بؤس رابطة حقوق الإنسان في تونس

محمد خليل برعومي

عقب سقوط نظام الأسد في سورية، أصدر المجلس الوطني للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بياناً وصف فيه تحرير سورية من النظام الدموي بالعدوان الذي يندرج ضمن مشروع استعماري قائم على توطين قوىً موغلةٍ في الرجعية من أجل توسّع الكيان الصهيوني، وتقسيم سورية، وإعادة تشكيل المنطقة.
ندّد البيان بالاعتداءات الصهيونية والاستعمارية والرجعية على أرض سورية ومقدرات شعبها العلمية والحضارية والعسكرية والمدنية، ما يشير إلى مساواة الرابطة التونسية بشكل قصدي بين فصائل المعارضة السورية المسلّحة، التي كانت تعمل لإسقاط منظومة مستبدّة وفاسدة، والكيان الصهيوني الساعي للتوسّع الاحتلالي في المنطقة.
اختارت المنظمة الحقوقية الدفاع الضمني عن نظام الأسد حين افترضت توفّر مكاسب سياسية ومدنية تحت حكمه بصدد التعرّض للهجوم والتهديد، في وقت كانت تنتشر فيه مقاطع فيديو تظهر عمليات تحرير السجون في مختلف المحافظات السورية، وما تحمله معها من قصص مأساوية، كما تبنّت المنظّمة موقف التغافل والصمت أمام ما كشفته الصور من فظاعة النظام ووحشيته، وهو الذي انتهك القوانين والأعراف في ممارسة ساديَّته، والتنكيل بحقوق الإنسان داخل المعتقلات، وفي مقدمتها سجن صيدنايا، المسمّى “المسلخ البشري”. لم تعبأ المنظّمة التونسية بحقوق ملايين النازحين والمهجّرين المفقودة، أو مئات المختفين في السجون، أو بالمقابر الجماعية لجثامين مجهولة الهُويَّة، أو لحقوق الأطفال الذين ولدوا في السجون جرّاء عمليات اغتصاب المعتقلات.
لقد تحوّلت رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان، السابقة في التأسيس على مستوى العالم العربي وأفريقيا (السابع من مايو/ أيّار 1977)، التي شهدت عبر تاريخها محطّاتٍ نضاليةً مشرّفةً على المستوى الوطني، ومواقفَ عادلةً على المستوى الحقوقي الإنساني… تحوّلت منظّمةً طائفيةً عوراء، تنظر بعين السلطة، وتتقن فنون الدفاع عن الأنظمة المستبدّة، وتناقض اسمها ومسمّاها بالصمت على المظالم والانتهاكات، وتبييضها، بسبب استحواذ مجموعة أيديولوجية متطرّفة على مؤسّساتها منذ سنوات، وجعلها حديقة خلفية لبعض الأحزاب.

وجدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مجالاً مغايراً في سورية تفرّغ فيه شحنتها الطائفية، وتمييزها العنصري القائم على الأيديولوجيا بين حقوق المواطنين

يذكر أن هذه الرابطة المتعاطفة مع نظام الأسد بفعل فوبيا “الرجعيين”، ونظّارات الأيديولوجيات المتعصّبة، كانت إحدى أربعة تحصّلوا على جائزة نوبل للسلام عام 2015، تقديراً لمساهمتها في بناء ديمقراطية متعدّدة بعد الثورة التونسية، ولإشرافها مع بقية المنظّمات المتوجّة على حوار وطني عام 2014، ساهم في تجاوز تونس أزمةً سياسيةً خانقةً، إلّا أنها، منذ تولّي المحامي بسام الطريفي تسييرها عام 2017، شهدت تصعيداً في خطاب الأزمة والاستقطاب السياسي، من خلال حضور رئيسها المكثّف في المشهد الإعلامي، وتعاطياً مزدوج المعايير مع الملفّات الحقوقية، وتبعية واضحة لبعض التيّارات السياسية المعارضة آنذاك في تونس، ما جعل منظّمةً حاصلةً على “نوبل للسلام” لجهودها في بناء الديمقراطية، تحيد عن أهدافها، وتصبح شوكةً في خصرها، ثمّ لسان تبرير للانقلاب عليها.
بعيد انقلاب 25 يوليو/ تموز (2021)، تكلّم ودوَّن رئيس الرابطة لحقوق الإنسان مهلّلاً بإعلان حالة الطوارئ، معتبراً أن تفعيل الإجراءات الاستثنائية من رئيس الجمهورية، وتجميده عمل البرلمان، فعلاً حسناً لا يمثّل أيّ خرق أو تجاوز، مسفّهاً مطالبة بعضهم بضرورة دفاع الرابطة عن المعتقلين، مطالباً بوضع حدّ للتجربة الديمقراطية في شاكلتها المفعّلة، التي تضمّ طرفاً رجعياً، حسب وصفه (حركة النهضة)، بين مكوّناتها وفي قيادتها أحياناً، كغيره ممّن سلكوا هذا النهج في قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، إذ كتب الناطق باسم منظّمة العمّال مخاطباً الرئيس: “خذها (تونس) ولا تخف”.
مؤكّد أن قيس سعيّد لم يُجهِزْ على الحياة الديمقراطية استجابةً لهذه الأصوات، كما أنه أطلق العنان لنفسه وأطبق ذراعيه على المشهد السياسي برمّته من دون تفصيل، بأحزابه ومنظماته ونشطائه، بـ”رجعييهم” وحداثييهم، وبخصوم الرابطة وأصدقائها، انتهاكات السلطة تجاوزت الحدّ الذي أراده ممثّلو المنظّمة، ولم تقف عند الكيانات “الرجعية” وإنسانها المادون حقوق أو غير اللائق بها أو غير المؤهّل لها، حسب معايير قيادة الرابطة العنصرية، ما وضع رئيسها في موقف حرج، ودفعه للتنديد بالتضييقات السلطوية على الحقوق والحرّيات إجمالاً، والنضال من أجل أسماء دون أخرى.
تغيّر الوضع السياسي في تونس نحو الأسوأ، وعدم تمييز السلطة بين مكوّنات الساحة السياسية، خفّف من حدّة الخطاب الأيديولوجي، وهمّش عديد المعارك التي كانت من أهم أسباب انتكاسة الديمقراطية، ومن لم توحّدهم الحرّية، جمعتهم السجون والتضييقات كرهاً، إلا أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ما إن وجدت مجالاً مغايراً في سورية تفرّغ فيه شحنتها الطائفية، وتمييزها العنصري القائم على الأيديولوجيا بين حقوق المواطنين، حتى انتفضت مجدّداً تنفث سمّها، وتنشر أفكارها الصفراء على الملأ.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى