عاد ملف منطقة إدلب ليتصدر واجهات الأحداث، مع التطورات التي تسارعت مؤخراً ووضعت اتفاق الهدنة المطبق هناك على صفيح ساخن، وسط حديث عن خلافات تركية-روسية حول تطبيق بنود التفاهم الأخير الموقع بين الجانبين قبل خمسة أشهر.
مؤشرات الحرب
العديد من المعطيات فرضت نفسها خلال الأيام الأخيرة الماضية كمؤشر على احتمال تفجر الموقف العسكري في منطقة خفض التصعيد الرابعة شمال غرب سوريا، والتي تشمل محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريفي حماة واللاذقية الشماليين.
أول هذه المؤشرات هو توقف الدوريات المشتركة التي سيّرتها القوات التركية والروسية على طريق حلب-اللاذقية الدولي (إم-4) والتي بلغ عددها منذ توقيع اتفاق الهدنة في الخامس من آذار/مارس الماضي 22، قبل أن تتوقف هذه الدوريات في 22 تموز/يوليو.
المؤشر الثاني على التوجه نحو التصعيد في المنطقة هو الحشود التي بدأ النظام بإرسالها إلى إدلب منذ بداية الشهر الماضي، والتي دفعت فصائل المعارضة والقوات التركية إلى تعزيز مواقعها، وكان آخرها تثبيت الجيش التركي نقطة عسكرية جديدة له في تلة الراقم المجاورة لتلة الحدادة في ريف اللاذقية الشمالي الأحد.
وكانت تلة الحدادة قد شهدت نهاية الأسبوع الماضي هجوماً عنيفاً من قبل قوات النظام من أجل السيطرة عليها، لكن محاولاتها التي استمرت يومين منيت بالفشل وأسفرت عن تكبدها خسائر كبيرة في الأرواح، ليكون هذا المؤشر الثالث على امكانية انطلاق معركة شاملة.
أما المؤشر الرابع على إمكانية حدوث هذه المعركة، فهو الحركة المكثفة لطيران الاستطلاع الروسي في أجواء المنطقة، والتي تزايدت على نحو كبير خلال الاسبوعين الماضيين، ما يدفع للاعتقاد بأن هذه الخطوة تأتي تمهيداً لهجوم بري في إدلب.
توتر واضح وتفاهم غامض
تطورات لا يستبعد معها الكثيرون من المعارضين وجود نية لدى النظام وحلفائه بإشعال معركة جديدة في منطقة خفض التصعيد الرابعة، وبينهم المحلل مازن موسى، الذي يرى “أن اليد على الزناد ومثل هذه المعركة تبدو احتمالاتها كبيرة اليوم”.
وقال موسى ل”المدن”: “من الواضح أن حالة الهدوء التي سادت في هذه المنطقة، والنجاح النسبي الكبير الذي رافق اتفاق وقف النار فيها منذ خمسة أشهر، وسمح بعودة نسبة جيدة من النازحين إلى منازلهم، خاصة في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، يبدو مهدداً اليوم. ويمكن القول إن هذه المعركة قد بدأت بالفعل، وما يحدث الآن هو تمهيد لها أو على الأقل جس نبض”.
وحسب موسى، فإن هجوم قوات النظام وحلفائها فيما لو حدث سيكون هدفه المناطق الواقعة جنوب طريق “إم-4″، والمؤشر الأقوى على ذلك هو تعليق الجانب التركي منذ أسبوعين تسيير الدوريات المشتركة مع الروس فيه، احتجاجاً كما يبدو على عدم وفاء الطرف الآخر بالالتزامات المقررة في التفاهم الموقع بينهما في آذار/مارس، والتي ما زالت بنوده غير معلنة بالكامل حتى الآن.
مؤشرات اللاحرب
لكن حازم موسى لا يستبعد في الوقت نفسه أن ينجح الجانبان التركي والروسي بتجاوز هذا التوتر المتصاعد في منطقة إدلب، والعودة مجدداً لتبريد الأجواء الساخنة، بالنظر إلى وجود معطيات لا تقل أهمية عن مؤشرات الحرب.
ولعل أهم هذه المعطيات هي حالة الهدوء التي تسود المشهد العسكري في ليبيا، والذي يرتبط بقوة، حسب الكثيرين، بملف إدلب أو ينعكس عليه بالضرورة، خاصة وأن القوتين الرئيسيتين المتداخلتين بالصراع الليبي حالياً هما موسكو وأنقرة.
المؤشر الآخر الذي يمكن أن يسهم في إجبار النظام وحلفائه على إعادة النظر بخيار شنّ معركة عسكرية جديدة في منطقة إدلب، هي الحشود والتعزيزات العسكرية الكبيرة التي ما زالت تركيا تدفع بها إلى هناك، حيث وصل عدد النقاط التي تتمركز فيها قوات الجيش التركي إلى 56، موزعة على كامل مساحة المنطقة، ويتواجد فيها نحو ثلاثين ألف عسكري.
وإذا لم تكن هذه الحشود التركية كافية لثني قوات النظام وحلفائها عن شن عملية عسكرية محتملة في إدلب، فإنها تبدو عامل اطمئنان بالنسبة لسكان تلك المنطقة، الذين يعولون على أن القوات التركية المتواجدة هناك ستسهم في تعزيز قدرة فصائل المعارضة على التصدي لأي هجوم جديد.
بين مؤشرات الحرب واللاحرب، تتأرجح تقديرات المعارضة لمستقبل الموقف العسكري في منطقة إدلب، ورغم الأفضلية الممنوحة لمعطيات تفجر الموقف مجدداً هناك، إلا أن المعطيات التي تشير إلى احتمالية عودة الطرفين إلى خيار التهدئة وتجنب تكاليف معركة جديدة تبدو قوية أيضاً بما فيه الكفاية.
المصدر: المدن