رُوي أنَّ هذه العبارة وردت أوَّلَ ما وردت على لسان الشَّاعر أبي الفتح محمد بن محمود بن الحسين بن السِّنديّ المعروف بـ (كُشاجم) المتوفَّى سنة (960م) وذلك في قوله:
ومُستـهْـجـنٍ مَـدحي لـه إنْ تـأكَّـدتْ لنا عقدةُ الإخلاصِ والحقُّ يُمدَحُ
ويـأبى الَّـذي في الـقـلْـب إلا تَـبَـيُّـنًـا وكـلُّ إنـاءٍ بالَّـذي فــيـهِ يَــنضحُ
ثم تبعه الشَّاعر سعد بن الصيفيّ التَّميميّ الملقَّب بحيص بيص والمتوفى سنة (1129م) في أبياته التي اشتهرت على كلِّ لسان وجرت مجرى المَثَل، وكان من أخبر النَّاس بأشعار العرب واختلاف لغاتهم:
ملكْنا فـكان العـفـوُ منَّا سجيَّةً فـلـمَّـا مَـلـكْـتُـمْ سال بـالـدَّمِ أبـطُـحُ
وحلَّـلتمُ قتْلَ الأُسارى وطالما غدوْنا عن الأسرى نعـفُّ ونصفحُ
فحَـسبُـكُـمُ هذا الـتَّفاوتُ بينـنا “وكـلُّ إنــاءٍ بــالَّــذي فــيـهِ يَـنضحُ”
وقد روى الأبشيهيُّ في كتابه “المستطرف في كلِّ فنٍّ مُستظرَف” شعرًا وردت فيه العبارة، ولم يذكر اسم الشَّاعر في كلٍّ من
الاقتباسين:
سقى اللهُ روْضًا قـد تبـدَّى لـناظرٍ به شادنٌ كالغـصنِ يلهو ويمرحُ
وقد نضحتْ خدَّاهُ من ماءِ وَردِهِ “وكـلُّ إنـاءٍ بـالَّـذي فـيـهِ يَـنضحُ”
وروى أيضًا:
يقولون لي والدَّمعُ قرَّح مُقلـتي بنارِ أسًى من حبَّةِ الـقلـبِ تقـدحُ
أدَمعُك جمْرٌ؟ قلتُ: لا تتعجَّبوا “فكلُّ وعـاءٍ بالَّـذي فـيـه ينـضحُ”
ثم وردت العبارة في شعر صفيِّ الدِّين الحليّ حين قال:
إذا ما فعلتُ الخيرَ ضوعف شَرُّهُمْ “وكـلُّ إنـاءٍ بـالَّـذي فـيهِ ينضحُ”
وفي شعر ابن نُباتة المصريّ حين قال:
ولُـغْـزٍ هَــداني نحـو مـعــنـاه أنَّـه أتى وبه عَرْفٌ من الـرَّوْضِ ينفحُ
يشفُّ على مكتوبه طيبُ ما حوى “وكـلُّ إنــاءٍ بـالَّـذي فـيـهِ يـنـضحُ”
وجاءت العبارة على لسان أحد الشُّعراء، لكنَّه استخدم (يرشح) بدلًا من ينضح، فقال:
فـنَـمَّ بـأسرار الـصَّـبـابـةِ مَـدمَـعي وكـلُّ إنــاءٍ بالَّـذي فــيـه يـرشَــحُ
ثمَّ إنَّني أدليتُ بدلوي فقلتُ:
جُـبِلْـتُـمْ من الإجرامِ والـقَـتلِ والخَنا فشرَّدتُمُ شعبًا على الأرضِ يُـذبَحُ
وساعدكمْ في الشَّرقِ والغربِ ظالمٌ يشابهُـكُمْ في طَرحه حين يُـفصِحُ
ومـا كـان من حـقٍّ لـكـمْ في بـلادنا ومـا كـان محـتـلٌّ يـفـوزُ ويـربـحُ
كـأنَّـكُمُ مِـن نسْـل إبـلـيـسَ ويْـلَـكُـم فـكـلُّ إنـاءٍ بـالَّـذي فــيــهِ يـنـضحُ
المصدر: صفحة د- مخلص الصيادي
