بعد شغور المنصب الرئاسي لأكثر من سنتين (منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022) انتخب البرلمان اللبناني يوم الخميس 9 كانون الثاني/يناير 2024 قائد الجيش جوزيف عون رئيسًا للجمهورية بأكثرية 99 صوتًا من 128.
سبق ذلك جملة من التطورات والمداخلات كان أهمها وأخطرها والعامل الحاسم في التعجيل بالانتخاب نتائج الحرب الأخيرة على لبنان واتفاقية وقف إطلاق النار التي وافق عليها حزب الله. والحال أن تقاطع المداخلات الدولية مع الوضع المستجد على صعيد الحرب في الجنوب انعكس في تحديد موعد جلسة الانتخاب . وعلى الرغم من إدعاءات الكثيرين بأن الانتخابات الرئاسية اللبنانية كانت عملية محض داخلية، تقول هذه الورقة ومن دون مبالغة إن الانتخابات الرئاسية في لبنان جرت، وهي تجري منذ زمن طويل، تحت وطأة وسطوة التدخلات الخارجية؛ ونحن هنا سنستعرض عدة نماذج من “التدخلات” الخارجية التي عرفتها الانتخابات الرئاسية وسنحاول قراءة دروسها.
فاصلة تاريخية[1]
- عبر تاريخ لبنان، لعبت العصبيات العشائرية والذهنيات المتولدة منه (التضامن الطائفي) دور التيارات النابذة (centrifugal forces) بحيث أدت الصراعات بين الداخل العربي- الإسلامي والخارج الغربي الأوروبي إلى قيام حواجز نفسية منعت التحام سكان الجبل بالسواحل والسهول الداخلية، على الرغم من الوحدة الثقافية-اللغوية-العرقية التي تجمعهم في بوتقة حضارية واحدة.
- استقرت قواعد توزيع السكان والطوائف في القرن الثالث عشر- الرابع عشر(بعد حملات المماليك على جبيل وكسروان والشمال)، ما أرسى تفكك المناطق اللبنانية وانعدام الوحدة السياسية والوطنية على الرغم من سيادة اللغة العربية وعلاقات القرابة العربية…
- العصبيات العشائرية الطائفية والذهنيات المتولدة منها كانت في الوقت نفسه قوى عسكرية حزبية.
- النظام الإقطاعي الفدرالي شبه المستقل ذاتيًا والذي قام عليه الحكم العثماني للبنان، أدى الى ظهور التيارات الجاذبة (centripetal forces) التي ساعدت على بلورة الشعور الوطني اللبناني لاحقًا. ويبدو أن فترة الإمارة في جبل لبنان[2]عرفت وئامًا طائفيًا واختلاطًا سكانيًا جغرافيًا واقتصاديًا ، على قاعدة وجود إدارة سياسية-عسكرية مشتركة خلقت قواسم مشتركة.
- العصبيات الحزبية القيسية- اليمنية[3]كانت دمجت زعماء الطوائف في تيارات وجماعات سياسية مشتركة متجاوزة للطوائف؛ وهي حزبيات حاربت ضد بعضها البعض بغض النظر عن الانتماء الديني الطائفي. هنا أيضًا قاعدة لوحدة صف متجاوزة للطوائف كانت في أساس العصبيات اليزبكية- الجنبلاطية ثم الانقسام الدستوري- الكتلوي في المراحل اللاحقة.
- نظام الامتيازات العثماني للدول الأوروبية[4] ، ونظام الملل العثماني[5] في الإدارة الداخلية لشوؤن الطوائف، ضاعف من سيطرة وسطوة الزعامات الدينية والعائلية على طوائفها وعشائرها. وبذا فإن التيارات النابذة والتيارات الجاذبة كانت تتصارع على أرضية التوازنات الخارجية بين السلطنة العثمانية ودول أوروبا، خصوصًا أن الدخول الغربي الاقتصادي- الاجتماعي والثقافي- التربوي ، فاقم من التفاوتات بين المناطق والطوائف اللبنانية.
- المثال القوي على الصلة ما بين الاستقواء بالخارج والغلبة في الداخل تقدمه حالة الموارنة والدروز في الفتنتين الأولى (1840- 1841) والثانية (1860- 1861)، حيث أدى الصراع الدولي للسيطرة على المنطقة إلى صراع بين الإقطاعيين اللبنانيين على السلطة المحلية، على قاعدة استشعار الموارنة بقوتهم المستجدة للتخلص من الإقطاع الدرزي والحكم العثماني وبتشجيع أوروبي مماثل لتشجيعهم الحركات القومية المسيحية في البلقان.
- نظام القائم مقاميتين[6]ونظام المتصرفية[7] كانا نتيجة الحرب الأهلية الداخلية من جهة، والتدخلات الدولية الخارجية من جهة ثانية، والتي أنتجت توازنات جديدة في علاقة الدولة العثمانية والدول الأوروبية (ازدياد النفوذ الأجنبي، مقتضيات التوفيق بين مصالح وسياسات الدول الغربية المتصارعة، وبينها وبين الدولة العثمانية)، كما في علاقات الطوائف اللبنانية وميزان القوى بينها.
- والحال أن تاريخ الصيغة السياسية اللبنانية، منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، مرورًا بكل محطات تشكل الكيان اللبناني ودولته، هو تاريخ التدخل الخارجي لإنجاز تسوية بعد صراعات وحروب داخلية متكررة؛ ولا تشذ مسألة الانتخابات الرئاسية اللبنانية عن هذه القاعدة.
نموذج مرحلة الاستقلال الأولى 1943-1958
أسس الصراع البريطاني الفرنسي في المشرق لقيام دولة الاستقلال في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1943[8] . ولم تخل أول انتخابات رئاسية من حد أدنى من المقاييس الديمقراطية البرلمانية على النمط الغربي، بفضل الاحتلال البريطاني الذي طرد قوات فيشي الفرنسية ، وكانت له اليد العليا في تلك المرحلة. كانت البلاد منقسمة فعليًا بين كتلتين سياسيتين وبرلمانيتين حكمتا الحياة السياسية اللبنانية لفترة طويلة ، هما الكتلة الدستورية (ومن أعلامها بشارة الخوري ورياض الصلح، وكانت بريطانيا تدعمها)؛ والكتلة الوطنية (علمها إميل إده وكان الحاضن الطبيعي لها البيئة المارونية المؤيدة لفرنسا). وقد مثّل قرار بريطانيا إرسال أول بعثة ديبلوماسية إلى لبنان عام 1941، بداية الصراع الفعلي بينها وبين فرنسا، كانت انتخابات الرئاسة الأولى مسرحه الدوري. وبدعم بريطاني أمام فرنسا المنهارة نتيجة الاحتلال النازي فاز بشارة الخوري والكتلة الدستورية في انتخابات 1943. وفي عام 1949 جرى التمديد للرئيس بشارة الخوري لولاية رئاسية جديدة، على وقع تداعيات نكبة 1948 في فلسطين، وبالأساس بسبب انشغال فرنسا في أزماتها الداخلية المتراكمة بعد الحرب العالمية الثانية وفي ظل الجمهورية الرابعة (بين عامي 1946 و 1958) التي تعتبر أسوأ فترة سياسية في حياة فرنسا. ففي تلك السنوات وقعت فرنسا في أتون الحرب في الهند الصينية (1946- 1954) وواجهت انتفاضة جزيرة مدغشقر (1948- 1949)[9] وتصاعد المقاومة الفيتنامية ضدها، ناهيك عن الأزمة السياسية العنيفة التي تسببت بها الفضيحة العسكرية السياسية المعروفة باسم “قضية الجنرالات” والمتعلقة بتسريب تقرير سري لقائد أركان الجيش الفرنسي عن الوضع في الهند الصينية[10]. كل هذا جعل بريطانيا طليقة اليد في تقرير سياسة لبنان خصوصًا بعد أن تخلصت من عبء فلسطين والهند بقرارها تقسيم البلدين وإنتاج حالة مستدامة من الصراعات والعنف وعدم الاستقرار في المنطقة.
لكن الرئيس بشاره الخوري لم يكمل ولايته الثانية بسبب تصاعد الغضب الشعبي ضده من جهة وتخلي بريطانيا عنه من جهة ثانية. وما بين عامي 1949 و1952 كانت الانقلابات السورية المتتالية وكانت الأزمات المتفاقمة بسبب اللجوء الفلسطيني والاضطرابات السورية والقطيعة الجمركية مع سورية وفصل العملة بين البلدين وحلول ميناء حيفا محل ميناء بيروت…إلخ. في عام 1951، تشكّلت معارضة واسعة لسياسة بشارة الخوري ركّزت على العمل لإطاحة الرئيس. عمّ الإضراب بيروت وسائر المناطق اللبنانية، وذلك يومي 15 و 16 سبتمبر/أيلول من العام 1952، كما تقدّم عددّ من النواب بطلب استقالة بشارة الخوري. قدّم الرئيس صائب سلام استقالة حكومته، في 17 سبتمبر/أيلول ، ولم يقبل أي شخص آخر بتشكيل حكومة جديدة. وعلى الأثر قدّم بشارة الخوري استقالته، وتشكلّت حكومة ثلاثية برئاسة قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب.
نموذج مرحلة التوازن العربي الغربي 1958- 1970
فاز كميل شمعون برئاسة الجمهورية في 23 سبتمبر/أيلول من العام 1952 ، بدعم بريطاني (وأميركي أيضًا). لقد تخلت بريطانيا عن بشارة الخوري بسبب انخراطها النشط في استعادة لبنان والشرق الأوسط عمومًا (حلف بغداد مثالًا) وبدء عملية ترتيب أوضاعها في المنطقة بعد صعود الرئيس محمد مصدق في إيران وتأميمه النفط (مارس/آذار1951) وقيام الثورة المصرية (يوليو/تموز 1952)، والانقلاب العسكري ضد الملك طلال في الأردن (أغسطس/آب 1952)؛ وأخيرًا تشكيل الجماعة الأوروبية للفحم والصلب(ضمت فرنسا وألمانيا الغربية وإيطاليا وبلجيكا ولكسمبورغ وهولندا)، وهي كانت نواة لما سيصبح لاحقًا الاتحاد الأوروبي. وبعد العام 1956 وأفول الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية (تصاعد حرب التحرير الوطنية في الجزائر منذ العام 1954 ، تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر1956، ثم الوحدة المصرية السورية 1958) حلت الولايات المتحدة الأميركية محل الإمبراطوريتين القديمتين، في مواجهة صعود الناصرية والقومية العربية[11].
ورثت الشهابية (ما سمي لاحقًا بالنهج) بقايا الكتلة الدستورية في ظل وضع عربي جديد آيته الانقلابات العسكرية في سورية ومصر والعراق، والحرب الباردة بين الجبارين. فجاء الجنرال فؤاد شهاب إلى الرئاسة باتفاق أميركي – مصري 1958. لكن شهاب لم يقبل بالتمديد أو التجديد (1964) الذي جاءه على طبق من فضة (عريضة وقعها 71 نائبًا من أصل 99 هم عدد أعضاء البرلمان يومها) وذلك لمعرفته الدقيقة بتأثيرات الوضع العربي المحيط وتداعياته على لبنان، منذ وصول البعث إلى السلطة في العراق وسورية (1963) ثم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني في عام 1964[12].
وكان عهد الرئيس شارل الحلو (1964-1970) استكمالًا في وجه من وجوهه لعهد الرئيس شهاب محمولًا على تدخل فرنسي-فاتيكاني هذه المرة أراد بلورة وضع جديد للمسيحيين في لبنان. نذكر هنا تأثيرات المجمع الفاتيكاني الثاني (1962- 1965) وصعود الديغولية في فرنسا، على مجمل الوضع اللبناني والماروني منه تحديدًا… لذا كانت مرحلة شارل الحلو مرحلة هدوء واستقرار لولا أن قطعت أنفاسها أزمة بنك انترا (أواخر عام 1966) ثم نكسة الخامس من يونيو/حزيران 1967 والانطلاقة القوية للمقاومة العسكرية الفلسطينية بعد معركة الكرامة في الأردن في 21 مارس/آذار 1968. فكان صعود الحلف الماروني الثلاثي (ريمون إده، بيار الجميل، كميل شمعون) واكتساحه انتخابات البرلمان عام 1968، وكانت المعارك السياسية والعسكرية حول الموقف من العمل الفدائي وحقه بالعمل انطلاقًا من الأراضي اللبنانية 1968-1970.
نموذج انتخابات 1970 الموصوفة بالاستثنائية
يحلو للكثيرين التأكيد على أن انتخابات الرئاسة في 23 سبتمبر/أيلول 1970، والتي فاز فيها سليمان فرنجية (بفارق صوت واحد) ، كانت الوحيدة التي جرت من دون أي تدخل خارجي. لكن الاستحقاق الرئاسي عام 1970 جاء تتويجًا لجملة تحولات إقليمية وداخلية أبرزها: إنتخابات 1968 النيابية التي أحرز فيها الحلف الثلاثي الماروني تفوّقًا كبيرًا مستفيدًا من نكسة الخامس من حزيران 1967 ، التي أضعفت التدخل المصري الداعم للشهابيين وللمسلمين عمومًا؛ العدوان الاسرائيلي الكبير على مطار بيروت الدولي (28 ديسمبر/كانون الأول 1968) الذي كان بداية دخول البلاد في سلسلة أزمات عنيفة حول الموقف من العمل الفدائي في لبنان؛ وهي أزمات توجّها اتفاق القاهرة[13] الذي كان نقطة تحول كبرى في الوضع اللبناني (من حيث تصاعد الالتفاف المسيحي حول الحلف الثلاثي الجديد) كما الوضع العربي (من خلال تعاظم قوة وقدرات الثورة الفلسطينية انطلاقًا من جنوب لبنان). وبالتالي فقد كان الحلف الثلاثي ناخبًا كبيرًا في الاستحقاق الرئاسي محمولًا على وضع إقليمي جديد، إلا أنه لم يستطع تأمين أغلبية لأحد أعضائه فجاءت التسويات والتدخّلات (خصوصًا الروسية منها[14]) في ما سمي بـ”صدفة الصوت الواحد” الذي تبيَن أنه كان صوتًا جنبلاطيًا . وكان انتخاب الرئيس فرنجية إعلانًا بنهاية الحلف الثلاثي والشهابية في آن[15]، وقد تلته ورافقته متغيرات جذرية في المنطقة تمثّلت بأحداث أيلول الأسود في الأردن وخروج منظمة التحرير بعدها إلى لبنان، ووفاة الرئيس عبد الناصر يوم 28 سبتمبر/أيلول 1970 بسبب الإنهاك وانشغاله بأحداث الأردن ومحاولات وقف القتال وعقد القمة العربية . لكن التغير الأهم تمثل في ما سمي الحركة التصحيحية في سورية ، وقد بدأ انقلاب حافظ الأسد على رفاقه منذ أواخر العام 1969 واكتمل انقلابه في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1970 لتبدأ مرحلة التدخل السوري المكشوف في لبنان.
وكانت ولاية الرئيس سليمان فرنجية في سنوات 1970-1976 شديدة الاضطراب وشهدت أحداثًا اجتماعية كبيرة من إضرابات وتظاهرات عمالية وطلابية… كما أنها شكلت خميرة إنضاج الحرب الأهلية عبر سلسلة من الصدامات العسكرية والشعبية بين مؤيدي العمل الفلسطيني المسلح ومعارضيه، وصلت ذروتها في أحداث مايو/أيار 1973 بين الجيش اللبناني والفدائيين الفلسطينيين، وانتهت بحرب السنتين 1975-1976[16].
نموذج مرحلة الحرب الأهلية 1976- 1989
مع دخول القوات السورية إلى لبنان في ربيع 1976 جرى أول تعديل للدستور لجهة تقديم المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية؛ ومن ثم فقد انتخب الرئيس الياس سركيس في قصر منصور قرب متحف بيروت وليس في البرلمان اللبناني. فمع وضوح الموقف السوري بانتخاب حاكم مصرف لبنان الياس سركيس حدد رئيس مجلس النواب كامل الأسعد يوم 8 مايو/ أيار 1976 موعدًا لانتخاب الرئيس الجديد. في تلك الفترة دعت الحركة الوطنية (اليسار اللبناني) ورئيسها كمال جنبلاط (مدعومة من منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات) إلى الإضراب العام يوم انتخاب الرئيس، وممارسة شتى أنواع التحرك والاحتجاج الشعبي لمنع الانتخاب. كما دعت النواب إلى الامتناع عن حضور الجلسة، معتبرة أن عدم إكمال النصاب إحباط لمحاولة تعيين سورية لرئيس جديد. وكانت جلسة انتخاب سركيس الجلسة الأطول في تاريخ الانتخابات الرئاسية في لبنان حتى ذلك التاريخ، إذ استمرت ما يقرب من ست ساعات بانتظار استكمال النصاب الذي رسا في نهاية المطاف على 69 نائبًا، حضروا وسط إضراب عام، وقطع للطرقات بالإطارات المحترقة وإطلاق القذائف على مقر المجلس في قصر منصور، في محاولة لتعطيل الجلسة بالقوة بعد فشل تطيير النصاب، خصوصًا أن قوات جيش التحرير الفلسطيني (التابعة لسورية) عملت جهدها لتأمين سلامة النواب عند وصولهم إلى مبنى المجلس، فيما كانت مجموعات من الصاعقة (منظمة فلسطينية للبعث السوري) ترافق بعض النواب وتؤمن لهم الحراسة. وقد سرت أنباء مؤكدة عن إحضار عدد من النواب بالقوة إلى جلسة الانتخاب. ولم يتمكن الرئيس الياس سركيس من استلام مهامه لامتناع الرئيس فرنجيه عن تسليم قصر بعبدا قبل انتهاء ولايته. وقد أقسم الرئيس سركيس اليمين الدستورية في بارك أوتيل بشتوره (البقاع) أمام 67 نائبًا[17].
في العام 1977 حدث التحول في التحالفات على الأرض اللبنانية. فانهار التحالف السوري مع اليمين اللبناني بسبب عاملين حاسمين: 1- وصول اليمين الإسرائيلي (الليكود) إلى الحكم في إسرائيل لأول مرة منذ تأسيس الكيان، 2- اكتمال ابتعاد الرئيس السادات عن الحلف مع سورية منذ اتفاقية سيناء في 4 سبتمبر/أيلول 1975 ثم زيارته القدس في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1977، وصولًا إلى اتفاقية كمب ديفيد في 17 سبتمبر/أيلول 1978 و معاهدة السلام المصرية في 26 مارس/آذار 1979. جعل هذا الأمر سورية ومنظمة التحرير الفلسطينية في حاجة إلى عودة اللقاء والتحالف بينهما وبضغط سوفياتي أكيد[18].
وعلى المنوال نفسه من التدخل الخارجي الحاسم (إنما باتجاه مضاد هذه المرة) كان انتخاب الشيخ بشير الجميل رئيسًا في 23 أغسطس/آب 1982 أي غداة الاحتلال الاسرائيلي لبيروت ومعظم الأراضي اللبنانية من الجنوب إلى الجبل والبقاع الغربي، وخروج قوات الثورة الفلسطينية إلى الشمال والبقاع الشمالي، بعد حرب عنيفة وحصار أعنف وأقسى للعاصمة بيروت، وبعد خروج القوات السورية من المعادلة بتوقيع اتفاقية وقف اطلاق النار وفك الاشتباك بين سورية واسرائيل يوم 12 يونيو/حزيران 1982 أي بعد أقل من أسبوع على بداية الاجتياح. وقد جاء انتخاب بشير الجميل ضدًا بالإرادة السورية ومحمولًا على نتائج الغزو الاسرائيلي (مع ملاحظة أن الرئيس سركيس الذي جاءت به سورية كان من أبرز الممهدين والمساعدين على وصول بشير الجميل للرئاسة عندما أيقن بنغير الموازين العربية والدولية منذ اتفاقية كمب ديفيد). وكما كان انتخابه نتاج موازين القوى الجديدة فإن اغتيال بشير الجميل يوم 16 سبتمبر/أيلول 1983 (وقبل تسلمه الولاية رسميًا) جاء ليؤكد قوة العامل الخارجي الحاسمة في الرئاسة اللبنانية؛ وهو الأمر نفسه الذي حدث مع انتخاب شقيقه أمين الجميل وعهده الذي عرف كل أنواع التموجات في العلاقة مع سورية. فقد جاء انتخاب أمين الجميل في ظل تواجد القوة المتعددة الجنسيات (أميركا- بريطانيا- فرنسا-إيطاليا) في لبنان[19].
عند تولي أمين الجميل الرئاسة كان جنوب لبنان ومعظم مناطق الجبل وبيروت والجزء الأكبر من البقاع الغربي تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي عقب غزو لبنان؛ وكان الجيش السوري مهيمنًا على شمال وشرق لبنان، وكانت الحكومة اللبنانية فاقدة للسلطة وللسيادة العملية على الأراضي اللبنانية. وقد استمر عجز حكومة أمين الجميل في فرض الهيمنة على لبنان طوال فترة عهده. وباقتراب نهاية فترته الرئاسية في 23 سبتمبر/أيلول 1988 حصل توافق سوري – أميركي يقضي بانتخاب النائب مخايل الضاهر رئيسًا للجمهورية. وقد حاولت سورية فرضه على النواب، ولكن لم يستطع مجلس النواب اختيار خلف للرئيس الجميل، فقام قبل 15 دقيقة من انتهاء فترته الرئاسية بتنصيب قائد الجيش ميشال عون رئيسًا للوزراء حيث شكل حكومة عسكرية من 6 وزراء يمثلون الطوائف الرئيسية في لبنان. ولم تعجب هذه الأسماء الكتلة المسلمة في البرلمان التي أصرت على بقاء الحكومة القائمة التي يرأسها بالنيابة سليم الحص، فأدى ذلك إلى استقالة الوزراء الممثلين للطوائف الإسلامية الثلاث السنة والشيعة والدروز. فكان على الأرض حكومتان متنافستان واحدة بقيادة ميشال عون وأخرى بقيادة سليم الحص. وانتهى الأمر بفرض سليم الحص رئيسًا للحكومة الموحدة بعد اجتياح سوري للقصر الرئاسي في بعبدا بغطاء أميركي-سعودي ولجوء ميشال عون للسفارة الفرنسية ثم خروجه إلى فرنسا[20].
نموذج مرحلة ما بعد الطائف 1989-2005
بحلول العام 1989 نشأ وضع جديد في المنطقة ابتدأ بتحولات أوروبا الشرقية وصولًا إلى انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية كلها. سمح هذا الأمر بقيام تحالف سوري أميركي سعودي (تعزز بعد غزو العراق للكويت في 2 أغسطس/آب 1990) نتج عنه اتفاق الطائف ( 22 أكتوبر/تشرين الأول 1989) ثم انهيار الرئاسة العونية بضربة عسكرية سورية محمية من أميركا وإسرائيل (13 أكتوبر/تشرين الأول 1990).
ولكن قبل الإطاحة بميشال عون كان لبنان قد شهد انتخاب رينيه معوض رئيسًا في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، ثم اغتياله في 22 من الشهر نفسه ، فانتخاب الياس الهراوي من بعده.
يروي العميد في الاحتياط طنوس معوض الذي كان مستشارًا أمنيًا وعسكريًا للرئيس معوض، أنه أيقن بعد جلسة الانتخاب، أن الرئيس المنتخب رئيس من دون قصر ولا حرس جمهوري ولا جيش تحت أمرته ولا جهاز مخابرات… وباختصار، لا شيء لديه في مواجهة أعداء الطائف الداخليين والخارجيين الذين عملوا على مواجهته وإسقاطه. واعتبر العميد معوض أن :”الرئيس كان مقدامًا وذا معنويات مرتفعة وكان يراهن على مناقبية كبار الضباط في الجيش وفي الأجهزة الأمنية الأخرى. لكن شجاعته لم تكن لتحميه من القتلة، فهو كان مكشوفًا تمامًا أمامهم وفي وضع صعب نتيجة إقامته في المنطقة الغربية من بيروت التي كانت تعج بخليط كبير من الأحزاب والتنظيمات وعملاء الأجهزة الأمنية المختلفة”. كل ذلك في كفة، وفي الأخرى بواكير الخلافات بين النظام السوري والرئيس معوض والتي بدأت تطل برأسها. أراد السوريون تعيين 20 وزيرًا من جماعتهم الخلص والأحزاب الموالية لهم، لكن الرئيس رفض توزيرهم، وقال لهم : “كل وزرائي ضد إسرائيل ولكنني أنا أعيَنهم مع الرئيس سليم الحص لا أنتم”… “فأخذت الخشية السوريين وأيقنوا أنهم أمام الياس سركيس آخر يرفض التنازل والمساومة وقادر على الرفض وصاحب باع طويل وحنكة في العمل السياسي، إضافة إلى أنه يحظى بدعم منطقة كبيرة ومؤثرة هي زغرتا-الزاوية وما تمثله على المستوى المسيحي والوطني في لبنان”. يعتبر العميد معوض أن الخلاف مع السوريين كان حقيقيًا فقد أراد الرئيس إنهاء الحرب وتطبيق اتفاق الطائف فعلًا لا قولًا، والوصول إلى مصالحة حقيقية بين اللبنانيين. وعندما عرض الرئيس السوري حافظ الأسد استخدام الجيش السوري لإنهاء تمرد العماد ميشال عون، أجابه الرئيس معوض شاكرًا أنه لا يريد إسقاط نقطة دم واحدة. لكن المشكلة الأكبر أن الرئيس كان على قناعة بأن الاتفاق السعودي-السوري الذي تجلى في اتفاق الطائف كان يحظى بمباركة الرئيس السوري وأنه سيساعده على تنفيذه. [21] استطاع النظام السوري، ومن خلال اغتيال معوض، تحويل اتفاق الطائف إلى طائف سوري بتفويض أميركي-سعودي كامل.
في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1989 انتخب النواب الياس الهراوي رئيسًا للجمهورية، وشكل الدكتور سليم الحص أولى حكومات العهد الجديد، وانحسر الكلام عن المصالحة الوطنية لتحل محله لغة التهديد بالحسم العسكري[22]. استهل الهراوي عهده بتغطية احتلال جيش النظام السوري للمناطق الشرقية المسيحية الخارجة عن سيطرته… وتحول لبنان طوال 15 عامًا مجرد محافظة سورية تختار القيادة السورية من يناسب مصالحها لرئاسته في ما كان يصفه النائب ريمون إده بضم ألمانيا النازية للدولة النمسوية المجاورة[23]. وحتى يونيو/حزيران 1990 عقد الرئيس الهراوي 19 قمة مع الرئيس الأسد والمسؤولين الكبار في دمشق جلها غير معلن حصل سرًا خشية إثارة المزيد من الحساسيات الداخلية مسيحيًا وإسلاميًا.[24]
وغدا القرار اللبناني سوريًا بامتياز نتيجة التفويض الأميركي-السعودي لسورية. ففي منتصف أغسطس/آب 1990، استقبل الرئيس حافظ الأسد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الاوسط جون كيلي الذي سلمه رسالة من الرئيس جورج بوش. وفي 13 سبتمبر/ أيلول، زار وزير الخارجية الأميركي جيمس بايكر دمشق للمرة الأولى ، وعقد لقاءً طويلًا مع الرئيس السوري جرى خلاله التفاهم على كيفية معالجة أزمتي الخليج ولبنان. وأعطت واشنطن موافقتها على الإطاحة بميشال عون وفق الشروط السورية مقابل مشاركة سورية في الحرب على العراق[25] . هذا التفويض الأميركي السعودي استمر حتى نهاية العام 2001.
وكان القرار سوريًا في التمديد للهراوي كما في انتخابه. في 20 يوليو/تموز 1995 قال عبد الحليم خدام (نائب الرئيس السوري يومها) إن التمديد للرئيس الياس الهراوي قائم[26]. وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول حسم الأمر حديث الرئيس بشار الأسد إلى “الأهرام” المصرية الذي جاء فيه “يبدو أن اللبنانيين متفقين على التمديد للرئيس”[27]. يومها وافق نواب البرلمان اللبناني على التمديد خلافًا للدستور.
لم يكن الأميركيون متحمسين للتمديد لكنهم بدوا أقل حماسة للمفاوضة أو للمقايضة. وعلق الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيكولاس بيرنز على قرار التمديد في مؤتمره الصحفي اليومي بقوله “إن هذا الامر يعني الشعب اللبناني وحده، وليس على الأميركيين أن يبدوا أي حكم في هذا الشأن”. أما الموقف الفرنسي فاتسم بالتحفظ وبعدم تحديد رأي واضح وصريح، على اعتبار “أن هذا الموضوع قضية داخلية لبنانية، ويعود إلى مجلس النواب اللبناني أن يقرر بحرية طرق الانتخاب”[28].
كانت سورية هي اللاعب الرئيسي والأوحد في اختيار رئيس الجمهورية اللبنانية في مرحلة ما بعد الطائف خصوصًا أنها باتت تمسك بكامل مفاصل اللعبة السياسية الداخلية بعدما أطلقت الولايات المتحدة الأميركية يدها في لبنان بعد حرب الخليج الأولى[29]. وساهم في تعزيز وضعها التخلص من أعدائها السياسيين، فدخل قائد القوات اللبنانية سمير جعجع السجن في عام 1994، وكان الرئيس أمين الجميل قد استقر في منفاه الاختياري في باريس اعتبارًا من 6 أكتوبر/تشرين الأول 1988، وانتقل العماد ميشال عون إلى منفاه الإجباري عام 1991 نتيجة اتفاق بين السلطات اللبنانية والفرنسية. وخلت الساحة من معارضة مسيحية حقيقية. وجاءت مقاطعة القوى المسيحية للانتخابات النيابية عام 1992 لتكرس هذا الواقع.
في المقابل، أتاح حلفاء الداخل لسورية وخصوصًا في الرئاسات الثلاث (الهراوي، بري، الحريري) التي شكلت ما يعرف بالترويكا السياسية، إمكان تثبيت سلطتها في لبنان في إطار لعبة تبادل المصالح والخدمات، مما جعل لسورية الكلمة الفصل في كل تفصيل لبناني. كان ذلك عهد ما سمي بالوصاية السورية والذي عرف استقرارًا أكيدًا بفعل استقرار العلاقات الأميركية السعودية السورية بعد حرب الخليج. وشكل انتخاب العماد إميل لحود في عام 1998 امتدادًا طبيعيًا لهذه الوصاية السورية، المباركة عربيًا ودوليًا، على لبنان. وقد اعتُبرت المرحلة حتى العام 2004، مرحلة سورية بامتياز. [30]
وإذا كان الرئيس حافظ الاسد هو الذي اختار الرئيس إميل لحود، فإن ابنه بشار الذي تسلم الحكم بعد وفاة والده في 13 يونيو/حزيران 2000 هو الذي دفع في اتجاه التمديد له.
التحول الحاسم 2001- 2005
بين انتخاب إميل لحود في عام 1998 والتمديد له في عام 2004 حصلت جملة تطورات إقليمية ودولية أبرزها احتلال القوات الأميركية للعراق عام 2003 وإسقاط نظام صدام حسين. لكن العامل الدولي الحاسم كان في “غزوة” 11 سبتمبر/أيلول 2001؛ اذ دخلت بعدها دول العالم في عصر محاربة الإرهاب “الإسلامي”، واحتلت قوى التحالف الغربي أفغانستان، وأدرجت عددًا من الدول على لائحة الدول الداعمة للإرهاب ومنها سورية. وما كان يصح قبل هذا التاريخ لجهة التفويض السوري إمساك زمام الأمور في لبنان، لم يعد يصح بعده، خصوصًا أن سورية رفضت أن تتعاون مع قوى التحالف الغربي في العراق عام 2003، كما سبق لها أن تعاونت عام 1990. تغيرت في الواقع الأهداف الاستراتيجية، وباتت تتطلب نوعًا آخر من التحالفات. وهو ما رفض الأسد الاعتراف به أو قبوله. وهكذا جاء قرار “محاسبة سورية” الصادر عن الكونغرس الأميركي في أواخر عام 2003،[31] ومن بعده القرار الدولي 1559 في 2 سبتمبر/أيلول 2004 ليعلنا من دون مواربة انتهاء عصر الوصاية السورية في لبنان. وقد أعلن القرار 1559 “تأييده لعملية انتخابية حرة ونزيهة في الانتخابات الرئاسية المقبلة تجري وفقًا لقواعد الدستور اللبناني من غير تدخل أو نفوذ أجنبيين”؛ وطلب من “جميع القوات الأجنبية المتبقية الانسحاب من لبنان”. فما كان من الأسد إلا أن رد على هذا القرار الذي قصد سورية في الحديث عن التدخل الأجنبي دون سواها، بالتمديد للرئيس إميل لحود[32].
اعتبر الرئيس بشار الأسد أن رفيق الحريري ووليد جنبلاط هما رأس المؤامرة ضد نظامه، خصوصًا بعد مشاركة بعض أعضاء كتلة الحريري وجنبلاط بلقاء للقوى المسيحية المعارضة في فندق الكارلتون، وبعده لقاء فندق البريستول. وحين لم تعد المعارضة محصورة بالمسيحيين، بل صارت على مستوى كل لبنان، تأكد الأسد أنّ الحريري هو من يحرّك الأمور. وقبل أسبوعين على اغتياله، قال الحريري لوليد جنبلاط بحضور الوزير غازي العريضي: “إما يقتلونني أو يقتلوك”[33]. وهكذا دخل لبنان حقبة الاغتيالات والحروب من جديد.
حزب الله يشارك في الحكومة للمرة الأولى
باغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، تصاعدت المواجهة بين السنّة وغالبية مسيحية ضد سورية، فاندلعت “ثورة الأرز” (14 مارس/آذار) في مقابل القوى المؤيدة لسورية (8 مارس/آذار)، وفي مقدمها حزب الله، واستقالت حكومة الرئيس عمر كرامي التي تشكلت بعد اغتيال الحريري، وقد حكمت التوترات هذه المرحلة التي شهدت إعادة توزيع للحصص والمواقع بين الأحزاب. وبعد استقالة عمر كرامي كُلِّف نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة بموجب توافق فرنسي-سعودي-أميركي، على أنَّ مهمَّة هذه الحكومة انطوت على التحضير لانتخابات مايو/ أيار النيابية. وتصاعدت الأزمة بعد خروج القوات السورية من لبنان (26 أبريل/نيسان 2005). وفي تلك الفترة، عاد ميشال عون من فرنسا وانقسمت البلاد عموديًّا بين تحالف 14 آذار وتحالف 8 آذار، الفريق الأول موالٍ للغرب والسعودية، وأمَّا الثاني فموالٍ لإيران وسورية. لكن ذلك لم يمنع تحالف هذه القوى في الانتخابات البرلمانية التي جرت ربيع 2005 بما عرف يومها بالحلف الرباعي (ضم حركة أمل وحزب الله وتيار سعد الحريري وتيار وليد جنبلاط)[34].
جرت الانتخابات وفاز تحالف 14 آذار بالأغلبية النيابية، فكُلف وزير المال السابق فؤاد السنيورة بتشكيل الحكومة التي شارك فيها حزب الله للمرة الأولى. خرج رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من السجن بعد 11 عامًا، وتحالف مع تكتل 14 آذار، أمَّا عون فتحالف مع حزب الله. وفي 6 فبراير/ شباط من عام 2006، أبرم ميشال عون وحسن نصر الله اتفاق مار مخايل الذي أسهم في رسم المشهد السياسي اللاحق[35].
الحوار والمحاولات الداخلية للحلحلة
دفع الانقسام بين القوى الخارجية المؤثرة تقليديًّا في لبنان، وغياب أُفق التسويات الخارجية المعتادة، القوى السياسية إلى البحث عن سبيلٍ لحلِّ التوترات التي ما انفكَّت تتعمَّق. وبناءً على دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري، انطلقت أولى جلسات الحوار في مارس/ آذار عام 2006 بين تحالفَي 14 آذار و8 آذار. وكانت الملفات التي وُضعت على الطاولة ملفات دسمة، وشملت اغتيال الحريري والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان[36]، والعلاقة مع سورية وترسيم الحدود معها وسلاح حزب الله. وبعد انعقاد 7 جلسات ، توافق الفرقاء على ميثاق شرف للتخاطب السياسي والإعلامي، وعلى نزع السلاح الفلسطيني خلال ستة أشهر، إلَّا أنَّهم لم يتوافقوا على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وقرَّروا تأجيل البحث في الاستراتيجية الدفاعية.
لكن الحرب التي اندلعت في 12 يوليو/ تموز عام 2006، أعطت نفوذ حزب الله بعدًا إقليميًّا، فبات تطويقه مستحيلًا. وقد بدا ذلك واضحًا في آخر جلسة حوار عُقدت في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني، فلم يتوافق الفرقاء لا على المحكمة الدولية ولا على تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وفي عام 2007، قررت فرنسا الدخول على الخطِّ بعدما انقطع الحوار بين الفرقاء اللبنانيين، فأقنعتهم الخارجية الفرنسية بعقد جلسة حوار في يوليو/ تموز في سان كلو، إلَّا أنَّه لم يتوصل إلى أي نتيجة.
هكذا نرى كيف أن الحوارات الداخلية كانت تجري أيضًا على وقع المواقف الخارجية وأجنداتها.
نموذج اتفاق الدوحة 2008 وعهد ميشال سليمان
الحرب التي اندلعت في صيف 2006 وملابساتها وتداعياتها زادت من الشرخ بين الكتلتين وبين اللبنانيين عمومًا ، خصوصًا أن حزب الله بدأ منذ ذلك الحين يفرض سيطرته على الأرض وعلى مؤسسات الدولة[37]. وأدى الخلاف حول النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلى استقالة الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في نهاية العام 2006، ثم الاعتصام في وسط بيروت التجاري، وحدوث فراغ في الرئاسة الأولى، وإقفال المجلس النيابي لسنة ونصف السنة، أدت كلها إلى تفاقم النزاع السنّي الشيعي الذي تخللته اشتباكات في الشوارع في مطلع العام 2007 (أحداث ضبية وجامعة بيروت العربية). وتوج ذلك بمعارك مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في صيف 2007، وبأحداث 7 مايو/أيار 2008. ومنذ اتفاق الدوحة في 21 مايو/أيار 2008 [38]الذي تلى “اجتياح بيروت” من قبل حزب الله، تغيرت موازين القوى في لبنان من جديد. صحيح أن قوى 14 آذار ظلت تحكم كأكثرية نيابية، لكنها اضطرت إلى إعطاء خصومها في 8 آذار “الثلث الضامن”، الذي أسمته قوى 14 آذار “الثلث المعطّل”، وهو عطّل بالفعل حراك الحكومة ومؤسساتها[39]. ولم تتكلل مساعي السعودية وفرنسا لرأب الصدع بين القوى اللبنانية بأي نجاح.
وبنتجة أحداث مايو/أيار 2008، فَقَدَ المحور الأميركي – الفرنسي – السعودي (والمصري ضمنًا) في لبنان والمنطقة فعاليّتَه، وأخذ التعاملُ مع دمشق، باعتبارها مفتاح الحلّ والربط في لبنان، يتمُّ – على الأقل في العلن – بواقعيةٍ جديدة من قِبل السعودية وفرنسا، حتى أن وفودًا أميركية بدأت تزور دمشق منذ تولي الرئيس أوباما الحكم في العام 2009.[40] كذلك، أخذ وليد جنبلاط ينسحب تدريجيًّا من “قوى 14 آذار”، طارحًا وسطيةً بين القوتين المتنافستين. وفي هذا السياق، حصلت المصالحة السعودية – السورية في مطلع العام 2009، وتوجت بدبلوماسية “السين سين” (السعودية- سورية) لتبريد الأزمة اللبنانية ولرأب الصدع بين تيار المستقبل والنظام السوري، وبين المستقبل وحزب الله ، حول المحكمة الدولية وصدور القرار الظني[41]. وقام سعد الحريري ووليد جنبلاط بزيارات إلى دمشق ولقاءات مع الرئيس الأسد[42].
بنتيجة اتفاق الدوحة، انتُخب ميشال سليمان رئيسًا وعُقدت جلسات حوار استمرت حتى نهاية ولايته. وأول جلسة حوار برعايته كانت في بعبدا في سبتمبر/ أيلول 2008 بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك عمرو موسى. خلال هذه الجلسات، وقع التوافق على ملفي النفط والعلاقة مع سورية، كما كُلِّفت لجنة عسكرية بدراسة الاستراتيجية الدفاعية، وتمَّ التوافق على مواكبة الانتخابات النيابية والبلدية عامي 2009 و2010 في أجواء من الشفافية والهدوء، وتجنيب لبنان تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2009.[43]
في 27 يونيو/ حزيران 2009، كلّف الرئيس اللبناني ميشال سليمان سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة التي تلت الانتخابات، وذلك بعد الاستشارات النيابية وتسميته من قبل 86 نائبًا . وفي 7 سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، وبعد شهرين ونصف الشهر من تكليفه بتشكيل الحكومة، قدم إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان تصورًا لتشكيل الحكومة، إلا أن المعارضة رفضت تلك التشكيلة. وفي 10 من الشهر نفسه، أعلن بعد لقائه رئيس الجمهورية اعتذاره عن تشكيل الحكومة، إلا أنه في 16 من الشهر نفسه أعاد الرئيس تكليفه لتشكيل الحكومة بعد أن أعاد أكثرية نواب مجلس النواب تسميته لرئاسة الحكومة بالاستشارات النيابية، وبعد حوارات ومناقشات ومفاوضات شاقة استطاع أن يعلن عن تشكيل حكومته الأولى بتاريخ 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009[44].
واجهت حكومته صعوبات عديدة خصوصًا بعدما بدأ يقترب صدور القرار الظني بجريمة اغتيال رفيق الحريري، وإصرار وزراء “حزب الله” و”حركة أمل”، و”التيار الوطني الحر” (بزعامة ميشال عون) على تعطيل هذا القرار. وأدى كل ذلك إلى إعلان وزراء هذا التحالف في 12 يناير/ كانون الثاني 2011، استقالتهم من الحكومة وذلك بعد وصول محاولات تسوية مشكلة المحكمة الدولية إلى طريق مسدود. وقال وزير الطاقة جبران باسيل الذي تلا بيان الاستقالة أمام الصحافيين ، إن الاستقالة جاءت نتيجة “التعطيل” الذي أصاب الجهود الرامية الى “تخطي الازمة الناتجة عن عمل المحكمة الدولية”، متهمًا “الفريق الآخر بالرضوخ للضغوط الخارجية لا سيما الأميركية”[45]. سبق ذلك إعلان المعارضة أنها تبلغت بنهاية المبادرة السورية السعودية دون التوصل الى نتيجة بشأن تسوية للخلاف الدائر حول عمل المحكمة الدولية[46]. وكان رئيس الحكومة سعد الحريري يعقد اجتماعًا في البيت الابيض بواشنطن بالرئيس الأميركي باراك أوباما ساعة الإعلان عن استقالة الوزراء. كما أدت الاستقالة إلى فقدان الحكومة (30 وزيرًا) لنصابها الدستوري (أي ثلث +واحد) وبالتالي اعتبارها مستقيلة. وبعد سقوط الحكومة، غادر الحريري لبنان عام 2011 ليعيش متنقلًا بين فرنسا والسعودية، حتى عودته إلى البلاد في أغسطس/ آب من العام 2014.
إعلان بعبدا والحرب السورية
في 11 يوليو/ تموز من عام 2012، أي بعد عام على اندلاع الثورة السورية، تكلَّلَت جلسات الحوار بإعلان بعبدا الذي هدف بشكل أساسي إلى تحييد لبنان عن التداعيات السلبية للأزمات الإقليمية، “ما عدا ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعية الدولية والإجماع العربي والقضية الفلسطينية المحقة، بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم”. ومنذ عام 2012 بات التأكيد على الالتزام بإعلان بعبدا عرفًا عند تشكيل الحكومات، علمًا بأنَّ نسخةً منه سُلِّمت إلى جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة[47].
لم تنجح جلسات الحوار الوطني في حلِّ جميع الملفات العالقة بشكل جذري، بل تفاقم بعضها مع مرور الوقت، مثل سلاح حزب الله، لا سيما بعد مشاركته في الحرب السورية في عام 2013، أي بعد سنة من إعلان بعبدا. وفي جلسة الحوار الأخيرة، لم يتم البحث في الاستراتيجية الدفاعية، ولا في إعلان بعبدا، فانتهت ولاية ميشال سليمان من دون انتخاب خلف له، وعاش لبنان فراغًا رئاسيًّا دام هذه المرة 888 يومًا[48]. وفي مسعى إلى وضع حدٍّ للتوترات التي كانت تتفاقم، دعا بري مجددًا إلى حوار بين حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة، فعُقِدت عدَّة جلسات توافق فيها الطرفان على عدم التصعيد. إلَّا أنَّ أزمة الفراغ الرئاسي لم تُحل إلَّا بانتخاب عون رئيسًا بموجب اتفاقٍ بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وتيار المستقبل في ما بات يُعرف بالتسوية الرئاسية.
حكومة تستبق الفراغ الرئاسي 2013- 2014
في 6 أبريل/نيسان 2013 أعلن الرئيس اللبناني ميشال سليمان تكليفه تمام سلام لرئاسة الحكومة اللبنانية الجديدة بعد أن حصل، في الاستشارات النيابية الملزمة، على 124 صوتًا من أصل 128 يشكلون أعضاء مجلس النواب اللبناني. وبعد عشرة أشهر وعشرة أيام على تكليف تمام سلام وُلدت حكومة “المصلحة الوطنية” وضمت 24 وزيرًا يمثلون كل الفئات اللبنانية في تحالفي 8 آذار و14 آذار (باستثناء القوات اللبنانية) ، والكتلة الوسطية (المتمثلة بالرئيسين ميشال سليمان وتمام سلام والنائب وليد جنبلاط)، وذلك وفق معادلة الثلاث ثمانيات (8-8-8) التي لا تعطي لأي فريق امكانية الفيتو أو “الثلث المعطِّل”[49].
وجاء الاتفاق على هذه الحكومة الجامعة ليعكس تبدلًا في ميزان القوى ومعادلات الصراع في المنطقة. وكان قادة 14 آذار قد اعتبروا أن الحكومة الجديدة تُعيد بالنسبة إليهم التوازن إلى الحياة السياسية وتعيد الثقة ولو في الحد الأدنى بالبلد، فضلًا عن أنّها تساهم في تخفيف التوتر والاحتقان السني الشيعي في البلاد، وتخفف من منسوب التحريض السياسي والاعلامي الذي تفاقم على وقع الحدث السوري.[50].
الحكومة التي ولدت يوم 15 فبراير/ شباط 2014 “أنقذت البلاد من تداعيات خطرة متوقعة فيما لو جرى تأليف حكومة أمر واقع”… كما أنّه كان يعوّل على هذه الحكومة الجديدة في “استعادة الخدمات للناس ورعاية مصالحهم وشؤونهم، إذ لم يُسجّل خلال 11 شهرًا من استقالة الحكومة ووجودها في مرحلة تصريف الأعمال أي اقتراب من مصالح الناس”[51].
تشكيل الحكومة في تلك اللحظة بالذات ارتبط بالجو الاقليمي والدولي. فالمجتمع الدولي (أميركا وأوروبا تحديدًا) كان يرى أنّ وجود حكومة جديدة يؤدي إلى استقرار داخلي أو ربما يكون أحد العوامل الأساسية لهذا الاستقرار. كما أنّ وجودها يؤدي إلى تحسين المناخات التوافقية الضرورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 25 مايو/أيار 2014. يُضاف إلى ذلك، وبحسب أوساط ديبلوماسية غربية: أن “المساعدات الأمنية للبنان من الخارج، فضلًا عن المساعدات الإنسانية للاجئين، يحتاج استقبالها إلى حكومة فاعلة”.[52]
وقد ظهر خلال تلك الفترة حرص واشنطن (ودول غربية أخرى) على إشراك حزب الله في الحكومة وعلى دعم الرئيسين سليمان وسلام في مسعاهما للـ”نأي بالنفس” عن الأزمة السورية و”تحييد لبنان عن تداعيات الوضع في المنطقة” [53]. كما أن الاتفاق الدولي على حصر الوضع في سورية وعدم تسليح المعارضة منعًا لتصاعد الحرب وامتداد لهيبها الى الدول المجاورة يتطلب ضبط الوضع في لبنان ومنعه من الانزلاق هو الآخر الى الحرب الداخلية بسبب تورط حزب الله في سورية.
أما على المستوى الاقليمي فإن ايران عرفت تحولًا مع انتخاب الإصلاحي حسن روحاني للرئاسة. فقالت إيران رسميًا بأنها«لم تتدخل بعملية تشكيل الحكومة»، وبأنها «مرتاحة» اذ إنها أوكلت الموضوع اللبناني ولزّمته في هذه المرحلة الى الطرفين اللبنانيين اللذين تتمتع هي بنفوذ مباشر عليهما، أي «حزب الله» و»حركة أمل»، اللذين يُعدّان «ذراعيها» فيه اليوم. وأعطت الديبلوماسية الايرانية «الدليل على ذلك أن وزير خارجيتها محمد جواد ظريف عندما زار بيروت كان في أجواء التشكيل وباركها»[54].
والحال أن إيران كانت مشغولة في العمل لتوقيع اتفاق نهائي مع الغرب حول برنامجها النووي، وقد بدأت اجتماعاتها مع الغرب حول التحضيرات لذلك. وايران تريد علاقات وطيدة بالغرب، كما تريد تحسين علاقاتها بالدول المجاورة لها، خصوصًا السعودية. وهي قامت بتطبيع علاقاتها مع تركيا، بحيث يمكن الاستنتاج بأن أداء ايران في ظل عهد الرئيس حسن روحاني على مستوى السياسة الخارجية اختلف عما كان عليه الوضع سابقًا. ولكن يبقى أن ايران لم تكن لتقدم أوراقًا مجانية بل كان منطقها أنها ستبادل الغرب بالقدر الذي يبادلها. وهذا كان يعني استمرار الشد والجذب بينها وبين الغرب في الملف النووي، كما في غيره من الملفات الضاغطة على ايران، وما يتركه ذلك من انعكاسات على الاستقرار في لبنان.
تقاطع دولي إقليمي ينتج فراغًا
كانت الأطراف اللبنانية كافة (بما فيها حزب الله) تربط ساعتها على تطورات الوضع في سورية ومفاوضات جنيف 2 مؤملة حصول حسم ميداني وسياسي ينعكس بالضرورة على لبنان. ولما لم يحصل هذا الحسم ميدانيًا، ودخل مؤتمر جنيف 2 في جولات تفاوضية لا جديد فيها، حسم اللبنانيون أمرهم بضرورة وجود حكومة تملأ الوقت وتحقق مكاسب للجميع بعد الحد من الخسائر أصلًا. ومن المحتمل أن ضغطًا إيرانيًا حصل على حزب الله للقبول بهذا المخرج للحكومة اللبنانية خصوصًا مع تزايد الضغط الشعبي عليه بسبب تضرر مصالح المواطنين في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت (التفجيرات وحالة القلق والخوف)[55] وفي الدول العربية، (وبالأخص دول الخليج)[56] من مشاركة الحزب في القتال في سورية وعزلته على المستوى العربي.
فحزب الله كان بحاجة الى غطاء شرعي لوجوده في سورية وبحاجة الى المشاركة في القرار بخصوص الاستحقاق الرئاسي، وفي التفاوض مع الغرب، وهذا لا يتأمن له إلا من خلال تواجده ضمن حكومة شرعية مهما كان شكلها ومضمونها.
أضف الى ذلك أن التنازلات التي قدمها الرئيس سعد الحريري، وبمباركة سعودية، من أجل تشكيل الحكومة هدفت إلى تحقيق عودة فريق الرابع عشر من آذار (وتيار المستقبل تحديدًا) الى السلطة، وبالتالي عدم إقصائه في الاستحقاقات المصيرية المقبلة[57] (وأهمها: إعداد قانون للانتخابات النيابية وانتخابات رئاسة الجمهورية) واستعادة بعض الحيوية السياسية والوجود بعد حالة الجزر التي يعيشها منذ خروجه من الحكم. كما أن هذه الحكومة كانت بالنسبة إلى الحريري و14 آذار والسعودية هي الأنسب لإدارة الفراغ.
وبالتالي لم يكن يمكن لهكذا حكومة وفي ظل مثل هكذا ظروف إلا أن تتجه نحو بيان وزاري مقتضب لا يغرق في التفاصيل والتعهدات التي تعجز عنها حكومة لن تعمر سوى ثلاثة أشهر ومهمتها الأساسية التحضير للاستحقاق الرئاسي، وهي كانت نقطة التوافق الدولي والإقليمي والمحلي الأساسية وربما الوحيدة.
لكن الاستحقاق الرئاسي تأجل ودخلت البلاد في أزمة فراغ رئاسي رهيبة.
صفقة انتخاب ميشال عون 2016 وتداعياتها
استمر الفراغ الرئاسي لمدة سنتين ونصف بدأت من نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان حتى تسلم الرئيس ميشال عون الحكم في لبنان، و كان يقوم بأمور رئاسة الجمهورية الحكومة اللبنانية المؤقتة بقيادة تمام سلام (بين25 مايو/أيار 2014 و11 نوفمبر/تشرين الثاني 2016).
في احتفال أقيم في منزله قبل الانتخابات الرئاسية 2016، أمسك السفير البريطاني طوم فلتشر مغلفًا أبيض، وتوجه إلى الحضور مرددًا سؤالًا دأب على سماعه: “من هو مرشح المجتمع الدولي للرئاسة؟” قال: ثوان، وأخرج ورقة بيضاء مجيبًا: “نحن على الحياد”.[58]
في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 أنهى الحريري مسيرة البحث عن رئيس للبنان بقبول مرشح قوى “8 آذار” ميشال عون ودعمه لذلك الترشيح. وبعدَ انتخاب عون رئيسًا للبلاد، قامَ الأخيرُ بتكليفِ الحريري رسميًا لرئاسَةِ الحكومة وذلكَ في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ونال الحريري 110 صوتًا من نواب البرلمان البالغ عددهم 126 بعد استقالة أحدِ النواب، وشكّل حكومته الثانية بعد 40 يومًا من التكليف.
أسباب اختيار الحريري “التضحية” وترشيحه فرنجيه ثم عون لرئاسة الجمهورية
من متابعة تقلبات موقف الحريري يمكن القول بأن الرجل استشعر الخطر على وضعه السياسي وعلى موقع الطائفة السنية في لبنان نتيجة تطورات دولية وإقليمية لا يمكن تجاهلها.
- فقد برز خلال الشهور التي سبقت خياره أن التحالف الدولي ضد داعش (بقيادة أميركا) يسير في اتجاه غير موات لرياح المعارضة السورية، خصوصًا منذ الدخول الروسي بقوة في عمليات عسكرية وحشية تدميرية في حلب. وبدا أيضًا أن الموقف الأميركي (والموقف الأوروبي أيضًا) هو موقف غير حاسم في دعم السوريين، لا بل أنه موقف متساهل مع ضربات النظام السوري وحليفه الروسي والإيراني وذلك تحت عنوان “ضرورة التخلص من داعش” و”أولوية الحرب على الإرهاب”.
- في الوقت نفسه استمر تخبط التحالف العربي (والدور السعودي) في اليمن وعجزه عن إحراز أي تقدم في حربه ضد الحوثيين المدعومين من إيران بقوة. وقد بدا أن المستنقع اليمني يغرق السعودية ويربكها ويجعلها تضعه في أول أولوياتها.
- أضف إلى هذه العوامل الخارجية التي لها انعكاس مباشر وقوي على التوازن اللبناني ومعادلاته، وعلى موقع الرئيس سعد الحريري وتحالفاته، عودة أطروحة الدعم الدولي للأقليات في الشرق الأوسط، وتصاعد شهية الموارنة (وبعض قياداتهم راهنت منذ القديم على ما سمي حلف الأقليات في المنطقة) للاستفادة من هذا الوضع الدولي كما استفاد ويستفيد الأكراد والأيزيديون والأرمن وغيرهم. إن قرار أميركا الاعتماد على القوة الكردية في العديد من المواقع الحربية ، والاحتضان الأوروبي الذي تحظى به الأقليات غير العربية أو السنية، دفع بالرئيس التركي إلى اتخاذ قرارات سارت في عكس الاتجاهات السابقة للسياسة التركية. فهو استعاد العلاقات الحميمة مع روسيا، كما أنه استعاد حرارة العلاقة مع إيران في مقابل زيادة حدة التشدد مع الأكراد.
- هذه التطورات هي التي تفسّر ترشيح سمير جعجع لميشال عون تحت عنوان “استعادة القوة المسيحية ودور المسيحيين وموقعهم في النظام اللبناني”. فالمسيحيون اللبنانيون شعروا بتغيّر الوضع الدولي حيال الثورة السورية وضعف الوضع العربي والخليجي أمام القوة الإيرانية خصوصًا بعد صفقة الملف النووي مع إيران. والمسيحيون عادوا يحلمون بإمكانية تحقيق مكتسبات في لبنان، عبر وحدتهم أولًا، ولو كلف ذلك تخلي بعضهم عن الحلفاء السنّة (الحريري). وفي هذا السياق نقرأ انتقال عدد من النواب المسيحيين من تيار المستقبل (من الدائرة الأولى في بيروت : الأرمن وميشال فرعون) إلى دعم ترشيح عون وذلك قبل وقت من موافقة سعد الحريري على ذلك. كما نقرأ معنى معارضة عدد من الرموز السنية الحريرية لسياسته الجديدة (فؤاد السنيورة وأحمد فتفت بالخصوص، وتلاهما وبشكل أعنف اللواء أشرف ريفي).
- إلى الانكفاء السعودي ينبغي ملاحظة تأثير الوضع المصري المتدهور بسبب سياسات الرئيس السيسي، حليف السعودية والحريري، خصوصًا على قطاع كبير من تيار المستقبل ووزرائه ممن تربطهم علاقات قوية بالنظام المصري، الأمر الذي زاد من إرباك وضعف الحريري.
باختصار يمكن القول إن الحريري اعتبر أن ثمة عجزًا سعوديًا عن رسم سياسة واضحة في المنطقة وتنفيذها مقابل هجوم إيراني منسق وممنهج يحقق انتصارات متتالية في سورية والعراق واليمن ولبنان. يضاف إلى هذا العجز والإرباك ما كان يدور من أحاديث عن أزمة سعودية داخلية ما بين عجز مالي، وإجراءات حكومية تقشفية، وصراعات داخل العائلة المالكة، خصوصًا بين ولي العهد وولي ولي العهد، ما حد من التأثير السعودي في المنطقة وأضعف من نفوذ المملكة . أدى ذلك إلى تخبط الحريري وتيار المستقبل وعجزهم عن التعامل مع الملفات السنية الحامية مثل ملف الشيخ أحمد الأسير وملف معتقلي سجن روميه ومن ثم ملف اللواء أشرف ريفي، ناهيك عن ملفات الحكومة التي يشارك فيها تيار المستقبل والتي وقفت عاجزة عن التعامل مع موضوع النفايات كما غيره من المواضيع الحساسة .
ثم إن سعد الحريري كان يحتاج للعودة إلى الحكم لترتيب أوضاعه مستفيدًا من إرث والده ومن مواقفه الجامعة والمتعاونة مع جميع القوى السياسية بما فيها خصومه الرئيسيين حلفاء سورية وإيران. في انتخابات البلديات صيف 2016 حارب الحريري للإمساك بالمدن السنية الرئيسة (بيروت وصيدا وطرابلس) لأنه يريد استرضاء البورجوازية السنية المدينية التي بدأت تتصاعد صرختها خصوصًا في بيروت جراء التعطيل السياسي والدستوري، والانهيار الاقتصادي. تحالف قادة الحريرية في مدينة صيدا (فؤاد السنيورة وبهية الحريري) مع الفلسطينيين ما سمح أن تكون النتائج لصالح تيار المستقبل. أما في بيروت فقد نجحت لائحة الحريري بأغلبية ضئيلة للغاية وكشفت الانتخابات عن استنكاف البيروتيين عن المشاركة وعن سخط مسيحي كبير على الحريري عبّر عن نفسه في انتخاب اللائحة المنافسة التي حشدت أيضًا كل قوى المجتمع المدني والطبقة الوسطى في العاصمة. في طرابلس كان الوضع مختلفًا بسبب تاريخ الاضطهاد السوري والمخابراتي اللبناني للمدينة وأهلها فكان فوز لائحة أشرف ريفي على لائحة الحريري .
تداعيات استقالة سعد الحريري على الوضع السياسي والأمني في لبنان 2017
لكن التحول السعوي الداخلي بعد سيطرة محمد بن سلمان على مقاليد الحكم، دفع بسعد الحريري إلى الحائط المسدود. فأعلن يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 استقالته من رئاسة الحكومة في خطاب متلفز من العاصمة السعودية الرياض. وتحدث الحريري في خطابه عن الأسباب التي دفعته للاستقالة، قائلا إنه يشعر بوجود دولة داخل الدولة، في إشارة إلى حزب الله اللبناني، وإن إيران تسيطر على المنطقة ولديها “رغبة جامحة في تدمير العالم العربي”. كما أعرب عن خشيته من تعرضه للاغتيال.[59] ويومها قيل إن السعودية احتجزت سعد الحريري وأجبرته على تلاوة هذا الخطاب المتلفز[60].
أربكت استقالة الحريري خصومه وحلفاءَه على السواء، ليس فقط بسبب الإعلان عنها من الرياض، وإنما أيضًا بسبب مضمون ولهجة خطاب الاستقالة. وبمعزل عن خلفيات الاستقالة (تصعيد الصراع الإيراني – السعودي) والوضع السعودي الداخلي، وعن المعلومات المتضاربة حول وضع الرئيس الحريري في السعودية (هل كان محتجزًا؟ هل كان فقط تحت ضغط سياسي؟) كان للاستقالة انعكاسات فورية على الساحة اللبنانية؛ إذ عدّها البعض إعلان حرب سعوديًا ضد حزب الله في لبنان. ورأى فريق 8 آذار في هذه الخطوة اتفاقًا سعوديًا أميركيًا لخلق مناخات تؤدي إلى عدوان إسرائيلي على لبنان[61]. وهذا ما عبّر عنه على كل حال الأمين العام لحزب الله في كلمة له في ذكرى أربعين الإمام الحسين ويوم شهيد “حزب الله”، الجمعة 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2017… فقد أكد نصر الله أنه “لا يتحدّث عن تحليل، بل عن معلومات بأنّ السعودية طلبت من إسرائيل ضرب لبنان، واليوم هناك نقاش في الكيان الإسرائيلي حول هذا الموضوع”،[62] أما فريق 14 آذار فعدّ في بادئ الأمر الاستقالة خطوة جيدة ولو متأخرة لوقف تمدد حزب الله وإيران وسيطرتهما على مقدرات لبنان كلّها[63].
سبق الاستقالة تجمع قوى الصقور في تيار 14 آذار حول نقد مرير وقاس للمرحلة السابقة عبّر عنه مقال لرضوان السيد الذي كان المستشار الأول للرئيسين رفيق وسعد الحريري قبل أن يقود المعركة ضده. تتلخص النقاط الرئيسة في نقد مرحلة سعد الحريري بالتالي[64]:
- تركيب الحكومة التي تشكلت بعد التسوية الداخلية التي جرت هندستها قبل عام بمبادرةٍ من الحريري، والتي جرى بمقتضاها انتخاب الجنرال ميشال عون رئيسًا للجمهورية، وتشكيل الرئيس الحريري حكومة العهد الأولى، حيث كان ثلثا وزراء الحكومة من أنصار «حزب الله» والتيار الوطني والنظام السوري.
- كما أنّ وزيري العدل والدفاع في الحكومة اشتهرا بالعداء للمحكمة الدولية التي أُنشئت لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري. وقد أقصى وزير العدل (سليم جريصاتي) كل القضاة المسيحيين الذين كان لهم دورٌ في المساعدة على إقامة المحكمة الدولية.
- سياسات وزير الخارجية جبران باسيل، وأهمها فرض قانون للانتخابات أبرز معالمه فصل المسيحيين عن المسلمين، وحملته المستمرة بعنوان «استعادة» حصة المسيحيين في وظائف الدولة ، والاتهامات الكثيرة التي طالته بإدخاله الموالين لتياره من غير الأكفاء إلى الوظائف.
- استمرار باسيل في شن حملات شعواء على النازحين السوريين، يشاركه فيها رئيس الجمهورية، وترويجهما «التطبيع» مع النظام السوري باعتباره السياق الحقيقي لتحالف الأقليات.
- إعلان إيران وحزب الله عن انتصار المحور الإيراني، وتوارَد الموفدين الإيرانيين على لبنان، وتوارَد وزراء الحزب والتيار الوطني وغيرهم على سورية. وكانت آخر خطوات ذلك التطبيع تعيين سفير لبناني جديد لدى سورية.
- مظاهر الغلبة العسكرية والأمنية والاستراتيجية. فالصدامات والنزاعات الداخلية التي يتدخل فيها الجيش، كانت تجري على وقع التنسيق بين قياداته وحزب الله، وذلك منذ احتلال بيروت في 7 أيار عام 2008 وصولًا إلى تسوية الجرود في عرسال ورأس بعلبك مع النصرة وداعش.
وكان الحريري قد عاد من زيارة سابقة إلى السعودية يوم الاثنين في 30 أكتوبر/تشرين الأول واستمر في السياسة الحكومية نفسها التي اشتكت منها السعودية وعدد من صقور تيار المستقبل وقاعدته الشعبية، مثل توقيع أوراق السفير اللبناني الجديد في دمشق، واستقباله مستشار مرشد الثورة الإيرانية للشؤون الخارجية علي أكبر ولايتي الذي تحدث من عنده في السراي الكبير عن انتصار محور المقاومة في لبنان وسورية والعراق”[65]. هذا ناهيك عن اللقاء المثير بين وزيرَي خارجية لبنان وسورية في نيويورك، ومن بعده إعلان الرئيس ميشال عون في لقائه الإعلامي لمناسبة مرور عام على وصوله الى رئاسة الجمهورية، بأنّ الحلّ لسلاح “حزب الله” مرتبط بالحلّ لمشكلة الشرق الأوسط، ما يعني الإقرار رسميًا بوضع سلاح “حزب الله” خارج إطار أيّ نقاش في المرحلة الحالية أو المستقبَلية.[66] ما جعل الدكتور رضوان السيد يصرخ: “لقد طفح الكيل، وما بقي مجالٌ للأخذ والردّ. فقد صار لبنان بسبب وجود التنظيم الإيراني المسلَّح فيه، وإصرار المسؤولين الكبار فيه على عدم التمييز بين الدولة والتنظيم – خطرًا على نفسه، وعلى الأمن العربي”[67].
جاءت الاستقالة أيضًا بعد أيام قليلة من الإعلان عن “حركة سياسية جديدة ضمت شخصيات سياسية وثقافية ودينية وإعلامية واجتماعية لبنانية”، تحت اسم “حركة المبادرة الوطنية”، بهدف “حماية الدولة والدستور، ووضع حدّ لاختلال موازين القوى لصالح (حزب الله) ومواجهة مشروع الهيمنة الإيرانية على لبنان”. وعبّر القائمون على الحركة عن رأيهم بأنّ “التسويات التي شهدها لبنان خلال السنة الماضية، بدءًا من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وما تلاها مكّنت إيران من التحكّم بالقرار اللبناني، وزادت من مخاوف الجنوح نحو تطبيع العلاقات مع النظام السوري”[68]. ويبدو أنّ المبادرة التي أطلق نواتها الدكتور رضوان السيد، والمنسق السابق للأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد، كانت بالتنسيق مع الوزير السعودي ثامر السبهان الذي تولى منذ شهور التصعيد ضد حكومة الرئيس الحريري.
وقد عبّر الوزير السعودي ثامر السبهان عن هذا التصعيد السعودي في لبنان وحذّر من أنه “سيتم التعامل مع الحكومة اللبنانية على أنها حكومة إعلان حرب علينا”، مخيّرًا اللبنانيين “بين السلام وبين الانضمام إلى حزب الله”، ومؤكدًا أنّ “المخاطر المترتبة على تصرفات حزب الله سوف تكون وخيمة جدًا على لبنان”، وأن “المسارات السياسية وغير السياسية متاحة للتعامل” مع ما سماه “خطر حزب الله”[69].
لقد قررت السعودية بأن حكومة الحريري كانت أسيرة المحور الإيراني-السوري وبغطاء مسيحي رئاسي. وهي وضعت الاستقالة في خط التصعيد مع إيران وحزب الله وعملت على حشد القوى الدولية والعربية خلف هذا الموقف خصوصًا لجهة تشديد الضغط على “حزب الله” وسلاحه. وفي هذا السياق اتخذت السعودية وبعض دول الخليج إجراءات متوقعة كحلقة أولى من حلقات الضغط على لبنان. فبعد أن أكد وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان في تغريدة أنها ستكون «تباعًا في تصاعد مستمر ومتشدد حتى تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي»، حظرت كل من السعودية والكويت والإمارات والبحرين “سفر رعاياها إلى لبنان من أي وجهة دولية”، وطلبت من الرعايا الزائرين والمقيمين في لبنان مغادرته في أقرب فرصة ممكنة”[70].
لكن استقالة الحريري حولته من “مهادن ومساوم” أمام “حزب الله” وباحث عن صفقات (مالية تجارية) مع الوزير باسيل، إلى بطل في الساحة السنية، وجعلته يستعيد في لحظة واحدة كل الشعبية التي كان فقدها خلال الشهور الماضية منذ صفقته مع التيار الوطني الحر، ورفعت هذه الاستقالة سقف الموقف السني. “لذا، فالقرار السعودي الحاسم بكسر الصفقة اللبنانية، وإن بدا خشنًا في شكله ومضمونه، وينذر بتسخين التنافس السعودي الإيراني في لبنان، فإنه غير قادر على تغيير المعادلات الراسخة في لبنان.”[71].
ويبدو أن التدخل الأميركي الفرنسي نجح في إطلاق سعد الحريري من الرياض فسافر أولًا إلى باريس ومنها انتقل إلى بيروت حيث قال يوم الخميس 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 “إن الفترة الأخيرة كانت أشبه “بصحوة” تدفع جميع اللبنانيين لتقديم مصلحة بلدهم على أي قضايا إقليمية أخرى… سبق ذلك لقاؤه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي أعلن فيه “أن النأي بالنفس يجب أن يكون ساريًا على الجميع لا على فريق واحد من أجل تحسين علاقة لبنان مع أشقائه العرب”. وفي وقت سابق (الأربعاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني) أعلن الحريري من بيروت تريثه في المضي رسميًا باستقالته، بعد نحو ثلاثة أسابيع على إعلانها بشكل مفاجئ في السعودية. وكان عون رفض قبول استقالة الحريري التي تعد سابقة في الحياة السياسية اللبنانية، إذ يقضي العرف بأن يتسلم رئيس الجمهورية الاستقالة خطيًا من رئيس الحكومة خلال لقاء يجمعهما. وقد رحبت واشنطن بعودة رئيس وزراء لبنان وقالت على لسان مسؤول بالخارجية إنها “متفائلة أيضًا بالمناقشات التي أجراها الحريري مع الرئيس عون وبيانه الذي يؤكد مجددًا إلتزامه باستقرار لبنان”[72].
عاد سعد الحريري عن استقالته في جلسة استثنائية عقدها المجلس ظهر يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 2017 في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وقرر فيها التزام الحكومة اللبنانية بكل مكوناتها السياسية النأي بنفسها عن أي نزعات أو صراعات أو حروب أو عن الشؤون الداخلية للدول العربية، حفاظًا على علاقات لبنان السياسية والاقتصادية مع أشقائه العرب. وجدد مجلس الوزراء تمسك الحكومة باتفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني لاسيما البند الثاني من المبادىء العامة التي تنص على أن “لبنان عربي الهوية والانتماء”. وتمنى الرئيس الحريري على الجميع “فتح صفحة جديدة للبنان تحمي استقراره وعلاقاته الأخوية مع البلاد العربية”، وقال: “أنا لن أضحي باستقرار البلد مهما كانت الظروف، وسلامة لبنان وحمايته من الحرائق الأمنية والمذهبية فوق كل اعتبار”. واعتبر “أن وحده النأي بالنفس قولًا وفعلًا تحمينا، وهذا ما أشار إليه الرئيس عون في أكثر من مناسبة”.[73]
انتخابات 2018 النيابية
كان يفترض أن تجري الانتخابات النيابية سنة 2013، ولكن لفشل مجلس النواب في عملية انتخاب رئيس جمهورية جديد، قام بالتمديد لنفسه مرتين حتى 2018. بعد مضي 9 سنوات على انتخابات برلمان 2009 التي أفرزت انقسامات سياسية حادة على الساحة اللبنانية، وذلك لاعتبارات عديدة تتعلق جميعها بدور حزب الله في لبنان، وتداعيات أزمات المنطقة وبخاصة الأزمة السورية.
في يونيو/حزيران 2017، صدر قانون جديد للانتخابات النيابية اللبنانية، يستبدل النظام الانتخابي السابق والذي جرى العمل به منذ تأسيس الجمهورية اللبنانية سنة 1920. ينص القانون الجديد للانتخابات على نظام التمثيل النسبي، إذ توزع المقاعد المخصصة لكل دائزة انتخابية على القوائم المرشحة بحسب نسبة الأصوات لكل قائمة في الانتخابات. في النظام النسبي الجديد فإن الناخب يقترع لائحة واحدة من اللوائح المتنافسة، مع اختيار مرشح بعينه ضمنها، لمنحه ما يسمى بـ”الصوت التفضيلي”، ما يعني منح الناخبين أصواتهم التفضيلية على أساس طائفي أو مناطقي عشائري.
أجريت الانتخابات النيابية في السادس من مايو/أيار 2018 في ظل انقسام سياسي بين تحالفين أساسيين: الأكثرية النيابية المتمثلة بما يُسمى بقوى 14 آذار، والمعارضة المتمثلة بما يُسمى بقوى 8 آذار. فازت قوى 8 آذار بغالبية 71 مقعدًا في المجلس النيابي، مقابل 48 مقعدًا لقوى 14 آذار، وفاز تسعة نوّاب مستقلين من خارج التحالفين.
نتج عن هذه الانتخابات استمرار التسوية بين سعد الحريري وتحلف ميشال عون مع حزب الله وبالتالي إعادة تكليف سعد الحريري تشكيل حكومة ائتلافية تولت السلطة في يناير/كانون الثاني 2019.
تداعيات انتفاضة 17 تشرين
بين عامَي 2011 (بداية الربيع العربي) و17 أكتوبر/شرين الأول 2019، شهد لبنان ثلاث مناسبات تظاهر فيها الناس في الشارع؛ ففي عام 2011 على وقع الثورات العربية التي اندلعت في ذلك العام، هتف متظاهرون أول مرة في بيروت بشعار الربيع العربي الشهير: “الشعب يريد إسقاط النظام”. وفي عام 2013، عاد الحراك إلى الشارع على وقع تمديد المجلس النيابي لنفسه بحجة الظروف غير المناسبة لإجراء انتخابات نيابية خوفًا من اضطرابات تعطّلها. وعلى الرغم من أن الحجج المقدمة للتمديد لم تكن مقْنعة، فإن التمديد حدث مرّة تلو أخرى وصولًا إلى عام 2018. ولعل أوسع الحركات تلك التي حدثت عام 2015، ورفعت شعار “طلعت ريحتكم” بسبب أزمة النفايات. واستهدف ذاك الشعار أطراف السلطة العاجزة عن إيجاد الحلول لمشكلة النفايات. وعلى عكس تحركات عام 2011 و2013، حظي حراك عام 2015 بتأييد واسع من اللبنانيين الذين كانوا يدركون حجم الفساد وصفقاته وعجز السلطة.[74]
يمكن اعتبار التحركات التي عرفها لبنان قبل عام 2019 أشبه بإرهاصات اندلاع الغضب يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر، تعبيرًا عن رفض شطر كبير من اللبنانيين سلوك قوى السلطة وانحيازاتها وفسادها.
حين اندلعت ثورة 17 تشرين، كان رئيس الجمهورية في نظر الثائرين واحدًا من أركان المنظومة الممسكة بالسلطة وليس رأسها أو المتكلم باسمها. وقد ارتفعت صرخات المتظاهرين مطالبة باستقالة الحكومة باعتبارها السلطة التنفيذية. وعلى الرغم من مؤازرة أطراف السلطة وأحزابها رئيس الحكومة سعد الدين الحريري وثنيه عن الاستقالة، فإن الأخير وجد بعد مرور أسبوعين أن استقالته توجه غضب المتظاهرين نحو من استمروا في السلطة، فكانت استقالته في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 هي المكسب الوحيد الذي حققته انتفاضة تشرين، لا لأن هذه الاستقالة غيّرت الوضع القائم، بل لأنها أدّت إلى انفراط العقد المتعدد الأطراف الذي أوصل ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية في عام 2016. والاستقالة مع تداعياتها جعلت مسؤولية تردّي الأوضاع تقع على حزب الله وحليفيه المتخاصمين التيار العوني وحركة أمل[75].
وكانت المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية تصطدم دائمًا بالمموقف السلبي للمرجعية المارونية. حدث هذا في العام 2005 بعد اغتيال الحريري ومظاهرة 14 آذار التي طالبت بالزحف نحو القصر الجمهوري في بعبدا لإسقاط إميل لحود. لكن البطريركية المارونية لم تكن لتقبل بسقوط ممثل الطائفة المارونية في السلطة أو إقالته. والعامل الطائفي الذي يمنع المضي في المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية الماروني، هو نفسه الذي يمنع المضي في المطالبة باستقالة رئيس مجلس النواب الشيعي.
استقال سعد الحريري من منصبه كرئيس للوزراء يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019، معلنًا أنه وصل إلى “طريق مسدود” في محاولة لحل الأزمة نجمت عن الاحتجاجات الضخمة ضد الطبقة الحاكمة وأغرقت البلاد في الاضطرابات. ضربت الاستقالة التفاهمات المعقودة بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل من جهة، وبين الأخير وحزب الله من جهة أخرى، لا سيما أن الأمين العام للحزب خرج معلنًا عن “لاءاته الثلاث”: لا إسقاط لهذه الحكومة، لا لإسقاط العهد، لا لانتخابات نيابية مبكرة[76].
تلا استقالة الحريري مسارعة الحلف الحاكم (التيار الوطني الحر- حزب الله) إلى تشكيل حكومة برئاسة حسان دياب في 29 يناير/كانون الثاني 2020، مؤلفة من وزراء روّج لهم على أنهم مستقلّون ومن أصحاب الاختصاص[77]. غير أن الممارسات التي انتهجتها وضعت سريعًا هذه السلطة بوجه الشارع، ليبرز تحكّم الأحزاب بها، مع الممارسات القمعية والأمنية، والاستدعاءات إلى القضاء، واستمرار مبدأ المحاصصة، مع الفشل في إدارة الأزمات التي تفاقمت وأدت إلى رفع معدلات الفقر والجوع والبطالة، وزاد من منسوبها تفشي فيروس كورونا. كذلك شهد لبنان فوضى في سعر صرف الليرة أمام الدولار مع تفلت السوق السوداء ، ما انعكس انفلاتًا في أسعار السلع الأساسية، وبروز شبكات التهريب، وقيودًا مصرفية أكثر تشددًا، وانقطاع الأدوية والسلع الأساسية، وزيادة التقنين بالتيار الكهربائي، مرورًا بالفضيحة الكبرى بانفجار مرفأ بيروت (في 4 أغسطس/آب 2020). تبع ذلك مماطلة قضائية وعدم محاسبة أي مسؤول، مع ثغرات فاضحة رافقت كيفية التعاطي مع القضية، لتليها استقالة حكومة حسان دياب في 10 أغسطس/آب ، ثم استقالة 8 نواب (ميشال معوض، نعمت إفرام، هنري الحلو، مروان حمادة، سامي الجميل، نديم الجميل، إلياس حنكش، بولا يعقوبيان)، وعودة مشهد قوارب الموت في الهجرة السرية بحرًا، والفشل في مواجهة ظاهرة الحرائق التي قضت على المساحات الخضراء[78].
وسط هذا المشهد، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت مرّتين، الأولى في 6 أغسطس/آب والثانية امتدت ليومين في 31 أغسطس/آب و1 سبتمبر/أيلول ، جامعًا مختلف الأفرقاء السياسيين. وطرح مبادرة للخروج من الأزمة السياسية والتي كانت أقرب إلى مخرج للقوى السياسية من الفشل في تشكيل حكومة جديدة وزيادة الخلافات بين أركانها[79]. لكن حتى هذه المبادرة والتي أدت إلى تكليف مصطفى أديب تشكيل الحكومة، قابلتها الأحزاب بشروط متبادلة وتعنّت مما دفع أديب للاعتذار في 26 سبتمبر/أيلول ، مقرًا بالفشل في مهمته، قبل أن يعود الحريري في ذكرى الثورة التي أسقطته، طارحًا نفسه مرشحًا لرئاسة الحكومة، لم تتوافق حوله كل الكتل النيابية[80]. وهكذا استمرت أزمة تشكيل الحكومة حوالى السنة الكاملة حتى جاء إعلان الرئاسة اللبنانية في 10 سبتمبر/أيلول 2021 تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي تألفت من 24 شخصية غير سياسية، وذلك بعد شهر ونصف من تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة على إثر الإستشارات النيابية الملزمة بتاريخ 26 يوليو/تموز 2021، التي سمته بغالبية 72 صوتًا من 118 نائبًا في المجلس النيابي. وعلى الرغم من كون معظم الوزراء لا ينتمون الى اي تيار سياسي علنًا، لكن تسميتهم جاءت من أحزاب وقادة سياسيين بارزين، ما جعلهم محسوبين على هؤلاء، وفق تقارير إعلامية[81].
انتخابات 2022 والفراغ الرئاسي من جديد
شهد لبنان، في 15 أيار/ مايو 2022، أول انتخابات نيابية بعد احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وانفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020. ومع أن المعسكر الذي يضمّ حزب الله وحلفاءه خسر الأغلبية التي كان يتمتع بها في المجلس السابق، فإن النتائج لم تسفر في المقابل عن أغلبية واضحة لأيّ طرف؛ ما جعل انتخاب رئيس جديد للجمهورية بدل الرئيس ميشال عون، الذي انتهت ولايته في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، صعبًا إن لم نقل مستحيلًا، وأدى بالتالي إلى إدخال البلاد في فراغ رئاسي وحكومي وحالة من الشلل السياسي ناهيك عن الأزمة الاقتصادية الخانقة.
خلفية الانتخابات وأبعادها
جرت الانتخابات النيابية في لبنان في ظل تغيرات مهمة جرت خلال السنوات الأخيرة، شملت انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 2019 (انتفاضة 17 تشرين) ضد الفساد والنظام الطائفي، وانفجار مرفأ بيروت. وإضافة إلى هذا كله، تأثر لبنان بالانعكاسات السلبية على أمن الطاقة والغذاء التي نتجت من غزو روسيا لأوكرانيا. وقد كانت هذه الانتخابات أول انتخابات تجري في لبنان من دون مشاركة تيار الحريري. وقد ترك قرار تعليق العمل السياسي الذي اتخذه سعد الحريري في يناير/ كانون الثاني 2022 تداعيات مهمة[82]، حيث تغيّرت الحسابات الانتخابية بناء عليه، وتسابق مرشحون لملء الفراغ الذي تركه تيار المستقبل الذي كان يتمتع بالأكثرية التمثيلية بين سُنّة لبنان. وجاءت هذه الانتخابات أيضًا في آخر ولاية الرئيس عون الذي انعكست سياساته سلبيًا على شعبية التيار “الوطني الحر” ، وكان هذا التيار يملك أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب السابق. وقد فرضت كل هذه العوامل، من الانهيار الاقتصادي وعدم مشاركة تيار المستقبل وانحسار شعبية التيار الوطني الحر ودخول مرشحي “الانتفاضة” على خط المنافسة، دينامياتٍ جديدةً على هذه الانتخابات. ومع أن النتائج كرّست نفوذ حزب الله في الطائفة الشيعية، لكنها جعلته أكثر حاجة إلى خصومه لتشكيل حكومة وتنفيذ سياسات وتمرير مشاريع قوانين في المجلس النيابي. وقد خسر في هذه الانتخابات أغلب المرشحين الموالين للنظام السوري (فيصل كرامي، وطلال أرسلان، ووئام وهاب، وأسعد حردان، والحزب القومي السوري الاجتماعي)، كما خسر فيها رموز في النظام المصرفي اللبناني مثل مروان خير الدين وإيلي الفرزلي. لكن النتيجة الأهم والأخطر أن هذه الانتخابات قطعت الطريق على أيّ احتمال لتولّي جبران باسيل رئاسة الجمهورية، وقد أصبح المزاج المسيحي منقسمًا بالمناصفة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية[83].
وبعد أكثر من شهر على هذه الانتخابات التشريعية التي أتت بكتل غير متجانسة إلى البرلمان، ومع تشكيل المجلس النيابي الجديد حصل الرئيس نجيب ميقاتي مجددًا على عدد كاف من الأصوات من النواب لتعيينه رئيسًا للوزراء، فكلفه الرئيس ميشال عون في 23 يونيو/حزيران 2022 تشكيل حكومة جديدة، وحصد ميقاتي 54 صوتًا من أصوات النواب (128) خلال استشارات أجراها رئيس الجمهورية، بينها دعم كتلة نواب حزب الله، القوة السياسية النافذة في البلاد. وامتنع 46 نائبًا، بينهم مستقلون وكتلة حزب القوات اللبنانية المعارضة المؤلفة من 19 نائبًا، عن تسمية أحد. واختار آخرون (25 صوتًا) بينهم كتلة حزب الكتائب المعارض (4 نواب) وكتلة الحزب الاشتراكي بزعامة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط (معارضة 8 نواب) الدكتور نواف سلام، سفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة ، في حين امتنعت كتلة التيار الوطني الحر، حزب رئيس الجمهورية (17 نائبا) عن تسمية مرشح[84].
الفراغ الرئاسي الجديد
مع انتهاء ولاية ميشال عون مساء الاثنين 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022 بعد 6 سنوات أمضاها في سدة الرئاسة، دخل لبنان في مرحلة جديدة من فقدان التوازن بعدم انتخاب رئيس جديد، وشغور الموقع الرئاسي في غياب أي مؤشرات (داخلية وخارجية) توحي بإمكانية نجاح مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد. وكانت هذه المرحلة أشبه بتلك التي عاشها لبنان في عام 2014، لكن الجديد هذه المرة أن لبنان كان يرزح منذ عام 2019 تحت ضغط أزمة مالية غير مسبوقة وأزمة اقتصادية حادة ناهيك عن أزمة الثقة بالسياسيين والقضاء والأجهزة الأمنية نتيجة لانتفاضة 17 تشرين ولتداعيات انفجار المرفأ في 4 أغسطس/آب 2019 .
وقد برزت يومها مجموعة من الأسماء التي تسعى للوصول إلى منصب الرئاسة، أعلن بعضهم ترشّحهم رسميًا مثل ميشال معوض ونعمة أفرام، وبقي آخرون مرشحين ضمنيين مثل قائد الجيش العماد جوزيف عون، وزياد بارود وزير الداخلية في حكومة فؤاد السنيورة (2008 – 2009). ثم انحصرت المنافسة بين الوزيرين السابقين سليمان فرنجية وجهاد أزعور. وفي حين حظي فرنجية بدعم حزب الله، فإن أزعور (كان وزيرًا للمالية في حكومة السنيورة 2005 – 2008 وهو اليوم مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز في صندوق النقد الدولي) دعمته قوى المعارضة قد انضم إليها تيار عون-باسيل بهدف منع وصول فرنجية إلى الرئاسة أو على الأقل الضغط على حزب الله لإيجاد بديل عن هذا الترشيح . كانت المعارضة تتشكل من حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب وبعض نواب “التغيير” الذين جرى انتخابهم بعد انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، إضافة إلى بعض النواب الذين كانوا جزءًا من تيار المستقبل بزعامة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري. وتوافقت هذه القوى سابقًا على دعم النائب ميشال معوّض، لكن الأخير لم يحصل على العدد الكافي من الأصوات، لذلك سحب ترشيحه في 4 يونيو/حزيران بعد تلاقي المعارضة مع التيار الوطني الحر على ترشيح جهاد أزعور.
ضمن هذا الوضع المأزوم عادت فرنسا تحاول لعب دور رئيسي في الاستحقاق الرئاسي . في مايو/ أيار 2023، سلطت صحيفة “لوموند” الفرنسية الضوء على التدخل الفرنسي في الانتخابات الرئاسية اللبنانية والجدل المثار بشأن دعم باريس وتزكيتها لفرنجية. وأشارت الصحيفة إلى اتهام رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لفرنسا بأنها تريد “تأمين مصالحها خاصة فيما يتعلق بمينائي بيروت وطرابلس”[85]. إلا أن باريس تلقت ضربة معنوية بمبادرتها التي لم تنجح، وكانت تقوم على المقايضة التالية: انتخاب فرنجية رئيسا مدعوما من الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، مقابل تكليف الدبلوماسي سفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة نواف سلام رئيسا للحكومة، مع ترتيبات محاصصة حول الحقائب الوزارية والبنك المركزي ومراكز بمؤسسات الدولة. هذه المعادلة التي هندسها المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، أثارت غضبًا واستياء قوى سياسية معادية لفرنجية، وتحديدًا القوى المسيحية، فدعمت المرشح أزعور كرد فعل على موقف فرنسا الداعم لفرنجية.[86]
ومطلع يونيو/حزيران 2023، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير الخارجية السابق لودريان موفدًا خاصًا إلى لبنان، في محاولة جديدة لإنهاء الأزمة السياسية في البلد ، حسبما أعلنت الرئاسة الفرنسية، وهي بالأحرى محاولة للملمة النكسة الفرنسية وعدم القبول بهزيمتها. وكانت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا وقد التقت نظيرها اللبناني عبدالله بوحبيب في الرياض، على هامش الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لمحاربة “داعش” في 8 يونيو/حزيران، بحسب بيان للخارجية اللبنانية جاء فيه أن “لقاء الوزيرين تناول ملف النزوح السوري في لبنان والانتخابات الرئاسية. وأوضحت الوزيرة الفرنسية أن الرئيس إيمانويل ماكرون، عيَّن وزير الخارجية السابق جان ايف لودريان موفدًا إلى لبنان للمساهمة في تسريع انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية”[87]. في 14 يونيو/حزيران 2023 ، في الجلسة الثانية عشر للبرلمان اللبناني لاختيار رئيس جديد للجمهورية، حصل جهاد أزعور على 59 صوتًا، فيما حصل سليمان فرنجية على 51 صوتًا. والمعروف أن يحتاج المرشح يحتاج في الدورة الأولى من التصويت إلى أغلبية الثلثين -أي 86 صوتًا من مجموع نواب المجلس البالغ عددهم 128 نائبًا- للفوز، وفي حال الانتقال إلى دورة ثانية تصبح الأغلبية المطلوبة 65 صوتًا، لكن النصاب يتطلب الثلثين في الدورتين.
بعد هذا الفشل الجديد انعقدت في 16 يونيو/ حزيران في قصر الإليزيه بالعاصمة باريس قمة فرنسية سعودية جمعت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي ماكرون، دعيا فيها المسؤولين في لبنان إلى الإسراع في انتخاب رئيس جديد للبلاد. وفي 21 يونيو/ حزيران التقى لودريان مع قيادات رسمية وحزبية لبنانية، وأجرى محادثات تتعلق بكيفية الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية بأقرب وقت ممكن[88]. وثمة أسباب أخرى أضفت أهمية على تدخل فرنسا بهذا الشكل: ففرنسا هي صاحبة مبادرة “سليمان فرنجية – نواف سلام”، وهي مفوضة أميركيًا لأنها تريد لبنان منصة إقليمية نحو الشرق الأوسط. ولفرنسا منظومة مصالح اقتصادية تبدأ بالنفط والغاز ولا تنتهي بالكهرباء والاتصالات مرورًا بالمرفأ وغيره[89].
وباستعراض لمواقف القوى الدولية والإقليمية – قبل طوفان الأقصى- نجد أن إيران تركت يومها لحزب الله مسؤولية التعامل مع الصراع على منصب الرئاسة، واتخاذ القرار بشأنه. ولعل ذلك يعود لتفرغها لعملية تقدم مفاوضاتها وعلاقاتها مع أميركا والسعودية وعدم الرغبة في تعكيرها. وفي حين كان الحزب يصر على أن إيران لا تتدخل في الملف الرئاسي، “لكن إذا ذهب الصراع لمحاصرة الحزب وفرض مرشح تحدٍّ عليه، فلن تقبل طهران بذلك”.[90] أما بخصوص الولايات المتحدة فالظاهر أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تكن تعطي اهتمامًا حقيقيًا بالوضع اللبناني. ومقارنة بالجهود التي بذلتها واشنطن بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في عام 2022، ثم في أغسطس/آب 2023، فإنها لم تقدم أي مبادرة رئاسية إلى ما قبل الحرب الإسرائيلية على لبنان أكتوبر 2023- نوفمبر 2024. وكانت قد تركت في السابق لفرنسا مهمة التدخل ومحاولة إيجاد تسويات. وفي انتظار نتائج المهمة الفرنسية كانت واشنطن تلمح إلى قبولها بتسوية لبنانية تتوافق مع مصالحها وأنها تستطيع في الأخير نسف أي شيء مغاير، مع تلويحها بين حين وآخر بفرض عقوبات على المسؤولين عن تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية. وكان حزب الله مطمنئًا إلى أن واشنطن لا تريد التورط بتسمية رئيس للجمهورية، حتى لا تتحمل المسؤولية إذا فشل أي رئيس جديد، وإن كان لديها حتمًا مرشحها المفضل، وأنها ترحب بأزعور وإن كانت لا تمانع بوصول فرنجية، انطلاقًا من قناعة واشنطن بأن أي رئيس ماروني لبناني سيكون حريصًا على أفضل علاقة مع واشنطن. ولفت في هذا السياق دعم واشنطن اللوجستي والمادي للجيش واحتضانها لقائده على الرغم من أنها لم تعبر عن دعمه بصفة رسمية، كما أن واشنطن”كانت ترى في أزعور شخصًا مناسبًا، لمجيئه من مناخ صندوق النقد الدولي”[91].
وعلى كل حال فإن أميركا كانت منشغلة بأولويات دولية كثيرة تعتبرها حاسمة أهمها الحرب في أوكرانيا، وملف التفاوض مع إيران، وملف التطبيع العربي المتعثر مع إسرائيل، ناهيك عن الوضع الداخلي ما بين فضائح ومحاكمات ترامب وبايدن، مع بدء الحملات التمهيدية لانتخابات الرئاسة 2024.
أما مصر فيبدو أنها دعمت منذ البداية ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، ولو أنها كانت تتحرك بما يوحي أنها تركت الحسم للمجموعة الخماسية وتحت سقفها طارحة على الدوام ضرورة إنجاز تسوية. بينما سعت قطر، التي لديها تجربة ناجحة في حل أزمة انتخاب الرئيس عام 2008، إلى منع انهيار الوضع السياسي والاقتصادي ريثما يجري التوصل إلى اتفاق. ولم يكن هناك معارضة لوساطة قطرية في لبنان؛ فهي تتمتع بعلاقات جيدة مع الأطراف كافة، ولكن قطر بقيت تنتظر و”تجسّ نبض” القوى السياسية في لبنان بشأن احتمالات التوافق[92].
أما السعودية، التي تراجع نفوذها في لبنان خلال السنوات الأخيرة بعد أن فقدت التأثير في الكتلة النيابية الناخبة للرئيس في إثر تفكّك كتلة المستقبل والناخب السني بالتالي، وأزمة العلاقة بين الرياض والحريري، ومقاطعة تيار الحريري انتخابات 2022 ، فإن أولوية أولوياتها كانت تقليص نفوذ حزب الله وقد جعلت ذلك شرطًا من أجل استئناف دعمها المالي للبنان. ومع أن السعودية ألمحت إلى أنه ليس لديها “فيتو” على انتخاب سليمان فرنجيّة، إلا أنها طبعًا لم تكن متحمسة لانتخابه رئيسًا وفق التسوية الفرنسية وسلة التعيينات التي ترافقها. وهي لم تطرح مبادرات بديلة أو تقترح أسماء جدّية، لكن يكفي أنها أحبطت المبادرة الفرنسية، وشجعت الكثير من الأطراف اللبنانية على إسقاطها.
أما سورية (لأسد) التي لم يعد لها دور في الملف الرئاسي ، لغرقها في أزماتها الداخلية الكثيرة والمتصاعدة، ولسيطرة القرار الإيراني الروسي على سياستها، فإنها كانت لا تزال تحلم وتعمل على استعادة سيطرتها الكاملة على لبنان ، وكان يكفيها قيام حزب الله بواجب دعم حليفها الأول والكبير سليمان فرنجية.
في 17 يوليو/تموز 2023 دعت المجموعة الخماسية بشأن لبنان[93] خلال اجتماعها في الدوحة-قطر أعضاء البرلمان اللبناني إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفًا للرئيس ميشال عون ، وأشارت إلى أنه تمت مناقشة اتخاذ إجراءات ضد من يعرقل ذلك. وأكدت المجموعة في بيانها استعداد الدول الخمس لدعم تنفيذ إصلاحات اقتصادية يوصي بها صندوق النقد الدولي. وأشار البيان إلى أن على أعضاء البرلمان اللبناني الالتزام بمسؤوليتهم والشروع في انتخاب رئيس للبلاد. وتأكد وتكرس مجددًا أن لا انتخابات رئاسية ما لم يحصل اتفاق إقليمي ودولي، حين اقترحت فرنسا ضم إيران إلى هذه المجموعة كما دعت إلى عقد طاولة حوار لبنانية تواكب المشاورات الإقليمية والدولية، وحاولت الاستفادة من التقارب السعودي – الإيراني الذي لم ينعكس أبدًا على لبنان[94]. لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر… فقد استمر حزب الله وحلفاؤه في التمسك بتعطيل أي تسوية انتخابية… إلى أن كان الطوفان.
طوفان الأقصى وتغير المعادلات
جاء طوفان الأقصى ليضرب كل الحسابات ويربك كل المعادلات… فهو لم يفاجئ فقط إسرائيل والغرب والعرب بل فاجأ أيضًا وأساسًا أركان محور الممانعة (إيران وسوريا حزب الله). وقد وجدت إيران (والحزب بالتالي) نفسها مضطرة لدخول الحرب ولكن بوتيرة خفيفة محسوبة فلا تقتل الذئب ولا يفنى الغنم. ووجد حزب الله نفسه محشورًا بين شعاراته “توحيد الساحات” و”إسناد غزة” و”الزحف نحو القدس”، وبين إمساك إيران التام بمفاصل قواته وقراراته بحيث منعت توسيع تدخله تجنبًا للردود الأميركية والإسرائيلية. ومن هنا فقد بقي تدخل حزب الله محصوراً في عمليات تكتيكية ضمن ما أسماه “قواعد الاشتباك”، وليس انخراطاً كبيراً في الحرب، وذلك لجرد إظهار التضامن مع حماس مع تجنب حدة الرد الإسرائيلي في الوقت نفسه. ومنذ البداية ظهر واضحًا أن الإيرانيين لا يريدون توسيع رقعة الحرب وأنهم بتصعيدهم المواجهة في البحر الأحمر عبر الحوثيين يريدون توجيه رسالة إلى أميركا (وأوروبا) بعدم السماح لإسرائيل بجر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية. ويبدو أن الضغوط الأميركية والأوروبية على إيران تركزت على منع تمدد الحرب في لبنان والمنطقة وتوسعها ولكنها في المقابل اعتمدت سياسة ردعية بهدف منع الحوثيين من تعطيل الملاحة والمصالح الغربية في المنطقة. ومع تصاعد حمى الحرب في غزة والتصعيد اليومي على جبهة الجنوب والبحر الأحمر، اعتقد حزب الله أنه صار يمتلك عددًا أكبر من الأوراق لفرض شروطه الداخلية، والتمسك أكثر بمرشحه للرئاسة معتبرًا أن الرسائل الدولية والإقليمية التي تصله حول ضرورة التهدئة في الجنوب وعدم الذهاب نحو الحرب تعينه في مسعاه وتفتح له الباب واسعًا لصياغة وضع سياسي جديد في لبنان. لكن مرة أخرى لم تكن حسابات الحقل منطبقة على حسابات البيدر، وهنا كان مقتل حزب الله ونظام الأسد ومعهما إيران.
منذ فجر الأول من أكتوبر 2024 وسعت إسرائيل من عملياتها لتبدأ هجومًا برّيًا في الجنوب، في ظل موقف أميركي معلن يقول بمعارضة توسيع الحرب في لبنان، لكنه يوافق على ضرب حزب الله وإنهاء وجوده[95]. أما هدف نتياهو فكان خلق أمر واقع جديد يفرض من خلاله شروطه التي تدرجت من المطالبة بتنفيذ القرار 1701 وانسحاب الحزب إلى شمال نهر اليطاني، ثم المطالبة بالانسحاب إلى ما وراء نهر الأولي (منطقة صيدا)، وصولًا إلى الكلام عن إنهاء الحزب وتغيير خارطة الشرق الأوسط.
والحال أن المبادرة كانت في يد نتنياهو، الذي استفاد من ضعف الإدارة الأميركية وعجزها عن القيام بأي خطوة قبيل أسابيع من الانتخابات الرئاسية، ناهيك عن دعم بلينكن وجماعته له ، وموقف ترامب المؤيد أصلًا للحرب وللانتهاء من إيران وحلفائها[96]، علاوة على التأييد أو الصمت والنفاق الأوروبيين. ويبدو أن الجميع كان يراهن على فرض وقائع جديدة على الأرض وانتظار مفاعيلها ونتائجها[97]. وقد وجدت أميركا والغرب في الحرب فرصة لإنهاء “هيمنة حزب الله” التي استمرت لفترة طويلة ولكسر الجمود السياسي في لبنان.[98]. وهكذا وجد اللبنانيون أنفسهم أمام خيار من إثنين: الاجتياح البري الموسّع، واستكمال عمليات التدمير والتهجير والاغتيال تمهيدًا لإنشاء حزام أمني شبيه بحزام ما قبل العام 2000؛ أو التسليم الرسمي والشعبي بالشروط الدولية المفروضة، والتي تدعو إلى العودة إلى القرار 1559 وليس مجرد تطبيق القرار 1701 . بالمقابل فشل الحزب في توقّع الخسائر وتجنّبها. لقد بنى الحزب إستراتيجيته في إسناد غزة على تقدير للوضع عنوانه الالتزام بقواعد الاشتباك والردع المتقابل، لكن سرعان ما تبيّن أنّه تقدير خاطئ ما سمح لإسرائيل بالاستعداد لجبهة الشمال. لا بل ظهر أن الاستعداد كان قد بدأ منذ حرب تموز/بوليو 2006.
كما أنّ الخطأ الأهم الذي وقع فيه الجميع كان في تجاهل مستوى الوحشية الصهيونيّة التي تمثلت بحرب إبادة كاملة في غزة وبحرب تدمير واسعة للجنوب والبقاع والضاحية في لبنان. هذا ناهيك عن عدم فهم إشارات الموقف الأميركي (والأوروبي إلى حد كبير) الحاضن والمشارك في عملية الانتهاء من وجود قوى راديكالية مثل حماس والجهاد وحزب الله على رقعة الشرق الأوسط، وعدم فهم معنى التلويح الأميركي والأوروبي المتكرّر بخطرِ الحرب «المفتوحة» وبضرورة ضبط النفس والذي ساهم في شل فعّالية الإسناد الإيراني. من جهة أخرى، لقد أخطأ الحزب(وإيران) في تقدير إستراتيجية نتنياهو في إطالة أمد الحرب على غزّة، بحيث فقد الإسناد مع الوقت كثيراً من قدرته وأهدافه. وكان لا بد من تغيير هذا التقدير حين قام العدو بضربات الثلثاء 17 سبتمبر/أيلول التي استهدفت أجهزة “البيجر” والأربعاء 18 في أجهزة اللاسلكي. لكن التغيير لم يحصل، بل استمرت إيران تماطل وتناور ضمن استراتيجيتها السابقة حتى كانت عمليات اغتيال القيادة العسكرية الجمعة 20 سبتمبر/أيلول، ثمّ ضربة الإثنين الأسود في الضاحية يوم 23 سبتمبر/أيلول ، وصولاً إلى اغتيال السيد نصر الله يوم الجمعة 27 سبتمبر/أيلول ، والسيد هاشم صفي الدين في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وبالتالي أنجز العدو القضاء على النخبة القائدة في حزب الله (2 أمناء عامين، وعدد كبير من قادة الوحدات العسكرية والأمنية، ناهيك عن معظم أعضاء المجلس الجهادي وبعض أعضاء مجلس شورى القرار) ناهيك عن التدمير الكامل لشريط حدودي من القرى بعمق 2-3 كلم واحتلال مساحات أخرى من الجنوب. هذه الضربات أجبرت قيادة الحزب (أي إيران في الأساس) على “تجرع السم” وقبول الخطة الأميركية الفرنسية لوقف إطلاق النار (ولو أن الحزب عاد لاحقًا إلى نغمة الانتصار). ثم كانت الضربة الأهم والأخطر التي تلقتها طهران وحزب الله، بالسقوط السريع والمذهل لنظام بشار الأسد وفراره إلى موسكو. ولعل العامل الحاسم في سرعة تهاوي دفاعات النظام كان انكفاء روسيا بسبب نقل المزيد من ضباطها وقواتها وأسلحتها إلى الجبهة الأوكرانية، وانهيار حزب الله في لبنان بعد الحرب الضروس التي خاضها ضد العدوان الإسرائيلي غير المسبوق، وتزايد ضعف إيران بعد التغييرات الداخلية التي تلت مقتل الرئيس رئيسي وبعض معاونيه، وبالأخص بنتيجة الضربات (والاغتيالات)الإسرائيلية على أراضيها وضد حزب الله في سورية ولبنان. وبالتالي فقد خسرت إيران وحزب الله خسارة كبيرة بهذا التحول المفاجئ في الوضع السوري، كما خسرت موسكو المشغولة بحربها الأوكرانية، وقد اضطرت مؤخرًا للاستنجاد بكوريا الشمالية. وهكذا انكشف الحزب بالكامل أمام خصومه في الداخل بعد انكشافه أمام العدو الخارجي.
هذا الوضع الجديد أعاد طرح مصير حزب الله (وسلاحه) ودوره في المعادلة الداخلية. فعادت الخماسية إلى طرح التسريع بانتخاب رئيس للجمهورية ، وتبنت بالإجماع قائد الجيش جوزيف عون، على أن يلي ذلك تشكيل حكومة تلتزم بالسقف الدولي الجديد، أي تنفيذ القرارات 1559 و 1680 و1701 وتطبيق الطائف ببنوده ذات الصلة، والقيام بالإصلاحات الضرورية التي كان قد حددها المجتمع الدولي والهيئات المختصة منذ سنوات وتبنتها المحموعة الخماسية ومعظم الأفرقاء. وقد حاول الرئيس نبيه بري تأجيل الأمر المحتوم وانتزاع بعض الضمانات ، من خلال تحكمه بمجريات التصويت في مجلس النواب مع تمتعه بكتلة كبيرة من النواب (37 للثنائي الشيعي وحلفائه و14 للتيار العوني وعدد آخر من المستقلين المترددين في انتخاب قائد الجيش لأسباب متنوعة)… لكن الوضع الدولي الإقليمي كان قد رسم مجددًا مصير الانتخابات. وهكذا كان.
[1] حول تاريخ لبنان الطائفي والتدخلات الخارجية يُنظر:
كمال الصليبي: بيت بمنازل كثيرة ، الكيان اللبناني بين التصوّر والواقع. منشورات نوفل، بيروت 1988
وجيه كوثراني: الاتجاهات الاجتماعية السياسية في جبل لبنان والمشرق العربي 1860- 1920، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1976
[2] إمارة جبل لبنان هو الاسم الذي أطلقه المؤرخون على جبل لبنان خلال العقد الثاني من القرن السابع عشر، وكانوا قد أطلقوا عليه أسماء متعددة غيره: إمارة الشوف، إمارة جبل الدروز. تأسَّست الإِمارة في عام 1516، على يد الأمير فخر الدين المعني الأول، الذي قدم الولاء للباب العالي. ولكن محاولاته التملص من دفع الجزية أزعجت الأتراك، فقرروا بسط النفوذ المباشر على البلاد، وفي عام 1544 توفي فخر الدين مسمومًا في بلاط باشا دمشق، وكذلك قتل ابنه قرقماز في عام 1585 أثناء قتاله للأتراك. بقيت المناطق التي تشكل لبنان المعاصر مقسمة وفق التقسيم الإداري الذي وضعه العثمانيون، فاتبعت بعض المناطق ولاية دمشق وبعضها الآخر ولايتيّ طرابلس وصيدا، واستمر الأمر على هذا المنوال حتى عهد فخر الدين الثاني بن قرقماز، الذي كان سياسيا ماهرًا ، فقام بدفع الجزية للسلطان وتقاسم معه الغنائم الحربية، فعينه السلطان والياً على جبل لبنان، ثم وسّع نطاق سلطانه حتى شمل سورية وفلسطين وشرق الأردن، فاعتبر من أعظم الشخصيات اللبنانية والشرقية التي برزت أثناء العهد العثماني، ولكن أعداؤه أثاروا غضب السلطان والولاة عليه، فقامت حملة كبيرة ألقت القبض عليه وسيق إلى الآستانة وأعدم شنقًا. وبعد ذلك بفترة زالت الإمارة المعنية من جبل لبنان بعد أن دامت أكثر من خمسمئة سنة وحلت محلها الإمارة الشهابية. حكم جبل لبنان 8 أمراء من آل شهاب خلال الفترة الممتدة بين عامي 1697 و1841، وكان أبرزهم بشير الثاني الذي اعتبر خليفة فخر الدين الثاني. وخلال عهده حصلت بضعة أحداث مهمة في لبنان منها ثورة الشعب على الأمير بسبب الزيادة الباهظة في الضرائب،و مجيء الجيش الفرنسي إلى سورية بقيادة نابليون بونابرت أثناء محاولته احتلال عكا، والحملة المصرية على بلاد الشام التي أخرجت لبنان لمدة تسع سنوات من تحت الحكم العثماني وأخضعته للحكم المصري، قبل أن يعود العثمانيون لاستعادة البلاد بمساعدة الإنجليز والروس.
[3] اشتد العداء السياسي بين قبائل العرب القادمة إلى لبنان وسورية فحملوه معهم خصوصًا في حوران وبلاد جبل لبنان، ونشروا الحزبية القيسية واليمنية حتى كان لها الشأن العظيم في اضطراب البلاد. وفي جبل لبنان كان المعنيون رؤساء القيسيين وهم الذين مهدوا سبيل القضاء على اليمنيين سنة 1711 م بموقعة عين داره. وبحسب محمد كرد علي في كتابه خطط الشام “فقد كانت في القديم في حمص حتى ضرب المثل بها فقالوا: أذلُّ من قيسي بحمص، وذلك أن حمص كلها لليمن ليس بها من قيس إلا بيت واحد. ثم كانت ترى آثارها في حوران ولبنان وربما انتقلت نغمتها من حوران منذ جلاء كثير من الأسر المسيحية إلى جبل لبنان وبقيت في هذا الجبل إلى القرن الماضي ثم اضمحلت”. وبرأيي أنها لم تضمحل إنما استترت وتحورت.
[4] الإمتيازات الاجنبية هي تسهيلات تقدمها دولة لدول أجنبية بهدف تشجيعها على الإقامة فيها واستثمار أموالها وخبراتها. وفي السياق العثماني، يُشار إليها أحياناً في المصادر العربيّة والتركيّة العثمانيّة بلفظ العهود العتيقة أو عهدنامه. وقد أبرمت تفاهمات بين الدول الأوروبية والدولة العثمانية، منذ القرن السابع عشر، تقوم من خلاله الدول الأوروبية برعاية مصالح وحماية مسيحيي الدولة العثمانية، وباتت أوروبا تعتبر هذه الامتيازات “حقوقًا لها”، فحمت فرنسا والنمسا الكاثوليك، والإمبراطورية الروسية الأرثوذكس، وبريطانيا الجماعات البروتستانتية الصغيرة ثم الدروز؛ وكانت الامتيازات تشمل تسهيلات في السفر، والتقاضي أمام محاكم خاصة، والتعليم، والإعفاء من الضرائب في قطاعات بعينها، وتعيين قناصل أو تراجم أو موظفين قنصليين في البلاد.
[5] نظام الملل: هو نظام يعتمد على تصنيف رعايا الدولة العثمانية غير المسلمين تصنيفاً يقوم على المذهب الديني الذي ينتمي إليه هؤلاء الرعايا.
أما تعبير الملة: فهو يعني “سكان الامبراطورية العثمانية غير المسلمين”، وقد استخدم في أوائل القرن التاسع عشر على حين أن اللفظة (ملة) كانت في العصور السالفة تشير الى المسلمين ضمن الإمبراطورية حصراً.
[6] القائم مقاميتين هو نظام سياسي عثماني لحكم لبنان بين سنة 1842م و1861م أُقيم على اثر الاضطرابات التي حصلت بين المسيحيين والدروز (1840- 1841) بتشجيع من الأوروبيين والمصريين (قبل اندحار الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا)، يقسم جبل لبنان إلي قائم مقاميتين بحيث يحكم الأمراء الدروز المناطق الجنوبية المختلطة ويعين العثمانيون حاكمًا مسيحيًا للمناطق الشمالية ذات الأغلبية المسيحيّة.
[7] متصرفية جبل لبنان هو نظام حكم أقرته الدولة العثمانية وعُمل به من عام 1861 وحتى عام 1918، وقد جعل هذا النظام جبل لبنان منفصلاً من الناحية الإدارية عن باقي بلاد الشام، تحت حكم متصرف أجنبي مسيحي عثماني غير تركي وغير لبناني تعينه الدولة العثمانية بموافقة الدول الأوروبية العظمى الست: بريطانيا وفرنسا وبروسيا وروسيا والنمسا وإيطاليا. وقد استمر هذا النظام حتى نهاية الحرب العالمية الأولى وإعلان الانتداب الفرنسي.
[8] يُنظر في ذلك: زين نور الدين زين؛ الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سورية ولبنان؛ دار النهار، بيروت 1971
[9] https://www.monde-diplomatique.fr/1997/03/LEYMARIE/4646
[10] حول هذه القضايا والأزمات الفرنسية الداخلية والخارجية، يُنظر:
- Bernard Michal et Claude Guillaumin, Les grandes énigmes de la quatrième république, coll. «Les grandes énigmes historiques de notre temps», 1971
- Georgette Elgey, La République des illusions (1945-1951), Fayard, 1965 ; édition revue et augmentée, 1993
- Laurent Cesari, L’Indochine en guerres, 1945-1993, Belin, 1995.
- Jacques Dalloz, La Guerre d’Indochine, Seuil, 1987.
- Jacques Fauvet, La IVe république, Le Livre de Poche, mars 1962.
[11] – David Abernethy, The Dynamics of Global Dominance, European Overseas Empires 1415–1980. Yale University Press. 2000
– Piers Brendon, The Decline and Fall of the British Empire, 1781–1997. Random House. 2007
– Roger Louis, The British Empire in the Middle East, 1945–1951: Arab Nationalism, the United States, and Postwar Imperialism. Oxford University Press. 1986
[12] حول مرحلة الشهابية وما بعدها يُنظر:
اشتراكيون لبنانيون: تناقضات الوضع اللبناني، دار الطليعة، بيروت 1969
محسن إبراهيم: لماذا منظمة الاشتراكيين اللبنانيين، دار الطليعة، بيروت 1970
[13] في 23 أبريل/نيسان 1969 استقالت حكومة رشيد كرامي بسبب المظاهرات والصدامات المسلحة على خلفية الانقسام الداخلي حول شرعية وجود العمل الفدائي الفلسطيني المسلح وانطلاقه من جنوب لبنان، ما قاد يومها إلى أزمة حكم كبيرة انتهت بتوقيع اتفاق القاهرة الشهير في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1969 لغرض تنظيم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان وذلك بعد حوالي سبعة أشهر على بقاء لبنان من دون حكومة. أرسل الرئيس اللبناني آنذاك شارل حلو وفدا برئاسة قائد الجيش اميل بستاني إلى القاهرة للتحادث والتفاوض مع ياسر عرفات وتحت إشراف وزير الدفاع المصري محمد فوزي. اتفاق القاهرة 1969 أعطى الشرعية لوجود وعمل المقاومة الفلسطينية في لبنان. وقد اعتبر البعض هذا الاتفاق متعارضا مع مبادئ سيادة الدولة اللبنانية. وحظي اتفاق القاهرة عند إعلانه بتأييد أكثرية القيادات السياسية اللبنانية ولكنه وبعد غزو لبنان 1982 باتت هذه الأكثرية نفسها مؤيدة لإلغائه أو اعتباره باطلًا. في 21 مايو/أيار 1987 وافق البرلمان اللبناني على قانون إلغاء الاتفاق ووقعه في وقت لاحق رئيس الوزراء سليم الحص ورئيس الجمهورية أمين الجميّل.
[14] كانت المخابرات السوفياتية قد عملت على استدراج أحد الضباط اللبنانيين الطيار محمود مطر لخطف طائرة «ميراج» فرنسية الصنع لحسابها، لكنه أفشى السر لقيادة الجيش، مما تسبب بأزمة دبلوماسية، وتأجيج الحرب الباردة في لبنان. وبتدخل سوفياتي فإن النائب كمال جنبلاط لم يجيّر أصوات كتلته النيابية (جبهة النضال الوطني) الى المرشح الشهابي الياس سركيس، بل وزّعها بينه وبين فرنجية مناصفة. غير أن أحد نواب كتلته خرج على التوزيع وصوّت لمصلحة سليمان فرنجية (قيل يومها إنه النائب محمد دعاس زعيتر). وقد لعب المال دوره في هذه الانتخابات حيث كان فريق فرنجيه-كامل الأسعد-صائب سلام يوزع المال كما الوعود بالتوزير… ناهيك عن الإشارة إلى أن سليمان فرنجيه كان صديقًا حميمًا للرئيس حافظ الأسد.
[15] قائد الجيش اللبناني يومها كان ذا طموح رئاسي، ما جعله يحظى بدعم مصري وسهّل قبوله لـ«اتفاق القاهرة» الذي أزعج أميركا وجعلها تدعم فرنجيه ضد الشهابيين في انتخابات 1970. ناهيك عن عدم ثقة أميركا بمخابرات الجيش (المكتب الثاني يومها) المخترقة من مصر وسورية.
[16] مسعود الخوند؛ موسوعة الحرب اللبنانية، دار كنعان، بيروت 2006، الجزء الرابع،
[17] حول هذه المرحلة وتفاصيلها يُنظر:
مركز التخطيط الفلسطيني؛ وقائع الأحداث اللبنانية 1975- 1976، الجزء الثاني، بيروت 1976
مسعود الخوند؛ موسوعة الحرب اللبنانية، مرجع سابق، الجزء الخامس
[18] يُنظر: سعود المولى؛ الشيعة اللبنانيون في تبلور وعيهم الوطني، منشورات هيا بنا، بيروت 2008
[19] المرجع السابق نفسه، ومسعود الخوند، مرجع سابق، الجزء السادس
[20]سعود المولى؛ المرجع السابق نفسه. ومسعود الخوند؛ مرجع سابق: الجزء السابع والجزء الثامن
[21] طنوس معوض؛ 18 يوما من عمر لبنان، دار النهار، بيروت،2002
[22] رئاسيات 1998،”ملف النهار”، الياس الهراوي، ص9
[23] رئاسيات 2014 بيار عطاالله، النهار، 15 نيسان 2014
[24] رئاسيات 1998،”ملف النهار”، الياس الهراوي، ص9
[25] كريم بقرادوني؛ لعنة وطن، دار عبر الشرق للمنشورات، بيروت،لا تاريخ. ص223
مسعود الخوند؛ مرجع سابق، الجزء الثامن
[26] حول الموضوع يُنظر مقال سركيس نعوم في مجلة الوسط اللندنية بتاريخ 23/10/1995، أعيد نشره على الرابط التالي:
https://cutt.ly/F8M20Vf
[27] حول الموضوع يُنظر مقال أحمد الغز في جريدة اللواء على الرابط التالي:
http://www.aliwaa.com/Article.aspx?ArticleId=199844
[28] النهار 20 تشرين الاول 1995
[29] http://www.thisissyria.net/2007/09/22/forum/206.html
[30] Augustus Richard Norton, ‘The Lebanese Formula Revisited’, in Theodor Hanf (ed.), Power Sharing: Concepts and Cases (Lettres de Byblos/Letters from Byblos, Byblos 2008), 85-88.
يُنظر عبد الرؤوف سنّو : التعايش المأزوم لبنان من الميثاق الوطني إلى اتفاق الدوحة وتداعياته 1943 – 2011 ؛ متوفر على الرابط التالي https://cutt.ly/TwlE5blq
[31] يُنظر سعود المولى؛ مرجع سابق
International Crisis Group Working to Prevent Conflict Worldwide, “Engaging Syria? U.S. Constraints and Opportunities”, Middle East Report no. 83, February 11, 2009, http://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/8C6E970E5E2DAC378525755A006C4B17-Full_Report.pdf3-4
[32] جنى نصر الله: هل يكون إميل لحود آخر من تنصبه سورية رئيسًا على لبنان؟ النهار – السبت 22 أيلول/ سبتمبر 2007
[33] جورج بكاسيني؛ الطريق إلى الاستقلال. خمس سنوات مع رفيق الحريري، ط2، بيروت 2008، ص 236 .
[34] المرجع السابق نفسه
[35] يُنظر النص الكامل لتفاهم مارمخايل على هذا الرابط: https://cutt.ly/0wlKCDEk
[36] المحكمة الدولية الخاصة بلبنان هي محكمة جنائية ذات طابع دولي اقترحت وأقرت من قبل مجلس الأمن بموجب القرار 1757 للنظر في نتائج التحقيق الذي تقوم به لجنة التحقيق الدولية الخاصة باغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، ومقرها مدينة لاهاي في هولندا. دعم إنشاء هذه المحكمة في لبنان تحالف 14 آذار في حين عارضها قوى 8 آذار بدعوى إنها تعمل على تدويل لبنان وتؤدي إلى التدخل الدولي والخارجي بشؤون لبنان الداخلية. لكن المحكمة لم تبدأ أعمالها قبل 1 مارس/مارس 2009 وأدانت المحكمة خلال ولايتها ثلاثة عناصر من حزب الله غيابيًا لدورهم في الاعتداء وفرضت عليهم خمس عقوبات سجن مؤبد، ولم تتطرق إلى مسؤولية ودور الحزب نفسه في الجريمة. وفي 1 يوليو/تموز 2022، دخلت المحكمة مرحلة تصريف الأعمال المتبقية للحفاظ على سجلاتها ومحفوظاتها، والوفاء بالالتزامات المتبقية تجاه المتضررين والشهود، والاستجابة لطلبات الحصول على معلومات الواردة من السلطات الوطنية.
[37] عبد الرؤوف سنّو، “الحرب الإسرائيلية – اللبنانية 2006: الخلفيات والمواقف والأبعاد”. مجلة حوار العرب، 22 (2006)، ص 30-44.
[38] اتفاق الدوحة هو الاتفاق الذي توصلت اليه القوى اللبنانية يوم الأربعاء 21 مايو/أيار 2008 في الدوحة بقطر. وهو وضع نهاية لـ 18 شهرًا من الأزمة السياسية في لبنان شهدت بعض الفترات منها أحداثًا دامية مثل احتلال حزب الله لبيروت يومي 7 و8 مايو/أيار. رعى الاتفاق أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وبجهود اللجنة الوزارية العربية والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. وقد أدى الاتفاق إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية ( قائد الجيش ميشال سليمان)، وعلى اجراء الانتخابات البرلمانية بحسب قانون العام 1960 الذي يجعل القضاء دائرة انتخابية واحدة وتقسيم العاصمة بيروت إلى ثلاث دوائر. كما أدى الاتفاق إلى تأليف حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري.
[39] يُنظر حول الاتفاق: اتفاق الدوحة. بناء ثقافة المواثيق في لبنان من أجل مواطنية فاعلة، المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي، بيروت 2009.
[40] U.S. Department of State, Country Profiles ‘Syria’, Bureau of Near Eastern Affairs, 18 March 2011. <www.state.gov/r/pa/ei/bgn/3580.htm> accessed 2 May 2012.
[41] عبد الرؤوف سنو، التعايش المأزوم، مرجع سبق ذكره.
[42] بعد هجمات واتهامات حادة بالمسؤلية عن الاغتيالات التي حصلت في لبنان، وبعد وساطة سعودية وفرنسية، زار الرئيس سعد الحريري دمشق أول مرة في 19 ديسمبر/كانون الأول 2009 وزارها بعد ذلك 3 مرات كانت الرابعة الأخيرة في 18/7/2010. وزارها وليد جنبلاط في 31 آذار/مارس 2010 وتكررت زياراته مرات عدة حتى آب/أغسطس 2011 حيث قطعها مع تصاعد الثورة السورية.
[43] يُنظر البيان الختامي لهيئة الحوار الوطني على الرابط: https://cutt.ly/hwlK4cuV
[44] https://cutt.ly/qwlLDNRa
[45] https://www.france24.com/ar/20110112-hezbollah-allies-resign-lebanon-unity-government-hariri-un-tribunal-assassination
[46] https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2011/01/110112_hezbollah_lebanon_gov
[47] نص إعلان بعبدا على الرابط: https://cutt.ly/ewlLG9LE
[48] https://cutt.ly/7wlLGagJ
[49] تبقى هذه المسألة موضع خلاف نظرًا لوجود سابقة تتمثل بانتقال أحد المحسوبين على الرئيس ميشال سليمان (وزير الدولة عدنان السيد حسين) الى صف حزب الله في الاستقالة من الحكومة الحريرية بتاريخ 12/1/2011 ليصبح عدد المستقيلين 10+1 اي الثلث زائد واحد مما أفقد الحكومة نصابها.
[50] تصريحات لقادة من 14 آذار، صحف النهار والمستقبل والجمهورية، في 16 و17 شباط/فبراير 2014
[51] المستقبل 16 شباط/فبراير 2014
[52] ثريا شاهين، المستقبل 16 شباط/فبراير 2014
[53] اعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في حديث صحافي ، أن السفير الامريكي في لبنان “ديفيد هيل” ، نقل له خلال لقاء عقد مؤخرًا ببيروت، موقفًا أمريكيًا يشجع على تشكيل حكومة لبنانية جامعة يشارك فيها “حزب الله ” https://cutt.ly/Hwl7uojk
وكشف مصدر قيادي مسيحي لـصحيفة «اللواء» أن الفرصة متاحة أمام ولادة الحكومة… مشيرًا الى أن الولايات المتحدة تدعم تأليف حكومة جديدة، وكذلك فرنسا وأوروبا فضلًا عن المملكة العربية السعودية وإيران https://cutt.ly/5wl7uFDL
[54] ثريا شاهين، المستقبل16 شباط/فبراير 2014 . ويُنظر تقرير: “لا حكومة في الأفق والخوف من فراغ رئاسي قريبًا” . وحدة تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات | 28 نوفمبر 2013 https://cutt.ly/Gwl7iyJk
[55] همس في الضاحية: نعم نحن خائفون، جريدة الأخبار، محمد نزال، الأربعاء 5 شباط 2014 ،
حالة الرعب في الضاحية الجنوبية لا يمكن إخفاؤها، وتتراجع أجواء الحياة العامة بشكل لافت جدًا، موقع ناوليبانون، قاسم قصير، 22 كانون الثاني 2014
هنا القلق والخوف.. هنا الضاحية “أم الحياة”، السفير، سعدى علوه، الخميس 23 كانون الثاني 2014
[56] دول مجلس التعاون الخليجي تتخذ اجراءات ضد منتسبي حزب الله بدولهم، وكالات، 6/11/2013
http://www.factjo.com/pages/newsdetails.aspx?id=41772
[57] ثريا شاهين المستقبل 16 شباط/فبراير 2014
[58] ريتا صفير؛ “رؤساء بـ “شطرنج الأمم”… من بشارة الخوري إلى ميشال سليمان هل تلفح رياح “الربيع العربي” استحقاق 2014؟”. ملف رئاسيات 2014 . النهار، 19 نيسان 2014
[59] https://cutt.ly/iwlR3XtI
[60] https://jp.reuters.com/article/lebanon-politics-hariri-ar1-idARAKBN1DB0SR
[61] إبراهيم الأمين، “الحريري ينتظر الإنقاذ: إلى باريس بلا حكومة”، جريدة الأخبار، 6/11/2017.
[62] http://www.elnashra.com/news/show/1151919/
[63] “الحريري يستقيل من رئاسة وزراء لبنان ويهاجم إيران وحزب الله”، رويترز، 4/11/2017
[64]https://cutt.ly/iwlRgA2B
[65] “ولايتي: محور المقاومة ينتصر في لبنان وسورية والعراق،” الجزيرة نت، 3/11/2017.
[66] http://mtv.com.lb/News/756759
[67] مقال رضوان السيد في جريدة الشرق الأوسط بعنوان: ” سقوط «التسوية» باستيلاء إيران على قرار لبنان!”. الجمعة 10 نوفمبر 2017 ، العدد [14227]
[68] “«مبادرة وطنية» في لبنان لـ«مواجهة الهيمنة الإيرانية» وثيقتها السياسية تدعو إلى احترام الدستور وعودة لبنان للشرعية العربية،” جريدة الشرق الأوسط، 01/11/2017.
[69]“السعودية: سنعامل لبنان كحكومة إعلان حرب بسبب حزب الله” العربية نت، 6/11/2017.
[70] https://cutt.ly/KwlTdNQT
[71] https://acpss.ahram.org.eg/News/16462.aspx
[72] https://cutt.ly/SwlRf5XZ
[73] http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=10664
[74] https://cutt.ly/DwlTg78P
[75] https://bookstore.dohainstitute.org/p-2370.aspx
[76] https://cutt.ly/2wlRhPt6
[77] https://www.bbc.com/arabic/51200727
[78] https://cutt.ly/hwlTljjM
[79] https://www.reuters.com/article/idARAL8N2FY1K3
[80] https://cutt.ly/bwl7aKs0
[81] https://cutt.ly/2wlRjtyt
[82] https://cutt.ly/6wlTx8iC
[83] https://cutt.ly/mwlTbu4X
[84] https://thenewkhalij.news/index.php/article/271384/lmatha-ydyaa-mykaty-okth
[85] https://cutt.ly/owlRkuFc
[86] https://cutt.ly/dwlRDNHa
[87] https://cutt.ly/3wlRW6Vm
[88] https://cutt.ly/3wlRkJM7
[89]https://cutt.ly/lwlRlswY
[90] https://cutt.ly/lwlRlswY
[91] https://cutt.ly/3wlRW6Vm
[92] https://cutt.ly/xwl4rxuQ
[93] وهي الإطار الدولي الإقليمي الذي يتابع الوضع اللبناني، ويسعى للتوصل إلى توافق لإنهاء الفراغ الرئاسي والمباشرة في تشكيل حكومة تشرع باتخاذ الإصلاحات الضرورية لحصول لبنان على الدعم الدولي للخروج من أزمته الاقتصادية الخانقة، وقد تشكلت من أميركا وفرنسا وقطر ومصر والسعودية
[94]https://cutt.ly/bwlZeEQZ
[95] https://cutt.ly/ZeAfTKsN
[96] https://cutt.ly/MeAfYkDb
[97] https://cutt.ly/geAfUqR4
[98] https://cutt.ly/eeAfU2xr
المصدر: تلفزيون سوريا