![](https://arabiansforum.net/wp-content/uploads/2025/02/ل-1-1-780x470.webp)
تاسعا: لقد بدأ عهد حافظ الأسد في الحكم عام ١٩٧٠م وركز على أن يكون حكمه مطلقا ومستمرا وان يمنع اي فرصة لاي طرف معاد له ولحكمه بالوجود المادي والمعنوي وبالقوة القاهرة بجميع اشكالها.
فقد اعتمد على بناء الجيش السوري بحيث يكون المتطوعين فيه أغلبية علوية بدء من الأفراد وصف الضباط و الضباط. كان حصل ذلك في ما قبل حكم حافظ الأسد منذ انقلاب عام ١٩٦٣ لكن عندما حكم هو أصبح هذا قانون الجيش بحيث لا يتجاوز المختلفين طائفيا ودينيا وعرقيا في الجيش المتطوع عن عشرة بالمائة والباقي علويين. وكذلك الاستخبارات. التي كثرت عدديا وتنوعت لتصل لاكثر من عشر افرع منتشرة في كل محافظات القطر وأصبحت تطبق الخناق على سورية وشعبها كل الوقت. كانت هذه السمة العلوية للجيش والأمن مضبوطة بعصبية حافظ الأسد والمقربين منه في سلسلة هرمية تحت السيطرة كل الوقت.
نعم لقد قام حافظ الأسد مبكرا وابنه بعده في تنفيذ توصية آلون الوزير الصهيوني بضرورة ان يكون حكام البلاد العربية المجاورة لإسرائيل أنظمة استبدادية ومن أقليات في بلدانهم ليكونوا على النموذج الإسرائيلي كدولة لليهود. وان يكونوا بحاجة لاسرائيل والغرب دوما لحمايتهم بمواجهة شعبهم. وليرصدوا ادوارهم التدميرية لشعوبهم عبر عقود.
أن نظام حافظ الأسد وابنه بعده نموذج ذلك.
لم يتقبل الشعب السوري هذا الاستبداد وهذا التفرد بالحكم من البعث ظاهرا ومن العلويين بقيادة حافظ الأسد حقيقة. وحصل حراك وطني للقوى القومية واليسارية المعارضة. وكذلك للتيار الإسلامي المتنوع المنبثق من الإخوان المسلمين. منذ سبعينيات القرن الماضي اي بعد تفرد حافظ الأسد في الحكم في سورية وتحركت الطليعة المقاتلة للاخوان المسلمين بعمليات عسكرية في أغلب محافظات سورية وكانت رد نظام حافظ الاسد عنيفا جدا تتوج بمذابح حماة وحلب وجسر الشغور ..الخ في بداية ثمانينات القرن الماضي ، ادى لسقوط عشرات الالاف الضحايا من السوريين العزل. وتم القضاء عمليا على الحراك الشعبي والمدني وللقوى السياسية السلمية ضمن حملة امنية عسكرية شاملة أعادت سورية للموات السياسي وأصبحت سورية جمهورية الخوف والقمع والمعتقلات والموت. وانعدم الصوت المعارض المواجه للنظام وأصبحت سورية جمهورية الأسد بعمقه العسكري والأمني الطائفي دون منازع.
هكذا عبر علونة السلطة وتعميم تدجين الناس الطلائع والشبيبة واتحاد الطلبة وحزب البعث كمداخل للحياة السياسية والفساد والنفاق السياسي والخدمة الزبائنية سيطر نظام حافظ الأسد وابنه بعده على كل سورية سياسيا واقتصاديا وعلى كل المستويات.
عاشرا: لقد كان الدور الأهم لنظام حافظ الأسد المرضي عنه دوليا هو خارج سورية وفي محيطها الإقليمي.
لقد استفتح حافظ الأسد حقبته برفضه نجدة الفدائيين الفلسطينيين في الأردن. وقبوله للقرار الدولي .٢٤٢ . لحل سلمي لاحتلال الجولان من قبل اسرائيل في حرب حزيران ١٩٦٧م.. وكان أول عمل قام به خارج سورية هو تدخله في لبنان عام ١٩٧٥م للقيام بالقضاء على تواجد الثورة الفلسطينية فيه حيث كانت انتقلت من الأردن الى لبنان بعد عام ١٩٧٠ بعد مجازر أيلول ذلك العام.
لقد استفتح حافظ الاسد ادعاء سبب دخول جيشه الى لبنان انه يريد إيقاف الصراع بين المقاومة الفلسطينية المدعومة من القوى الوطنية اللبنانية وبين القوى اللبنانية المسيحية. كانت الفاتحة بمجازر تل الزعتر بحق الفلسطينيين الذي قام بها الجيش السوري عام ١٩٧٦. ثم انتقل ليقضي على القوى الوطنية اللبنانية وتوّجها بقتل كمال جنبلاط الزعيم اللبناني الوطني. وبعد ذلك حاصر القوى المسيحية قتل البعض ودجّن البعض. ولم تمض سنوات حتى أصبح النظام السوري الحاكم الفعلي “المستعمر” للبنان. وبدأ بالتناغم الضمني مع الصهاينة بحصار المقاومة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات ابو عمار وتمت محاصرته في بيروت ومن ثم تم ترحيله بالتوافق مع أمريكا والصهاينة والنظام السوري ليستقر في تونس كمنفى اجباري.
إذن النظام السوري كان له اليد الطولى بأبعاد المقاومة الفلسطينية عن حدود فلسطين التاريخية والقضاء على دورها من خارج الحدود بمقاومة إسرائيل إلى غير رجعة.
وهذا دور قام به نظام حافظ الأسد ترضى عنه إسرائيل والغرب. لذلك كان مرضيا عنه كل الوقت.
حادي عشر: إذن كان للدور السوري في لبنان قبول غربي وإسرائيلي سواء بالقضاء على المقاومة واحتلال لبنان وإلغاء السياسة به. وزاد على ذلك بدعم تواجد حزب الله العسكري وتمدده في لبنان ليكون بديلا عن كل القوى السياسية وخاصة عسكريا وان يصبح اداة النظام السوري وايران في لبنان. ويكون عمليا القوة العسكرية الحامية للحدود مع الكيان الصهيوني.
ولم يتم إلغاء هذه المعادلة قبل عام ٢٠٠٦ وبعدها ابدا الا عندما أخطأت إيران وحزب الله بتقدير حسابات اسرائيل بعد عمليات المقاومة الفلسطينية في غزة قبل أكثر من عام. فأسقطت إسرائيل توافقها مع إيران وحزب الله و النظام السوري. واتخذت القرار بالقضاء على حزب الله وامتداد إيران في لبنان وسورية وتم كشف النظام السوري وتبين ضعفه وعجزه إثر ذلك وليكون ذلك أحد أسباب سقوطه أمام الشعب السوري الثائر.
لم يضر النظام السوري احتلال لبنان وتحويله لدولة فساد ومصالح للنظام السوري واذنابه. ولم يضره حتى قتل رفيق الحريري عام ٢٠٠٥ على يد حزب الله بتوجيه من نظام الأسد الابن. ولم يضره أنه استخدم ورقة الإرهابيين الجهاديين في بحثه عن دور في الحرب في العراق قبل احتلاله عام ٢٠٠٣ وبعدها. كلها تم تقبلها ويعيد تدوير دور نظام حافظ الأسد وابنه بعده طالما يخدم مصالح الغرب وإسرائيل الاستراتيجية .
لقد كان النظام السوري جاهزا أن يقوم بدور المرتزقة لخدمة الغرب او الانظمة العربية. هكذا كان دوره في العراق ضد نظام صدام حسين وعبر عقود مع الإيرانيين اولا ثم مع التحالف الدولي ضد العراق في معركة تحرير الكويت عام ١٩٩١م و قبل وأثناء وبعد احتلال العراق نفسه عام ٢٠٠٣م.
ثاني عشر: لقد كان الربيع العربي بئر الموت الذي سقط به النظام السوري ولم يتمكن من الخروج منه.
بداية صرح الاسد الابن بأن سورية عصية على الثورة لانه يعرف انه قد أفنى و اباه قبله بعده كل القوى الفاعلة المعارضة عبر عقود. وانه حوّل السلطة السورية الى دولة عسكرية امنية بامتياز. وان هناك متابعة حقيقية لكل مواطن سوري.
فكيف تحصل الثورة وما هي امكانياتهم لفعل ذلك والصمود والنصر؟.
كان ذلك مستحيلا وفق الحسابات المباشرة للنظام.
لكنه حصل وفق إرادة الشعوب.
خرج مئات آلاف الشباب السوري في المدن والبلدات السورية ضد النظام تريد اسقاطه. وكان رد النظام عنيفا واعتمد الإبادة بقتل المتظاهرين واعتقالهم وزجهم في المعتقلات قبل تغييبهم واعدام وجودهم. ومن ثم مع استمرار الثورة اعتمد النظام على قتل وافناء الحاضنة الشعبية بالطائرات والبراميل المتفجرة والقصف واستعان بروسيا وإيران و المرتزقة الطائفيين حزب الله وغيره. واستمر لسنوات يقتل الشعب السوري. صمت الغرب عن أفعاله واعطى ضوء أخضر لإيران وروسيا ان تدعم النظام.
حتى انتصر على الشعب السوري.
جعل البلاد مدنا وبلدات دمارا ونشر جثث الشعب السوري بين أنقاض البلاد وتحت الارض وفي السجون والمعتقلات. وتم تشريد نصف الشعب السوري بالملايين خارج سورية وداخلها. حوالي المليون شهيد واكثر ومثلهم معتقل ومغيب ومفقود ومثلهم معاق ومصاب.
كل ذلك حصاد نظام لم يفكر الغرب ان يساعد باسقاطه.
لقد كان مازال قادر على تقديم الخدمات للغرب واسرائيل.
فهو دمر سورية وأعادها للخلف عقود وجعل شعبها مصابا في روحه ودمه وأعز ما يملك.
اخيرا: ما الذي تغير حتى سحب النظام العالمي وصايته عن النظام السوري. وسقط بعدها.
طبعا سقط بقوة الثوار. لكن رفع الدعم عنه جعل سقوطه مدويا يمثل عارا عليه كما كل اعماله في ستين عاما كلها عار يجلله كل الوقت.
بداية لم يصمت الشعب السوري عن الإفناء العلني الذي مارسه النظام المجرم منذ عام ٢٠١١م حيث انطلق الربيع السوري. بل تحول الكثير من شبابه ليصنعوا جماعات مسلحة مقاتلة ضد النظام بمسميات مختلفة ولكنها تعمل لذات الهدف إسقاط النظام المجرم وبناء دولة الشعب السوري الديمقراطية العادلة دولة الحرية والكرامة.
عبر السنوات الاخيرة تم تجميد الصراع ضمن خطة غربية وتوافق مع إيران وروسيا وهدفها أن يستمر النظام ولا يسقط. لمصلحة إسرائيل بالتناغم مع بشكل أساسي.
لكن الثوار تكيفوا مع المنع الدولي استقروا في الشمال السوري وفي محافظة ادلب وريف حلب وحماة وصنعوا نموذجا لدولة قادمة في سورية يريدها السوريون.
انتظروا اللحظة التاريخية المناسبة. وأقاموا بالإعداد والتجهيز وتصرفوا بعقلية علمية عسكرية تراتبية، وكذلك في كل مفاصل الدولة كما حصل في الشمال السوري وادلب المحررين. .
جاءت اللحظة المناسبة عندما انسحبت روسيا من دورها في سورية نسبيا عندما تورطت في حربها مع الغرب في أوكرانيا.
وكذلك جاءت اللحظة المناسبة عندما تم اعتبار حزب الله عدوا يجب القضاء عليه من قبل اسرائيل بعدما تورط بالتصعيد بعد هجمات المقاومين في غزة على الكيان الصهيوني. واعتبار إيران نفسها عدوا ايضا. بعدما كانت شريك في احتلال المشرق العربي سورية ولبنان والعراق. و اتخاذ قرار تحجيمها داخل إيران بالقوة. هذا غير انهيار حزب الله وانسحاب أغلب عناصره الى لبنان للمشاركة في حربهم مع اسرائيل كذلك انسحاب ميليشيات المرتزقة التي كانت تحارب الشعب السوري كداعم للنظام على أغلب الجبهات في سورية.
عند ذلك انطلق الثوار من مواقعهم في الشمال السوري وادلب باتجاه دمشق بدء من مدينة حلب. كان الطريق مفتوحا. فلا جيش موجود ان بقاياه منهارة وقيادته مرعوبة ولا داعم دولي او اقليمي لهم الروس تنصلوا من النظام. وإيران قالت للنظام اذهب أنت وشيطانك وقاتل. ولذلك انهار الجيش وسقط دون مقاومة.
وسقط النظام الوهم بعدما لم يعد له أي دور يعتمد عليه من أعداء الشعب السوري.
هكذا قام الشعب السوري المارد الجبار واسقط النظام الوهم ودخلنا في عصر الحرية…
هكذا عاش نظام الظلم ستة عقود ليسقط في عدة ايام لانه فقد مبررات الوجود كخادم لأعداء الشعب السوري، وبعدما أصبح عدو شخصي لكل سوري عبر عشرات السنين. ولم يبقى أمامه أي فرصة لمقاومة السقوط المدوي، الذي كان مصيره الحتمي.
ان ارادة الشعوب من إرادة الله.
تنتصر ولو بعد حين.