
قبيل هجرته بأيام قليلة صعد إلى جبل قاسيون بصحبة بعض الأصدقاء، كانت ليلة شديدة الصفاء، والنسمات اللطيفة تداعب الوجوه كأنامل صبية عاشقة تداعب وجه معشوقها، كانت ليلة مليئة بالحنين إلى ذكريات الطفولة والآمال المعلقة على المستقبل، فجأة تقدم في العمر عدة سنوات بعدما ارتسم الحزن العميق على وجهه، بدت له دمشق الممتدة أسفل الجبل بأنوارها المرتعشة بحرا عظيما من الجمر الذي يغلي بملايين القصص المترعة بتناقضات الحياة وجنونها،…. بنعيمها وجحيمها، حقل ألغام على وشك الانفجار على فترات متقاربة أو متباعدة قد تمتد إلى آلاف السنين، حقل جمر وألغام يلتقي عند خط الأفق مع محيط جمر السماء وألغامه الممتد إلى مالانهاية، شعر بأنه اللقاء الأخير مع حبيبته التي خذلته، حزن مرعب يعتصر روحه، فرد ذراعيه معانقا مدينته بجمرها وألغامها بكل ما أوتي من حنين المغترب ولوعته وهو لايزال على قيد الوطن، وتمنى لو يقتلعها من جذور تاريخها الملغوم ويحلق بها بعيدا جدًا لينقذها مما هو آت.