أن تكون مقاومتنا عربية وطنية شعبية تقدمية وجودية. ثم ماذا بعد ؟ :
6 – تحررية : وبما ان المقاومة تستهدف مجابهة الاخطار والعدوان فمن الطبيعي أن تستهدف تحرير الأرض المحتلة..واستعادتها إلى انتمائها التاريخي وهويتها الموضوعية..وهذا يعني أن مجرد التفكير بألا تكون كذلك ؛ يطرح أمرين في غاية الأهمية :
# الأول : إن مقاومة المحتل يعني بالضرورة طرد الاحتلال وتحرير الأرض..فهي خطوة لا بد من أن تفتح باب تحرير الأرض وليس لأية مساومات على حساب الأرض وما عليها وفيها..إن مقاومة العدو دون الإصرار على طرده من الأرض التي يحتلها ؛ تفتح باب التراجعات والمساومات أيضا..ولمجرد أن تبدأ مساومات ؛ تبدأ التنازلات مما يترك الأبواب مسدودة أمام التحرير فتدخل المقاومة حينذاك في نفق مسدود يحول بينها وبين تحقيق أهدافها..
# الثاني : إن تحرير الأرض خطوة أساسية لإستعادة هويتها وإعادة هويتها إليها..وبالتالي فلا معني لأي تحرير يضعها في نقيض هويتها أو عائقا أمام عودتها إلى إنتمائها التاريخي مقدمة لعودة وحدتها القومية مع باقي أرض الأمة الواحدة..
فالمقاومة مدخل لتحرير الأرض وعودة هويتها وانتمائها إليها..
إن إستعادة هوية الأرض هو الذي يفتح الطريق لإستعادة شخصيتها الحضارية بكل ما فيها من قيم أخلاقية وإنسانية صادقة أمينة..
وربما يكون هذا أحد أسباب تراجع المقاومة الشعبية الفلسطينية – بما فرض عليها من قيود إقليمية – وبما أوصلها إلى نفق أوسلو المسدود رغم تضحياتها العظيمة..
7 – إنسانية : وحيث أنها تستهدف تحرير الأرض فمن المحتم عليها أن تستهدف تحرير الإنسان..فالإنسان هو المنطلق والغاية..وقيمة الأرض الحرة بمن عليها من بشر أحرار..إن أية مقاومة لا تستهدف حرية وكرامة وحياة الإنسان ؛ ليست مقاومة شريفة حرة..وهي لن تستطيع الاستمرار والانتصار بغير تمسكها بتحرير الإنسان جنبا إلى جنب مع تحرير الأرض..إن تقييد الإنسان أو استعباده أو إسقاط أهميته وحياته ودوره ومشاركته في تقرير شؤون الوطن وقضاياه ؛ بفعل ضغط الخوف أو قعقعة السلاح أو الاستبعاد ، إنما يترك المقاومة عرضة للاختراقات والصدامات الفرعية الهامشية ويفك عقد الاحتضان الشعبي من حولها وبالتالي يسهم في فشلها أو محدودية تأثيرها..فهي بذلك حليف موضوعي لكل سعي إنساني لحل مشكلات المجتمع الوطني ولكل عمل آنساني يهدف رفعة الإنسان وحريته وكرامته..وهي رافعة لكل نضال مطلبي حياتي – اجتماعي يستهدف حق الناس في الحياة الحرة الكريمة..وحينما تتحول أية مقاومة إلى عائق أمام حل مشكلات المجتمع الحياتية والوطنية تكون قد فقدت مبررات وجودها وشرعيتها مهما قدمت من تضحيات..
هنا تبرز إشكالية جدلية : هل يمكن أن تحصل مقاومة بدون تضحيات بشرية وشهداء ؟؟
إن التضحيات البشرية التي تقدمها المقاومة إنما هي فداء على طريق الحرية والكرامة والتحرير..فلا مقاومة بدون تضحيات وشهداء..وليس هذا بالأمر المردود وإن كان مكروها تجبر المقاومة على بذله..فالشهداء يفدون بأرواحهم ودمائهم أهلهم وشعبهم وأرضهم ولذلك هم خالدون مقدمون على من سواهم..
8 – عالمية : إن ترابط قضايا الحرية الإنسانية باتت تحتمه طبيعة الأخطار والتحديات التي تواجه المجتمعات الإنسانية المعاصرة..إن وحدة القوى الرأسمالية العالمية التي باتت تهيمن على معظم اقتصاديات وثروات العالم في ذات الوقت الذي تعمل فيه على وأد كل تطلع إنساني ، فردي أو جماعي ، نحو التحرر والتقدم ؛ تستدعي تكاملا نضاليا توافقيا مصلحيا بين كل المقاومات الحرة الشريفة في العالم أجمع..إن مستقبل البشرية بات مرتهنا لأقليات خطيرة تهدد الجنس البشري والحضارة الإنسانية بما تملك من إمكانيات فائقة عسكرية وتقنية ومالية وعلمية في الوقت الذي تنعدم لديها أية قيم أخلاقية وأية معايير أو ضوابط إنسانية..الأمر الذي يتطلب تكاتف كل حركات التحرير والمقاومة في كل المجتمعات الانسانية ، حفاظا على ذواتها أولا ولتستطيع تحقيق انتصارات على قوى البغي والعدوان الرأسمالية المفترسة المتوحشة..
وهذا يعني تأييد أية مطالب تحررية لأية مقاومة شعبية حرة في أي بلد..إن الحرية الإنسانية باتت قضية ذات أولوية قصوى في مواجهة أعتى وأشرس قوى معادية للإنسان والإنسانية ولكل القيم الأخلاقية والحضارية في كل بلاد العالم..
إن أية مقاومة عربية حرة شريفة ، تتكامل حكما مع كل عمل إنساني حر يقاوم قوى العولمة الرأسمالية المجرمة وأدواتها التخريبية..
إن مقاومة عربية حرة لا يمكن أن تعادي أية مقاومة تحررية – نهضوية لأية أمة أخرى أو جزء آخر من الأرض العربية المحتلة..أيا يكن المحتل..
9 – مستقلة : وهذا يعني أن تكون حرة الإرادة تمتلك زمام أمورها ومواقفها بذاتها ..تمتلك الرؤية الشمولية الموضوعية لما تقوم به ولما هو مطلوب منها وقبل ذلك للواقع الذي تعمل فيه وطبيعة وخلفيات القوى الفاعلة فيه والمؤثرة عليه ..وذلك حتى تتمكن من رسم ملامح نهجها وثوابت رؤياها وعملها وقواعدها بحيث تحتفظ بحرية حركتها وسلامة مواقفها واستقلالية إرادتها..وهذه الاستقلالية شرط لازم لقدرتها على الاستمرار والإنجاز ومواجهة كل صنوف الابتزاز والتشهير والضغوط التي تتعرض لها حكما وواقعا..ولا تقع ضحية مساومات من أي نوع ستنتج حتما عن تنوع أو تضارب في مصالح القوى الداعمة لها قولا أو فعلا.
وحينما تفقد ألمقاومة الشعبية الوطنية إستقلاليتها ؛ تقع ذاتها حتما في سجالات المحاور وتضارب السياسات والمصالح والتنوعات الفئوية..
10 – ثورية : إن الإختلال المرعب في موازين القوة بين أية مقاومة شعبية وبين أعدائها ؛ المحتلين أو الغزاة أو الطغاة ؛ يجعل أسلوب العمل الثوري بكل مقاييسه وقواعده ومتطلباته ؛ هو الأسلوب الموضوعي السليم والواقعي والمتاح أمام قوى المقاومة كي تتصدى للأعداء وتواجه مشاريعهم للسيطرة او القمع أو الإحتلال..
الأسلوب الثوري في المقاومة هو الذي يجعل قوة قليلة تتصدى بعزيمة وإرادة وإصرار حتى الانتصار ؛ هو الأسلوب الوحيد المتاح أمام كل الحركات الشعبية التحررية لتواجه مغتصبيها. آن حسابات القوة في العمل المقاوم تعتمد على الإيمان العميق بالحق والتمسك به وقبله وفوق إيمان بالله عظيم يعد بالنصر كل صاحق حق مؤمن بقضيته وعدالتها ..
” كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله “..
الثورة لا تعني التهور والإيمان بالحق لا يعني إسقاط التخطيط وحساب القوة والممكن ودراسة المتاح في الواقع ؛ وفوق ذلك فقوة الإيمان والعزيمة ومضاء روح الفداء تضاعف أرقام القوة وتفتح آفاق النصر..
إن الثورة عمل منظم واع وحر أولا وقبل كل شيء..
ألثورة التزام أنساني أخلاقي عظيم..كذلك حال أية مقاومة تحررية..
وبالعودة إلى مقاومتنا العربية في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني وعدوانه على الوجود العربي برمته ؛ فإن تضحيات عظيمة تبذل ..وما لم تتوفر تلك المقومات الموضوعية في اية مقاومة عربية ؛ فالخشية أن تتقدم على طريق مسدود فلا تنجز تحريرا ولا تحقق نصرا فتذهب تضحياتها الكبيرة في غير ما تستحقه من نتائج..
مطلوب تحرير عقل المقاومة وفكر المقاومة وقيمها وثقافتها وأدواتها أيضا ، من كل ضيق أفق يحصرها في إطار حزبي أو عسكري ..أو إقليمي أو يتوهم تناقضا بينها وبين أية قضية وطنية في اي بلد عربي ..تحررية او مطلبية أو تنموية نهضوية..
مطلوب تحريرها من أي طرح فئوي، مذهبيا أم إقليميا ومن كل عصبية إنقسامية أيا كانت..
مطلوب تحريرها من وهم مواقعها في خصام أو إنفصال مع قضايا الوطنية والعمل القومي والمصير العربي الواحد..بما فيها أوهام الحاجة إلى أنظمة إستبداد تدعمها أو تساندها وهماً وزورا وتزييفا..
مطلوب تحريرها من أية وصاية محلية كانت أم خارجية..
مطلوب من الحركات الشعبية العربية ؛ أيا كان حجمها ووزنها التفاعل الحر الخلاق فيما بينها ومع أطراف المقاومات الشعبية القائمة ؛ لأجل ترشيد وتفعيل وتعظيم دور المقاومة وإنجازاتها وحمايتها من الوصاية والمساومات والتنازلات ومن التقدم على طريق مسدود..
إن معارك مقاومة كل عدوان خارجي وداخلي على وجود الأمة ومقومات تكوينها وشخصيتها؛ هي ذاتها معارك البناء والنهضة والتقدم في كل مجال ..معارك مقاومة الإحتلال والإستبداد والجهل والفقر والتخلف والتشتت والتبعية والفساد..معارك متعددة المواقع ذات مضمون واحد متكامل مترابط أساسه : ” تحرير الأرض والإنسان…تحرير الوطن والمواطن “
فلتكن فرصة لتفعيل المقاومة الشعبية الحضارية الشاملة التي يشارك فيها كل عربي حر أينما كان وفي أي موقع كان ..
فليكن شعار :
” كل عربي حر مقاوم. بما يستطيع وما يتاح له أو يتيحه لنفسه..
“..نحو مقاومة شعبية عربية حضارية شاملة..” ..
في الجزء الثاني من مقاله ” المحددات الموضوعية للمقاومة” وبعد أن تم تحديد بأن “مقاومتنا عربية وطنية شعبية تقدمية وجودية”. ثم ماذا بعد ؟ يتم تحديد أهدافها ومسيرتها “تحررية – إنسانية – عالمية – مستقلة – ثورية” ليكون كل عربي حر مقاوم. بما يستطيع وما يتاح له أو يتيحه لنفسه.