عشر رسائل سوريّة إلى السيّد أحمد الشرع

أحمد جاسم الحسين

أصحاب تلك الحكايات، لم يجدوا إلى لقائك سبيلاً، مع أنهم حاولوا مرات ومرات، كما يقولون، وقد شرحت لهم أنك اليوم تحمل آمال بلدهم سوريا الكريم المنتصر، وتتجشم حمل أعباء حسرات الأمهات وآمال الرجال وأحلام الشباب وطموحات فتياتنا. ولن يكون لديك الوقت لتستمع إلى حكايات 24 مليوناً سورياً لأن كل سوري لديه حكاية يريد أن يخبرك بها، أو مظلومية، ويبدو أنني بين شهر وآخر سأكتب لك عن تفاصيل جديدة ينتظرها السوريون منك.

  • الحكاية الأولى:

 هي حكاية شاب وشابة سورية، أتحفظ على أسمائهم، قالا لي نريد أن نجد بيتاً صغيراً يليق بأحلامنا، وعملاً يؤمن لنا قوت يومنا، ونرغب أن نقيم عرساً بسيطاً دون أن نأخذ موافقة المخابرات، وأن نمشي في الشارع وقد أمسك كل منا بيد الآخر دون أن نخاف ممن ينهرنا، نفتح شباك الشقة فيطير حمام مستقبلنا من غرفتنا ليدور في الشام ثم يعود إلينا سالماً، لا مانع أن يكونوا موجودين في كل مكان من أجل أمننا، لكن لا نريد أن نشعر بوجودهم، أو أن يتدخلوا بتفاصيلنا.

  • الحكاية الثانية:

حكاية أمٌّ؛ وجدتها في ساحة المرجة تبحث عن صورة ابنها في الصور المعلقة هناك. هي لم تسألني، أنا من بادرتها: ماذا لو أطل عليك السيد أحمد الشرع الآن؟ ماذا تقولين له؟ قالت: سأقول له: يا بنيي، قلبي يغص كل يوم ألف غصة وأنا أنتظر! إن لم تكن تستطيع أن تعيد لي ابني، فلا تحرمني من محاكمة قاتليه، وأنا مستعدة للقيام بادعاء قضائي حين تخصص محاكم لآلام الأمهات، أتعرفون آلام الأمهات، أنا لست سياسية لأفهم بالصفقات، أنا صاحبة حق، ولن يخفف من ألمي سوى محاكمة قاتلي ولدي؟

  • الحكاية الثالثة:

حكاية طفل، استوقفته على أحد الأرصفة، وكان يحمل علب محارم صغيرة ليبيعها، قلت له: يا بني! نسيت نظارتي في الفندق، وأنا رجل طاعن في السن، فهل يمكن أن تقرأ لي هذه الورقة؟ فقال لي: كيف يمكنني أن أقرأ هذه الورقة، أنا الذي لم أذهب إلى المدرسة، أنا لا أعرف القراءة والكتابة! هالني ما سمعت، سألته: كم عمرك يا بني؟ قال لي 14 عاماً؟ وحين وجدني متألماً على حالته قال لي: لا تقلق يا عمو، كل شباب قريتنا ومن أعرفهم لم يتعلموا القراءة والكتابة!

كيف سنحلها مع هؤلاء الأطفال؟ جيلٌ سوري كامل لا يعرف القراءة، كيف سيقرأ تعليمات القائد وقرارات الحكومة المتتالية وبيانات الناشطين والباحثين عن الدولة العلمانية، وقد كتبوا كتاباً “كيف تؤسس دولة علمانية في أسبوع”؟

  • الحكاية الرابعة:

كانت حكاية مثقف في عصر موته، وبصراحة قبل أن يبدأ سألته عن عدد متابعيه على التيكتوك والفيسبوك فقال لي: بالمئات؟ ابتسمت: قلت له لو كان عندك متابعون بمئات الآلاف لنظرت في أمرك، أو ربما لتوسطت لك، كما تعلم يا سيادة القائد، هؤلاء المثقفون يشعرون أنهم منبوذون وأن الزمن يمشي عكسهم، وهم يبحثون عن دور في عصر موتهم، وكيف لميت أن يأخذ دوراً وفقا لأفكار علي حرب، وعلي حرب هذا شخص لا أنصحك أن تحبه، لأنه شخص لا يحبنا. سألني عن عدد متابعي على وسائل التواصل الاجتماعي، قلت له “التم المتعوس على خايب الرجا” فهم الحكاية واحتفظ بحكايته مثلما احتفظ النظام البائد بحق الرد عشرات السنوات، ختمت الحديث بالقول: الدول في مراحل التحول تعطي المفكرين والمخططين إجازة ليعدوا خططاً طويلة الأجل، فهل أنا مخطئ في مثل هذا التصور؟

  • الحكاية الخامسة:

بصراحة هذه ليست حكاية شخص بل حكاية أشخاص عديدين، رأيتهم في المقاهي وردهات الفنادق، يحملون “سيرهم الذاتية” ويبحثون عن المركز الوطني لجمع المعلومات، يدّعون أنهم تكنوقراط ويمكنهم أن يعملوا كمتطوعين في الهيئات الحكومية، ولأن سوريا خارج نظام ال جي بي إس حالياً نتيجة العقوبات نصحتهم أن يؤجلوا تسليم سيرهم الذاتية، لأننا في مرحلة “شرعية ثورية”، غير أن كثيراً منهم لم يستوعبوا هذا المصطلح مما اضطرني إلى شرحه لهم، وأكدت لهم أن الثورات في المراحل الفصائلية تحتاج إلى “الولائية” أكثر من “الكفائية” لأن السيد القائد ليس لديه الوقت ليضع خلف كل مكلف مراقباً، وسألوني عن الفترة الزمنية المتوقعة قلت لهم: أكثر من 3 أشهر وأقل خمس سنوات، أرجو التصحيح في حال أخطأت في التواريخ!

  • الحكاية السادسة:

حكاية امرأة سورية لا تتردّد أن تتذمر من مشهد سيطرة الذكور على الصور، وتقول: المشهد السوري مشهد ذكوري، أين النساء السوريات؟ حاولت أن أشرح لها أن الحرب لم تضع أوزارها، لم تقتنع، بحثت عن أرقام: موسى العمر وهادي العبد الله وجميل الحسن لأقول لهم: يا أحبة، نوعوا في الصور، ارصدوا المشهد من مختلف جوانبه، أليس السيد أحمد الشرع قائدنا حالياً، قد انتبه إلى هذا الموضوع ووازن في موضوع الصور بين الرجال والنساء؟ غير أنني وأنا في خضم البحث رأيت يمان نجار، فشكرته على أن التقط صورة على كرسي الرئاسة، وأن هذا سيزيد من عدد متابعينا حول العالم الذين لن يترددوا في زيارة بلدهم الام، هز رأسه قائلاً: كثيرون يعتقدون أن هدفي زيادة عدد المتابعين، أكدت له أنني لست من أولئك “الكثيرون” الذين تحدث عنه، التقطت معه صورة وذكرته أنه مهما حدث أبقى أنا وإياه مواطنين هولنديين من جذور سورية!

  • الحكاية السابعة:

ليست حكاية شخص بل حكاية مجموعة من الشباب، التقيتهم في مقهى الروضة، بالقرب من البناء الذي قيل فيه يوماً: “قليل عليك يا سيادة الرئيس أن تحكم سوريا، عليك أن تحكم العالم”  وكان كل منهم يحمل مشروعاً، سعدت بهم، وقلت لهم سأعمل قدر استطاعتي على نقل رسالتكم  إلى السيد القائد، الذي سيكون سعيداً بأنه ليس الوحيد الذي قلبه على البلد، بل يوجد شباب سوريون كثيرون يحبون بلدهم، بلدنا يريد أن تسند جدرانه المتعبة قلوبنا.

آمن الشباب بمسعاي وباتوا يتحدثون عن مشاريعهم: هذا يدعو إلى أحداث الهيئة العليا للمتاحف وآخر الهيئة العليا للتطوع، وكذلك الهيئة العليا لاستقبال المشاريع الإبداعية في مجال الخدمات. ولأنني تعلمت الكثير في أوروبا، فقد قلت لهم: تعلمون أن كل مشروع ناجح يحتاج إلى ميزانية كافية وخطة تطبيقية ودراسة جدوى، وليس لدى الحكومة الانتقالية وقتاً لتلك الأفكار الجميلة، لكنهم فاجؤوني بالقول: لدينا الخطة الكاملة، ولا نريد من الحكومة سوى أن تتفهم مطالبنا وتعطينا الموافقة ونحن سنتولى البحث عن التمويل عبر شراكات مع رعاة دوليين، فرحتُ بهم وقلت: احمدوا ربكم أنكم جئتم في مرحلة الاقتصاد التنافسي الذي تحدث عنه السيد القائد، ولم تأتوا في مرحلة الحفاظ على القرار الوطني المستقل لتذهب كل الصفقات إلى عائلة الديكتاتور السابق.

  • الحكاية الثامنة:

من جامعة دمشق، من إحدى الطالبات اللاتي يعتقدن، بما أنني أستاذ جامعي، فصله النظام السابق، أنني الأقدر على تفهم وضعها ونقل ألمها، ملخص شكواها تقول فيه: إلى متى؟

نصحتها أن تصبر قليلاً، فلا يليق بها أن تكون متذمرة، إذ لا يمكن أن تصلح أي حكومة في العالم إرث نظما ديكتاتوري عمره 55 عاماً في عشرين يوماً!

غير أنها حين أجهشت بالبكاء، قلت لها: قولي يا ابنتي! قالت: هل يقبل السيد أحمد الشرع ولي أمرنا حالياً، أن تُسَاوم بناته في الجامعات السورية على أجسادهن وهن في مرحلة التعلم؟

آلمني ما سمعت لأنني عددت ما سمعت إساءة لي كذلك، لأن مثل تلك السلوكات فيها إساءة للشرف الجامعي، ولولا أننا في مرحلة سيادة القانون ونريد أن نقدم صورة تليق ببلدنا وتاريخه، ربما لقلت لها: دلني على هذا النوع من الأساتذة لنضع له حداً، لكنها أدهشتني بأن قالت: نحن عشرات الطلاب مستعدون لتقديم الأدلة والشهادة في المحاكم ضد هؤلاء الذين خانوا الشرف الجامعي سنوات طويلة!

  • الحكاية التاسعة:

هي حكاية رجل مسن، أمسكني من يدي وقال لي: هل تعرف أين يقع مقر السيد الشرع؟ أشرت إلى جبل بعييييييد وقلت له: هنااااك! نظر إليَّ لائماً: هذا مكان بعيد وأنا رجل مسن! قلت له: لا عليك، قل لي ما رسالتك وأنا سأكتب إلى السيد الشرع! قال: أريد أن أقول له شكراً؟ ابتسمت: معظم السوريين يقولون له شكراً أن تعاضد حلمنا مع حلمك في التخلص من الديكتاتور وعسى أن تبقى آمالنا متعاضدة في تصوراتنا عن مستقبل سوريا، التقينا في لحظة الحاضر، وسعدنا بالرفقة الطيبة ولا نريد أن نفترق!

قال لي: شكري أنا له سببٌ مختلف! شكري له لأنني سأموت مطمئناً على أولادي وأحفادي، وأنهم لن يعيشوا في ظل ديكتاتورية جديدة بعد أن تخلصنا من تلك الديكتاتورية البائسة، هل ترى يا سيادة القائد : كم أن أحلامنا بسيطة ومشروعة ونبيلة؟

  • الحكاية العاشرة:

هي حكاية امرأة تحب الإصغاء، وقد قالت لي: أريد أن أسمع السيد القائد في خطاب مباشر أو مسجل عن رؤيته للدولة السورية، أحلامه، مشاريعه، أفكاره، رؤاه، سورياه.

الصمتُ يخيفني، وعدم الوضوح يجرحني، أنا امرأة نادرة؛ كوني أحب الإصغاء، قليلة الكلام، لكنني أخاف من عدم الوضوح.

أجبتها: من خبرتي بالتحليل والإدارة، أحسب أن الرؤى والاستراتيجيات لا تنجز في يوم وليلة وتتدخل فيها عوامل محلية وإقليمية ودولية، ونحن حالياً في مرحلة تأمين الأمان للمواطنين، وتحرير ما تبقى من الأرض السورية، وتأمين الحدود، وتحسين الخدمات، والتواصل مع محيطنا العالمي وهذا يحتاج إلى وقت.

قلت لها: مشكلتنا كسوريين أننا اعتدنا على القائد الذي يَعِد ويقول ويلقي الخطابات.

لكن السيد الشرع هو القائد الذي يفعل، أكثر مما يقول، ألم يعدنا بالنصر والتخلص من النظام البائد وفعل في أقصر مدة ممكنة!

ختاماً: أنا كنت من فئة الذين يريدون أن يقابلوك، لكنني تغيرت بسرعة، كما تغيرتَ أنت وتغيرت سوريا، وغدوت من فئة الذين سيرسلون لك الرسائل بين فترة وأخرى، محملة بأسئلة أهلك، أهلي: السوريين والسوريات.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. عشرة رسائل المعجبين بالقائد العام “احمد الشرع” وأصحاب مطالب محقة حرمهم منها نظام طاغية الشام، السكن والتعليم والطبابة و…

زر الذهاب إلى الأعلى