عرضت القناة 13 الإسرائيلية تقريراً موسّعاً ومذهلاً عمّا يُسمى “الممرّ البرّي” الذي أقامته إسرائيل بالتعاون مع دول عربية، بغرض استبدال طريق البحر الأحمر الذي أغلقه الحوثيون في وجه السفن الإسرائيلية. تابع مراسلو القناة خطّ سير مئات الشاحنات اليومية التي تتّجه إلى إسرائيل منطلقة من الإمارات مروراً بالسعودية والأردن وصولاً إلى محطّتها الإسرائيلية. ورأى المشاهدون مئات الشاحنات تصطفّ في طوابير طويلة في أراضي هذه الدول.
حسم التقرير محاولات نفي خجولة من حكومات الدول المعنيّة وتهرّبها من الحديث عن هذا الممرّ البرّي الذي يمثل حالياً واحداً من أهم شرايين الحياة للكيان الصهيوني وجيشه المجرم خلال حرب الإبادة التي ينفّذها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة. بعيداً عن أن المشاركة في هذا الممرّ طعنةٌ في ظهر الشعب الفلسطيني في هذه الوقت الحرج، وطعنةٌ في ظهر شعوبهم وعروبتها، ثمّة حاجةٌ لإخضاع هذه المشاركة للمساءلة القانونية في ضوء قرارات محكمة العدل الدولية التي أهم ما جاء فيها الإقرار بوجود إمكانية واقعية لإبادة جماعية تقوم بها إسرائيل. وهذا يتطلب من دول العالم أجمع، وكما قالت منظمة العفو الدولية في تعليقها على قرارات المحكمة، أن تساهم في تطبيق روح تلك القرارات، وأن تحظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل على الفور. ويمكن، ببساطة، إضافة ضرورة ومسؤولية حظر كل ما يتعلّق من قريب أو بعيد بآلة الحرب العسكرية الإسرائيلية الإبادية. ويجب أن يطبّق هذا على كل ما يتم تصديره إلى إسرائيل، ومن ضمن ذلك ما تحمله مئات الشاحنات اليومية عبر الممرّ البرّي.
ما الذي تجلبه هذه الشاحنات وما هي البضائع التي تنقلها؟ وما الذي يتم توجيهه منها إلى الجيش الإسرائيلي؟ يجادل قانونيون دوليون بأن شبهة تهمة الإبادة، وفي حال أقرّت المحكمة وقوعها قانونيا ولو بعد فترة طويلة، تعني مشاركة دول غربية كثيرة صدّرت السلاح إلى إسرائيل خلال جريمتها في نطاق المشاركة المباشرة، في الإبادة. ومرّة أخرى، من الممكن المجادلة أن الدول التي صدّرت أية بضائع غير عسكرية وصلت إلى الجيش الإسرائيلي واستخدمها تكون قد ساهمت هي الأخرى في الجريمة. يطاول هذا كل المواد ذات الاستخدام المدني، مثل الملابس والأدوات وحتى المياه المعدنية، لأن هذا التزويد يصبّ في خدمة استمرار حرب الإبادة. كيف يمكن التغاضي قانونياً وأخلاقياً وسياسياً عن خطوط تزويد جيش مجرم مُتّهم بارتكاب إبادة جماعية؟ على المستوى القانوني، وهو أضعف الإيمان، من واجب الحقوقيين العرب وغيرهم ممن يحرّكهم الضمير الحر والانحياز لبشرية البشر، وضع الأطراف العربية المنخرطة في الممرّ البرّي في قفص الاتهام بالمشاركة في حرب الإبادة بأنها تساهم، على نحو مباشر أو غير مباشر، في إطالة أمد الحرب وقتل مزيد من الفلسطينيين.
نعرف جميعا أن المسؤولية القانونية في تنفيذ الإجراءات الاحترازية الفورية التي طالبت بها المحكمة الدولية تقع، إلى جانب إسرائيل، على عاتق دول العالم أجمع، بما فيها العربية المجاورة لإسرائيل. عوض القيام بذلك، تقوم هذه الدول بدورٍ معكوس تماماً، يتمثل، باختصار، في مساعدة المجرم على مواصلة جريمته.
في الوقت نفسه، تساهم دولة عربية أخرى، هي مصر، في خنق الضحية الفلسطيني عن طريق إعاقة شاحنات المساعدة المتوجّهة إلى غزّة وفرض أتاوات عليها (خمسة آلاف دولار على كل شاحنة)، كما أثبتت تقارير حقوقية وإعلامية استقصائية نشرها أخيراً موقع “ميدل إيست آي”. وتتسع وسائل الخنق في فرض أتاوات ورشى على الجرحى الفلسطينيين الذين يلزمهم علاج فوري وطارئ لا يتوفر في قطاع غزة الآن، ويريدون مغادرته لتلقّي العلاج في الخارج. هناك مئات الشهادات التي تجمّعت من غزيين جرحى ومرافقيهم غادروا القطاع ودفعوا لسماسرة مصريين مبالغ طائلة تصل إلى عشرة آلاف دولار على الشخص، وأحياناً أكثر. وتغولت تجارة الدم هذه لتصل منع زيارة الجرحى الفلسطينيين إلا بعد دفع عدة آلاف من الدولارات، وحوّلت معاناة الجرحى الى مصدر تجارة رخيصة ومُخجلة. يجب أن يخضع تجار الدم الفلسطيني على الجانب المصري أيضاً للمساءلة القانونية من محكمة العدل الدولية، وكأفراد من محكمة الجنايات الدولية بأنهم مساهمون في جريمة الإبادة.
أخلاقياً وعروبياً ودينياً، نعجز جميعا عن استيعاب ما نشهده وإدراكه. أصاب الشلل لغتنا العربية الغنية بتعبيرات الوصف ونحت النعوت في توصيف ما يحدُث ونراه يومياً. نحتاج قاموساً جديداً يفيدنا بمفردات أكثر تعبيراً عن الخذلان والغدر والخنوع. على مقاعد الدرس، كنّا قد قرأنا تاريخ أمراء الطوائف في الأندلس خلال فترة انهيارها وكيف كان أولئك الأمراء يتحالفون مع الملوك الإسبان ضد بعضهم بعضاً، بل وكان منهم من حارب في جيوش الإسبان ضد أشقائهم. كانت دهشتنا بالغة وإحساسنا بالمرارة والغدر عميق، رغم القرون المديدة التي مرّت على تلك الخيانات. لم يخطُر في أكثر خيالاتنا جموحاً أن أيا منّا سيعيش ليرى الحقبة نفسها تتكرّر هذه الأيام، على نحو أشد بشاعةً، وأمرّ مرارةً. وهذه مهمة تُحال إلى مجامع اللغة، على صعوبتها البالغة.
المصدر: العربي الجديد
أخلاقياً وعروبياً ودينياً، نعجز جميعا عن استيعاب ما نشهده وإدراكه ما يحدُث ونراه يومياً في خنق الضحية الفلسطيني بممارسات الأنظمة العربية ، إن لم تستطع أن تقدم المساعدة لشعبنا الفلسطيني فعلى الأقل أن لا تمنع المساعدات وأن لا تدعم العدو ، قراءة دقيقة موضوعية لمواقف الأنظمة العربية تجاه ذلك .