قراءة في قانون أملاك الغائب الصادر عن إدارة قسد

مهند الكاطع

قد لا يخطر ببال أحد، أن قانون إدارة أملاك الغائب، الذي أعلنت عنه مؤخراً ما تسمى “بالإدارة الذاتية في شمال وشمال شرق سوريا”، والذي يتألف من 21 مادة، هو عبارة عن نسخة مكررة من قانون أملاك الغائبين الذي أصدرته دولة الاحتلال الإسرائيلي سنة 1950 والذي يتألف بدوره من 39 مادة.
لقد كان الصراع على ملكية الأرض في فلسطين منذ البداية واحداً من أهم مظاهر الصراع العربي – الإسرائيلي، والتي اتخذت أشكال عدة منذ بدء الحركة الصهيونية، بدءً من تشجيع الجماعات اليهودية للهجرة لأرض الميعاد، وتوجه تلك المنظمات الصهيونية وقبل إعلان قيام الكيان الصهيوني إلى شراء الأراضي، لتبدأ عمليات عسكرية منظمة على أيدي ميليشيات (الهاغاناه والشتيرن) الإرهابيتين، جرى خلالها ارتكاب المجازر بحق العرب في فلسطين، وطرد الفلاحين من أراضيهم، وحرق القرى والمزارع، الأمر الذي حدد مجرى الصراع العسكري، قبل وبعد قيام الكيان الصهيوني. وما يحدث اليوم  في الجزيرة والفرات، – المنطقة الواقعة في شرق الفرات في سورية-، والتي تشكل ثلث سورية، أي تعادل ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين، غير منفصل عن الخطى الصهيونية التي أسست لدولة الاحتلال الإسرائيلي، فميليشيات “قسد” التي تمثّل قوة الأمر الواقع حالياً، و التابعة  لمنظومة العمال الكردستاني (PKK)، والتي كنتُ قد أطلقت عليها منذ سنة 2014 مصطلح “الهاغاناه الجدد”، نتيجة ممارساتها، و المجازر التي ارتكبتها، وعمليات التهجير التي قامت بها بحق السكان العرب في شمال شرق سورية، باتت تشكّل  نموذجاً واضح المعالم لميليشيات إحلاليه استيطانية، تحظى بدعم بعض القوى الدوليّة وعلى رأسها الولايات المتحدة و إسرائيل.
وهنا من الضروري الإشارة إلى أن منطقة الجزيرة والفرات تضم أقلية كرديّة سورية تقدر بنحو أقل من 15% من إجمالي السكان في هذه المنطقة من الخارطة السورية، وهم بهذا المعنى، يشكلون جزءً من الشعب السوري، وبالتالي أثناء حديثنا عن ميليشيات الأمر الواقع الكردية، فإننا لا نقارن بين الوجود الكردي كمكون سوريّ أصيل، وبين ما تخطط له وتقوم به الميليشيات العسكرية الكردية، أو ما تطرحه القوى التي ترفع شعارات انفصاليّة.
يبدو أن صدور قانون أملاك الغائبين، قد أماط اللثام عن المخطط الذي يتم إعداده للمنطقة، ويفسر الممارسات التي جرت بحق سكان المنطقة العرب خلال السنوات الماضية، على يد داعش ثم قسد، من عمليات ارتكاب المجازر الجماعية، إلى تجريف وحرق القرى والأراضي الزراعية، ثم تدمير البنية التحتية والمدن والبلدات، والتضييق على سبل العيش، وفرض التجنيد الإجباري لدفع الشباب للهجرة، والاستمرار بالاعتقالات التعسفية بحق أبناء المنطقة، وفرض مناهج بإيديولوجيات وأفكار غريبة عن المنطقة وهويتها وثقافتها مليئة بتاريخ مختلق ومزيّف عن المنطقة، ومحاولة تغيير التركيبة الديموغرافية، وكذلك تبديل أسماء المعالم الجغرافية و “تكريدها”، كلها سياسات قامت ولاتزال تقوم بها ميليشيات العمال الكردستاني، على خطى سياسات العصابات الصهيونية.
سنرى عبر هذه المقارنة كيف أن القانون الذي أصدرته جماعة العمال الكردستاني في الشمال السوري، هو نسخة مكررة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، عن القانون الذي أصدرته إسرائيل سنة 1950، وهذا إذا دلّ على شيء، يدل على قيام حزب العمال الكردستاني، بمحاولة جادة لتكرار التجربة الصهيونية على الأراضي السورية، مستغلاً الغطاء والدعم الدولي العسكري، في إطار الحرب المعلنة على داعش، ذلك الشبح والهلام الذي ذاب بلمح البصر بعد انتهاء مهمته، في خلق شماعة لأهداف أبعد وأخطر على المدى الاستراتيجي.

المصدر: إدراك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى