أقرت جامعة كارابوك التركية رسالة الماجستير التي أعدها الباحث السوري يوسف التليل المعنونة: العلوية السياسية في نظام الحكم السوري – الجذور الفكرية والتطبيقات العملية.
ولقيت القبول بإجماع لجنة التحكيم. وحصل بموجبها الباحث يوسف التليل على شهادة الماجستير…
بداية لا بد من التنويه أن هذه الدراسة تكاد تكون الاولى التي تتناول السلطة السورية المهيمنة على سورية منذ انقلاب آذار عام ١٩٦٣م. وتوثق علنا هويته الحقيقية “العلوية السياسية” منذ سيطرة الأسد الأب على الحكم عام ١٩٧٠م. مع استخدام هذا التوصيف الدقيق لحال السلطة السورية منذ ذلك التاريخ الى الآن…
إننا في هذه القراءة سنمر على رسالة الماجستير بعجالة. لأن أهميتها تتطلب قراءتها كاملة. واي محاولة تلخيصها لا يعطيها حقها في تناولها موضوعها بمهنية علمية عالية. واستفادتها مراجع كثيرة و لعودتها في بحث السلطة السورية منذ الاستعمار الفرنسي للآن. مع التركيز على مرحلة الاسد الاب والابن وتوكيد عصر “العلوية السياسية”…
يعود الباحث إلى أصل الطائفة العلوية السورية واماكن استقرارها منذ القدم. وانتسابها القبائلي والصراع بين قبائلها والعيش في جبال الساحل السوري. وإن اولى محاولات صناعة هوية سياسية لهم جاءت على يد الاستعمار الفرنسي لسورية من ١٩٢٠- الى ١٩٤٦م. حيث حاول الفرنسيون خلق دولة علوية في الساحل السوري. ولم تنجح وبقي العلويين بين مؤيد ومعارض. ثم حاولوا صناعة قوة عسكرية من المكونات الاقلوية في سورية وكان للعلويين حضور في هذه البنية العسكرية. لكن ذلك انتهى بخروج المستعمر الفرنسي.
كان لإدخال ابناء المكونات السورية بتنوعها الى الجيش السوري بعد الاستقلال وبدفع من التحزبات السياسية خاصة البعث والقوميين السوريين والعربي الاشتراكي. مما دفع الكثير من الشبان العلويين للالتحاق بالجيش السوري تطوعا. وكان لتداخل البنية الفكرية البعثية مع مكون بعضهم الأقليات. علوي واسماعيلي ودرزي. جعل لهم حضور وتكتل ضمن البنية الحزبية البعثية. وعندما حصلت الوحدة المصرية السورية. ١٩٥٨م التي كان شرطها حل الأحزاب ومنها البعث. وتم نقل الضباط البعثيين الى مصر. وهناك جمعوا انفسهم البعثيين ومن الأقليات علويين واسماعليين وتوسعت بالدروز لاحقا. وشكلت اللجنة العسكرية. التي كان لها دور في إسقاط الانفصال عام ١٩٦٣م مع الضباط الناصريين. وسرعان ما ابعد البعثيين الضباط الناصريين خارج الجيش والسلطة. وبدأ الهيمنة العلوية في الجيش تترسخ بعد ذلك بتحالف صلاح جديد وحافظ الأسد. العلويين. الأول بحزب البعث والثاني في الجيش. ثم اقصى حافظ الأسد صلاح جديد من السلطة عام ١٩٧٠م. وأصبح الحاكم المطلق لسورية منذ ذلك الوقت.
على يد صلاح جديد وحافظ الأسد بدأت علونة الجيش والأمن والسلطة في سورية. وفي عهد حافظ الاسد اصبحت علونة مرتبطة به شخصيا. بدء من شبكته العائلية والقبلية والمناصرين له. وبدأت تصبح السمة العامة لضباط الجيش المهيمنين والفاعلين وفي الأمن أنهم علويون ومن دائرة الأسد. وحتى كنسبة عددية بين الضباط في سورية تكون نسبتهم المطلقة. وحتى جرى تسريح الضباط من الأقليات الاسماعيلية والدرزية على فترات قبل هيمنة حافظ الأسد عام ١٩٧٠م بحيث أصبح وجود أي مكون غير علوي مدروس من الأسد وأمنه ليكون جزء من تلوين لا يؤثر على حقيقة السلطة العلوية بشكل كامل.
لقد أصبحت سورية محكومة بالهوية السياسية التي لم تكن تهتم بخلفيات دينية مذهبية خاصة لها. لذلك سمّاها الكاتب علوية سياسية. بمعنى الولاء المطلق للأسد ونظامه. الضامن بذلك لمصالح هذه الطبقة العسكرية والامنية في سورية. وتوسعت العلوية لتصبح علونة عسكرية في قطعات عسكرية كاملة نموذجها سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد الاخ الاصغر لحافظ الأسد. وحتى عندما حصل الصدام بين حافظ ورفعت وابعد الأخير من السلطة ومن سورية. تحولت بقايا القوات التي كانت بإمرته لتكون بإمرة ضباط علويين تحت سيطرة الأسد بكونهم علويين موالين له الكامل. تارة فرقة رابعة وأخرى حرس جمهوري. واستمروا للآن يمثلون عصب القوة الحامية للنظام عسكريا. اضافة للاجهزة الأمنية المتعددة الممتدة على مساحة سورية كاملة.
يوضح الكاتب أن أهم ما قام به حافظ الأسد لتثبيت سلطته هو وجود الضباط الموالين له بالمطلق في قيادة كل قطعات الجيش السوري. كما أنشأ الكثير من أجهزة الأمن والمخابرات التي تغلغلت في الجيش والدولة والمجتمع. وصنعت شبكة من المخبرين والعملاء بحيث ارشفت كل السوريين دون مبالغة وجعلت لهم ملفات تتابعها وتستخدم معلوماتها عند الحاجة.
ان الهيمنة الأمنية والعسكرية التي كانت قياداتها على اتصال مباشر مع حافظ الأسد وابنه من بعده جعلت الأسد حاضر في كل جزئيات السياسة والظروف المجتمعية لكل السوريين كل الوقت. وقامت بعملية تعقيم سياسي للسوريين جميعا. قضت على المعارضين و أنهكتهم بالسجون والمعتقلات والقتل أحيانا. وجعلت هم السوريين لقمة عيشهم والانحناء أمام جبروت النظام الظالم الذي لا يرحم.
فوق ذلك لم يكتفي حافظ الأسد وابنه بعده في زرع العلويين في الجيش والأمن فقط بل جعلهم في عمق الدولة السورية على كل المستويات. في الوظائف والتعليم ودوائر الحكومة. الأولوية لهم في كل شيء. وبذلك جعلهم يتمددون في كل سورية. سواء بالمجمعات السكنية التي تبنيها الدولة بمؤسساتها أو عبر العشوائيات بحيث أصبحوا متواجدين في كل المدن السورية بعدما كانوا في رؤوس الجبال قبل عقود. و أصبحوا متواجدين مع عائلاتهم: العسكر والضباط والموظفين ولهم الأولوية بالانتفاع من مكتسبات الدولة بالمطلق.
لقد شكلوا شبكة مصالح ترعاها مؤسسات الدولة نفسها. ضمنا وليس علنا. لذلك كانت علوية سياسية مغطاة بالبعث والاشتراكية والمؤسسات الحزبية والدولة نفسها. مجلس شعب ومجالس محلية وتعليم ووظائف وقضاء وكل شيء. هم الفاعلون والأولوية لهم دون تصريح خوفا من تهمة الطائفية لكل من يومئ الى حقيقة واقع هيمنة العلوية السياسية في سورية…
لقد شكل النظام شبكة أمان وحماية لمنسوبي النظام العلوي من جيش وأمن عبر دساتير وقوانين تحميهم من أي محاسبة او متابعة أي فعل ضد الناس…
لقد انتشر العلويين في كل سورية مستثمرين كونهم أصحاب السلطة الفعلية بحيث صنعوا لهم مجمعات سكنية مستقلة للضباط وصف الضباط والجنود. وكذلك كانوا العدد الأكبر للتوسعات في أحياء العشوائيات على أطراف المدن الرئيسية. وكذلك تغلغلوا في المدن التي كان تواجدهم فيها شبه معدوم كمدن الساحل اللاذقية وطرطوس وحمص وريف دمشق وكل سورية بحيث اصبحوا في بعضها هم الاغلبية. مع احتفاظهم لولائهم للنظام واغلبهم يتواجد في اجهزة الدولة الجيش والأمن والوظائف الحكومية بتنوعها. بحيث أصبحت الدولة السورية أكبر مورّد لأسباب الحياة لهؤلاء. في ذات الوقت الذي يعيش الشعب ضحية الفساد والقمع والتمييز ونقص فرص التوظيف وبناء الحياة الكريمة.
وعندما استلم الأسد الابن السلطة انتقلت العلوية السياسية للاستفادة من التراكم المالي لطبقة المستفيدين من الضباط و أقرباء الرئيس وعصبته. ليكونوا نواة تشكيل طبقة رأسمالية جديدة تعيد استثمار موارد الدولة كاملة. استثمرت سابقا بالتهريب وسرقة موارد الدولة الأخرى. والان استثمرت بالاتصالات نموذجها رامي مخلوف والبنوك وبناء البنية الصناعية التجارية الخاصة التي فتحها النظام لطبقته العسكرية الأمنية العائلية. وأصبحت موارد سورية اغلبها تعود لجيوب هذه الطبقة والمنتفعين من السلطة على كل المستويات.
وعندما حدثت الثورة السورية عام ٢٠١١م. اعاد النظام الاستفادة من العلوية السياسية ليجيش أغلب العلويين السوريين وخاصة المتواجدين في الجيش والأمن ضد الشعب السوري. وبعد ذلك توسع عبر الشبيحة و الحاقهم بالقوى المقاتلة ضد الشعب السوري. وهكذا ظهر الانقسام واضحا وعميقا. شعب يثور مطالبا بحقوقه وعصبة النظام العلوية السياسية تقاتل الشعب مع النظام بكل الوسائل. قامت بمجازر وقتلت وشردت الشعب في كثير من مناطق التواجد المشترك ما قبل الثورة السورية. مدينة حمص نموذج ذلك…
كان العنف الوحشي عنوان فعل النظام وعصبته العلوية السياسية على امتداد سورية. بحيث راح ضحية هذا العنف حوالي المليون إنسان ومثلهم مصابين ومعاقين. وحوالي الثلاثة عشر مليون مشرد داخل وخارج سورية. هذا غير تدمير اغلب سورية وبنيتها التحتية وانعدام اغلب الخدمات فيها…
لقد استعانت العلوية السياسية بايران وحزب الله والميليشيات الطائفية الشيعية. ضمن تحالف ضمني علوي شيعي. مع إدراك أن النظام السوري العلوي كان قد سمح لإيران أن تنشط في اوساط السوريين جميعا ومنهم العلويون لتصنع شيعية فارسية. و تغير البنية العقائدية للناس. رافق ذلك تمدد بشري من شيعة إيران والعراق وأفغانستان ليصنعوا تغييرا ديمغرافيا بدأت تظهر معالمه بقوة في سورية في هذه الأيام…
كل ما ذكرته يمثل غيض من فيض ما ذكرته الدراسة عن العلوية السياسية و حضورها وفاعليتها وتحكمها في المسار السياسي المجتمعي السوري. والتي لم تراعي حقوق الشعب السوري. وقبلت ان تقع سوريا ضحية احتلال امريكي يرعى الانفصاليين الأكراد جماعة حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د . وقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الكردية. والايرانيين وحزب الله وروسيا المهيمنة في السماء وعلى الأرض والمسيطرة مع إيران على القرار السياسي للنظام السوري…
لا كهرباء لا مواد غذائية. لا معاشات تسد الرمق. لا حرية ولا كرامة ولا عدالة في سورية التي حكمتها العلوية السياسية لعقود. هذا واقعنا نحن السوريين الان مع الاسف.
رسالة الماجستير “العلوية السياسية في نظام الحكم السوري – الجذور الفكرية والتطبيقات العملية” للباحث السوري “يوسف التليل” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الدراسة تتناول نظام دمشق منذ انقلاب آذار عام ١٩٦٣م. مع توثيق هويته الحقيقية “العلوية السياسية” والتي كرست منذ سيطرة الأسد الأب ٩٧٠م. منذ ذلك التاريخ الى الآن.