لجأ العديد من المدنيين في الشمال السوري إلى استخدام أسلحة تقليدية مثل “البومبكشن” و”الجفت” وبنادق الصيد لمحاولة التصدي للطائرات الملغمة التي تشكل خطراً حقيقياً على حياتهم وممتلكاتهم، وذلك مع اشتداد وتيرة القصف وازدياد استخدام هذا النوع من الطائرات من قبل قوات النظام السوري باتجاه إدلب وريف حلب الغربي.
ورغم أن هذه الأسلحة تُعتبر بسيطة وقديمة نسبياً، فإن المدنيين وجدوا فيها خياراً أكثر فاعلية من الكلاشينكوف والرشاشات المعتادة، التي تفتقر إلى الدقة والقدرة على إصابة الطائرات الصغيرة والمتحركة.
وأفادت مصادر عسكرية لموقع تلفزيون سوريا بأن هذه الأسلحة البسيطة تمكنت من تحقيق نتائج ملحوظة في إسقاط بعض المسيرات، خاصة تلك التي تحلق على ارتفاعات منخفضة وتستهدف المناطق السكنية.
“خط الدفاع الأول“
وأوضح أحد السكان في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي أن بنادق الصيد ذات المدى القصير نسبياً تساعد في تحقيق إصابات دقيقة للطائرات التي تقترب من المناطق المأهولة.
وأضاف: “هذه البنادق، رغم أنها مصممة في الأساس للصيد، أثبتت فعاليتها بشكل غير متوقع، وأصبحت خط الدفاع الأول لنا أمام هذه الطائرات”.
وفي سياق متصل، يواجه المدنيون والعسكريون على حد سواء تحديات عديدة في التصدي للطائرات المسيرة، إذ إن هذه البنادق ليست مخصصة لمواجهة هذا النوع من التكنولوجيا، كما أن استخدامها يعرضهم لمخاطر كبيرة.
ووفق المصادر، فإن الاعتماد على بنادق الصيد لا يمكن أن يكون حلاً دائماً، لكنه يمثل خياراً اضطرارياً في ظل عدم وجود آلية بديلة لصد هذا النوع من الهجمات.
وفي ظل نقص الإمكانات العسكرية الحديثة، طور الأهالي استراتيجيات وتنسيقاً مشتركاً، حيث يتعاونون على تبادل المعلومات حول مسار الطائرات عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو القبضات اللاسلكية، مما يتيح لهم التحضير وإطلاق النار بشكل جماعي لمحاولة إسقاطها.
وسائل بسيطة تواجه المسيرات
استعرض تلفزيون سوريا خلال جولة في ريف حلب الغربي جهود المدنيين المتطوعين لإسقاط المسيرات، إذ أوضح أحد المواطنين المشاركين أنه باتخاذه وسائل بسيطة مثل بنادق الصيد (الخردق)، تمكن من تحقيق إصابات دقيقة في الطائرات المسيرة التي تحلق فوقهم، مؤكداً أن هذه الوسائل الشعبية قد تكون أكثر فاعلية من البندقية الروسية في تحقيق إصابات مؤكدة وإسقاط الطائرات.
وأكد أن “المدنيين نجحوا خلال يوم في إسقاط ثلاث طائرات مسيرة، بفضل الله ودقة التصويب، في حين لم يتمكنوا من إصابة خمس طائرات أخرى”.
وأضاف أن المقاومة ليست في السلاح وحده، بل في العزيمة والإصرار على مواجهة الطائرات والمسيرات، وكذلك القذائف والصواريخ، معبراً عن ثباته على مبادئ الثورة رغم كل التحديات والقصف المستمر.
وشدد أحد المشاركين في التصدي للطائرات على أن هدفهم الأساسي يتمثل في حماية الأطفال والعائلات، خاصة أن العديد من الطائرات استهدفت مدنيين وأطفالاً خلال الأيام الماضية.
وأشار إلى تواصل مستمر بين المدنيين عبر الإنترنت، وأن المعلومات تصل إليهم بسرعة حول التحركات الجوية للمسيرات، مما يساعدهم على التصدي لها وتوثيق حالات الإسقاط.
ورغم صعوبة الظروف والإمكانات المحدودة، فإن المدنيين أبدوا عزماً كبيراً على الاستمرار في الدفاع عن أنفسهم وعن أرضهم.
الطائرات المسيّرة وآلية عملها
يعتمد النظام السوري في هجماته على مسيّرات انتحارية من نوع (FPV) تطير على ارتفاعات منخفضة لا تتجاوز 35 متراً فوق سطح الأرض، يتم استيرادها ثم تطويرها وتجهيزها بمساعدة خبراء روس في معامل الدفاع في حمص وحماة، حيث يتم استبدال منظومة الإرسال والاستقبال الخاصة بها للتحكم لمسافات أبعد تصل إلى 3.5 كم، بدلاً من منظومتها القديمة التي لا تتجاوز 1.5 كم، كما يتم تجهيزها بالحمولة المتفجرة التي يختلف نوعها بحسب استخدامها بين حمولات مضادة للدروع أو الأبنية أو الأفراد، ولا يتجاوز وزن الحمولة المتفجرة 2 كغ نظراً لعدم قدرة هذا النوع من المسيّرات على حمل أوزان أثقل.
وتواصل موقع تلفزيون سوريا مع المرصدين العسكريين في شمال غربي سوريا “أبو أمين 80″ و”عمار أبو الحسن” للحصول على تفاصيل أوسع عن آلية عمل هذه الطائرات، ووفق المعلومات، يخضع إطلاق المسيّرات لآلية محددة، حيث يرتبط إطلاقها بوجود طائرات رصد لتحديد الأهداف، إذ تقوم طائرات الاستطلاع الروسية من طرازي Orlan-10 وOrlan-30 التي تتبع لغرفة العمليات الروسية وفروعها في كل محور قتالي بهذه المهمة، وبمجرد رصد هدف محدد، يتم إعطاء معلومات مفصلة عنه تشمل نوعه وإحداثياته ليتم التعامل معه بالحمولة المتفجرة المناسبة.
تتراوح مدة تحليق المسيّرات المستخدمة بين 9 و15 دقيقة بحسب وزن الحمولة، وتقطع هذه المسيّرات مسافة 3.5 كم بين المشغل ونقطة الوصول، وهو الحد الأقصى لمنظومة الاستقبال والإرسال اللاسلكية الحالية للطائرة، ولكن في بعض الحالات تم تسجيل قصف أهداف أبعد، كما جرى عند استهداف تجهيزات شبكات الإنترنت على خزان مياه الصليب قرب قرية سرجة في جبل الزاوية على بعد 9 كم من خطوط التماس بتاريخ 2 آذار 2024، في هذه المسيّرات ذات المدى الأبعد، يتم تعديل حجم البطارية وتخفيض وزن الحمولة المتفجرة، وتعديل منظومة الاتصال لتكون الطائرة مرتبطة مع المشغل بجهاز مضخم للإشارة يتم تركيبه على إحدى التلال المرتفعة القريبة.
إحصائيات الهجمات بالطائرات المسيّرة
تختلف البيانات الصادرة حول أعداد الطائرات المسيّرة بين عدة جهات، ويعود هذا الاختلاف إلى تباين قدرة كل جهة على إحصاء جميع المسيّرات، خصوصاً تلك التي تستهدف خطوط التماس الأمامية أو التي يتم إسقاطها في تلك الخطوط، حيث لا يمكن رصدها إلا من قبل العسكريين.
ومنذ بداية عام 2024 وحتى تاريخ 25 تشرين الأول، بلغ عدد المسيّرات التي استهدفت المنطقة، وفقاً للمرصد العسكري “أبو أمين 80″، (382) مسيرة، بينما أشار فريق “منسقو استجابة سوريا” إلى 874 مسيرة.
من جهته، ذكر مصدر خاص في “الإعلام العسكري” التابع لغرفة عمليات “الفتح المبين” لموقع تلفزيون سوريا، أن إحصائية الهجمات تُقدر بـ591 مسيرة، انفجر قسم منها على خطوط التماس الأولى، في حين استهدف القسم الآخر مناطق خلف الخطوط بعمق متفاوت، معظمها باستخدام مسيّرات لا يتجاوز مداها 3.5 كم، وهي الأكثر استخداماً في الهجمات.
يُعتبر محور ريف حلب الغربي المحور الأكثر تعرضاً للهجمات بالمسيرات الانتحارية، خاصة في الأسابيع الأخيرة، نتيجة للتوتر العسكري في المنطقة بعد الحديث عن معركة محتملة باتجاه مدينة حلب، كما تؤثر العوامل الجغرافية على منظومة الاتصال الخاصة بالمسيرات بين المشغّل ونقطة الوصول، حيث تستغل قوات النظام بعض التلال الحاكمة التي تسيطر عليها لإطلاق المسيّرات نحو نقاط خالية من العوائق الطبيعية بين نقطة الإطلاق ونقطة الاستهداف.
ووفقاً لـ “منسقو استجابة سوريا”، فإن الخسائر الناتجة عن استخدام المسيّرات بلغت 34 قتيلاً و88 جريحاً، منذ بداية العام الحالي.
المصدر: تلفزيون سوريا