تتلخص المسرحية في أنه في بلد من البلاد يجري فيها نهر ويحكمها ملك، حلم الملك أن أفاعي سوداء بثت في النهر سموماً تصيب من يشرب ماءه بالجنون، فهب صارخاً وأمر المنادين بأن يجوبوا البلدة، محذرين مصير من يشرب من هذا النهر .
ولما كان النهر مصدر شرب أهالي البلدة ، فإنهم لم يستمعوا إلى التحذير وشربوا من ماءه ، لكن حاشية الملك لم يشربوا واستجابوا لنداء الملك في بداية الأمر ، ولكن هؤلاء أيضاً لم يصمدوا طويلا وشرب حتى أهل الملك وزوجته فأصابهم ما أصاب عامة الناس … جن جنون الملك، فطلب من وزيره استدعاء أشهر الأطباء من أجل وصف علاج ودواء ، وإعطاء النصح والإرشاد ، كما طلب من الحكماء والكهان الحضور للقيام بالدعاء والابتهال إلى الله ليصرف هذا البلاء .. لكن الأطباء أفادوا بعجز العلم عن دواء هذا الجنون ، والكهان قالوا بأن السماء لا تمطر معجزات ، ليعود الوزير بعد ذلك ليخبر الملك : بأن الطبيب الشهير والحكماء والكهان شربوا من النهر وذهبت عقولهم .
وبينما الملك يروح ويجيئ ، والهم قد سيطر عليه ، ولا يبرحه التفكير بالخطر الذي سيحل بمملكته وقد أصبحت الرعية كلها مجانين ، دخل عليه الوزير وقال له : سيدي ومولاي ، العامة وأهل بيته والحكماء والكهنة قد أجتمع أمرهم على أنهم العقلاء ، وأن ملكهم هو المجنون ، وتحول همسهم بجنون مولاي إلى أن أصبح عالياً وقد يؤدي إلى عزلكم ..
ويدور حوار عميق بين الملك والوزير ، يعبر الملك بمرارة بأن المجنون لا يشعر أنه مجنون ، فيوافقه الوزير ويعلمه بأن ذات الحجة يامولاي يقول بها العامة ضدك ، وبردة فعل يقول الملك أهكذا ببساطة يهدرون الحق .. ولكنني عاقل وهم مجانين .. فيجيبه الوزير : الحق والفضيلة أصبحت ملكاً لهؤلاء الناس الرعاع .. وهؤلاء هم الأغلبية ، ويحذر الملك من الثورة عليه .. فيفزع الملك .. لكن الوزير يقول : مولاي ما قيمة العقل في مملكة المجانين .. عندئذ يطلب الملك كأساً من ماء النهر ، ويسدل الستار على أضواء تكاد تكون معتمة يظهر فيها الملك ووزيره يشربان من نهر الجنون …..
فعلا هذه القصة الخيالية يمكن مقاربتها بقول الوزير : ما قيمة العقل في مملكة المجانين …. وما قيمة المنظومات الفكرية والمعرفية والسياسية ، عندما تسقط أو تتبدل المعايير القيمية ، وتصبح الرزيلة فضيلة ، والفساد معياراً ، والسياسة فهلوية ، والرشوة والسرقة شطارة ، ويصبح العدو صديقاً ، والمبادئ خيالاً ، والنضال جنوناً ، والوطن مستحاثة ، والمصالح قيماً سائدة ولو كانت فوق إنسانية البشر ..
وتدخل في مقاربات القصة ، جنون العالم ، وافتقاده للمعايير ، إلا بما يخدم مصالح دول تدوس بقدميها على الشعوب وتعمل فيها قهراً وموتاً لإفقارها ونهب خيراتها ، وإشعال الحروب العبثية لإخضاع شعوب الأرض لها أو ابتزازها والسيطرة عليها .. ولا يهم تلك الدول العظمى ما يردده البشر ، وماردده الملك في المسرحية : أهكذا يهدرون الحق ، ويجيبه الوزير : الحق والعدل والفضيلة ملك هؤلاء .. نعم ملك من استطاع أن يشوه العقول ، ويذبح المبادئ والقيم قرباناً لرضاء الحاكمين والمتحكمين بمصائر البشر ومصائر الدول ..
هؤلاء يفرضون أن نشرب من كأس الطاعة والولاء .. ويفرضون علينا تغيير عقولنا ونمط تفكيرنا ، ويعملون على تشويه تاريخنا في ماضيه وحاضره ومستقبله ، فلا مستقبل لنا إلا بعد أن نشرب سمومهم ، وحاضرنا ومستقبلنا في الرضوخ لاوامرهم ومشيئتهم ، وإلا فإننا مجانين أو بلغة العصر متطرفين أرهابيين .. فهل لازالت لدينا الفرصة والإرادة في أن نبحث معاً عن نهر جنون ٱخر نتلمس من ماءه الخلاص من ذلنا وقهرنا وتبعيتنا ، ويأخذنا إلى فضاء الحرية والعدالة بما يحفظ إنسانيتنا وكرامتنا وحضورنا ودورنا في مجتمعاتنا ، وننهض بقوة بلادنا … ذلك هو السؤال فهل من مجيب ؟؟!!
مسرحية ” نهر الجنون ” للأديب “توفيق الحكيم” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “محمد علي صايغ” ملخص المسرحية “ما قيمة العقل في مملكة المجانين” حيث حذر الملك الرعية من شرب ماء النهر حتى لايصيبوا بالجنون ولكن الشعب يشرب من النهر لأنه المصدر الوحيد للمياه ، عندها يجد الملك بأن الجميع أصبحوا مجانين، لذلك يشرب ليتساوى معهم.