قراءة في رواية: الفلك المشحون

أحمد العربي

صدرت رواية الفلك المشحون ل د.هيثم شبلخ عن مكتبة الأسرة العربية في اسطنبول. وهي أول عمل أدبي أقرأه له…

السرد في الرواية على لسان الراوي وتبدأ من لحظة تجمع الكثير من السوريين وغير السوريين ممن يودون الانتقال من شواطئ ليبيا إلى إيطاليا. بعدما صعبت عليهم ظروف العيش في ليبيا. وهم بالأساس كانوا قد هربوا بأرواحهم. وبعض ما سلم من متاعهم ومالهم تاركين وراءهم اهلهم وذكرى حياتهم في سورية قبل سنوات. ومنهم من ترك بعض عائلته ضحايا النظام السوري المجرم، قتلى ومعتقلين ومصابين ومفقودين. هربوا بمن تبقى لهم من عائلاتهم إلى البلاد العربية التي لم تفتح أبوابها بالشكل المطلوب وتركتهم امام خيار التوجه الى أوروبا ، لعل ظروف الحياة هناك تكون افضل…

كانوا كثيرين أعدادهم بالمئات تواصلوا مع مهربين يتاجرون بأرواح البشر لنقلهم الى الضفة الاخرى إيطاليا. كان أغلبهم من الاطباء واصحاب الشهادات العلمية العالية. وبعض أصحاب المهن الحرة.

منهم د.أسامة الطبيب الذي كان قد تخرج طبيبا من جامعة دمشق منذ أكثر من عقد من الزمان وبعد ذلك انتقل إلى فرنسا واختص هناك وعاد بعد ذلك إلى الكويت وعمل هناك فترة وانتقل بعدها إلى دمشق حي الميدان وهناك بنى عيادة واستقر يعمل بها. وما أن بدأت الثورة السورية.  حتى حارب النظام الثوار وحاضنتهم الشعبية بكل أنواع العنف قصف تدمير قتل اعتقال وتغييب . مما جعله يغادر منزله وعيادته هاربا. كان لا يزال عازبا رغم تقدمه بالسن.

 يعود بذاكرته إلى حبه الأول لأميمة زميلته بالجامعة ولكن دون بوح . لقد تخاذل عن مصارحتها بحبه خاصة عندما وجد انها مخطوبة. وبقيت في ذاته ونفسه. وهذا ادى لتأخر اقدامه على الزواج. ولو أنه خطب فتاة ولم ينجح بالتوافق معها فانفصل عنها…

على شاطئ البحر المتوسط في ليبيا وهو ينتظر مع آخرين مجيء المركب الذي يقلهم تهريب الى ايطاليا. يلتقي بحبيبته السابقة الطبيبة أميمة. كان بصحبة زميل له طبيب ايضا وكان يعرف قصة اسامة. شجعه صديقه على التحدث مع اميمة ومعرفة أحوالها. وهكذا حصل. اميمة كانت قد تخرجت واختصت قسم نسائية وفتحت عيادتها في حمص. وتزوجت و تأخرت بالانجاب مما جعلها ضحية همز ولمز من زوجها واهله. وفكر زوجها ان يتزوج باخرى. ورفضت وانتهت حياتهما الزوجية بالطلاق. وبعد الثورة وتدمير النظام لأحياء حمص الثائرة ودمر بيتها وعيادتها.كما  قتلت زوجة زوجها السابق وابنته الصغيرة تحت ردم منزله المقصوف من النظام. غادرت اميمة حمص ناجية بروحها. هاهي هنا على شاطئ ليبيا تريد الانتقال لأوروبا تبدأ حياة جديدة بعد نجاة من ظلم وبطش النظام.

على الشاطئ المئات من القصص المشابهة لقصة اسامة واميمة والكل يريد إنقاذ نفسه وعائلته من موت محقق في سورية. لكن ماذا عن رحلة الدخول تهريب الى ايطاليا والمهربين.؟. وما هي درجة الخطورة.؟.  لم يكن أمام الكل من حل إلا أن يجربوا ويتركوا مصيرهم بيد الله.

جاء المركب كان كبيرا وانتقلوا إليه عبر قوارب صغيرة. كان مركبا متهالكا. ووضع به ركاب أكثر من قدرته الاستيعابية كانوا حوالي الخمسمائة انسان صغارا وكبارا. صعدوا الى سطح المركب كان امامهم نهار كامل للوصول إلى جزيرة إيطالية. قضاها الكل بالتفاعل والتحدث ومحاربة الخوف المهيمن عليهم من حراس حدود الدول أو الغرق في البحر.

 تشجع أسامة و تحدث مع اميمة عرف ما حدث معها وما حدث معه. ورويدا رويدا وضح لها انه كان ومازال يحبها. وهي بالمقابل عاشت هذه المشاعر دون اعتراف مباشر.

أحوال المركب عادية تسير في بحر هادئ. وبعد ساعات من الانطلاق هاجمتها قوارب امطرتها بأسلحتها النارية. وحركت الموج بجوارها وبدأت تترنح. أصيب بعض الركاب بجروح من إطلاق النار. أعادت القوارب الكرة بإطلاق النار على المركب والركاب. ثم غادروا مبتعدين. المركب تضرر وبدأ يدخل اليه ماء البحر وبدأ الركاب يخافون من الغرق. زادت المشكلة بزيادة تدفق الماء الى داخل المركب وبدأ الركاب يطلبون النجدة من الجزر الايطالية المجاورة. لم تتجاوب بسرعة وزاد المركب ترنحا وميلانا. واصبح قريب من الغرق.

في هذه الظروف أصرّ اسامة ان يعقد قرانه من اميمة وان يحقق حلم حياته ويتزوجها. وحصل ذلك.

لم يتلقى المركب أي مساعدة. مما جعله يقلب ويغرق. ويتم انقاذ نصف ركابه والباقي غرقوا معه .

لقد نجا أسامة واميمة من الغرق وبدؤوا حياتهم كزوجين في بلد أوروبي . بعد سنوات سيكون اسامة واميمة كأسرة في طريق عودتهم الى دمشق ليزوروا بلادهم. يتذكرون ما عاشوه ويتمنون لأنفسهم وبلادهم سورية الخير…

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها اقول:

اننا امام رواية تسلط الضوء على حالة عاشها السوريون من تبعات عنف النظام ووحشيته بحق الشعب السوري وثورته بعد عام ٢٠١١م. مما جعلهم يختارون الهجرة واللجوء لإنقاذ حياتهم بعدما خسروا بعض اهلهم واملاكهم ووطنهم.

تسلط الرواية الضوء على عدم إعطاء السوريين الهاربين من بلادهم وظلم نظامها فرص العيش بكرامتهم في اغلب دول الجوار العربية. لذلك ركبوا الأخطار للوصول إلى أوروبا.

تنتصر الرواية للحب بصفته اكسير الوجود والحياة والجذوة المتبقية المعبرة بصدق عن إنسانية الإنسان.

لا تغوص الرواية في أسباب ثورة السوريين والمظالم التي عاشوها قبل الثورة وبعدها. وكأنها أصبحت من البديهيات.

تسلط الرواية الضوء على تجار البشر المهربين وشبكاتها وان ارواح البشر غير مهمة بالنسبة لهم. ويهمهم فقط ما يجنوه من مال مستغلين كوارث حياة السوريين الهاربين من الموت في بلادهم.

كما تسلط الضوء على تعامل بعض الدول الاوربية مع المهاجرين بحيث سببت بغرقهم. أو لم تتدخل لتنقذهم. وبذلك كانت معاملة سيئة استمرار لظلم النظام السوري لهم. رغم ادعائها كدول أنها مع حقوق الإنسان وأهمها الحفاظ على حياته.

اخيرا ان خاتمة الرواية تعطي الامل ان يسقط الاستبداد والظلم في سورية ويعود إليها أهلها آمنين. هكذا تأمل الرواية ونأمل نحن رغم ان المؤشرات تدل ان النظام مستمر بوحشيته. والشعب السوري في الداخل يعيش المرارة والقهر والعوز وفقدان ابسط اسباب الحياة. والشعب السوري في الخارج يؤسس لحياة مديدة قد لا يعود الى البلاد الا بعد عقود. هذا إن عاد هو او ابناؤه أو احفاده…مع الاسف…نفتقد بلادنا و نحلم بها ونأمل العودة…لكن لا أمل…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “الفلك المشحون” للروائي السوري “د.هيثم شبلخ” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث عن رحلة اللجوء الى أوروبا إنطلاقاً من الشواطئ الليبية بإتجاه إيطاليا، منهم الطبيب أسامة الذي كان قد تخرج طبيبا من جامعة دمشق منذ أكثر من عقد من الزمان وبعد ذلك انتقل إلى فرنسا واختص هناك وعاد بعد ذلك إلى الكويت ، ومبعدها لسورية ليعود الآن للهجرة الى أوروبا.

زر الذهاب إلى الأعلى