأمول الذي يليق بشعوبها؛ إنها لا تتقن إلا أن تصبَّ جهدها في طاحونة دعم وتقوية الأعداء، وتدعو ذلك حكمةً تارة، وشجاعةً تارة أخرى، وهذا كان شأن الاتفاق الأخير الذي وصفه أصحابه بالاتفاق الحكيم والشجاع، على الرغم من معرفتهم أن اتفاقهم يأتي في سياق شرعنة مشروع كشنر-نتنياهو للضم، وأن التعليق المؤقت لخطط الضم ليس إلا مقدمة لمزيد من الاستعمار بمباركة عربية، وفرض مزيدٍ من العزلة على الشعب الفلسطيني، ودفعه إلى اليأس وإحباط نضالاته.
إن السلام المأمول، القائم على طرد الاحتلال وتحرير الشعوب وبناء الوطنية الديمقراطية، لا تبنيه أنظمة الاستبداد المتاجرة بالقضايا العادلة، ولا الجماعات المسلحة المذهبية التي تجعل من نفسها دائمًا مشروعَ حرب أهلية، ولا الأنظمة الهشة التي تضع الحفاظ على أمنها في السلة الأميركية أو الروسية أو الإيرانية أو غيرها. السلام المأمول لا تبنيه إلا القوى الوطنية الديمقراطية في سورية ولبنان والعراق ومصر وفلسطين والدول العربية كافة. ولا شك في أن تحوُّل الدول هذه إلى دول وطنية ديمقراطية حديثة، يُسهم في تقريبنا من السلام الاستراتيجي، العادل والشامل، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني كاملة وفق القرارات الدولية.
على الرغم من الاختلال الكبير في موازين القوى لمصلحة “إسرائيل”، والهزيمة الشاملة التي طالت دولنا وشعوبنا على المستويات كلها؛ وبالرغم من هذه الهجمة الجديدة، ستستمر قضية فلسطين ولن يكون إنهاؤها ممكنًا، لأنها قضية شعب موجود ومتمسك بحقوقه المشروعة، ودفع أثمانًا باهظة في طريق الحرية والتحرر، ولأن “إسرائيل” ستظل في عيون شعوب المنطقة استعمارًا استيطانيًا ارتكب العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. إنه اتفاق جديد يمعن في هزيمتنا، والاستهتار بشعوب المنطقة وحقوقها، لكنه -في المآل- عاجزٌ عن تغيير جوهر القضية.
إن مواجهة انكشاف تحالف أطراف عربية مع “إسرائيل”، وآثاره المدمرة على المنطقة والحقوق الفلسطينية، يحتاج إلى استعادة شعوب المنطقة زمام المبادرة، وإنتاجها أطرًا وهياكل جديدة وطنية ديمقراطية مستقلة بقراراتها غير مرتهنة لداعمين، ما يعني ضرورة خلاصها من القوى والمعارضات التي تنتمي إلى الماضي أو تلك التي رهنت نفسها وأضرت بوحدة شعوبها واستقرارها يدًا بيد مع الأنظمة الاستبدادية التي تعارضها. وفلسطينيًا يعني هذا استعادة الشعب الفلسطيني المبادرة، وإحياء منظمة التحرير الفلسطينية، الإطار الوطني الفلسطيني الجامع، وتطويرها لتكون مؤسسة فلسطينية وطنية ديمقراطية؛ وهذا يعني إعادة بناء “الوطنية الفلسطينية” على أسس ديمقراطية وحديثة، للنجاح في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي واستعادة الحقوق الفلسطينية المشروعة.
عاشت نضالات الشعوب في سبيل الاستقلال والوطنية الديمقراطية..
عاشت فلسطين، وعاش شعبها حرًا أبيًا”
14 آب/ أغسطس 2020
الموقِّعون: (الاسم والصفة)
1. إبراهيم هواش (مهندس ومثقف فلسطيني)
2. أحمد مظهر سعدو (صحافي سوري)
3. أحمد علي سلامة (مهندس وناشط سوري مستقل)
4. أسامة آغي (إعلامي سوري)
5. أنيس محسن (سكرتير تحرير مجلة دراسات فلسطينية)
6. أيمن أبو جبل (صحافي، الجولان المحتل)
7. بسام يوسف (كاتب سوري)
8. بشرى المقطري (كاتبة يمنية)
9. جون نسطة (رئيس منتدى الثقافة العربية في برلين)
10. حازم العظمة (شاعر سوري)
11. حازم نهار (كاتب وباحث سوري)
12. ريمون معلولي (أستاذ جامعي سوري)
13. زكريا السقال (ناشط سياسي)
14. زكي الدروبي (صحافي سوري)
15. سعيد سلطان الهاشمي (كاتب وباحث عُماني)
16. عبد الرزاق تكريتي (أستاذ جامعي فلسطيني)
17. عدنان عبد الرزاق (إعلامي سوري)
18. عزام أمين (أكاديمي سوري)
19. فايز القنطار (أكاديمي سوري)
20. فواز كنعو (ناشط سياسي)
21. فوزي السهلي (ناشط سياسي فلسطيني)
22. لؤي الصافي (أستاذ جامعي وناشط سياسي سوري)
23. مأمون خليفة (ناشط سياسي سوري مستقل)
24. محمود الحمزة (أكاديمي وباحث سوري مستقل)
25. محمود الوهب (كاتب وناشر سوري)
26. مهند القاطع (كاتب وباحث سوري)
27. مهند عبد الحميد (صحافي وباحث فلسطيني)
28. موفق زريق (باحث وكاتب سوري)
29. ميشيل صطوف (طبيب وسياسي سوري)
30. نزار الحراكي (سياسي سوري)
31. نواف التميمي (أستاذ جامعي فلسطيني)
32. همام الخطيب (كاتب وباحث سوري)
33. وائل السواح (كاتب سوري)
34. وائل قنديل (كاتب صحافي مصري)
35. وئام عماشة (ناشط سياسي، الجولان المحتل)
36. يوسف فخر الدين (مدير مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية)