حتى لا يستخدم معبر رفح في حصار غزّة مجدداً

عبد التواب بركات

مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، يصبح البدء الفوري في إنهاء الحصار المفروض على القطاع منذ عقود وإغاثة الشعب الفلسطيني في القطاع المنكوب وإيوائه وتضميد جراحه، وإعادة إعمار القطاع الذي دمره الجيش الإسرائيلي غير الأخلاقي ضرورة. ويبرز دور معبر رفح في فك الحصار وسفر المرضى والجرحى للعلاج ودخول المساعدات الإنسانية الطبية والإغاثية ومتطلبات الإعمار والبيوت المؤقتة والخيام للمحاصرين في قطاع غزة، الذين وصل بهم الجهد والمعاناة مبلغاً لم يتعرض له شعب آخر على وجه الأرض، مع ضمان حرية حركة المسافرين الفلسطينيين على جانبي المعبر من دون اعتقالهم أو التضييق عليهم أو استغلالهم من قِبل القوات الإسرائيلية أو السلطات المصرية.

ويوجد لدى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أونروا، آربعة آلاف شاحنة محملة بالمساعدات في الجانب المصري من معبر رفح، نصفها يحمل مواد غذائية جاهزة لدخول قطاع غزة. وهناك أيضاً آلاف أخرى من شاحنات الإغاثة والخيام الجاهزة تنتظر الدخول لغزة. ويمكن أن يكون للسلطات المصرية دور فوري في كسر الحصار وتيسير حركة الجرحى والمسافرين والعائدين الفلسطينيين عبر المعبر ودون المرور بمعبر كرم أبو سالم بتجهيز مرافق المعبر على الجانبين المصري والفلسطيني، وتوفير الوحدات الأمنية والإدارية، والجوازات والصحة والحجر.

شريان حياة مسدود

معبر رفح هو المنفذ الأهم لسكان غزة للخروج من القطاع والدخول إليه، والمنقذ للفلسطينيين من الحصار الإسرائيلي المطبق على القطاع منذ احتلاله سنة 1967، ولا يقتصر دوره فقط كمنفذ حدودي يصل بين قطاع غزة ومصر، بل بوابة عبور بين القطاع المحاصر والعالم الخارجي. وعندما عمل معبر رفح بشكل منتظم خلال فترة رئاسة محمد مرسي لمصر، كانت تعبر من خلاله عشرات آلاف الأفراد في الشهر الواحد، بمعدل 1200 مسافر يوميا في كلا الاتجاهين. وخلال العدوان الحالي، تحول المعبر من بوابة للإغاثة إلى أداة للحصار، وظل مغلقا في وجه المساعدات الإنسانية المكدسة في الجانب المصري منذ سيطر الجيش الإسرائيلي على جانبه الفلسطيني في مايو/أيار 2024.

في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، وقعت إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وبوساطة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اتفاق المعابر لينظم حركة عبور المواطن الغزاوي فقط، دون الأجنبي والبضائع، عبر معبر رفح. وينص الاتفاق على أن تقوم مصر بتشغيل معبر رفح من جهتها، والسلطة الفلسطينية من جهتها، تحت إشراف قوة تابعة للاتحاد الأوروبي. وبالرغم من عدم وجود قوات إسرائيلية على المعبر، واصلت إسرائيل، بالتنسيق الأمني مع مصر التي لا تعتبر طرفاً في اتفاق المعابر، ممارسة السيطرة الفعلية على من يحق له عبور المعبر، للضغط على سكان غزة كجزء من سياسة العقاب الجماعي.

وكذلك واصلت السيطرة على سلطة إغلاق وفتح المعبر من خلال التحكم في وصول المراقبين الأوروبيين المقيمين في عسقلان إلى المعبر للقيام بدورهم في الرقابة على الطرف الفلسطيني. وفي الواقع، كانت إسرائيل تسمح بفتح المعبر لمرات نادرة وفترات قصيرة جدا، وفي أيامِ عشوائية غير مواتية للمسافرين الغزاويين، ودون إشعار مسبق.

وفي بعض الأحيان كان المعبر يُفتح لبضع ساعات وفي اتجاه واحد فقط، وهو ما دعا جمعية مسلك الإسرائيلية المتخصصة في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في الحركة، لتقديم شكوى للقضاء الإسرائيلي لحل الأزمة دون جدوى. وخلال سنة ونصف، ظل معبر رفح مغلقاً لمدة 265 يوماً، أي ما يعادل 86% من الوقت، ما أدى إلى حرمان 852 شخصاً من الحق في السفر والدخول لغزة كل يوم.

في بداية عام 2006، فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية، فقامت إسرائيل بفرض حصار بري وبحري وجوي على القطاع وإغلاق معبر رفح. ولأن تشغيل معبر رفح يتطلب حضور ممثلين عن السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الجانب الفلسطيني للحدود، ورغم أن كلاً من مصر وإسرائيل ليستا طرفاً في اتفاق المعابر، كانت مصر تطلب موافقة الجانب الإسرائيلي على دخول وخروج الأشخاص والسلع والبضائع عبر المعبر. وفرضت مصر قيوداً مشددة على الحركة من خلال معبر رفح لسنوات عديدة، إلى الحد الذي جعل العديد من الفلسطينيين يتهمون مصر في الأساس بتعزيز الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة، والذي ظل قائماً منذ تولي حماس السلطة الكاملة في عام 2007.

وكانت لإغلاق معبر رفح عواقب وخيمة على سكان القطاع، وهو سبب مباشر للحرمان من الوصول للخدمات الطبية غير المتاحة في غزة، وهدر فرص الدراسة الأكاديمية والشغل لأبناء القطاع في الخارج، والتفريق المتواصل بين أفراد العائلة على جانبي الحدود، والخسائر الجسيمة بالتجار وأصحاب الأعمال في غزة وشركائهم الدوليين، وزيادة الشعور العام بالاختناق والعزلة بين سكان القطاع، حيث يتعذر السفر وتنعدم الفرصة الحقيقية لمغادرة القطاع حتى في ظروف الخطر المحدق والعدوان الهمجي. وهناك الكثير من الولادات والوفيات على جانبي المعبر من دون مبالاة من الجانب المصري المتحكم الفعلي في حركة الدخول والخروج.

فرصة للنظام المصري

تشغيل المعبر بعيداً عن السيطرة الإسرائيلية ودون المرور بمعبر كرم أبو سالم تحت الإدارة الإسرائيلية فرصة تاريخية للنظام المصري لإثبات جديته في مناصرة القضية الفلسطينية، وتحسين صورته التي تضررت بسبب مشاركته إسرائيل في حصار غزة، بغضاً في حركة حماس التي تدير القطاع والمنتمية فكرياً لجماعة الإخوان المسلمين التي يناصبها العداء منذ الانقلاب على حكم الرئيس محمد مرسي في منتصف 2013، وإغلاق المعبر في وجه المدنيين والجرحى والمساعدات الإنسانية خلال الأشهر الخمسة الأولى للعدوان، وتسببه في فساد مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات الغذائية الموجهة لأطفال ونساء غزة، وهي فضيحة كشفها للعالم المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك.

وساهم في تشويه صورة النظام المصري أمام العالم، كبت ردة الفعل الشعبية، وميوعة الموقف الرسمي، ضد جرائم الحصار والإبادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل في غزة. وتصريح الرئيس الأميركي جو بايدن بأن السيسي كان يرفض فتح معبر رفح للسماح بدخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وأنه هو الذي أقنعه بفتح المعبر. وتقاعسه عن قيادة أي ضغوط دولية لفتح المعبر، وتفريطه في فرصة فتح المعبر تحت مظلة الأمم المتحدة، مستغلا زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس قادما من مطار العريش والذي ندد باصطفاف الشاحنات التي تحمل المساعدات الإنسانية على الجانب المصري من المعبر.

وكذلك اتهام مؤسسات دولية النظام بدعم إسرائيل في العدوان على غزة، منها منظمة العفو الدولية، التي أصدرت تقريراً في أكتوبر الماضي يكشف عن استقبال ميناء الإسكندرية المصري سفينة شحن تجارية ألمانية تحمل حاويات مليئة بمواد تستخدم في تصنيع القنابل الفتاكة قادمة من فيتنام ومتجهة إلى جيش إسرائيل عبر طريق رأس الرجاء الصالح، بدلا من باب المندب، فراراً من هجمات الحوثي، وتأكيد مركز الدعم القانوني الأوروبي وحركة مقاطعة إسرائيل حمولة المتفجرات والوجهة إلى إسرائيل، ورفض أنغولا وسلوفينيا ومالطا السماح لها بالرسو المؤقت. ورصدت بيانات ملاحية قيام سفن حاويات ترفع العلم المصري بنقل بضائع ومنتجات غذائية في رحلات منتظمة إلى ميناء أسدود الإسرائيلي انطلاقاً من ميناءي بورسعيد والدخيلة المصريين، بالتزامن مع إغلاق معبر رفح في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر لشهور على قطاع غزة.

وهي فرصة أيضاً لتقديم بادرة حسن النية بالمشاركة في إغاثة غزة عبر المعبر، وذلك قبل طلب مصر المشاركة في مشاريع إعادة إعمار غزة، والتي ستكلف أكثر من 80 مليار دولار، منها 700 مليون دولار لإزالة 42 مليون طن من الأنقاض، وبناء 171 ألف وحدة سكنية، وإعادة بناء البنية التحتية في القطاع التي دمر العدوان 90% منها، وهي الأعمال التي تجيدها الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة المصرية. والحصول على حصة من هذه الأعمال ستكون فرصة لتعويض 7.5 مليارات دولار عبارة عن خسائر مصر المباشرة نتيجة تراجع عائدات قناة السويس بسبب تحويل 75% من السفن مسارها من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح تجنباً لهجمات جماعة الحوثي اليمينة الداعمة لغزة.

ومن الضروري قبل الحصول على حصة من كعكة إعمار غزة، تحسين معاملة الفلسطينيين الجرحى والمسافرين عبر معبر رفح، وعلاج الصورة الذهنية التي علقت بذاكرة 100 ألف فلسطيني غادروا قطاع غزة عبر المعبر خلال الشهور الثمانية الأولى من العدوان بتنسيق أمني مع إسرائيل وقيام شركة هلا التي يمتلكها رجل الأعمال المصري المقرب من النظام، إبراهيم العرجاني، بتقاضي مبالغ مالية بدأت بخمسة آلاف دولار للشخص الواحد، وحتى 12500 دولار، وهي فضيحة كبيرة وثقتها ونقلتها صحيفة نيويورك تايمز في حينه. ونددت منظمة هيومن رايتس ووتش بتحصيل هذه الأموال التي وصلت إلى 15 ألف دولار للفرد. وقدّر أحد أعضاء حركة حماس المبالغ التي حصلتها الشركة من الفلسطينيين الفقراء والجرحى بمبلغ 550 مليون دولار. وكان من المنتظر أن تقدم الحكومة المصرية خدمة عبور المرضى والجرحى من رفح إلى مطار القاهرة دون مقابل.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى