لن أتكلم عن الموضوع من موقعي كسوري يعنيه هموم ومشاكل أبناء بلده الذين ضاقت بهم الأرض على رحابتها ذلك أنني أعلم أن قضية اللاجئين السوريين في تركيا وغيرها باتت فضية معقدة يتداخل فيها المحلي مع الإقليمي مع الدولي ، وان سوء حظ السوريين جعلهم ورقة رابحة في يد المعارضة التركية الفقيرة بالإنجازات والمتخمة بالشعارات – وربما تكون الورقة الوحيدة – في محاولتها لكسب قاعدة جماهيرية واسعة لسحب البساط من تحت الحزب الحاكم الذي غير وجه تركيا على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي عبر إنجازاته التي لا تنتهي .. لو أردت أن أتكلم عن الممارسات العنصرية وموجة الكراهية التي ازدادت في الآونة الأخيرة من وجهة نظر السوريين القاطنين في تركيا لملأت صفحات الجريدة ، لكنني هذه المرة أتكلم من موقع الغيرة على تركيا المسلمة وعلى قيادتها التي احتلت موقعا مميزا في قلوب المسلمين عموما والعرب خصوصا ..
إن الممارسات العنصرية وخطاب الكراهية الموجه للعرب والمسلمين خصوصا في الآونة الأخيرة والذي بات مشهدا شبه يومي على وسائل الاعلام والتواصل سيدمر جهود سنوات طويلة من السعي والعمل الذي بذل من أجل بناء جسور الثقة والتواصل مع الجار العربي والعمق الإسلامي لتركيا بعد أن رفضت أوروبا باستعلاء ولعقود طويلة قبول تركيا كجزء من الاتحاد الأوروبي ..
بالأمس فقط قابلت صديقا سعوديا عاد للتو من تركيا قبل انتهاء اجازته بخمسة أيام .. سألته ما الذي عاد بك مبكرا ؟؟ قال لي بحزن لم أحتمل .. تعرضت وعائلتي في طرابزون للعديد من المواقف المستفزة والمعاملة الخشنة خلال الأيام السابقة .. استأجرنا بيتا في طرابزون .. كلما خرج ابني للعب أمام البيت يتعرض له الجيران الاتراك ويصرخون عليه .. سمعت أكثر من مرة كلاما جافا تدل تعابير قائله على أنه موجه ضدي كعربي في الشارع و أثناء التجول في المناطق السياحية .. ألغيت حجزي في السكن وتنازلت عن حجزي بالطائرة وحجزت بأقرب رحلة للعودة الى السعودية .. قال لي : أنا أنزل كل سنة تقريبا لتركيا وغالبا لطرابزون .. هذه أول مرة أتعرض فيها لمواقف عنصرية ولهجة عدوانية من بعض الاتراك .. وأعتقد أنها ستكون المرة الأخيرة التي أتوجه فيها للسياحة في تركيا …
أعرف العديد من الأطباء السوريين والمصريين العاملين في الخليج العربي والذين أرسلوا أولادهم سابقا للدراسة قي جامعات تركيا الخاصة ، قرروا هذا العام البحث عن وجهة جديدة لتدريس أبنائهم المقبلين على الدراسة الجامعية بسبب موجة الكراهية والعنصرية الموجهة تجاه العرب من قبل بعض الأطراف في تركيا ..
أدرك تماما أن تلك التصرفات لا تمثل أغلبية الشعب التركي وأن القسم الأكبر من الأتراك يرفضونها ويعتبرونها بعيدة عن أخلاقهم وعاداتهم ، وأدرك تماما أنها مقصودة وهادفة وربما مأجورة من معارضة ليس لديها سوى وتر العصبية القومية والعنصرية كي تلعب عليه لكسب جمهور يعيدها لمركز القرار في تركيا ، وأدرك تماما أن ما يحصل لا ينسجم مع توجهات القيادة التركية الحالية ، لكن المسؤولية في النهاية تقع على عاتق الحكومة التركية التي تمتلك وحدها الأدوات اللازمة لوقف هذه الموجة البغيضة التي تحاول أن تدق اسافين من الكراهية وتشعل فتيل الفتنة بين العرب والأتراك خصوصا وبين المسلمين والأتراك عموما بعد أن نجح أردوغان وفريقه بجذب قلوب العرب والمسلمين وكسب تعاطفهم والذي ترجم في النهاية انتعاشا اقتصاديا في تركيا سواء على مستوى الدعم الحكومي العربي للاقتصاد التركي كلما نزلت به ضائقة أو على مستوى تشجيع السياحة نحو تركيا أو على مستوى توافر الايدي العاملة الرخيصة التي حركت الاقتصاد التركي أو على مستوى استقطاب عدد كبير من الطلاب العرب للدراسة في تركيا الأمر الذي أنعش قطاع الجامعات والطيران والعقارات والتصنيع الغذائي والمطاعم وال…………….. الخ .
لا مهرب أمام الحكومة التركية من سن قوانين حازمة وواضحة وبآليات تنفيذية متاحة تضع حدا لموجة التصرفات العنصرية المتصاعدة وخطاب الكراهية الذي بات يواجه العرب بشكل متكرر في المترو والشارع والفندق والمطعم والجامعة والمناطق السياحية كلما خطر في بال أي عنصري أو مأجور أو معارض مغمور أن يحدث ضجة و يجذب الكاميرات نحوه أو يفرغ شحنات الكراهية المحتقنة بها ذاته .. و اذا تقاعست الحكومة التركية عن هذا الواجب والذي لا يستطيع القيام به غيرها فالنتيجة هي خسارة المكتسبات التي احتاج الرئيس أردوغان وفريقه لسنوات طويلة من أجل ترسيخها وقطف نتائجها انتعاشا اقتصاديا وتقدما صناعيا وثقلا إقليميا واستقرارا داخليا ..
يقول المثل العربي : ” تفاحة فاسدة واحدة يمكن أن تفسد صندوق التفاح بأكمله ” .. إن بقعة الزيت تتوسع ، والسلوكيات العدائية تزداد ، والعنصريون يكسبون المزيد من النقاط ..
وحدها الحكومة التركية من لديه القدرة على وضع حد واضح وتحت سقف القانون لهذه الموجة التي يبدو أنها غير عفوية ويقف وراءها من يريد أن يزرع الفتنة بين العرب والأتراك من أجل عيون الأوروبيين وليتهم يفتحون أبوابهم أمام تركيا .. لو استمرت تلك الموجة ستخسر تركيا الشرق والغرب .. الأوروبيين والعرب .. وسيبدأ حينها مؤشر التنمية في تركيا بالهبوط التدريجي نحو النقطة التي كان عليها قبل عقود .. الأمر الذي يؤلمنا كعرب ومسلمين ويسعد دون شك الغرب وأدواتهم في الداخل التركي ..