كيف يبتلع المؤيدون تبريرات النظام؟

فاطمة ياسين

لطالما كانت لهجة النظام حادة تجاه كل ما يتعلق بإسرائيل، فقد كان الإعلام الرسمي وغير الرسمي في سوريا، على مدار ساعات النهار، وفي كل وسيلة متاحة، يروج لموقف النظام الحاد ضد إسرائيل.

أصبحت قوالب مفرداته حاضرة وعميقة في الشارع السوري، حتى صوّر النظام بأنه العدو الأول لإسرائيل، وهو يتبنى أشد المواقف منها. ولكنه منذ السابع من تشرين الأول الماضي، التزم الصمت حيال استباحتها للأراضي السورية بمناسبة ومن دون مناسبة، واتخذ وضع الركود الهادئ، حتى أصاب مؤيديه بحيرة وضياع، وهم ينتظرون شيئًا من روح الخطاب القديم الذي كان يتبناه. وحين لم يُسمع منه شيئًا، هرشت جماهير النظام رؤوسها أمام هذه المعضلة، وتعللت بأولوية ترتيب البيت الداخلي، والتصدي لتغلغل التيارات الإسلامية، رغم أن الرابط بين موقف النظام الجديد من إسرائيل وتمدد التيارات الإسلامية غير واضح، ولا يمكن تبني ربط حقيقي وواقعي بين الاثنين. ولكنه موقف ضروري لذلك الجمهور الذي يريد أن يستمر في دعم النظام.

رغم المشهدية التي تلعب إسرائيل فيها الدور الحاسم والرئيسي، فما زال هناك من جمهور النظام من يبتلع الشعارات والمبررات أيا كانت. فعبارات من قبيل “المؤامرة الغربية” ومشتقاتها، أصبحت تغيب مدة وتظهر أحيانًا في خطابات زعماء “المقاومة“.

نفذت إسرائيل قبل أيام عملية جديدة في منطقة مصياف في ريف حماة هذه المرة. وتقول المصادر إن الإسرائيليين قد نفذوا عمليات إنزال ودمروا منشأة صواريخ تابعة لحزب الله، وتؤكد مصادر أخرى وجود عملية خطف لعناصر تابعين لحزب الله. وقد تكون المصادر محقة، حيث اعتادت إسرائيل على أسلوب القصف البعيد بالصواريخ أو المسيرات، أو الهجمات بالطائرات التي لا تستلزم وجودًا عسكريًا على الأرض، ولكن الخطف يستوجب عمليات إنزال بقوات كوماندوس مدربة لتنفيذه. تنفي إيران وجود قتلى لها في هذا الحادث، وسط غموض كبير في إعلام النظام وعموم جماعة المحور حول تفاصيل هذه العملية.

وكانت إسرائيل قد ابتعدت في العقدين الأخيرين عن المواجهة المباشرة، واعتمدت القصف من بعيد في معاركها، فحرب تموز 2006 بدأت وانتهت دون توغل بري، وقد كانت حربًا فعالة كسبت فيها إسرائيل قرارًا أمميًا، وتبدو اليوم هي من تغير أساليبها، وتخرق ما يسمى بـ “قواعد الاشتباك” التي تلتزم بها مجموعات “الممانعة” بقوة ولا تكاد تحيد عنها.

رغم المشهدية التي تلعب إسرائيل فيها الدور الحاسم والرئيسي، فما زال هناك من جمهور النظام من يبتلع الشعارات والمبررات أيا كانت. فعبارات من قبيل “المؤامرة الغربية” ومشتقاتها، أصبحت تغيب مدة وتظهر أحيانًا في خطابات زعماء “المقاومة”.

وفي هذا تكتيك يبتلعه الجمهور “المقاوم”. لكن التنافر في خطابات الأسد تعدى ذلك، فمرة يتحدث عن العقوبات الغربية وتأثيرها المدمر على الشعب، وفي غير مرة يحكي عن عدم وجود أي تأثير لتلك العقوبات ويرجع سبب الانحدار الاقتصادي لإفلاس البنوك في لبنان وضياع مال السوريين الأثرياء هناك.

ومرة يقول أمام قيادات من حزب البعث إن التدهور الاقتصادي والمشكلات الإدارية تسببا في انتفاضة 2011، بعد كلام كثير قاله قبلها عن دور المؤامرات الخارجية في ما حدث.

بعد وفاة الأب، جهدت النواة الداخلية لتنصيب بشار على نحو أقرب للنظام الملكي. والشرعية يستمدها الرئيس من النواة آنفة الذكر من عسكر وبيروقراطيين علويين وغير علويين، في امتداد لشرعية والده، رغم أنها تبقى منقوصة كونها موروثة.

في الواقع، استخدمت القضايا الكبرى من قبل إعلام النظام وأبواقه لإلهاء الناس عن مشاكلهم الاقتصادية والحرياتية في البلاد. فالبعث كان آلية النظام لتحقيق العروبة، أي السعي لتوحيد الأقطار العربية، من دون خطوات فعلية في هذا الاتجاه. والعلمانية استخدمت بغرض التلويح للغربيين بها، بديلاً عن التطرف الإسلامي، وتهديدًا مبطنًا لهم في حال فكروا بالدفع لتغيير النظام في سوريا، بالإضافة للاستفادة من شعارات العلمانية في إحدى المراحل، لكسب ود الأقليات في الداخل.

منذ وفاة شقيقه باسل، تم الاشتغال على تعديل ميول الناس للوصول ببعضهم إلى مرحلة تقديس بشار، على مدى سنوات. وتجندت أجهزة الدولة بالجملة، وكذلك الجهات الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية لهذا الغرض، فنتجت مجموعات مؤمنة بخيارات القائد وواثقة بدقة تصريحاته، وإن حمل ما يقوله الكثير من ادعاءات متناقضة. وهذا نتيجة عقود من الخطاب الموجه من قبل مجموعة صغيرة تملك السلطات والموارد التي استخدمتها في تكريس استراتيجية الهيمنة. وقد تم في هذا السياق تسهيل عملية انتقال السلطة إلى الوريث بشار، لضمان عدم انحلال النظام في سوريا. فبعد وفاة الأب، جهدت النواة الداخلية لتنصيب بشار على نحو أقرب للنظام الملكي. والشرعية يستمدها الرئيس من النواة آنفة الذكر من عسكر وبيروقراطيين علويين وغير علويين، في امتداد لشرعية والده، رغم أنها تبقى منقوصة كونها موروثة. وهذا النقص دفع الوريث لشرعنة وجوده في ظل ظروف إقليمية جديدة بعد محاولات لعصرنة استبداده، لكنه فشل في ذلك فثارت ضده الجموع في الشوارع. لم يهتم كثيرًا كونه نال دعمًا خارجيًا، وحافظ على مجموعات مؤيدة في الداخل مرتبطة معه بشبكة مصالح، قريبة أو بعيدة، مالية أو مذهبية، أخذت على عاتقها تبرير كل ما يقوله ويقوم به.

 المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى