الخميس الماضي (15 ك2 / ديسمبر) وبينما كان الرئيس الايراني حسن روحاني يفتتح في طهران مؤتمر ( الوحدة الاسلامية ) في دورته الثلاثين بكلمة ركزها على نفي وجود مشروع شيعي لبلاده أو محاولة خلق هلال شيعي . في هذا الوقت بالذات كان مقاتلون شيعة عراقيون ولبنانيون وأفغان وايرانيون يقودهم جنرال من الحرس الثوري يدعى سيد جواد ويسيطرون على حاحز الراموسة عند مدخل حلب يوقفون قافلة حافلات تحمل مئات المواطنين السوريين الذين أجبروا على الخروج من مدينتهم نحو المجهول بموجب اتفاق روسي – تركي , تاركين المدينة في أيدي هؤلاء المسلحين المتعددي الجنسيات ينهبونها ( يعفشونها ) ويطهرونها من سكانها قتلا وتهجيرا ويعيثون فيها فسادا واجراما وثقت بعضه الامم المتحدة , اضافة لوسائل الاعلام .
أنزل المسلحون المواطنين السوريين من الحافلات, وفرزوهم نساء ورجالا, جردوا الرجال من ملابسهم وانهالوا عليهم ضربا وشتما بعبارات بذيئة واهانات طائفية تنال من دينهم ومذهبهم , وصادروا ما لدى النساء والرجال من اموال واشياء ذات قيمة , وقتلوا عددا من الرجال , واعتقلوا عدة مئات , ومنعوا القافلة من مواصلة الرحلة .. أما بقية فصول القصة فصارت معروفة , نقلتها وسائل الاعلام ووسائط التواصل بالصورة والصوت .
ما جرى في حلب , سبق أن جرى في حمص وفي ريف دمشق , وجرى ويجري في مدن عراقية عديدة , آخرها نينوى وتلعفر والموصل . وليس صدفة أن الفاعلين في الموصل هم ذاتهم في حلب, وليس صدفة أن قاسم سليماني يتجول ويتنقل بين البلدين مدشنا الخط البري بين أفغانستان ولبنان مرورا بسورية والعراق . من هنا كان يمر طريق الحرير لمئات السنين , ولكن الطريق البري الذي يدشنه الايرانيون الآن لن يستخدم لاغراض التنقل السياحي بين شعوب المنطقة , ولا لأغراض التجارة والتبادل الاقتصادي , بل لأغراض السيطرة العسكرية ومشروع إنشاء ( الامبراطورية الشيعية ) لا الاسلامية , بدليل أنه لم يعبد باتفاق الاطراف الشرعية التي يمر منها, بل إنه طريق معبد بالدم ومرصوف بأشلاء الأبرياء .
يترافق مع هذه السلوكيات البربرية خطاب سياسي – اديولوجي – مذهبي يهرطق بلغة طائفية تحريضية تشرعن الحرب وتؤرخنها باسم الحسين وزينب والزهراء والمهدي . ولا تستحي من طلب الثأر من أحفاد يزيد ومعاوية , وتدعو علانية لسفك الدماء وتمزيق المجتمعات والدول , وتستعيد الشعوبية .. وبعد كل هذا يتحدث قادة طهران عن وحدة الامة الاسلامية , وعن مؤامرات الغرب لتفتيتها !
المؤتمر الذي تعقده طهران سنويا لأغراض اقل من سياسية , يذكر بمؤتمرات الجماهيرية الليبية العظمى في ثمانينات القرن الماضي , حين كان القذافي يبشر العالم بكتابه الأخضر , ويدعو العرب للوحدة بزعامته , بينما كانت سياسته الخارجية ما دون الوطنية , وكان يخرب الاواصر القومية بين الشعوب العربية ! . فالوحدة الاسلامية عند الملالي طهران كالوحدة العربية في خيال القذافي لا تعدو أن تكون عملية ترويج لنظام حكم عصبوي اقلاوي مصاب بالفصام وعقدة العملقة وجنون العظمة ويسعى بأمواله واديولوجيته الدموية وبواسطة ميليشيات تحترف القتل والاجرام والتخريب لفرض وصايته على شعوب المنطقة واحتوائها بالقوة والارهاب والمال . أما الشعارات الكبرى في المثالين فمجرد أدوات خردة لاخفاء الاهداف الحقيقية .
ايران اليوم تنفذ على الأرض أكبر عملية تمزيق للامة الاسلامية , ولكل مجتمع من مجتمعاتها على حدى , وتشعل حروبا مذهبية يفوق خطرها أي حرب دينية سابقة بين السنة والشيعة , أو بين الكاثوليك والبروتستانت في اوروبا, وهي رمز ومثال حي في هذه الحقبة من الزمان لاخطر وأسوأ محاولات النكوص الى القرون الوسطى وتفجير العالم كله واغراقه بالدماء والعنف والارهاب ارواء وتحقيقا لاحلام رجعية اسطورية .
وللأسف ليس صحيحا الاعتقاد أن هذه السياسة بدأت في السنوات الاخيرة على اثر ثورات الربيع العربي , أو بعد تفكك الكتلة العربية , أو حدوث هذا الفراغ الاستراتيجي الهائل في الشرق الاوسط , فالاديولوجيا الايرانية الطائفية بدأت منذ اليوم الاول للثورة الخمينية عام 1979 . ويمكن لمن يشكك العودة الى المؤتمرالحاشد الذي نظمه ” المعهد الاسلامي ” في لندن صيف 1985 عن وحدة الامة الاسلامية بينما كانت الأبحاث والمحاضرات فيه تفلسف الشعوبية الفارسية ضد العرب وضد أهل السنة , وتستحضر من التاريخ أفكارا عنصرية ومذهبية فاقعة تصف العرب بأمة ” مستحمرة ” غير مؤهلة لحكم نفسها أو ادارة شؤونها , وتحتاج لمن يحكمها ليحميها من الانقراض !
هذا الخطاب تطور خلال الثلاثين سنة سلبا ولم يتعقلن , وازداد جنوحا الى اليمين العنصري , واكتسب دينامية عسكرية وتحول الى استراتيجية دولة وأمة يقودها تحالف بين رجال الدين والجيش ويتحكم بكل مؤسسات ايران الحالية . الثورات عادة تبدأ بحالة هيجان وجموح شعبوي وجماهيري ثم تخمد تدريجيا وتتكيف مع العالم والقانون والعقلانية , والثورة الصينية الثقافية أوضح مثال على هذه السمة , إلا أن الثورة الخمينية تزداد مع الوقت جموحا وجنوحا للعدوانية .
إن ملالي وقادة طهران ما زالوا يتحدثون عن الوحدة الاسلامية بينما جهودهم وجيوشهم مركزة على التوسع والتمدد والعدوان , وعلاقاتهم مع جميع الدول العربية والاسلامية متوترة أو عدائية , وكل المشاركين في مؤتمر طهران شخصيات صفرية لا وزن لها علميا أو سياسيا من العراق ولبنان وسورية ومصر وباكستان وافغانستان , وليس بينهم شخصية واحدة ذات قيمة , خاصة اهل السنة والجماعة , وأعلى قامة بينهم مفتي البراميل والدماء احمد حسون الذي يرفضه السوريون ويتبرأ منه حتى اهله , ولا يمثل سوى بشار الاسد .. حتى اصبح مادة للسخرية والكراهية .
فعن أي وحدة اسلامية يتحدث هؤلاء في مؤتمرهم ..؟ وما أهدافها الحقيقية ..؟ وهل ايران المذهبية تصلح لقيادة المسلمين الى وحدتهم ..؟ وهل هي مؤهلة لتحاضر علينا عن فضيلة الوحدة التي طعنتها ومزقتها وقتلتها ..؟!
العدد 355 الصادر في 23 – 12 – 2016
المصدر: الشراع
قراءة إستشراقية من الكاتب والمناضل العروبي الراحل “محمد خليفة” عن التقية لدى نظام ملالي طهران، يدعون بعدم وجود مشروع شيعي لنظامهم أو محاولة خلق هلال شيعي وممارساتهم تعاكس ما يدعون، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.