“خطاب الكراهية”.. الخطر المحدق بالسوريين

وفاء علوش

في عصر تزايدت فيه وسائل التواصل وتعددت منصات التعبير، أصبح خطاب الكراهية أكثر انتشارا وتأثيرا من أي وقت مضى، هذا الخطاب الذي يعتمد على التحريض والتمييز وإقصاء الآخر، لا يقتصر تأثيره على الأفراد فحسب، بل يمتد ليهدد تماسك المجتمعات واستقرار الدول، ففي سوريا وغيرها من الدول التي شهدت نزاعات، تفاقم خطاب الكراهية ليصبح عائقا أساسيا أمام المصالحة الوطنية وبناء مستقبل مشترك.

تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا رئيسيا في انتشار هذا الخطاب بسبب سهولة نشر المحتوى وصعوبة ضبطه، خاصة مع وجود بيئات استقطابية حادة، كما أن بعض الأطراف تستغل هذه المنصات للتأثير على الرأي العام أو حتى للتحريض على العنف، ومع تزايد النداء من أجل تجاوز خطاب الكراهية ودفنه إلى الأبد، يبدو الانتقال من لغة الإقصاء إلى لغة التفاهم صعباً في ظل وجود محرضين وفاعلين لتعزيز ذلك الخطاب.

لا تكمن خطورة خطاب الكراهية فقط في الكلام، بل في قدرته على إثارة العداوات، وتمهيد الطريق للعنف المادي، والتسبب في نزاعات طويلة الأمد بنشر معلومات مضللة لتشويه صورة الآخرين، والدعوة إلى العنف أو التمييز، واستخدام السخرية أو التهكم لتقليل قيمة الآخر.

تبدو أسباب انتشار مثل ذلك الخطاب موجودة في مجتمعاتنا العربية وفي دولنا التي ابتُليت بصراعات وحروب طويلة الأمد كثيرة، ولا شك أن الاستبداد يستخدم مثل تلك الآليات من أجل تفرقة الشرائح الاجتماعية وتفتيت المجتمعات لسهولة السيطرة عليها، ليصبح خطاب الكراهية أداة فعالة لحشد التأييد وإقصاء الخصوم، ويسهم غياب التعليم القائم على قبول الآخر والتنوع في تكريس التعصب، فعندما ينشأ الفرد في بيئة تكرس صورة نمطية عن فئات معينة، فإنه يصبح عرضة لتصديق خطاب الكراهية وترويجه من دون تفكير نقدي.

تشير الأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة السورية إلى وجود أيادٍ خفية تحرض على خطاب الكراهية بين السوريين، سواء من الداخل أو الخارج، هذه الجهات قد تكون دولًا، جهات استخباراتية، جماعات سياسية، أو حتى شخصيات نافذة تستفيد من الانقسام والصراع.

قد تسهم المنصات الإعلامية غير المسؤولة في نشر الكراهية عبر تحريف الحقائق أو تضخيم الاختلافات، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت بيئة خصبة لنشر الكراهية، حيث تتيح للجميع التعبير من دون ضوابط، وتستخدم خوارزميات تعزز المحتوى الأكثر تطرفا لأنه يجذب التفاعل والمشاهدات.

لقد كان خطاب الكراهية وسيلة نظام الأسد الأساسية لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية، إذ استفاد من تأجيج الكراهية بين فئات المجتمع لمنع أي تقارب قد يضر بمصالحها، ومع مرور السنوات وفي ظل جو اجتماعي مشحون أصبح خطاب الكراهية وسيلة للتعبير عن الغضب المكبوت، في سوريا مثلا يشعر كثيرون بأن معاناتهم لم يُعترف بها، مما يعزز انعدام الثقة بين المكونات المختلفة.

تشير الأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة السورية إلى وجود أيادٍ خفية تحرض على خطاب الكراهية بين السوريين، سواء من الداخل أو الخارج، هذه الجهات قد تكون دولًا، جهات استخباراتية، جماعات سياسية، أو حتى شخصيات نافذة تستفيد من الانقسام والصراع.

تستخدم بعض الدول المتدخلة في الشأن السوري خطاب الكراهية أداة لخلق مزيد من الانقسامات، سواء عبر الإعلام التقليدي أو من خلال حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف إضعاف أي فرص للتوافق بين السوريين، وإبقاء البلد في حالة عدم استقرار تخدم مصالح هذه الدول.

هذا ويسعى أعوان النظام السابق إلى تشويه الآخر باستخدام خطاب الكراهية، من خلال جيش إلكتروني من الحسابات المزيفة التي تثير النزعات الطائفية أو المناطقية، بهدف تعزيز الاستقطاب وتأليب الناس ضد بعضهم، ومع سياسية وسائل التواصل الاجتماعي بترويج المحتوى المثير للجدل لجذب التفاعل والمشاهدات، يصبح الخطاب العدائي أكثر انتشارا من الخطاب العقلاني، علاوة على أن بعض أمراء الحرب وتجار الأزمات يريدون استمرار الفوضى، لأن أي استقرار قد يهدد مصالحهم، هؤلاء يروجون للكراهية بين المكونات المختلفة لتبرير استمرار النزاع وإدامة الوضع الحالي.

تتداخل هذه العوامل كلها لتخلق بيئة تجعل خطاب الكراهية ينتشر بسهولة، وتمنع أي محاولة حقيقية للمصالحة أو بناء مستقبل مشترك، ولكن كالعادة نعوّل على الوعي وعدم الانجرار وراء العاطفة التي تغذيها هذه الجهات.

إن خطاب الكراهية يتعارض بشكل مباشر مع المواطنة والعيش المشترك لأنه يهدد أسس التعايش السلمي، ويؤدي إلى تفكك المجتمع بدلاً من توحيده، فهو يقوض مفهوم المواطنة التي تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين، العرق، الطائفة، أو الخلفية السياسية ويعزز الانقسام، ويجعل الأفراد يُعرَّفون على أساس انتماءاتهم الضيقة بدلا من كونهم مواطنين متساوين في الحقوق ويهدد السلم المجتمعي، فالعيش المشترك يتطلب الاحترام والتسامح والتعاون بين مختلف الفئات، لكن خطاب الكراهية يزرع الشكوك والعداوات ويؤدي إلى إقصاء الآخر، ويبرر العنف والتمييز ضد فئات معينة، مما يخلق بيئة متوترة غير مستقرة ويعطل بناء الدولة الحديثة لأنها تحتاج إلى وحدة وطنية، وتصبح مؤسسات الدولة عاجزة عن توحيد المجتمع وبدلاً من التنافس السياسي السليم، يتحول الصراع إلى حروب هوية مبنية على الطائفة أو العرق أو المنطقة.

تؤسس المواطنة على فكرة الحوار والتفاهم لحل الخلافات، بينما يعزز خطاب الكراهية العداء والقطيعة بين المكونات المختلفة، ومحاولة تصدير كل فئة لنفسها على أنها ضحية وتصوير الفئات الأخرى عللى أنها تهديدا وجوديا، يمنع أي محاولة للتقارب ويصبح العنف ضد المختلفين مبررا أو مقبولا.

ومن أجل تجاوز حالة الانقسام الحاصلة يبدو من الضرورة بناء حوار سوري – سوري قادر على تجاوز خطاب الكراهية، ويتطلب ذلك نهجا متكاملًا يجمع بين الاعتراف بالأخطاء، وتعزيز المشتركات، وخلق بيئة آمنة للحوار، مع التنويه أنه من غير الممكن تجاوز خطاب الكراهية من دون الاعتراف بأن هناك جرحا عميقا في المجتمع السوري، إذ يحتاج الجميع إلى مساحة للتعبير عن معاناتهم من دون شيطنة الطرف الآخر، ويجب العمل على حقيقة مشتركة بدلًا من الروايات المتناقضة التي تبرر الكراهية والعنف، وتعزيز فكرة أن الهوية السورية تشمل الجميع، وأن المواطنة فوق الطائفة والعرق والانتماء السياسي ودعم المشاريع الثقافية والفنية التي تعكس التنوع السوري، بدلًا من تكريس الانقسامات.

قد يبدو ما تحدثنا بخصوصه من دفن خطاب الكراهية إلى الأبد طوباوياً أو طموحًا صعب التحقيق، لكن الحد منه وتقليص تأثيره ممكن جدًا إذا تكاتفت الجهود على المستويات الاجتماعية، السياسية، والقانونية، فالتسامح والتعايش لا يعنيان نسيان الماضي، بل التعامل معه بوعي يمنع تكرار الأخطاء.

تبرز هنا مجدداً وليس من باب تكرار المكرر ضرورة البدء بمسار العدالة الانتقالية، إذ لا يمكن تحقيق سلام حقيقي من دون محاسبة عادلة للمتورطين في جرائم الحرب، ولكن بطريقة تعزز المصالحة لا الانتقام ويجب أن يكون هناك مسار للتسامح والتصالح إلى جانب المسار القانوني، حتى لا يتحول الماضي إلى وقود لكراهية مستمرة.

ومما يجب التركيز عليه أنه لا يمكن بناء حوار من دون إعطاء الناس مصالح مشتركة تحفزهم على التعاون بدل الصراع، لذلك من البدهي أن يترافق ذلك مع مشاريع تنموية اقتصادية في المدن والبلدات التي كانت ساحة للانقسام، بحيث يعمل أهلها معًا لإعادة البناء، ومن نافل القول أنه من غير المجدي انتظار الحلول الخارجية لأن الحل الحقيقي لن يأتي من الدول الكبرى أو القوى الإقليمية، بل يجب أن يكون داخليًا، بمبادرات سورية صادقة.

يتطلب القفز فوق خطاب الكراهية إرادة مجتمعية وسياسية حقيقية، واستعدادًا للانفتاح على الآخر، بدلًا من الدوران في دوامة الانتقام، وتعزيز التعليم الواعي والمنفتح وثقافة التفاعل مع الثقافات المختلفة والاندماج ومحاربة التضليل الإعلامي والتلاعب بالمعلومات، بفرض قوانين تمنع التحريض الإعلامي وتعاقب مروجي خطاب الكراهية، مع بناء مساحات حوار مجتمعية تعمل على تقريب وجهات النظر وإيجاد حلول للمشكلات المشتركة، ويجب سن تشريعات صارمة تجرّم خطاب الكراهية من دون أن تتعارض مع حرية التعبير بفرض عقوبات واضحة على الأفراد والجهات التي تروج للكراهية والعنف مراقبة المحتوى الرقمي الذي يبث خطابًا عدائيًا ويتسبب في التحريض.

قد يبدو ما تحدثنا بخصوصه من دفن خطاب الكراهية إلى الأبد طوباوياً أو طموحًا صعب التحقيق، لكن الحد منه وتقليص تأثيره ممكن جدًا إذا تكاتفت الجهود على المستويات الاجتماعية، السياسية، والقانونية، فالتسامح والتعايش لا يعنيان نسيان الماضي، بل التعامل معه بوعي يمنع تكرار الأخطاء.

إن المجتمعات التي نجحت في الخروج من صراعاتها وتقدمت نحو المستقبل لم تفعل ذلك عبر مزيد من الكراهية، بل عبر المصالحة العدالة والحوار، فالسوريون اليوم يقفون أمام اختبارهم الأهم وفي حال وجود إرادة حقيقية لبناء دولة فإن البداية الحقيقية يجب أن تكون بإسكات خطاب الكراهية، وفتح الباب أمام صوت العقل والمستقبل المشترك.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى