بين القوات والرئاسة: تباين في الأسلوب لا في الجوهر

ندى أندراوس

بالتزامن مع زيارة نائبة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، يوم الجمعة في الرابع من نيسان إلى بيروت، حيث خصّت رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بزيارة قامت بها إلى معراب، وذلك بعد اللقاءات التي عقدتها مع رئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب والحكومة، صعّد جعجع لهجته ضد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون. عنوان هذا الهجوم: اعتراض القوات اللبنانية على المقاربة التي يعتمدها رئيس الجمهورية في ما يخصّ سلاح حزب الله شمال الليطاني.

مقاربة الرئيس
انسجاماً مع خطاب القسم الذي أكد فيه على احتكار الدولة للسلاح، يريد عون تحقيق هذا الهدف “بهدوء وبتأنّ عبر الحوار”. حوار هادىء يؤدي إلى سحب السلاح من دون تسرع وليس تحت أي ضغط، وطبعاً ليس بالقوة.

‎من الأفكار المطروحة في هذا المجال، أن تتم هذه العملية بشكل تدريجي. باتفاق وتوافق مع الطرف المعني مباشرة، أي حزب الله، وبتنسيق مع الأخ الأكبر للحزب، أي الرئيس نبيه بري، الذي يعلم دائماً كيف يدوّر الزوايا، ويجترح الحلول، في كل مرة يدخل فيها لبنان في مغامرة أو يُدخل فيها الحزب البلد ويجُره إلى حرب.

تُعول بعبدا على الدور الذي يمكن أن يلعبه الرئيس بري في أي حوار قد يُفتح بينها وبين حارة حريك. خصوصاً وأن عين التينة أرسلت إلى الرئاسة الأولى إشارات تؤكد على دعم بري الدائم للحوار، وتذكر بأن رئيس المجلس كان دائماً من دعاة الحوار ولا يزال.

لكن عون، الذي تولى قيادة الجيش في ظروف كادت أن تكون من بين الأصعب في تاريخ هذا البلد، وهو اليوم يقود البلد في ظروف هي الأصعب وغير مسبوقة في تاريخه، يعلم كيف يتعامل مع التناقضات، أكانت سياسية أو أمنية.

وكما في قيادة الجيش، لم يخضع لضغوط السياسيين في التشكيلات العسكرية والمناقلات، ولم يرضخ لأيّ قرار اتخذه على الأرض وكان يخشى من تداعياته على السلم الأهلي، سواء في 17 تشرين الأول 2019 أو في المعارك والحروب التي خاضها الجيش ضد المجموعات الإرهابية. كذلك اليوم، ومن الموقع الأول في الدولة، فإن رئيس الجمهورية مصمم على تنفيذ خطاب القسم بكامل مندرجاته، وعلى حصر السلاح بيد الدولة وحدها. وفي الوقت ذاته، يحرص على أن تتم هذه العملية بهدوء وحكمة، وبحوار يجمع ولا يفرّق.

الأولوية لحوار… ثنائي
 بحسب معلومات “المدن”، تبدأ الخطوة الأولى، بالنسبة إلى الرئيس عون، على طريق تسليم حزب الله سلاحه، بانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس المحتلة، وإعادة الأسرى، والتوصل إلى اتفاق بشأن النقاط الثلاث عشرة المتنازع عليها. عندها، يمكن بدء التواصل بين الرئاسة وحزب الله، للبحث في الخطوة التالية المتعلّقة بتطبيق القرار 1701 ومندرجات اتفاق وقف الأعمال العدائية.

مصادر مطلعة على موقف الرئاسة أوضحت لـ”المدن” أن رئيس الجمهورية، الآتي من المؤسسة العسكرية التي تعمل بصمت، وبحزم، وبمسؤولية وطنية، يميل إلى أن يكون أي حوار يبدأه مع صاحب السلاح حوارًا ثنائيًا، لا موسّعًا على المستوى الوطني بحيث يضم مختلف القوى. حوار بعيد عن المزايدات، والتوترات، ورفع السقوف، يحقق النتائج المرجوة بدلاً من أن يعمّقها أي صدام سياسي:”الأهم التوصّل إلى آلية تنفيذية نهائية في ما يخصّ بدء تسليم السلاح”.

أضف إلى ذلك، أنّ ثمّة من يرى أنّ التجارب السابقة أثبتت فشل الحوارات الموسّعة في تحقيق النتائج المرجوّة، إذ تحوّلت إما إلى بازار سياسي، أو إلى مسرح للمزايدات بين القيادات السياسية.

بين تسليم السلاح ونزعه
“تسليم السلاح” وليس “نزعه”، هي عبارة مُنتقاة بدقّة. والسبب أنّ الصدام مع أيٍّ من مكوّنات المجتمع اللبناني لم يكن، ولن يكون، في قاموس الرئيس. لكن، وعلى الرغم من توجّهاته الاستيعابية وغير الصدامية، لا يرى “حزب الله” أنّ وقت تسليم السلاح قد حان.

تقول مصادر مطّلعة على موقف الحزب لـ”المدن”: “إنّ البحث في تسليم السلاح لا يمكن أن يتمّ في ظلّ تمادي الاعتداءات الإسرائيلية، وغياب القدرة الدولية والإرادة الأميركية في فرض تطبيق القرار 1701، وانسحاب إسرائيل من التلال الخمس، ووقف اعتداءاتها وخروقاتها”.

فالحزب، وعلى الرغم من كل ما حصل، والهزيمة التي مُني بها، وما يُشاع عن أنّ زمن المقاومة قد ولّى، وأنّ سلاحه مطروح ليس فقط على طاولة العهد، بل على طاولة المساومات الإقليمية، لا يزال يعتبر أنّ سلاحه ومقاومته جزء من قوّة لبنان، وأنه لا مصلحة للبلد حاليًا في فتح أيّ نقاش قبل تطبيق كلّ بنود اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701.

لكن، وبغضّ النظر عن هذا الموقف، فإن حزب الله منفتح على طرح الرئيس عون، شرط أن يكون في إطار الاستراتيجية الدفاعية والأمن الاستراتيجي، بحيث يكون سلاحه جزءًا منها.

ويتردّد في المقابل أن الرئيس عون يريد إقرار استراتيجية للأمن الوطني، تشمل تسليم كل سلاح غير شرعي. حزب الله، ومعه الرئيس نبيه بري، يدركان أن زمن وجود السلاح الموازي لسلاح الشرعية قد ولّى، وأن تسليم السلاح أو نزعه لا يعني الحزب وحده، بل يشمل أيضًا كل المجموعات التي تحمل السلاح، كالمجموعات الإسلامية التي قامت بعروض عسكرية أثناء مشاركتها في “حرب الإسناد”، مثل سلاح الجماعة الإسلامية والسلاح الفلسطيني داخل المخيمات.

القوات في مواجهة الرئيس
القوات اللبنانية، الشريك المسيحي الأقوى داخل الحكومة إلى جانب رئيس الجمهورية، والتي كانت شريكة في إيصال قائد الجيش إلى الرئاسة، بعدما كان رئيسها يعارض وصوله إلى الموقع المسيحي الأول في الجمهورية اللبنانية، وكان يعبّر عن ذلك في أكثر من مناسبة، تقف اليوم في مواجهة الرئيس، اعتراضًا على مقاربته لموضوع سلاح حزب الله.

تقول مصادر معراب لـ”المدن” إن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو: “من يدعم العهد أكثر؟ أهو من يتمسك بسلاح يُبقي لبنان ساحةً ومعزولًا عن الخارج، ويُبقي الصراع بين حزب الله وإسرائيل على أرضه، ويُبقيه من دون تمويل أو مساعدات؟ أم من يدعم العهد هو من يريد دولة فعلية، واستقرارًا، وازدهارًا، وتمويلًا، وإعادة إعمار؟”

المصادر تسأل أيضًا: “من يدعم العهد أكثر؟ أهو من يريد أن يكون عهد الرئيس عون استمرارًا لإدارة الأزمات التي لا تنتهي، أم الفريق السياسي الذي يريد أن يكون هذا العهد تتويجًا لإنهاء الأزمة اللبنانية المستمرة منذ ستين عامًا؟”

فيكون هذا العهد ليس عهد إدارة أزمات وحروب، سواء كانت ساخنة أو باردة، إنما عهد إنهاء الحروب واستعادة لبنان عافيته. وبالتالي، تعتبر القوات اللبنانية، انطلاقًا من هذه الأسباب الموجبة، أنها الأحرص على رئيس الجمهورية وعلى خطاب قسمه. القوات هي من أصرت على أن يكون خطاب القسم جزءًا لا يتجزأ من البيان الوزاري. نحن من دعمنا وصول عون، أما الفريق الآخر فهو المسؤول عن الشغور، لأنه كان يصرّ على إيصال الرئيس الذي يحمي سلاح المقاومة، وقد قبل بعون كخيار ثالث بعدما أُجبر على ذلك.”

ترى القوات اللبنانية أن ما يحصل اليوم هو محاولة من الفريق الآخر، أي حزب الله، لإبقاء العهد في حالة حرب، وعدم استقرار، ومن دون إنجازات: “لقد توسم اللبنانيون خيرًا وتأملوا بحقبة جديدة، بخطاب قسم نال تأييد الأكثرية الساحقة من اللبنانيين. لكن، ماذا طُبّق من هذا الخطاب؟ ومن حال دون تطبيق خطاب محوره الدولة، لا اللادولة؟”

في تفنيدها لخلفيات الهجوم على رئيس الجمهورية، تضع القوات اللبنانية نفسها في موقع المدافع الشرس عن العهد وعن قسمه، وتُعدّ رأس حربة في معركة تطبيق كل ما ورد فيه. وتُذكّر مصادر معراب رئيسَ الجمهورية بالبيان المشترك الذي صدر عنه وعن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض، والذي شدد على أن الدولة وحدها تحمي اللبنانيين، وهي وحدها التي تحتكر السلاح. كما تلفت المصادر إلى الموقف الذي أعلنه رئيس الحكومة نواف سلام من بكركي، وتأكيده أيضًا أن الدولة وحدها تبسط سلطتها على جميع الأراضي اللبنانية من دون أي شريك.

‎ولوضع الأمور في نصابها، تؤكد المصادر أن التباين مع رئيس الجمهورية ليس في الجوهر، بل في الأسلوب: “في الجوهر، يدل موقف الرئيس عون على أنه يريد الوصول إلى بناء دولة فعلية تحتكر السلاح، وهذه الدولة هي ما يريده أيضًا رئيس الحكومة وتريده القوات اللبنانية”.

وما قاله رئيس حزب القوات اللبنانية في انتقاده لعدم الإنجاز والتقدم في حسم موضوع السلاح، يحاول البعض استغلاله لدق إسفين بين القوات من جهة، ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من جهة أخرى. هذا “البعض”، بحسب مصادر معراب، “يسعى إلى حرف الأنظار عن الإشكالية الأساسية التي تُبقي لبنان ساحة مستباحة، من دون دولة، أو استقرار، أو مساعدات”.
وترد المصادر على “من يتذاكى”، مؤكدة أن “لدى القوات والرئيس، ومعهما رئيس الحكومة، الهدف نفسه”. وتضيف أن أكثر من يستفيد من موقف القوات الأخير هو رئيس الجمهورية نفسه، لأن من مصلحة الرئيس أن يُقال إن في عهده انتهت الأزمة اللبنانية التي بدأت جذورها عام 1965، حين ضُربت مركزية الدولة وقدرتها على بسط سلطتها على الأراضي اللبنانية.

 

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى