هل ينزلق حزب الله إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل؟ لا يريد الجانبان الدخول في اشتباك حاليّاً وأربعة سيناريوهات تحكم المشهد المقبل

طارق فهمي

لم يكن غريباً أن تبدأ المناوشات بين حزب الله وإسرائيل وتنتهي خلال ساعات محدودة ومنضبطة من قِبل الطرفين، ووفقاً للرؤية الإسرائيلية فإنّ الجيش الإسرائيلي “أحبط عملية” لحزب الله في شبعا، تحديداً بجبل روس، إذ تمكّن من إحباط عملية خططت لها خلية من الحزب، مكوّنة من ثلاثة أو أربعة أفراد.

ورغم إنكار كل طرف أنه كان البادئ بالمواجهة، وسيل التحليلات بأن الجيش الإسرائيلي يتأهب لمواجهة، وأن رئيس الوزراء نتنياهو قد يستثمر المشهد، لرفع شعبيته التي انهارت خلال الأسابيع الأخيرة، وخروج آلاف الإسرائيليين يطالبون بإقالته، نتيجة ضعف أدائه، وتردي الأوضاع الاقتصادية، نتيجة أزمة كورونا، فإن شيئاً من هذا لن يحدث.

وفي المقابل فإنّ حزب الله يعاني أزمة هيكلية حقيقية في ظل واقع لبناني متردٍ، وقد حمّله رئيس الوزراء نتنياهو ما يجري من تطورات، وأن لبنان قد يدفع الثمن.

مؤشرات مهمة

وتشير كل الشواهد إلى أن حزب الله لن يقوم بأي عمل حقيقي، بل سيحافظ على الوضع الراهن، وسيحمي ضوابط وقواعد الاشتباك التي رُسِمت بين الجانبين منذ آخر مواجهة، بالتالي لن تكون هناك مواجهة حقيقية بين الجانبين، خصوصاً أن نتنياهو لا يملك رفاهية المقامرة على تسخين جبهة حزب الله، فقد تكون المواجهة عواقبها سلبية، وقد تكلّفه الاستمرار في موقعه، وتوجد رهانات حقيقية بأن الائتلاف الحاكم لن يسمح له بتحقيق خطوة أو إنجاز عسكري قد يدفعه إلى فك الائتلاف، وبناء تشكيل حكومي جديد، ليس فيه عسكريون منافسون له.

وفي المقابل فإن حزب الله يدرك أن بقاءه في المعادلة اللبنانية سيرتّب معطيات مهمة، ستدفعه إلى ضرورة مراجعة موقفه في البقاء بسوريا، مع إثارة ملف التكلفة العالية التي يتحمّلها لبنان بالكامل، وليس حزب الله فقط، فالوضع الاقتصادي في لبنان متردِ، وأن آخر ما يحتاجه حزب الله هو الحرب مع إسرائيل.

معادلة الردع

ويتجه التقييم الإسرائيلي الشامل في مجمله لتأكيد أنه لن تكون هناك مواجهة حقيقية في المدى القصير، لاعتبارات تتعلق بمصالح الطرفين في الوقت الراهن، وعدم تجاوز الجانبين معادلة الردع المشترك على الرغم من استمرار ملاحقة إسرائيل الوجود الإيراني في سوريا، واستمرار توجيه ضرباتها على مواقع الحرس الثوري وحزب الله.

وسبق أن حذّر حسن نصر الله، أن سقوط أي قيادي من حزب الله في سوريا سيلقى ردّاً، وأن ذلك سيجري وفق الحسابات والتقديرات الخاصة بهم بالمقام الأول، ووفق رؤية استراتيجية متكاملة، وليس الرد من أجل الرد فقط.

مسارات التعامل

ومن المتوقع أن تتبع الحكومة الإسرائيلية مسارين في التعامل مع حزب الله في الفترة المقبلة، الأول نقل رسالة إلى الجانب الروسي الذي ينفتح على حزب الله وإيران، لاعتبارات استراتيجية بالتهدئة، والدعوة للإبقاء على معادلة التوازن الاستراتيجي، وتجنّب الانزلاق إلى مواجهة بين الطرفين، مع تأكيد الخطاب السياسي والإعلامي أن إسرائيل تتجنّب منذ مدة إلحاق خسائر بشرية بحزب الله في الغارات التي تشنها في سوريا، والدليل عدم سقوط أي مقاتل من حزب الله في عشرات الغارات التي شنتها تل أبيب منذ سبتمبر (أيلول) الماضي.

أمّا المسار الثاني فرفع الجيش الإسرائيلي حالة التأهب بالقيادة الشمالية على طول الحدود مع لبنان، وعزز قواته العسكرية بإرسال كتيبة مشاة من قوات النخبة تابعة لـ”لواء جولاني” فرقة الجليل، بالمنطقة الشمالية، كما ألغى الجيش مناورات بحرية واسعة، كانت مقررة على حدود لبنان من قبل وفق خطة التدريب علي الجبهات الإسرائيلية العربية.

وفي المقابل سيركز التقييم الإسرائيلي في استشرافه للمشهد التالي مع حزب الله على ما يلي: ضرورة الاستمرار في التوقع بالسيناريو السيء، وليس الأفضل، وهو ما سيتطلب الاستمرار في التوقع بإمكانية الرد بأي توقيت مع التطوير والاستمرار في تبني إجراءات عسكرية استثنائية على طول الجبهة الشمالية الممتدة من الناقورة غرباً إلى الجولان. واستمرار التركيز استراتيجيّاً، في أي تعامل محتمل، على أن حزب الله في وضع مرتبك وغير جيد، بسبب الأوضاع القائمة في لبنان سياسيّاً واقتصاديّاً.

وبسبب مضاعفات أزمة كورونا يعتمد الموقف الإسرائيلي في تقييمه على، إمّا بامتناع حزب الله عن الرد، ولو أعلن احتفاظه بحق الرد في أي وقت لاحق، وإمّا أن يضبط الحزب رده بما لا يجبر الجانب الإسرائيلي على الرد في الوقت الراهن أو المنتظر.

الرد على حزب الله

إنّ مجرد إعلان حزب الله تصفية أحد عناصره من جراء هجمات إسرائيلية، فهذا يعني أن الرد آتٍ، والمسألة غير محصورة بردّ من سوريا أو من مزارع شبعا، كما جرى خلال الأيام الأخيرة، بل هي تتعلق بمعادلة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، التي كررها سابقاً، التي تتلخص في أن سقوط عناصر لحزب الله في هجمات إسرائيلية على سوريا يعني رداً على إسرائيل من الحدود اللبنانية.

وهو ما يميل إليه في التقييم رئيس الأركان أفيف كوخافي، الذي يختلف في تعامله عمن سبقوه في منصب رئاسة الأركان، وهو لا يقبل الامتناع عن الرد على رد حزب الله تحت أي مسمى، سواء كان سياسيّاً أو استراتيجيّاً، خصوصاً أنه خلال الأشهر الماضية، تصاعد التوتر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، على إثر تسجيل انتهاكات برية وجوية وبحرية من قِبل الطرفين.

التصورات المقبلة

يوجد احتمال باتباع حزب الله استراتيجية رمزية بالرد الشكلي، ومن دون تكلفة حقيقية في إطار مسعاه للحفاظ على معادلة الردع مع توجيه رسائل معنوية لعناصره للحفاظ على شعبيته داخل وخارج لبنان، وفي وقت يتعرّض فيه الحزب لحالة من الضغوط الحقيقية، ويعدُّ هذا السيناريو الأرجح، وجرى تنفيذه خلال الساعات الأخيرة، وحسم بالفعل، ومن الممكن أن يتكرر مرة أخرى.

أمّا الاحتمال الآخر فهو قيام حزب الله بشن هجوم عسكري حقيقي، ليس كما جرى أخيراً، لكن من دون إيقاع أي ضرر عسكري أو بشري في الجانب الإسرائيلي على غرار الهجوم الذي أطلقه الحزب في سبتمبر (أيلول) 2019، عندما استخدم صواريخ كورنيت لضرب قوات الجيش الإسرائيلي بالقرب من منطقة أفيفيم على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ولم تقع خسائر مكلفة بالجانب الإسرائيلي.

ويوجد خيار ثالث قائم على شن هجوم تكتيكي جديد، وليس استراتيجيّاً انطلاقاً من منطقة مزارع شبعا، وقد حاول الحزب الهجوم على المنطقة في 2002 باستخدام صواريخ الكاتيوشا، وصواريخ مضادة للدبابات، وإن كان هذا التصور مستبعداً لحسابات تتعلق بالدخول في مساحة المواجهة الشاملة، التي قد لا يفضّلها حزب الله في الوقت الراهن، وقد تترجم في الأوساط الإسرائيلية بالخروج عن توازن الردع بالكامل، وتجاوزاً لقواعد الاشتباك.

ورابعاً قد يقوم حزب الله بتغيير قاعدة الاشتباك والانطلاق من الجبهة السورية، وعلى الرغم من أن حزب الله لم يهاجم من سوريا سابقاً، فإنّ إيران قد أطلقت صواريخ من سوريا تجاه إسرائيل في 2018، إلى جانب طائرة مسيرة أطلقتها إيران من قاعدة T-4 في سوريا تجاه الأراضي الإسرائيلية، وهذا التصور قد يؤدي إلى تغيير شامل في المواجهة.

الدور الإيراني

ليس مستبعداً أن تكون المواجهات الأخيرة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي بجنوب لبنان قد جرت وفقاً لتوجيهات إيرانية للحزب، من أجل استخدامه للرد على الهجمات السيبرانية الأخيرة التي ضربت الداخل الإيراني ومنشأة نطنز، التي أحرجت نظام خامنئي، وكذلك الشعب الإيراني، إضافة إلى عدم وفائه بوعده حتى الآن بشأن مقتل قاسم سليماني.

ولقد ألمح رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، إلى دور إسرائيل في الهجوم الإلكتروني على إيران كرسالة أولى، وقال إنّ الجيش الإسرائيلي سيستمر في استخدام أدوات عسكرية مختلفة، وهو ما أكده المدير السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، عاموس يادلين، بأن الهجوم الإلكتروني الإيراني على منشآت المياه، الذي أخفق في إحداث أضرار كبيرة، جاء كما يبدو رداً على الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة ضد القوات الإيرانية، وعناصرها في سوريا استكمالاً لشن إسرائيل هجوماً إلكترونياً معقداً على الميناء الإيراني.

ويعدُّ حزب الله وكيلاً ضمن وكلاء إيران في الإقليم، مثل حماس والجهاد الفلسطيني والحشد الشعبي وجماعة الحوثي، وليس الوكيل الوحيد الذي تقع عليه أعباء ثمن التحالف المباشر مع إيران، وكذلك إسرائيل التي تدرك أن مناخ العلاقات العربية الإسرائيلية الجديد، وبدء مرحلة جديدة من العلاقات غير الرسمية، ما يدفعها إلى عدم الصدام، وإعادة تذكير الرأي العام العربي، بطبيعة الممارسات الإسرائيلية بالمنطقة.

ما لا شكّ فيه أن إيران لن تكون بمفردها في المعادلة السياسية والاستراتيجية الحالية في المواجهات الإيرانية – الإسرائيلية الأخيرة، التي جرت بصورة غير مباشرة، بل سيكون لها وكلاء وحلفاء مؤثرون في المشهد.

صحيح أن طهران لا تريد الدخول في مواجهات عسكرية مفتوحة، لكن الموقف الإسرائيلي يخلص إلى أن إيران لن تمتنع عن عمليات جس نبض، في ظل رغبتها في إيجاد توازن ردع متبادل، ببعث رسائل، أن لديها وسائل كفيلة بالتصعيد في بعض المناطق، وأن المرحلة التي امتنعت فيها إسرائيل عن مسّ البنى التحتية اللبنانية خلال حرب لبنان الثانية 2006، انتهت، وأنه في حال محاولة حزب الله مساس أهداف إسرائيلية حيوية، فإن لبنان الدولة ستدفع الثمن.

الخلاصة

لا يريد الجانبان إسرائيل وحزب الله في هذا التوقيت الدخول في مواجهة كاملة، بصرف النظر عن التصورات الإسرائيلية الموضوعة في احتمالات رد حزب الله، إذ يجري التذكير في هذا السياق بكلام أمين عام الحزب نصر الله حين قال إن محور المقاومة يتجنّب الرد على العمليات الإسرائيلية في سوريا، لأسباب يذكرها في وقت لاحق.

وأضاف أن حزب الله، إن اختار الرد على العملية الإسرائيلية بشكل حاسم، فإنه قد يلجأ إلى ذلك في سوريا أو قطاع غزة أو الضفة الغربية، من دون أن يكون الرد من لبنان، مع عدم استبعاد الحرب ضد إسرائيل، في التقييمات الاستراتيجية المتعددة، في الجبهة الشمالية (سوريا ولبنان)، التي يمكن أن تندلع قبل انتخابات الرئاسة الأميركية.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى