أفغانستان بوابة الهند إلى آسيا الوسطى عبر تشابهار الإيراني

منال علان

زار أفغانستان في 4 و5 الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني) وفد هندي رسمي برئاسة السكرتير المشترك المسؤول عن شؤون باكستان وأفغانستان وإيران بوزارة الشؤون الخارجية الهندية، جي بي سينغ. تضمّنت الزيارة سلسلةَ اجتماعات مع وزراء وكبار المسؤولين الأفغان، وركّزت على عدّة قضايا محورية، من أبرزها المساعدات الإنسانية التي تقدّمها الهند لأفغانستان، وكيفية تعزيز استفادة مجتمعات الأعمال الأفغانية من ميناء تشابهار الإيراني.

جاءت الزيارة بالتوازي مع التصعيد الذي تشهده المنطقة، على وقع الاعتداءات والضربات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان وإيران واليمن، والردود على هذه الضربات. رغم هذا التصعيد، أبرمت الهند وإيران في مايو/ أيّار 2024 اتفاقيةً طويلةَ الأجل مدّتها عشر سنوات، تهدف إلى تشغيل ميناء تشابهار وتطويره. في هذا السياق، زار وفد هندي أفغانستان لوضع “إطار تنظيمي جديد” يهدف إلى تسهيل استخدام ميناء تشابهار من مجتمع الأعمال الأفغاني لإجراء المعاملات التجارية، بما في ذلك الاستيراد والتصدير، بالإضافة إلى تعزيز الروابط الاقتصادية بين الهند وأفغانستان.

يعكس هذا التعاون رؤية الهند الاستراتيجية لتعظيم الاستفادة من ميناء تشابهار، مع التركيز على الدور المحوري لأفغانستان حلقةَ وصلٍ رئيسةٍ في هذا المشروع الطموح. ويُعدّ ميناء تشابهار بوابة استراتيجية للهند نحو أسواق آسيا الوسطى، مستفيداً من الموقع الجغرافي المتميّز لأفغانستان جسراً حيوياً يربط بين الطرفَين. يقع الميناء في السواحل الجنوبية الشرقية لإيران، المطلّ على خليج عُمان وبحر العرب والمحيط الهندي، ممّا يجعله محوراً لوجستياً مهمّاً في المنطقة.

تمثّل أفغانستان نقطة اتّصال إقليمية رئيسة بفضل موقعها الاستراتيجي عند مفترق الطرق بين جنوب ووسط آسيا، ما يجعلها مركزاً محورياً للمصالح الإقليمية والدولية للهند. وعبر مشروع ميناء تشابهار، تسعى الهند إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية والجيوسياسية، تشمل تعزيز تجارتها مع آسيا الوسطى، وتأمين طرق بديلة للوصول إلى الأسواق، وتوسيع نفوذها الإقليمي لمواجهة النفوذ المتزايد لكلّ من الصين وباكستان، خاصّةً في ظلّ مشروع “الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني”، الذي يشكّل تهديداً للمصالح الجيوسياسية للهند.

تمثّل أفغانستان نقطة اتّصال إقليمية رئيسة بفضل موقعها الاستراتيجي عند مفترق الطرق بين جنوب ووسط آسيا، ما يجعلها مركزاً محورياً للمصالح الإقليمية والدولية للهند

تحتّم هذه الديناميكيات الاقتصادية المتجدّدة على السياسة الخارجية الهندية إعادة تنظيم استراتيجياتها تجاه أفغانستان؛ فمن خلال تعزيز دور ميناء تشابهار في التكامل الإقليمي وبمشاركة أفغانستان، تسعى الهند إلى تلبية المتطلّبات الاقتصادية والجيوسياسية، مؤكّدةً مكانتها لاعباً رئيساً في المنطقة.

يُسلّط حدث زيارة الوفد الهندي إلى أفغانستان الضوء على ثلاثة محاور رئيسة، تكشف طبيعة العلاقات الهندية الأفغانية وأهدافها المتنوعة. أولاً، تأتي زيارة الوفد الهندي الرسمي على مستوى السكرتير المشترك لتكشف طبيعة العلاقات الدبلوماسية بين الهند وأفغانستان وأبعادها السياسية المتعدّدة. ثانياً، تبرز المساعدات الإنسانية الهندية لأفغانستان هدفاً تنموياً يعكس طبيعة العلاقات بين البلدَين، التي تتّسم بشراكة تنموية مستدامة. وأخيراً، يُعدّ ميناء تشابهار عنصراً أساساً في تعزيز الروابط الاقتصادية بين الهند وأفغانستان، فيشكّل جزءاً من التعاون الاقتصادي المتنامي بين البلدَين.

العلاقات الهندية الأفغانية

بدأت العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الهند وأفغانستان بتوقيع معاهدة صداقة خمس سنوات في نيودلهي عام 1950. وفي الثمانينيّات، كانت الهند الدولةَ الوحيدةَ في جنوب آسيا التي اعترفت بـ”جمهورية أفغانستان الديمقراطية”، المدعومة من الاتحاد السوفييتي في أثناء وجوده بين 1979 و1989.

شهدت العلاقات الهندية الأفغانية تراجعاً في التسعينيّات بسبب اندلاع الحرب الأهلية الأفغانية، فعارضت الهند حكومة “طالبان” آنذاك، وساندت “التحالف الشمالي” المناهض لها. ومع دخول الولايات المتحدة أفغانستان، في إطار العملية التي أُطلق عليها اسم “الحرية الدائمة” (2001-2014)، ولاحقاً عملية “حارسة الحرّية” (2015 -2021)، أعادت الهند بناء علاقاتها مع الحكومة المدنية الجديدة في أفغانستان. كما لعبت دوراً فاعلاً في جهود الإغاثة وإعادة الإعمار، مؤكدة التزامها بدعم استقرار البلاد وتنميتها.

اكتسبت العلاقات الهندية الأفغانية دفعة إضافية في عام 2011 بتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بين البلدَين نصّت على تقديم الهند دعماً شاملاً لإعادة بناء البنية التحتية والمؤسّسات في أفغانستان

اكتسبت العلاقات الهندية الأفغانية دفعة إضافية في عام 2011 بتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بين البلدَين نصّت على تقديم الهند دعماً شاملاً لإعادة بناء البنية التحتية والمؤسّسات في أفغانستان، وتوفير المساعدة التقنية لتطوير القدرات المحلّية في مختلف المجالات، بما فيها تشجيع الاستثمار في الموارد الطبيعية الأفغانية. تغيّرت الديناميكيات بالنسبة لنيودلهي بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وعودة حركة طالبان إلى السلطة في كابول في أغسطس/ آب 2021. ردّت الهند على هذه التطوّرات بسحب بعثتها الدبلوماسية من البلاد، ولم تعترف رسمياً بحكومة “طالبان”.

وأكّدت الوزارة الخارجية الهندية “أن موقف الهند في ما يتعلّق بالاعتراف بإمارة أفغانستان الإسلامية ينسجم مع موقف المجتمع الدولي”. كما وأكّدت أن “نهج الهند تجاه أفغانستان يسترشد بعلاقاتها التاريخية وصداقتها مع شعبها، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2593”. يحدّد هذا القرار توقّعات واضحة من حكومة “طالبان”، تشمل “عدم استخدام الأراضي الأفغانية ملاذاً آمناً للإرهابيين، وتوفير ممرٍّ آمن للراغبين في المغادرة، وضمان وصول الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية إلى البلاد”.

فريق تقني” في كابول

في أقلّ من عام على انسحاب بعثة الهند الدبلوماسية من أفغانستان، وتحديداً في يونيو/ حزيران 2022، أعادت نيودلهي بعثتها الدبلوماسية إلى كابول تحت مسمّى “الفريق التقني”، بهدف الإشراف على المساعدات الإنسانية، موضحة أن وجودها في أفغانستان “يأتي لتعزيز العلاقات التاريخية والمدنية مع الشعب الأفغاني، وليس للاعتراف الرسمي بحكومة طالبان”.

لأسباب أمنية وإقليمية متعدّدة، لم تعترف الهند بحكومة “طالبان”. ترتبط هذه الأسباب بعدد من العوامل، منها الاختلافات الجوهرية في طبيعة النظام السياسي الحاكم في كلّ من البلدَين، فالهند تحت قيادة حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا)، ذي التوجّه القومي الهندوسي، في وقت تحكم أفغانستان حكومة “طالبان” ذات التوجّه الإسلامي الأصولي. ومع ذلك، تتجاوز الشراكة التنموية والتعاون الاقتصادي بين الهند وأفغانستان حدود الاعتراف الدبلوماسي الرسمي والعلاقات السياسية التقليدية. تسعى الهند جاهدة للحفاظ على قنوات تواصل دبلوماسي فعّالة، تضمن التنسيق المستمرّ في إدارة المساعدات الإنسانية والشؤون الاقتصادية المشتركة.

تسعى الهند جاهدة للحفاظ على قنوات تواصل دبلوماسي فعّالة، تضمن التنسيق المستمرّ في إدارة المساعدات الإنسانية والشؤون الاقتصادية المشتركة

تؤكّد الحكومة الهندية التزامها بتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني، انطلاقاً من نهج سياستها القائمة على “العلاقات التاريخية والصداقة الشعبية” مع أفغانستان. يشمل هذا الدعم مجالاتٍ حيويةً مثل التنمية والتعليم والصحّة، ما يُسهم في تعزيز الشراكة التنموية بين البلدَين وترسيخ الروابط التاريخية التي تجمعهما. وفي هذا الإطار، خصّصت الحكومة الهندية مساعدات تنموية تُقدَّر بحوالي 25 مليون دولار للسنة المالية 2024 – 2025. ووفقاً لوزارة الخارجية الهندية، تمتدّ الشراكة التنموية بين البلدَين لتشمل أكثر من 500 مشروع تنموي موزّع بين 34 مقاطعة أفغانية. تغطّي هذه المشاريع قطاعاتٍ حيويةً مثل الطاقة وإمدادات المياه وربط الطرق والرعاية الصحّية والتعليم والزراعة وتعزيز القدرات الإنتاجية.

وفي ما يتعلّق بمشروع ميناء تشابهار، تستند السياسة الخارجية الهندية تجاه أفغانستان إلى القرب الجغرافي والعامل الجيوسياسي. تُشكّل أفغانستان جسر تواصل حيوياً بين جنوب آسيا ووسطها، وتقع في قلب هذه المنطقة، شمال غرب الهند. ورغم عدم وجود حدود مباشرة بين البلدَين، فإن الوصول إلى أفغانستان يتمّ تقليدياً عبر المعابر الباكستانية من الشرق، أو من خلال إيران غرباً. وفي هذا السياق الجغرافي، تتلاقى مصالح الهند وأفغانستان في ميناء تشابهار.

يوفّر ميناء تشابهار للهند منفذاً استراتيجياً إلى أسواق آسيا الوسطى من دون الحاجة للمرور عبر الأراضي الباكستانية، وهو ما يحقّق هدفاً مهمّاً للهند في تجاوز الحواجز الجغرافية والسياسية. وبالنسبة لأفغانستان، يتيح الميناء منفذاً مباشراً إلى البحر، ممّا يُقلل من اعتمادها على الموانئ الباكستانية مثل ميناء كراتشي للوصول إلى الأسواق العالمية. باعتبارها دولة غير ساحلية، يُمكن لأفغانستان استخدام ميناء تشابهار لتعزيز تجارتها مع آسيا الوسطى وغرب آسيا (الشرق الأوسط)، ما يُساهم في تنويع خياراتها التجارية وتخفيف الاعتماد على منافذَ محدودة.

رسمياً، أصبحت أفغانستان جزءاً من مشروع ميناء تشابهار بعد توقيع “اتفاقية النقل الثلاثي” أو “اتفاقية ممرّ النقل الدولي” بين الهند وإيران وأفغانستان عام 2016. وعلى الرغم من أن مشروع الميناء بدأ بين الهند وإيران في عام 2003، بهدف إنشاء ممرّ تجاري يربط الهند بآسيا الوسطى عبر إيران، إلّا أن اتفاقية عام 2016 شملت أفغانستان، لتوفّر بديلاً من طريق يمرّ عبر باكستان للوصول إلى آسيا الوسطى. وفي العام التالي، دخل ميناء تشابهار المرحلة الأولى من التشغيل.

أكثر من “إطار تنظيمي

وفي خطوة لتعزيز هذه الشراكة عبر ميناء تشابهار، أكّد بيان الاتفاقية الجديدة بين الهند وإيران في مايو/ أيار 2024 “أهمية تشابهار بوابةً للتجارة مع أفغانستان ودول آسيا الوسطى”، وذلك إلى جانب مواصلة تعزيز التعاون الثنائي بين الهند وإيران في مبادرات الاتصال، وتطوير ميناء تشابهار مركزَ اتصال إقليمياً.

لم تقتصر زيارة الوفد الهندي إلى أفغانستان (المشار إليها سابقاً) على السعي إلى إعادة “بناء إطار تنظيمي جديد” بين البلدَين، في إطار التعاون المتعلّق بمشروع ميناء تشابهار. بل هدفت أيضاً إلى دعم مشاريع التنمية والمساعدات التي تقدّمها الهند. وخلال الإحاطة الإعلامية التي عقدتها وزارة الخارجية الهندية في 7 الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، أكّد المتحدّث باسم الوزارة، راندير جايسوال، أن “الزيارة ركّزت بشكل أساس على المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى مناقشة السبل التي يمكن من خلالها لمجتمع الأعمال الأفغاني الاستفادة من ميناء تشابهار لتعزيز الروابط الاقتصادية بين الهند وأفغانستان”.

تظلّ العلاقات الهندية الأفغانية بحاجة إلى نهج استراتيجي أكثر وضوحاً يحدّد إطاراً أكثر تماسكاً للتعاون

تُمثّل تعزيزات البنية التحتية لميناء تشابهار فرصةً حيويةً لأفغانستان؛ التي بدورها ستؤدّي إلى دعم مجالات البنية التحتية والتنمية في أفغانستان، ليسهم ذلك في تسهيل حركة التجارة الإقليمية والدولية عبر الميناء. وقد انعكس ذلك إيجاباً على التجارة الثنائية بين أفغانستان والهند. فبعد تشغيل الميناء في عام 2017، وُقّع اتفاق تجاري لإدارة عملياته في عام 2018، ما سمح لأفغانستان بتصدير نحو 700 طنّ من المنتجات الزراعية والمعدنية إلى الهند عبر الميناء في العام نفسه.

كما تعامل ميناء تشابهار مع أكثر من خمسة آلاف حاوية، تحمل ما يزيد على 110 آلاف طنّ من القمح، وأكثر من ألفي طنّ من البقوليات التي قدّمتها الهند مساعداتٍ لأفغانستان، وفقاً لبيانات السفارة الهندية لعام 2020. تعكس هذه الأرقام بوضوح كفاءة ميناء تشابهار منفذاً حيوياً لعبور السلع الأفغانية إلى الأسواق الدولية، ويبرز دوره المستقبلي جسراً تجارياً يربط أفغانستان بآسيا الوسطى. ويُعزز هذا التعاون قدرة الهند على تحقيق توازن إقليمي في مواجهة التنافس المتزايد مع الصين والتمدّد الباكستاني، لا سيّما في ظلّ مشروع الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي يُعدّ أحد أعمدة استراتيجية الصين الإقليمية. يسهم هذا الممرّ في توثيق التقارب الاستراتيجي بين بكين وإسلام أباد، ويهدف إلى تعزيز النفوذ الصيني في جنوب آسيا ووسطها، من خلال بنية تحتية واسعة تشمل الطرق والموانئ والمناطق الاقتصادية.

ممرّ اقتصادي صيني باكستاني

بدأ مشروع الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني عام 2015؛ جزءاً من مبادرة “الحزام والطريق”، التي أطلقتها الصين عام 2013، وانضمت إليها باكستان في العام نفسه. تهدف هذه المبادرة إلى إنشاء شبكة متكاملة من البنية التحتية لربط آسيا بأوروبا وأفريقيا. وبفضل مشروع الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني، تم ربط ميناء جوادر الباكستاني بمقاطعة شينجيانغ غرب الصين عبر شبكة من الطرق السريعة والسكك الحديد وخطوط الطاقة، ما يوفر بدائلَ استثماريةً واقتصاديةً لدول جنوب آسيا ووسطها.

بينما تسعى الهند إلى توسيع نفوذها عبر ميناء تشابهار وتحالفها مع إيران وأفغانستان، تواصل الصين وباكستان تعزيز شراكتهما الاستراتيجية

في تطوّر حديث يعكس التقدّم المستمر في مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، أعلن رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، خلال حفل افتتاح مطار جوادر الدولي الجديد في مدينة إسلام أباد بباكستان، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أن “الصين مستعدّة للعمل مع باكستان لبذل المزيد من الجهود في بناء الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني، مشروعاً نموذجياً لتعاون الحزام والطريق عالي الجودة”، وأضاف: “يُعدّ المطار الجديد منشأةً رئيسةً لتحويل ميناء جوادر مركزاً إقليمياً للربط والاتصال، ورمزاً مهمّاً لتعزيز بناء الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني بشكل أكبر”.

التنافس الإقليمي ضمن استراتيجيات مدروسة

يمكن ملاحظة أن الهند بدأت بإيلاء أهمية متزايدة لمشروع ميناء تشابهار، بعد عام من الإعلان عن مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وجاءت هذه الخطوة ضمن استراتيجية هندية تهدف إلى إيجاد توازن إقليمي أمام الشراكة الصينية الباكستانية، معتمدة على اتفاقية ثلاثية مع إيران وأفغانستان، لتعزيز دور ميناء تشابهار حلقةَ وصل استراتيجية تربط بين جنوب آسيا وآسيا الوسطى. في المقابل، استجابت الصين وباكستان بخطوات لتعزيز مشروعهما المشترك، بما في ذلك افتتاح مطار جوادر الدولي، وتوسيع شبكة الطرق والبنية التحتية المرتبطة بالممرّ. وجاء ردّ الهند عبر زيارة وفد رسمي أفغانستان، ركّزت على إعادة تنظيم إدارة تشغيل ميناء تشابهار.

تنافس حادّ بين القوى الإقليمية، يتميّز بالصمت النسبي والاستراتيجيات المدروسة

تكشف هذه المشاريع المتقابلة عن تنافس حادّ بين القوى الإقليمية، يتميّز بالصمت النسبي والاستراتيجيات المدروسة. فبينما تسعى الهند إلى توسيع نفوذها عبر ميناء تشابهار وتحالفها مع إيران وأفغانستان، تواصل الصين وباكستان تعزيز شراكتهما الاستراتيجية من خلال استثمارات كبيرة في البنية التحتية والموانئ. هذا التنافس يعكس أهمية الممرات التجارية في إعادة تشكيل الجغرافيا الاقتصادية والسياسية للمنطقة، مع استمرار كل طرف في السعي لتحقيق أهدافه الاستراتيجية بأساليب دبلوماسية واقتصادية “ناعمة” ولكن مؤثّرة.

خاتمة

رغم أن الوجود الدبلوماسي الهندي في أفغانستان محدود في نطاقه ممثّلاً في “فريق تقني”، إلّا أن هذا الحضور يحمل في طيّاته اعترافاً ضمنياً بحكومة “طالبان”. تعكس زيارة الوفد الهندي الرسمي، بقيادة السكرتير المشترك رفيع المستوى، رغبة الهند في تعزيز التواصل الدبلوماسي والسياسي مع الحكومة الأفغانية، وذلك رغم التعقيدات الإقليمية المحيطة بالمشهد. ومع مرور الوقت، وبتزايد التنسيق السياسي والاقتصادي، قد تميل الهند نحو الاعتراف الرسمي بحكومة “طالبان”، خاصة إذا أظهرت الأخيرة مرونةً سياسيةً واستعداداً للتعاون في مجالات تخدم المصالح المشتركة.

تظلّ العوامل الجيوسياسية والاقتصادية المحددات الرئيسة التي توجّه سياسة الهند تجاه أفغانستان. على الرغم من التحدّيات التي تفرضها البيئة السياسية المعقّدة في المنطقة، تسعى الهند وأفغانستان إلى تحقيق مصالح متبادلة بعيداً من التأثيرات السياسية والدبلوماسية التقليدية. ويتم ذلك من خلال التركيز على تعزيز الشراكة التنموية والروابط الاقتصادية عبر مشاريع حيوية مثل ميناء تشابهار، الذي يوفّر منفذاً مباشراً إلى آسيا الوسطى عبر أفغانستان، متجاوزاً الطرق التي تسيطر عليها باكستان. كما يتيح مشروع ميناء تشابهار للهند فرصةً لتقوية علاقاتها مع دول آسيا الوسطى، ما يعزز قدرتها على الحفاظ على توازن استراتيجي في مواجهة المبادرات الصينية الباكستانية.

ورغم هذه الروابط الاقتصادية المتزايدة، تظلّ العلاقات الهندية الأفغانية بحاجةٍ إلى نهج استراتيجي أكثر وضوحاً في المستقبل، يحدّد إطاراً أكثر تماسكاً للتعاون بين البلدَين. وهذا يتطلّب تحسين العلاقات الدبلوماسية والسياسية تدريجيّاً، ممّا سينعكس إيجاباً في تعزيز العلاقات الاقتصادية، ويحقّق توازناً جيوسياسياً واقتصادياً أكثر تطوّراً في بيئة إقليمية تتسم بالمنافسة الاستراتيجية.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى