أطلقت عملية اغتيال الشيخ امطشر الهفل الأسبوع الفائت، عدداً من الأنشطة العلنية والسرية، محورها الصراع على منطقة الجزيرة السورية، الغنية اقتصادياً، والمهمة من الناحية الجيوسياسية، لوقوعها في دائرة الأنشطة المتقاطعة لأربع دول كبرى، هي الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران، وتنظيمين عابرين للحدود هما تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني PKK، اضافة إلى الاهتمام المتصاعد من قوى محلية، سواء كانت تابعة للنظام أو المعارضة.
ليس مهماً “من اغتال الهفل” وإنما من يستثمر ذلك
المتابع لتطور الاحداث في الجزيرة السورية عقب مقتل الهفل، بما فيها الاجتماع العشائري الذي عقدته قبيلة العكيدات يوم أمس، وبيانها الذي اصدرته بهذا الخصوص، يلاحظ أن لا قوة من القوى المتداخلة، ابدت اهتماماً جدياً بمعرفة الجهة التي تقف وراء الاغتيال، بما في ذلك عائلة الهفل ذاتها التي جرت العملية في معقلها التاريخي “بلدة ذيبان”، والتي يقطنها أقرب أقاربهم، يشير ذلك إلى اليأس من معرفة الجناة من ناحية، بعد وقوع مئات العمليات التي تنسب إلى مجهولين، ومن ناحية ثانية إلى اعتبار ما تم قد تم، وإن من الأولى البحث في الاستحقاقات العويصة التي تنتظر المنطقة وقادة الرأي والمجتمع فيها، وأحدها عمليات الاغتيال والقتل، التي يمكن أن تطال المزيد من سكان المنطقة، سواء كانوا شخصيات بارزة أو متوسطة أو من عامة الناس، ناهيك عن المطالب الخدمية الحاضرة دائماً والتي لم تجد حلولاً بعد، وفي نهاية المطاف يقبع أيضاً السؤال “الوجودي” حول مصير المنطقة، ومحاولات الهيمنة عليها، وربما فصلها عن سوريا، سواء من طرف حزب العمال الكردستاني، أو حتى السيطرة عليها من قبل تنظيم داعش، وادخالها في النفق المظلم مرة أخرى.
وفي هذه الأثناء يبدو نظام الأسد الاكثر اندفاعاً لاستثمار الحدث، خاصة بعد أن عقدت قسد اتفاقاً مع شركة أميركية لاستثمار النفط، ومع تزايد عملية فرض منع بيع النفط من قسد للنظام تطبيقاً لقانون قيصر، وقد وردتنا معلومات من مصادر نثق بها في منطقة الجزيرة عن مخطط واضح المعالم، اعدته اجهزة مخابرات نظام الأسد لزعزعة الاستقرار في منطقة شرق الفرات.
المعلومات تفيد بتكليف آل القاطرجي، عرابي صفقات النفط بين النظام وداعش سابقاً، ومع قسد لاحقاً، للإنفاق وقيادة عملية طويلة الأمد لتفجير الوضع الأمني في مناطق دير الزور وريف الحسكة الجنوبي والرقة، من خلال استهداف قوات سوريا الديمقراطية، واداراتها المدنية والمتعاونين معها، على أن يكون له حصة مستقبلية في المكتسبات والعوائد النفطية وغير النفطية.
وتعتمد الخطة على متعاونين من القبيلتين الكبريين في شرق الفرات وهما البكارة والعكيدات، وتتخذ من اتهام قسد بمقتل امطشر الهفل من العكيدات، وعلى الويس من وجهاء البكارة، غطاء ومنطلقاً لما سيطلق عليه عمليات المقاومة في الجزيرة السورية.
المخطط الذي سيقوده القاطرجي بما يبدو أنه بمعزل وبعيداً عن نظام الأسد، يشترك في تنفيذه عدد من شيوخ ووجهاء ومتنفذين من قبيلتي البكارة والعكيدات، وسنكتفي هنا بذكر الأحرف الأولى مع صفة أعضاء الفريق المكلف بالعمل على الملف، والذي بدأ العمل فعلياً منذ الأسبوع الفائت وفق مصادرنا، وهم:
ن. ب (شيخ )، م. ف (شيخ وعضو مجلس شعب)، ح. هـ (شخصية عشائرية من دير الزور يقطن في الحسكة)، أحد أبناء م. غ (القيادي السابق في التنظيم الفلاحي)، خ.ع (أحد عرابي المصالحات ويعمل مباشرة مع فرع المخابرات الجوية في دير الزور)، ح. ر (موظف في مديرية التربية التابعة للنظام في دير الزور)، ف. ب (شيخ)، م. ع (عضو مجلس شعب ومورد للمقاتلين لفاغنر الروسية وجهات أخرى)، ح. ن (تاجر ومهرب نفط) ج.ن تاجر ومهرب، ح. خ (تاجر حبوب ومهرب بين شرق الفرات وغربه)، ح. س (قيادي سابق في اتحاد الفلاحين)، (…) أحد أبناء عمومة الوجيه علي الويس.
ووفق مصادرنا فإن تمويل هذه العمليات مفتوح مالياً، مع امكانية توفير أي نوع من الذخائر أو الأسلحة اللازمة للعمليات التي يفترض أن تتصاعد بالتدريج، بما فيه توفير مقذوفات بعيدة المدى نسبياً، لإستهداف المقرّات الاميركية المحصنة والمعزولة نسبياً، كما وبطبيعة الحال سيحظى القائمون على العمل بدعم بالمعلومات الاستخباراتية، بما فيها الصور الجوية والفضائية، وبملاذ آمن في غرب الفرات في حال انكشاف أي عنصر أو خلية من خلايا العمل.
أي نصيب من النجاح لمخطط النظام
بالنظر إلى خبرة كل من نظام الأسد وايران بالعمليات الأمنية، وبعلاقاته المتشعبة مع منظمات ارهابية تمتلك خبرات كبيرة في هذا المجال، سواء منها الإيرانية أو الجهادية، فإن فرصة الوصول إلى مستوى خطير من “الإيلام” للقوات الأميركية وحلفائها الأكراد عالية جداً، لكن بالنظر إلى مدى خطورة انعكاس هذه العمليات على الموقف الأميركي، الذي قد يتحول إلى رد فعل عسكري مباشر وواسع النطاق، فإن امكانية المغامرة من جانب النظام ستكون محدودة، وغالباً سيلجأ إلى عمليات منخفضة الوتيرة، لكنها متواترة ومستمرة، وستتراوح بين الازعاج والمشاكسة، وصولاً إلى خلق حالة فوضى وخلط الأوراق ويضيع الفاعل الرئيسي، وقد يتحول الأمر برمته إلى صراع مع تنظيم داعش، الذي يتحين فرصة الانهيار الأمني ليعلن عن وجوده بشكل رسمي، ونشدد هنا، ليعلن عن وجوده بشكل رسمي، لأنه بشكل فعلي موجود ومؤثر بقوة، ولعله في مناطق محددة من شرق الفرات وغربه، الأكثر قوة ونفوذاً وقدرة على الفعل، وسيكون قائد الأحداث الفعلي فيما لو انكفأ أو انسحب الطرف الأميركي.
المصدر: جسر. نت