ترمب والمعضلة الإيرانية

فارس الذهبي

من دون تأخير أو مماطلة، عاجل الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإجراء سلسلة من التصريحات بخصوص المواضيع العالقة في الشأن العالمي غير الداخلي الأميركي: أوكرانيا، الشرق الأوسط، روسيا، السلام، المكسيك، كندا، كوريا الشمالية وغيرها من المسائل المؤجّلة.

ما يهمنا كعرب تلك التصريحات التي تخص منطقتنا وأثارت ردود فعل متباينة، وأحياناً حادّة ضد نهجه المرضيّ الاستعلائيّ.

أهم تلك التصريحات كانت في خطاباته المتتالية حول غزّة، ففي تصريحات أثارت استهجاناً عربياً ودولياً لا سابق له، أعرب عن خطّته لليوم التالي في القطاع الفلسطيني، مؤكداً أنه سيضغط بقوة لترحيل أبناء القطاع الأصليين من مدنهم ومخيماتهم من أجل وضع يد أميركا على القطاع بالكامل وضخ استثمارات ضخمة فيه لتحويله حسبما قال إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.

يمارس ترمب أقصى الضغط المالي والأمني والاقتصادي على دول الجوار من أجل تسهيل مهمات سماسرته في الشرق الأوسط، حيث كان صهره (زوج ابنته) جاريد كوشنر صرّح قبل سنة ونيّف عن رؤيته لقطاع غزّة، وكانت بالطبع مماثلة لرؤية الرئيس الحالي..

يغمز ترمب دوماً من قناة الصفقات المالية الكبرى، فهو في النهاية رجل صفقات وليس رجل دبلوماسية وحوار ومفاوضات، يأخذ ما يعتقد أنه مفيد لبلاده عبر سلسلة من المبادلات مع الدول التي تعترض أفق طريقه المالي والانتخابي، فهو يهدد تارة، وتارة أخرى يساوم، يقايض بكلامه بين الأمن والرخاء والرفاهية كما يراها هو، وفقط هو، وبين ثلاثة ملايين إنسان عاشوا فوق أرض القطاع منذ آلاف السنين.

يمارس ترمب أقصى الضغط المالي والأمني والاقتصادي على دول الجوار من أجل تسهيل مهمات سماسرته في الشرق الأوسط، حيث كان صهره (زوج ابنته) جاريد كوشنر صرّح قبل سنة ونيّف عن رؤيته لقطاع غزّة، وكانت بالطبع مماثلة لرؤية الرئيس الحالي، في تحويل الشاطئ الفلسطيني الكنعاني الساحر إلى فنادق وشاليهات تستقبل ملايين الزوار، أمّا عن سكان الأرض والبلاد، فلا ضير أن يعطيهم وعوداً تلو الوعود بالرخاء والدفء وإبعاد شبح الموت الذي يدعمه هو ذاته ضدهم.

يربط ترمب تلك الدعوات المتطرفة بترتيبه للمنطقة، متعمّداً الخلط بين القضية الفلسطينية المحقة، وبين “راعي الإرهاب في المنطقة” ويعني حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقفت خلف أحداث السابع من أكتوبر، حسب بيان رسمي من ترمب، وهي العنصر الأقوى المتبقي في محور الشر الذي أعلن عنه سابقاً.

وهو إذ اهتم بضرب نفوذها في الشرق الأوسط وكان البادئ في تحييد قائد ميليشياتها في المنطقة قاسم سليماني، فإنه اليوم يُعِدُ بأكبر حملة لتحجيم نفوذ دولة يرى أنها “عاثت فساداً في المنطقة منذ ربع قرن”، بعدما خصها ببيان كامل طرّزه بكل ألوان التهديد والوعيد، ووقّعه أمام أعين الكاميرات.

يحمل هذا البيان الذي أعرب هو نفسه عن تردّده قبل توقيعه أعلى صيغة من الضغط على إيران، تتضمّن عزل هذه الدولة عالمياً في المحافل والمنظمات الدولية، وعزل الباسدارن “الحرس الثوري” في مختلف أرجاء العالم مالياً وعسكرياً ولوجستياً.

في هذا السياق أصدر ترمب مرسوماً تنفيذياً يهدف إلى تصفير صادرات النفط الإيرانية، بما في ذلك إلى الصين، وتشديد عزلة النظام الإيراني، ووضْعِ حدٍّ للتهديد النوويّ والصاروخيّ الذي تمثله إيران وميليشياتها في المنطقة.

وأكد ترمب، في المرسوم الذي وقّعه الثلاثاء 4 فبراير (شباط) 2025، أن سلوك النظام الإيراني يشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي، وأن من الضروري فرض أقصى درجات الضغط على النظام الإيراني لإنهاء تهديده النووي، والحدّ من برنامجه للصواريخ الباليستية، ووقف دعمه للجماعات “الإرهابية”.

ترمب وصَفَ هذا المرسوم التنفيذي أنه توجيه أو مذكرة تتعلق بالأمن القومي، استعرض فيه تاريخ الأعمال العدائية للنظام الإيراني ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وحدّد أوامر واضحة لوزراء الخزانة، والخارجية، والعدل، والتجارة، وكذلك لمندوب الولايات المتحدة الدائم لدى الأمم المتحدة، لتنفيذ سياسة الضغط الأقصى على إيران، بما في ذلك خطوات تنفيذية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي تحت أي ظرف، وتجفيف منابع الدعم المالي للباسدارن، وتدمير برنامج طهران للصواريخ البالستية.

كذلك تضمّن توجيهات لوزارة الخزانة الأميركية بتحديد موجات جديدة وحازمة للعقوبات ضد الأفراد والكيانات الإيرانية، وتشديد تطبيق هذه العقوبات وسابقاتها، وأوامر لوزارة الخارجية للعمل على الوقف الكامل لتصدير النفط الإيراني إلى العالم، خصوصاً إلى الصين التي كانت بمنزلة حبل إنقاذ للنظام الإيراني من العقوبات السابقة، وتطويق محاولاتها للتلاعب على النظام المالي العالمي عبر خروقات في العراق ودول الخليج العربي.

أمّا توجيهاته إلى وزارة العدل فتتضمّن تعطيل شبكات إيران المالية واللوجستية في العالم، ومصادرة شحنات النفط الإيراني في أعالي البحار وأينما كانت.

ترمب أكد في المرسوم أن إيران تمارس انتهاكات كبرى لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات غير القانونية والتعذيب بحق “المواطنين الأميركيين”، مشددداً على أن واشنطن تقف إلى جانب نساء إيران، اللواتي يتعرضن للانتهاك بشكل دائم من النظام الإيراني.

ترمب وهو يغلق أبواب الأمل والبقاء والاستمرار في وجه إيران التي نكلت بالسوريين والعراقيين واللبنانيين والفلسطينيين، يفسح في نهاية خطابه في اليوم التالي المجال لها في أن توافق على عقد صفقة مع أميركا على غرار الاتفاق النووي..

ووصف ترمب البرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين بأنهما “تهديد وجودي” للولايات المتحدة والعالم المتحضر، مشدداً على أن النظام الإيراني، باعتباره نظاماً متطرفاً، لا يجب أن يُسمح له أبداً بامتلاك سلاح نووي، أو استغلال هذا التهديد للابتزاز السياسي ضد أميركا وحلفائها.

ترمب وهو يغلق أبواب الأمل والبقاء والاستمرار في وجه إيران التي نكلت بالسوريين والعراقيين واللبنانيين والفلسطينيين، يفسح في نهاية خطابه في اليوم التالي المجال لها في أن توافق على عقد صفقة مع أميركا على غرار الاتفاق النووي jcpoa، الذي وقّعه أوباما عام 2015، ولكن بشروط مشددة وطلبات تفصيلية جديدة تتعلق بسلوك إيران الإقليمي والدولي، وإعادتها إلى داخل حدودها من دون أي تأثيرات خارجها.

قد يكون هذا البيان التنفيذي باباً لاتفاق جديد، وقد يكون بوابة لتجدد الصراع في الشرق الأوسط عبر أذرع إيران في المنطقة، ولكنه حتماً سيكون حاسماً لجهة عدم عودة كل الأطراف إلى الخلف أبداً، فالتاريخ مع ترمب لا يعود إلى الوراء، وإنما يسير ببوصلة ترمب وحدها ورؤيته للعالم الجديد الذي يريد أن يعيد ترتيبه من جديد.

 

المصدر: تلفزيون سوريا

تعليق واحد

  1. هل القيادة الأمريكية “الترامبية” ستعيد مسيرة رئاستها الأولى تجاه نظام ملالي طهران؟ أم كما طرحه بنهاية خطابه “أن توافق على عقد صفقة مع أميركا على غرار الاتفاق النووي jcpoa، الذي وقّعته مع أوباما عام 2015، ولكن بشروط مشددة وطلبات تفصيلية جديدة” لتفتح الباب للحوار والتقارب؟ .

زر الذهاب إلى الأعلى