على الرغم من انتشار خبرٍ باكتمال التحضيرات من قبل الإدارة الجديدة في سوريا، لتنظيم مؤتمر للحوار الوطني خلال أيام قليلة، يبحث آليات إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية، استبعد الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي المُعارض للنظام السوري السابق، أحمد العسراوي، دقّة هذه الأخبار. وأوضح أن حزبه أو هيئة التنسيق الوطنية التي ينتمي حزبه إليها أو أيّ قوى سياسية سورية أخرى داخل البلاد، لم تتلق دعوةً للمشاركة في هذا المؤتمر.
كما بيّن أن مهام حكومة تسيير الأعمال الحالية، التي يترأسها محمد البشير، تأمين الأمان والحرية للسوريين وتحسين حياتهم المعيشية قدر المُستطاع، على أن يقع تنظيم مؤتمر الحوار بمشاركة نحو 200 من نخب السوريين، على عاتق هيئة حكم تشاركية، يتم التوافق عليها بعد انتهاء مهلة الحكومة المؤقتة في بداية آذار/ مارس المقبل.
ولم يَصدر رسمياً من إدارة العمليات العسكرية في دمشق أو من إدارة الشؤون السياسية أي بيانٍ يتحدّث بشكل واضح وصريح عن الدعوة إلى مؤتمر للحوار الوطني في موعد محدد ووفق أجندة واضحة، لكن القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع قال في مقابلة مع «بي بي سي» أن سوريا يجب أن تمرّ بثلاث مراحل، الأولى تسلّم حكومة سورية وذلك تحقق. وبعد ذلك، مؤتمر وطني جامع لكل السوريين يُصوت على مسائل مهمة مثل حلّ الدستور والبرلمان وتشكيل مجلس استشاري يملأ الفراغ البرلماني والدستوري في المرحلة المؤقتة، حتى تكون هناك بُنية تحتية للانتخابات في ظل وجود قرابة نصف السوريين خارج البلاد.
وفي لقاء خاص لـ«القدس العربي» من مكتب رئيس هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي حسن عبد العظيم، أوضح العسراوي أنه «لم يلتقِ حتى الآن مع السلطة الحالية، ولا نعتقد أن هناك أي قوى سياسية سورية قد التقت مع هذه السلطة» موضحاً أن «الطريقة التي وصلت بها إدارة العمليات العسكرية إلى دمشق كانت مفاجئة للجميع، وربما حتى لمسؤولي إدارة العمليات العسكرية ذاتها، على الرغم من أنها تبقى انعطافة تاريخية في سورية انتظرها السوريون كثيراً واستقبلوها بفرح كبير.
وزاد: أبرزُ مهام الوزارة الانتقالية، أو وزارة تسيير الأعمال، أولاً، توفير الأمان والحرية حتى يتجرأ أي منا للحديث عن مواضيع مثل التي نخوض بها الآن علناً، ولم نكن بقادرين عليها قبل الـ8 من ديسمبر/ كانون الأول الحالي، وثانياً، تحسين الأحوال المعيشية للسوريين وتخفيف الضغوط الاقتصادية الكبيرة من على معظمهم».
وأضاف: «لا نتوقع أن تُنجَز هذه الأعمال حتى الأول من آذار/ مارس المقبل، تاريخ المهلة التي منحتها قيادة العمليات العسكرية لحكومة تسيير الأعمال، ولكن التقدم فيها هي خطوة أولى».
وتابع: «لا نمتلك معلومات دقيقة، لكن من المفترض وجود كادر سياسي تقني لدى إدارة العمليات العسكرية، نسميهم نحن في القوى السياسية، «القيادة الخلفية» وهم من يقودون ويضعون الخطط السياسية لرسم المستقبل، وأعتقد، ومن خلال بعض الحوارات التي دارت في صالات الفنادق حيث نجري اللقاءات مع وسائل الإعلام المختلفة، بأن هناك أشخاصاً يمارسون هذا الدور ويضعون الخطط السياسية المستقبلية من دون أن يعلنوا صراحة عن أنفسهم، وهؤلاء مهمتهم البحث في قضية مؤتمر الحوار الوطني، باعتبار أن مثل هذا المؤتمر لا يمكن الإعداد له باتصال هاتفي يتم من خلاله دعوة الحضور بالقدوم والمشاركة في المؤتمر، وإنما عبر تخطيط مسبق».
واستبعد العسراوي أن تكون «إدارة العمليات العسكرية قد أنجزت استعداداتها لعقد المؤتمر الوطني في هذه المرحلة» مشدداً على أن «مهمة «القيادات الخلفية» التي تُجهّز سياسياً لهذا الملف، إشراك كافة أطياف المجتمع السوري وعلى كافة المستويات السياسية والاجتماعية والقيمية والوظيفية من دون أن لا تستثني أحداً، مع الأخذ بعين الاعتبار تجارب العراق ومحمد مرسي في مصر، وحتى راشد الغنوشي في تونس» منوّهاً الى أن الشعب السوري قد قدم الكثير من التضحيات لاستعادة حقوقه المشروعة ومن الضرورة المحافظة عليها».
وبيّن أن «القيادات الخلفية» من الشخصيات غير المعروفة لنا، وهم لا يعرّفون أنفسهم بأسمائهم الصحيحة وإنما بألقابهم (أبو محمد، أبو عمر..) ولكنهم سوريون بالتأكيد وغالبيتهم جاء دمشق من المحافظات الشمالية وهذا امر طبيعي بحكم واقع الحال».
وفيما يتعلق بالقوى السياسية السورية ودورها في مؤتمر الحوار المقبل، بمن فيهم هيئة التنسيق الوطنية، أو المتبقين من المؤسسات السياسية الأخرى، أوضح العسراوي أن «الكثير منهم يتصلون بنا ويشددون على ضرورة الإعداد لمؤتمر الحوار الوطني، ولكن حتى الآن من دون وجود رسم موضوعي».
قال إن مهام حكومة تسيير الأعمال الحالية هي الأمن وتحسين الحياة المعيشية
وأضاف: «وفق رؤيتي فإن الرسم الموضوعي هذا يستوجب التحضير له خلال مرحلة حكومة تسيير الأعمال الحالية، للوصول إلى مرحلة هيئة الحكم التشاركية بين جميع السوريون بهدف، أولا: تشكيل حكومة انتقالية من التكنوقراط، قد يمتد وجودها لأكثر من عام، وليس بالضرورة أن تكون من القوى السياسية، للنهوض بالدولة بعيداً عن تناحرات السياسيين، وأن لا تحاول القيادة الحالية الاستحواذ على وزراء الحكومة الانتقالية لأن ذلك سيكون نقطة البداية في اتجاه عدم النجاح، وثانياً: يقع على عاتق هيئة الحكم التشاركية، التحضير لمؤتمر وطني للحوار لا يُستبعد منه أحد».
والعسراوي من مواليد بلدة بيت جن على سفوح جبل الشيخ في ريف دمشق الجنوبي، ويحمل إجازة في الهندسية الميكانيكية، وإضافة إلى أنه الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، فهو عضو في كل من الهيئة المصغّرة في اللجنة الدستورية، وهيئة التفاوض السورية، والهيئة العليا للمفاوضات، وعضو المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق الوطنية، التي كان عدداً من قيادييها قد اختفوا بعد خطفهم من قبل النظام السابق في بداية الثورة السورية عامي 2012 و2013 وفي مقدمتهم كل من عبد العزيز الخيّر ورجاء الناصر واياس عياش ومعهم ماهر الطحان، ولم يتم الكشف عن أي معلومة عنهم منذ سقوط النظام في الثامن من الشهر الجاري.
ضرب من المستحيل
وتحدث عن عدم منطقية العدد المتداول به في وسائل الإعلام تجاه الذين يمكن أن يشاركوا في مؤتمر الحوار الوطني والذي تحدث عن 1200 عضو.
وقال: «الأرقام المتداولة، هي ضرب من المستحيل، باعتبار أن مؤتمر الحوار الوطني ليومين أو ثلاث على أبعد تقدير، وإن منحَ كل متحدث فقط 3 دقائق، وحتى من دون طعام أو نوم، فالمؤتمر لن يُنجز المهام المطلوبة منه، وهذا ما يثبت على أرض الواقع أنه إلى اليوم لم توجه الدعوة لأحد لعقد المؤتمر».
واعتبر أن «عدد أعضاء المؤتمر يجب أن لا يتجاوز الـ200، وأن لا تكون مدته أقل من ثلاثة أيام، ويجب الاستماع فيه لآراء المشاركين لتنفذها وليس فقط لسماعها، لأننا لا نريد استنساخ تجربة النظام السابق كما حصل في مؤتمر الحوار الذي رعاه وعُرف بمؤتمر صحارى»،.
وشدد على أن يكون «انتقاء أعضاء المؤتمر سوري سوري، من دون تدخل من الجامعة العربية أو من المبعوسث الدولي الخاص غير بيدرسون، ولكن هذا لا يمنع من حضور هيئات عربية أو دولية كمراقبين».
اختلاف الآراء
وقال إن «القيادة الخلفية الناشطة حالياً مع قيادة العمليات العسكرية، لابُد لها وأنها على دراية بمن يجب أن توجّه لهم الدعوات، ويجب عدم استثناء أحد مهما كانت توجهاته وتفكيره، لأن اختلاف الآراء هو ما يجعل من الحوار الوطني ناجحاً، ولن ننزعج إذا سمعنا أن التحضير للمؤتمر يحتاج إلى أكثر من ثلاثة أو أربعة أشهر، لأنه كلما دخلنا في الاستعجال كلما دخلنا في الأخطاء».
وعن إمكان مشاركة معارضات الخارج في المؤتمر، اقترح العسراوي أن «يمتد الإعداد للمؤتمر لفترة أطول تسمح لهؤلاء الأخوة بالعودة إلى سورية للمشاركة في عملية إعادة بنائها، ولذلك نعتبر أن مهمة حكومة تسيير الأعمال يقتصر على توفير الأمان وتأمين وسائل المعيشة بما يُمهّد لعودة القسم الأكبر من المهجرين، أما من لا يريد العودة، فمن غير المنطقي دعوته للمشاركة لأننا نريد حكومة لسوريا وليس للدول الصديقة مهما كانت، ومن يريد أن يقود مرحلة إعادة بناء سورية عليه أن يكون من المقيمين داخل سوريا».
وعن المطالبات بإشراك ممثلين عن الفصائل العسكرية التي شاركت في إسقاط النظام؟ قال: «من المفترض أن يشاركوا، وهم ليسوا فقط قوة على الأرض، ولكنهم أيضاً مكوّن من الذين سيتم الاعتماد عليهم في عملية إعادة بناء الجيش الوطني، فالطريقة التي خرج بها بشار الأسد من سورية أكدت أنه قد تم حلّ الجيش، ولم تبقَ لدينا ثكنات، ثم جاء الكيان الصهيوني ودمر كل شيء من دون أي اعتراض، وأنا لا أريد أن اتهم أحداً بالتخوين، ولكني أفضّل الآن تسليط الضوء على هذا النوع من الغباء بالتسليم».
وتابع: «لقد قدم له الأتراك، بناءً على ضغط روسي، هدية، وكذلك قدّمت الدول العربية له هدايا، ورفضها بشار كلها، فهل يمكن لأحد أن يفسر ما حصل والطريقة التي ترك بها، وهم يقدمون له الهدايا ليبقى رئيساً»؟
واعتبر العسراوي أنه «لدينا اليوم فصائل، ونحن في النهاية نريد إعادة بناء الوطن، وهذا يحتاج إلى جيش وشرطة وأمن، وهؤلاء يمتلكون حالياً المفاتيح، ويجب ترشيد موقفهم باستدعاء من انشق أو جلس في منزله من ضباط الجيش السوري السابق وكمستشارين على الأقل» مشدداً على ضرورة «أن لا يتم استثناء أي قائد فصيل مهما كان صغيراً في مؤتمر الحوار الوطني، حتى يسمعوا ماذا يقول السياسيون والمدنيون الآخرون، فنحن، وأقصد القوى السياسية، أهلهم ولسنا أعداءهم، لأننا في النهاية معاً نريد إعادة بناء الوطن».
ولخصّ المطالب المرجوّة من مؤتمر الحوار الوطني في حال عقده، في «تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، إذا لم تكن قد تشكلت قبله، حيث يتشارك فيها جميع السوريين وبنحو 15 عضواً، على أن يعمل هؤلاء على نظام الحكم القادم، والدستور الجديد الذي يستوجب تشكيل هيئة دستورية لإعداد إعلان دستوري أو دستور مؤقت».
وأكد «ضرورة أن يكون مؤتمر الحوار صاحب القرار بالتصويت على الدستور، وخصوصاً أنه لا مجلساً للشعب لدينا اليوم، ولا حكومة، ولا قانون، وبالتالي أن يمنح المؤتمر لنفسه صلاحيات التشريع خلال المرحلة الانتقالية، وأن يؤمن جهازاً للرقابة، وأن يكلّف مجموعات محددة لإعادة بناء الجيش الوطني، وأن يعمل في المحافظة على مؤسسات الدولة السابقة ووثائقها».
وختم العسراوي بالقول: «مؤتمر الحوار، وسواء اُنجزت بعض هذه الأعمال قبله أو بعده، عليه أن يؤكد عليها، لأن دوره ليس كما يروج البعض، بحلّ مجلس الشعب وإلغاء الدستور الحالي، فهذه ليست في حاجة إلى مؤتمر حوار وطني وإنما يكفيها قرار من السيد أحمد الشرع وحده بصفته قائد العمليات العسكرية التي قامت بالتغير».
المصدر: القدس العربي