بداية لا بد من التوضيح بأنني واكبت ثورتنا السورية بالكتابة والنشر والتقويم وحتى بالندوات السياسية والمقابلات مع رموز سياسية وقيادات ميدانية عسكرية ومدنية. نشرناها عبر وسائط التواصل الاجتماعي عبر سنوات. وكتبت ونشرت المئات من قراءات الكتب والروايات والسير الذاتية المتعلقة بالثورة السورية وكذلك العربية والعالمية منذ ثلاث عشر عاما حيث اضطررت مثل كثير من السوريين أن أنجو بعائلتي من بطش النظام المجرم نهاية عام ٢٠١٢م بعد سنة ونصف من بداية ثورتنا المنصورة في ربيع عام ٢٠١١م. حيث خرجت الى خارج سورية لأبدأ حياة جديدة.
علما اني معارض للنظام المجرم السوري منذ سبعينات القرن الماضي ومعتقل سابق في سجونه لأكثر من سنتين من الزمن.
المهم كان انتصار ثورتنا التي قضت في ايام على أسوأ نظام في العالم المعاصر استمر ما يزيد عن ستين عاما في حكم سورية واضطهاد وإذلال شعبها، واعتقال وقتل المعارضين وخلق شبكة نهب وفساد يتمترس بالجيش والأمن وكانوا في بنيتهم الطائفية أداة قتل وظلم الشعب السوري خاصة بعد ثورة الربيع السوري عام ٢٠١١م. الذي أدى لقتل أكثر من مليون سوري، ومثلهم مغيبين ومختفين قسريا، ومثلهم مصابين ومعاقين، هذا غير الملايين الثلاثة عشر اللاجئين داخل سورية وخارجها، وقضت بذلك على كل فرص الحياة الطبيعية بحق أبناء الشعب السوري هؤلاء، سواء بمنعهم من الوصول الى املاكهم واراضيهم ومصادر عيشهم، هذا غير تدمير مدنهم وبلداتهم وقتل بعض اهلهم واعتقال البعض.
لقد كان يعيش الشعب السوري جحيما حقيقيا سواء من كان منهم لاجئا، او بقي يتجرع الذل والخوف والفاقة والظلم في بلادنا سورية ، التي أصبحت خرابا تبكي أصحابها الغائبين والحاضرين على حد سواء.
لكل ذلك كانت ثورتنا مشروعة، وقدمنا من التضحيات ما يعجز عن تقبله أي نصير للإنسان وحقوقه وتحقيق ظروف حياة تتحقق بها الحرية والعدالة وتسترد الكرامة الانسانية وتبني دولة ديمقراطية تحترم المواطنة المتساوية لكل مكونات الشعب السوري.
لقد أحسست عندما انتصرت ثورتنا قبل أقل من شهرين أنني بحاجة ان اعيش احساس السعادة والتمتع بالحرية وبناء ظروف الحياة الأفضل لكل الشعب السوري. وان اعيش حالة “استراحة محارب” وبعد مضي هذا الوقت وانا اتابع بكل دقة وكل الوقت ما يحصل في بلدي سورية وأنا مازلت بعيدا عنها واعد العدة للعودة في أقرب وقت.
لقد اكتشفت ان لا امكانية ان يكون هناك استراحة محارب بالنسبة لمن لا ينتهي دوره في الحياة. لقد نظرت للدور الفاعل في المجال العام نصرة لحقوق الناس وحياتهم على أنه رسالة في الحياة. والرسالة كشعور وواجب وممارسة عملية عند كل انسان حسب إمكانياته وظروفه لا تنتهي حتى تنتهي الحياة الشخصية لصاحب الرسالة. وقد لا تنتهي بعد وفاته فقد تبقى مستمرة في ما أنجزه في حياته. أو هكذا يفترض أن يحصل …
تبين لي أن كل ذلك مطلوب وضروري ولذلك حزمت أمري وقررت متابعة ما دأبت عليه عبر اثني عشر سنة سابقة بالكتابة تحليلا وتقويما وكتابة تعقيبات تنور ما اقرأه من كتب وروايات وسير ذاتية، لأن علاقتي بالقراءة علاقة وجودية تقدم لي الغذاء الروحي والنفسي والعقلي والمعرفي من كل ما اطّلع عليه.
لقد قررت العودة لأقوم بدوري -على تواضعه- خاصة أن مرحلة جديدة بدأت في سورية إنها مرحلة بناء سورية الجديدة التي تعمل لإعادة إعمار سورية وملاحقة فلول النظام الذين يحاولون تخريب انتصارنا وخدمة اجندة اعداء سورية وشعبها خاصة ايران وادواتها. ورغم أن ما فعله الثوار لحظة انتصارهم من اعتماد العفو “عن ما مضى” وأن يتم ترميم النفوس كما اعادة بناء البلاد المتهالكة على كل المستويات.
كان لا بد من إظهار عفو سلطة الشعب السوري المنتصرة كما اظهار حزمها وقدرتها على الردع. حصل الكثير من عمليات زرع الفتنة ومحاولة اعتماد أجندة التقسيم للدولة السورية. خاصة أن الكثير من بقايا النظام من اهلنا العلويين لم يتقبلوا ما حصل. خاصة انهم سيكونون تحت المحاسبة أثناء تنفيذ العدالة الانتقالية. ولقد تصرفت سلطة الثورة بكثير من الحنكة والدراية السياسية. بحيث تم حل الجيش والأمن وهم اداة النظام المجرم الساقط.
المتغيرات كثيرة في سورية سواء في اعادة تأهيل البنية التحتية المتهالكة على كل المستويات. لا كهرباء ولا ماء مع انعدام شروط الحياة الاقتصادية السوية لكل الشعب السوري.
هذا غير إعادة ربط سورية كدولة وسلطة مع دول الجوار السوري والعمق العربي وتثبيت التحالف مع تركيا التي دعمت ثورتنا حتى انتصارنا والتي تعهدت بدعم سورية دولة وشعبا في مرحلة البناء.
معركة القضاء على فلول النظام وعلى تجارة الكبتاغون والمخدرات وبناء جيش وشرطة والأمن الداخلي بديلة تنتمي للشعب السوري وتمثل مطالبه العاجلة اولا بأول.
كما لدينا عقبة العقوبات الدولية التي وضعت على النظام السوري الساقط والتي تحولت الى عقوبات على الشعب السوري والتي يجب إزالتها ليتسنى للسوريين وداعميهم الدوليين والعرب ان يسهموا في اعادة بناء سورية.
ملفات كثيرة على اجندة الدولة السورية والشعب السوري في المغتربات والداخل تشكل ورشة واحدة لتجاوز عقود الظلم والظلام السابقة وبناء سورية الجديدة سورية لكل شعبها محققة الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والحياة الأفضل.
فعلا وليس امنية فقط.