يشكل الكشف عن توقيع قائد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، الجنرال مظلوم عبدي، على اتفاق مع شركة تدعى “دلتا كريسنت أل أل سي”، الأميركية المسجلة في ولاية ديلاوير، بحسب ما ذكرت مواقع إخبارية عدة، لتحديث حقول وآبار النفط والغاز التي تقع تحت سيطرة “قسد”، ضوءاً أخضر من الولايات المتحدة لتعزيز سلطة الجانب الكردي في الشمال الشرقي من سورية، وخطوة متقدمة لجهة الاعتراف بـ”الإدارة الذاتية” طرفاً رئيسياً في المعادلة السياسية والعسكرية والاقتصادية في منطقة شرقي الفرات، التي تسيطر “قسد” على معظمها. وكشف السيناتور الجمهوري ليندزي غراهام، أول من أمس الخميس، خلال جلسة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بحضور وزير الخارجية مايك بومبيو، أن عبدي أبلغه بأنه وقّع اتفاقاً مع شركة نفط أميركية لم يحدد اسمها لتحديث حقول النفط في شمال شرقي سورية. ونقل غراهام عن عبدي قوله: “إن هذه أفضل وسيلة لمساعدة الجميع في هذه المنطقة”.
من جانبه، أعرب بومبيو عن دعم الإدارة لهذا التوجه، قائلاً “إن الاتفاق أخذ وقتاً أكثر مما كان متوقعاً ونحن في إطار تطبيقه الآن”. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن عقب سحبه القوات الأميركية من شمال شرقي سورية في 6 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أنّ “عدداً قليلاً من الجنود” الأميركيين سيبقون في سورية “حيث يوجد النفط”. لكن سرعان ما أرسلت واشنطن تعزيزات إلى منطقة شرقي نهر الفرات، في خطوة تؤكد تراجع الأميركيين عن تقليص وجودهم في هذه المنطقة الغنية بالبترول. وكان ترامب قد ذكر في أواخر العام الماضي خلال افتتاح أعمال قمة حلف شمال الأطلسي في العاصمة البريطانية لندن، أن “الولايات المتحدة وضعت النفط السوري تحت سيطرتها وبات بمقدورها التصرف به كما تشاء”. وذكرت مصادر مطلعة في واشنطن لـ”العربي الجديد”، أن الاتفاق “ليس جديداً”، مشيرة إلى أنه “على الأغلب وُقّع مطلع العام الحالي”، موضحة أن العقد لا يتضمن تحديث كل الآبار والحقول الواقعة تحت سيطرة قوات “قسد”. وأضافت أن “العقد يتضمن إنشاء مصفاتين”، مؤكدة الأهمية السياسية لهذا الاتفاق “لأنه يُعدّ اعترافاً من جانب واشنطن بقوات قسد كسلطة أمر واقع، يمكن أن تكون طرفاً رئيسياً في ترتيبات يعدّ لها الأميركيون لمستقبل منطقة شرقي نهر الفرات، ربما تمنحها وضعاً خاصاً في التسوية المرتقبة للقضية السورية”. ولفتت إلى أن عبدي “بات رجل واشنطن في الشمال الشرقي من سورية، وتبرم معه الاتفاقات بعيداً عن الإدارة الذاتية الكردية أو مجلس سورية الديمقراطي (الجناح السياسي لقوات قسد والمعروف اختصاراً بمسد)”.
وكشفت المصادر أن هذا المجلس “لا علم له بالاتفاق، وربما سمع به من وسائل الإعلام”، مضيفة أن “هذا ما يؤكد أن الجناح العسكري في قوات قسد، برئاسة عبدي، هو المتصرف الأول، وربما الوحيد بمصير منطقة شرقي نهر الفرات”. وأشارت إلى أن هذا الاتفاق “خطوة جديدة من قبل واشنطن من أجل تعزيز سلطة قسد والجانب الكردي في الشمال الشرقي من سورية”، مضيفة أن “الأميركيين يدفعون باتجاه تشكيل مرجعية كردية واحدة في سورية، لذلك يضغطون على حزب الاتحاد الديمقراطي (المتحكم بقوات قسد من خلال الوحدات الكردية)، والمجلس الوطني الكردي من أجل استكمال الحوار الكردي الكردي”. من جهته، أشار الباحث السياسي المقرب من “الإدارة الذاتية” الكردية إبراهيم مسلم، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن الاتفاق مع شركة أميركية لتحديث حقول النفط في شمال شرقي سورية “ربما يعود بالفائدة للمنطقة من خلال إيجاد حل لأزمة الوقود وتأمين فرص العمل لأبناء المنطقة”، مضيفاً أن “هذا الاتفاق سيعود بالنفع الكبير للبيئة من خلال التخلص من الشكل البدائي لتكرير النفط من خلال الحراقات المنتشرة في المنطقة”. غير أن مسلم رأى أن الاتفاق له أبعاد سياسية أيضاً، مشيراً إلى أنه “نوع من الاعتراف بمؤسسات الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي من سورية”. وتسيطر “قسد” منذ أعوام عدة على أهم وأكبر آبار وحقول النفط والغاز في سورية، عقب انتزاعها من تنظيم “داعش”، الذي كان يعتمد على الثروة النفطية السورية في تمويل نشاطاته. وتسيطر “قسد” على كل الآبار والحقول في محافظة الحسكة التي تضم حقولاً نفطية عدة، وكانت تنتج أغلب حاجات البلاد من هذه المادة، ومنها حقل الجبسة في ريف منطقة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، الممتد حتى منطقة الهول في الريف الشرقي.
كما تسيطر “قسد” على حقول رميلان في ريف مدينة القامشلي، التي تضم نحو 1322 بئراً، بالإضافة إلى معمل للغاز كان ينتج نسبة كبيرة من حاجات سورية من المادة قبل الثورة في عام 2011. ويوجد نحو 25 بئراً من الغاز في حقول السويدية بالقرب من رميلان. وفي ريف دير الزور الشرقي، شمالي نهر الفرات، تسيطر “قسد” على حقول وآبار عدة، تُعدّ من أكبر الحقول في سورية للنفط والغاز، لعل أبرزها: حقل العمر النفطي، أكبر حقول النفط في سورية مساحة وإنتاجاً. ووفق مصادر مطلعة، كان يصل إنتاج الحقل قبل اندلاع الثورة إلى 30 ألف برميل يومياً، وسيطر عليه “داعش” في عام 2014، وتحول إلى أبرز مصادر تمويله قبل أن يخسره في أكتوبر/ تشرين الأول 2017. وتسيطر “قسد” على حقل التنك الواقع في بادية منطقة قبيلة الشعيطات، في ريف دير الزور الشرقي. وكان هذا الحقل ينتج نحو 10 آلاف برميل يومياً. وقد سيطرت عليه فصائل تابعة للمعارضة السورية أواخر عام 2012، قبل وقوعه بين يدي “داعش” في يوليو/ تموز 2014. وتسيطر “قسد” أيضاً على حقل كونيكو للغاز، في ريف دير الزور، الذي يضمّ أكبر معمل لمعالجة الغاز في سورية. وكشفت مصادر مقرّبة من “الإدارة الذاتية” الكردية، أنه لا توجد إحصائيات دقيقة يمكن الركون إليها لمعرفة كمية إنتاج قوات “قسد” من النفط والغاز حالياً، مشيرة إلى أن قسماً من الإنتاج يذهب للاحتياجات الداخلية في منطقة شرقي نهر الفرات، وقسماً آخر تستفيد “الإدارة الذاتية” من عائداته المالية، فيما يذهب قسم ثالث إلى “الدولة السورية”، بموجب الاتفاق الذي أبرم مع الروس أواخر العام الماضي، موضحة أن دورية روسية تؤمن وصوله إلى مناطق النظام.
المصدر: العربي الجديد