مع التزايد المتسارع لانتشار فيروس «كورونا» في العاصمة السورية، وجد أغلب الدمشقيين أنفسهم مجبرين على الاختيار بين توفير مستلزمات الوقاية، أو تأمين قوتهم اليومي، لأن فقرهم المدقع لا يسمح لهم بتلبية الخيارين معاً.
وأكدت مصادر طبية في دمشق لـ«الشرق الأوسط»، أن «مئات الحالات تتوافد يومياً إلى مستشفيات المدينة»، مقدّرة أن هناك «أكثر من 200 حالة وفاة يومياً في دمشق، حيث بات هناك نقص بالسيارات المخصصة لدفن الموتى». وأكد موظفون لـ«الشرق الأوسط»، ثبوت الكثير من الإصابات في العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة.
ومنذ بداية يوليو (تموز) الماضي، تزايد الحديث في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية عن حالات إصابة بالفيروس وحالات وفاة، إذ تم الإعلان عن وفاة سهيل مرشة، نائب عميد كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية في جامعة دمشق السبت الماضي بسبب إصابته بالفيروس، وكذلك وفاة رئيس تحرير قناة «الإخبارية السورية» خليل محمود لذات السبب.
كما توفي الفنان اللبناني مروان محفوظ بسبب الفيروس في مستشفى «الأسد الجامعي» بدمشق، وطبيب في مستشفى الهلال الأحمر، وعدد من شيوخ المساجد للسبب ذاته، بينما تم الإعلان عن ثبوت حالتي إصابة بين القضاة في القصر العدلي بدمشق، والاشتباه بإصابتين.
رسمياً، واصلت وزارة الصحة الإعلان بشكل يومي عن حصيلة الإصابات التي تراوحت بين 19 و29 إصابة وشفاء ما بين 5 – 8 حالات، ووفاة من 1 – 3 حالات. وبلغ إجمالي عدد الإصابات في البلاد حتى الأحد الماضي ووفق الوزارة 809 إصابات، وإجمالي المتعافين 256. على حين وصل عدد الوفيات إلى44.
وأكدت المصادر الطبية، أن الوضع في المشافي «سيء للغاية لناحية استقبال المرضى والاعتناء بهم بسبب عدم توفر الإمكانيات وكثرة الوساطات»، في ظل تدهور الوضع في البلاد على كافة الصعد بسبب العقوبات.
وأضافت: «البعض يتم استقباله فوراً والاعتناء بهم بعد اتصالات هاتفية، بينما الآخرون يتم استقبال غالبيتهم أيضاً، لكن المصاب منهم بوعكة هضمية ربما يصاب بالفيروس وهو في المشفى بسبب سوء الوضع والرعاية الصحية».
ورغم ملامح الخوف الواضحة على وجوه الناس وخلال أحاديثهم من تزايد انتشار الفيروس، لا تبدو عليهم مظاهر الوقاية اللازمة بسبب الفقر الذي أنهكهم، إذ تؤكد تقارير أممية أن أكثر من 87 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
ويلاحظ في شوارع دمشق وأسواقها اقتصار إجراءات الوقائية عند الغالبية على التباعد المكاني، وإلغاء الزيارات، وارتداء القليل منهم للكمامات، مع وجود حالات من اللامبالاة لدى كثيرين.
رجل في العقد الخامس من العمر، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الناس تعبانة كتير (مادياً)، وعليها الاختيار بين تأمين مستلزمات الوقاية أو قوتها اليومي، فمن المستحيل أن تتمكن من تأمين الاثنين معاً»، وأضاف: «الأكل أبداً فالجوع صعب، أما الوقاية من «كورونا»، تقوم الناس بما تقدر عليه والباقي على الله».
يصل سعر الكمامة الواحدة التي تستخدم ليوم واحد إلى 500 ليرة سورية، أي أن العائلة المؤلفة من 5 أشخاص تحتاج لـ2500 ليرة ثمن كمامات يومياً، بينما يبلغ سعر قطعة الصابون نحو 500 ليرة، وعبوة المعقم الوسط نحو 5 آلاف، على حين مرتب الموظف لا يتجاوز الـ50 ألف ليرة.
وفي إقرار بتزايد انتشار الفيروس، قالت وزارة الصحة السبت الماضي في بيان: أنها «تؤكد مجدداً على أن الأعداد التي أعلنت عنها هي للحالات التي أثبتت نتيجتها بالفحص المخبري (بي سي آر) فقط»، وأضافت أن هناك «حالات لا عرضية». وذكرت أنها لا تملك الإمكانات لإجراء مسحات عامة في المحافظات «في ظل الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على البلاد الذي طال القطاع الصحي بكل مكوناته»، مشيرة إلى أن ذلك «يبرز ضرورة الالتزام بإجراءات الوقاية الفردية لضبط الانتشار وحماية الجميع».
كما حذر وزير الصحة نزار يازجي من زيادة ارتفاع الحصيلة المحلية للفيروس، وقال: «توسع انتشارها أفقياً وعمودياً قد ينذر بتفشي أوسع في حال عدم الالتزام، والتهاون بالإجراءات الوقائية الفردية والمجتمعية»، لافتاً إلى عدم وجود معرفة دقيقة عن أعداد الوفيات. وعزا السبب إلى أنه «يمكن أن تكون لعدم الإبلاغ عن حالات مرضية تعالج منزلياً والتأخر بطلب الاستشارة».
وناقش الفريق الحكومي الاستشاري المعني بفيروس «كورونا» الأحد الماضي الإجراءات الواجب اتخاذها مع الانتشار المتزايد للفيروس، وذكرت وزارة الصحة أن الفريق بحث قيام الجهات المعنية بإلزام ارتداء الكمامات في أماكن التجمعات ووسائل النقل العامة والحافلات وفي الدوائر الرسمية مع التقيد بالتباعد المكاني.
المصدر: الشرق الأوسط