تأتي انتخابات مجلس الشعب. يوم الاحد 19/7/2020..والناس في محافظة الحسكة كما في بقية محافظات سورية يعيشون أزمات متراكمة خانقة ، أفقدتهم الأمل بالمستقبل ، أزمة كهرباء ، أزمة مياه ، ارتفاع فاحش في أسعار المواد التموينية وسائر المواد الأخرى ، انهيار متدرج في قيمة الليرة السورية ، أزمة بطالة ، فضلا عن الاحتلالات العسكرية والمسلحة للأراضي السورية ، وتصاعد وتيرة المشاريع الطائفية والعرقية ، وهيمنة شبح التقسيم الذي يهدد وحدة البلد ، والسلطة الحاكمة تقف أمام ذلك كله موقف المتفرج العاجز بل فقدت السيطرة على أجزاء واسعة من أراضي الدولة السورية ، ولم يبق لها في محافظة الجزيرة إلا مربعين أمنيين مترنحين في الحسكة والقامشلي ، مساحة كل منهما لا تتعدى بضعة أمتار ، هما أوهى من خيط العنكبوت..في هذا الوقت الكئيب اللاهب ، وخوف الناس من جائحة الكورونا التي أخذت تدب إلى ديارهم جرت انتخابات مجلس التصفيق بمقاطعة شعبية واسعة في محافظة الحسكة ، يعرف الناس نتائجها قبل إعلانها ، وقد عانوا نصف قرن من ألاعيبها ، ولم يلتفتوا إليها لأنها لاتعنيهم في شيء ، وقوائمها لاتمثلهم ، وإنما تمثل من تبناها..فقد الناس ثقتهم في هذه الأسماء ، وعرفوا أن حل مشكلاتهم ، وهي مشكلات البلد ، التي عجزت عنها السلطة أكبر من أحجامهم ، ولكنها مفروضة عليهم وناجحة إن شاؤوا أم أبوا ، كما عرف الناس أن أقصى مايسعى إليه المرشحون المتسترون خلف شعارات براقة هو تحقيق طموحاتهم الفردية ومكاسبهم الشخصية قبل كل شيء…ومع تقديري لقلة منهم ، وقناعتي بخدمتهم أبناء محافظتهم ، ومع أسفي على انخراط اسم لامع في هذه المهزلة ، لم يظفر فيها بالفوز فإن الملاحظ على هذه القائمة خلوها، من الاصوات المعارضة ، وافتقار بعض الأسماء إلى الخبرات القانونية والإدارية والكفاءات العلمية ، بينهم أنصاف متعلمين ، وتكرار وجوه ملها الناس ، تعاقبت على مجلس التصفيق ثلاث مرات أو يزيد ، لم تخدم فيه البلد ، أو تساعد أبناء محافظتهم ، وكأن مجتمع الجزيرة ابتلى بالعقم عن إنتاج الكفاءات المختلفة والأصوات الجريئة حتى لم يعد يبرز في الميدان إلا حديدان ، والملاحظ أيضا أن السلطة الحاكمة تخلت عن نهجها الانتخابي في اختيارها أسماء تغطي أطياف المجتمع وتلاوينه فركزت هذه المرة مثلا على ثلاثة أسماء من قبيلة واحدة ، واهملت تمثيل بعض القبائل والطوائف والأعراق الأخرى ، وهذا الانتقاء أحدث شرخا في النسيج الاجتماعي الذي حافظ على الوحدة الوطنية… والذين راقبوا مجريات سير الانتخابات في محافظة الحسكة وصفوها بالمهازل ، وهم يتحدثون عن ضخ أموال الرشاوى في بعض المراكز بغير حساب ، وإحضار أكياس ممتلئة بالبطاقات الشخصية دون حضور أصحابها ، واستخدام البطاقة الواحدة في أكثر من مركز ، وبعث الموتى من قبورهم للإدلاء بأصواتهم..تزوير مفضوح دون أن يلقي المعنيون بالا لمحتج ، أو يصغوا إلى معترض أو مستنكر…والحقيقة أن هذه الانتخابات الاخيرة ليست جديدة على شعبنا ، فهي صورة عن سابقاتها ، اعتاد عليها ، وعانى منها منذ نصف قرن ، منذ أن كان رأس هرم السلطة يفوز وحيدا في الانتخابات بنسبة 97, 99 بالمئة دون أن يجرؤ أحد على منافسته حتى صار هذا النهج في الانتخابات وفي غيرها القائم على التفرد وإقصاء الآخر إرثا تاريخيا تحرص السلطة الحاكمة على التمسك به واستمراره مهما تدهورت أوضاع البلد ، أو ساءت أحوال الناس ، وهو النهج الذي دفع البلد إلى الكوارث والدمار والتقسيم.
المصدر: صفحة حسين حمدان العساف