هكذا بنى سموتريتش إمبراطوريته في الضفة الغربية من “الطابق 15”

ناحوم برنياع

قبل بضعة أسابيع، التقيت أحد قادة المستوطنين في “يهودا والسامرة” رجل الليكود. سألته: أي علامة تقدير يعطيها لسموتريتش وبن غفير، وزيرين يعتبران مشروع الاستيطان بيتهما وقلعتهما؟ “خائب الأمل من بن غفير”، أجاب. “كل شيء عنده أقوال. أما سموتريتش فأنا راضٍ عنه”.

يمكن الجدال إذا كان محقاً إزاء بن غفير. المؤكد هو أن ثناءه لسموتريتش كان في مكانه. في عشرين شهراً لحكم الحكومة الحالية، أحدث سموتريتش ثورة في وضع اليهود والفلسطينيين في الضفة. العناوين الرئيسة في وسائل الإعلام مضللة: فهي لا تذكر الضفة إلا في سياق الإرهاب العربي واليهودي أو أعمال يومية للجيش الإسرائيلي. أما التغيير الحقيقي، التاريخي، فيجري في مكاتب مكيفة، من تحت الرادار، ويصبح واقعاً على الأرض. حسب القانون، الجيش هو صاحب السيادة. في الحياة الحقيقية، سيادة إسرائيل في الضفة سلمت لطائفة سياسية مغلقة، متطرفة، تخضع لإمرة رجل واحد وتتقدم وفقاً لخطة مسيحانية واحدة. رئيس الوزراء إما يؤيد أو لا يؤيد. ما أفلتته الطائفة في هذه الأثناء، تحققه الثورة النظامية داخل الخط الأخضر، بمعارضة هزيلة من الجيش، على مسافة خمس دقائق من “كفار سابا”.

ثمة رؤيا. كما أن الشر يوجد لذاته، تماما مثل ثورة روتمان ولفين.

سيطر سموتريتش على الضفة بحركة كماشة: إحدى ذراعيه صلاحياته بصفته وزير المالية، والذراع الأخرى صلاحياته التي تلقاها بصفته وزيراً في وزارة الدفاع. الهدف الذي حدده في “خطة الحسم” خاصته في 2017 لم يتغير: تقويض السلطة الفلسطينية، ومنع إقامة دولة فلسطينية، ووضع سبعة ملايين من العرب الذين يعيشون بين النهر والبحر أمام خيار – إما الموت في المعركة أو الهجرة إلى الخارج، أو أن يكونوا في الدرجة الثانية إلى أبد الآبدين.

المهمة الفورية هي تفكيك السلطة، وسلب السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل، وخلق واقع على الأرض يمنع أي إمكانية لتقسيم جغرافي بالاتفاق. بضفته وزيراً للمالية، هو يجمد ويعرقل أو يمنع تحويل أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل عن السلطة. هذه ليست أموالنا – نحن جباة فقط، مقابل عمولة معتبرة. هذه تسمح للسلطة بدفع رواتب لنحو 140 ألفاً من موظفيها، بمن فيهم رجال أجهزة الأمن الذين يقاتلون الإرهاب. بسبب ضائقة السلطة المالية، تدفع لهم 50 في المئة فقط من رواتبهم.

القانونيون في طائفة سموتريتش وجدوا طريقاً ذكياً آخر لإضعاف السلطة الفلسطينية؛ فالمادة “ب” من قانون تعويض ضحايا الإرهاب التي أقرت بدفع من لفين وروتمان في الكنيست في حزيران من هذه السنة، تقول ما يلي: “إذا أصيب إنسان بعمل إرهابي وتقرر له عجز دائم، سيستحق تعويضاً نموذجياً من مثيب الإرهاب بمبلغ خمسة ملايين شيكل”. “مثيب الإرهاب” اصطلاح مغسول يشير إلى جهة واحدة فقط – السلطة الفلسطينية، التي تساعد الإرهابيين من أبناء شعبها مالياً. إسرائيل تخصم اليوم المساعدات للإرهابيين وعائلاتهم من أموال ضرائب السلطة. لنفترض أن هذا على ما يرام. أما القانون الجديد فيسمح بجباية المال مرتين.

وثمة مصدر آخر ومركزي لمعيشة السكان والسلطة، وهو العمل في إسرائيل، وقد سد طريقه بعد أحداث 7 أكتوبر. “الشاباك” الذي تخوف من نمو الإرهاب جراء الأزمة الاقتصادية، أعد خطة لدخول منضبط لبعض من العمال إلى أماكن عمل ثابتة. الجيش أيد ذلك. ولكنها خطة شطبت بتاتاً بضغط سموتريتش ورفاقه. ولم يتبقَ للسكان غير الاعتماد على المساعدات من الخارج، بما في ذلك أموال الإرهاب التي تهربها إيران لحماس و”الجهاد”.

الذراع الأخرى تستخدم من سلطته في وزارة الدفاع. في الطابق الـ 15 من الوزارة، فوق مكتب وزير الدفاع، أقام سموتريتش إمبراطوريته. ورجل التنفيذ التابع له هو هيلل روت، كان من سكان “يتسهار”، أما اليوم فيسكن “رفافا”، بتعيين شخصي وسياسي من سموتريتش. لقبه مضلل “نائب رئيس الإدارة المدنية للشؤون المدنية”. بهذا أصبح حاكم الضفة من كل ناحية عملية. كان الفرس قد أطلقوا على صاحب هذا المنصب “الشاه”؛ والأتراك “سنجك بيه”؛ والبريطانيون “جفرنر”؛ والألمان “جولايتر”؛ الصيغة الإسرائيلية أطول؛ لغرض التغطية. البروفيسور دان تيرنر هو من سكان “كفار أدوميم”، مستوطنة قديمة ومتنوعة من ناحية سياسية إلى جانب طريق القدس – أريحا. يكافح منذ سنين مع سكان آخرين من أجل جيرانه، بينهم أهالي عشيرة الجهالين، سكان الخان الأحمر. أخذني إلى زيارتهم في الماضي.

قبل عشرة أيام، كتب لي رسالة إلكترونية طويلة وسمح لي بنشرها، “في سياق البؤرة الاستيطانية الجديدة التي أقيمت قبل بضعة أيام على مسافة 300 متر عن الخان الأحمر لدحر الجماعة الأهلية الفقيرة وإغلاق أراضي الرعي لخنقها اقتصادياً، كان يجدر بنا التوقف للحظة والنظر إلى السياقات الواسعة التي وقعت السنة الماضية في الضفة.

 “الحكومة أعطت سموتريتش صلاحيات عليا تسمح له بأن ينفذ الثورة التي أرادها في الضفة بسرعة كبيرة: الضم بالأمر الواقع، وطرد الفلسطينيين من المنطقة “ج”. في صالحه، يقال انه يقول هذا علناً.

 “ماذا يعني هذا؟ كل صلاحيات رئيس الإدارة المدنية نقلت إلى هيلل روت، وهو نفسه يتبع عملياً مديرية الاستيطان، وهو جسم سياسي في وزارة سموتريتش في وزارة الدفاع. رئيس الإدارة المدنية غير موجود في كل ما يتعلق بالخدمات المدنية – البناء، الإنفاذ، المياه، الآثار وما شابه. منسق الأعمال في “المناطق” [الضفة الغربية] يعرف عن بعض من الأفعال بأثر رجعي فقط.

 “تعيينات رؤساء هيئات الإدارة الذين يفترض بهم أن يكونوا مهنيين يحتل منفذو قول الحزب مناصبهم بالتدريج. وهكذا، عين مؤخراً في منصب مدير لمكتب التخطيط في الإدارة المدنية، وهي الصلاحيات الأعلى في موضوع التخطيط في الضفة، أحد سكان “رفافا” الذي كان مهندس المجلس الإقليمي في “السامرة”.

 “المستشار القانوني للضفة التابع للنيابة العسكرية العامة، أعفي من منصبه وأغلقت دائرته. وانتقلت الاستشارة القانونية إلى أياد مدنية. جند أكثر من 20 قانونياً بتعيين من سموتريتش. مهمتهم إخراج سياسة الضم بالأمر الواقع وتهويد المناطق إلى حيز التنفيذ. يتم بسرعة تغيير الأنظمة للسماح لليهود فقط بالتنمية.

 “لا يوجد حماة حمى؛ لا يوجد مستوى مهني؛ لا يوجد جيش إسرائيلي. كل شيء يدار عبر جهات مدنية وسياسية”.

 “تمدين الخدمات كان إحدى وسائل سموتريتش ورجاله للتحرر من سيطرة الجيش، والسعي إلى الضم العملي. لا توجد لي شخصياً مشكلة مع الضم ما دام الجميع يتمتعون بحقوق متساوية وفرص متساوية. لكنه ليس هو الوضع.

 “في السنة والنصف الأخيرتين، يوجد صفر تخطيط لـ 300 ألف فلسطيني يسكنون في المنطقة “ج”، وصفر تصاريح بناء. بالتوازي، تجرى أعمال هدم كأمر اعتيادي، بما في ذلك آبار المياه والمدارس. الإنفاذ متسارع وانتقائي.

 “الميل معاكس في الاستيطان اليهودي – أربعة أضعاف إعلانات عن أراضي دولة، وأربعة أضعاف أذون بناء. إضافة إلى ذلك، تقام عشرات البؤر الاستيطانية بلا تراخيص. يوجد أكثر من 100 مزرعة وبؤرة استيطانية في قلب أراضي رعي فلسطينية. البناء غير القانوني لدى اليهود لا يحظى بالإنفاذ، بتشجيع من الوزير المسؤول. في الإدارة المدنية حالياً حظر كامل وجارف على إنفاذ القانون على مخالفي البناء. يهدمون في حالات نادرة، بسبب اعتبار أمني عاجل.

 “شرطة شاي تدار بروح بن غفير؛ فهي تمتنع عن وقف العنف والإرهاب اليهودي. من يعتقل يحرر فوراً. كما أنه لا يتردد عن أي تدخل موضعي وعن توجيه تعليمات لضباط الشرطة.

 “هذا ضم بالأمر الواقع، وتمدين الخدمات تحت سيطرة حزب مع حقوق مدنية لليهود فقط. أتساءل إذا كانت هذه هي اليهودية، إذا كانت هذه هي الصهيونية. المؤكد أن هذا الأمر لن يجدِي في المداولات الدائرة ضدنا في لاهاي”.

أمور مشابهة أو متماثلة سمعتها الأسبوع الماضي من مصادر في جهاز الأمن. الخوف هناك هو من تأثير مسيرة الكهانية للضفة على صعود الإرهاب. التخوف الإضافي هو من قرار متشدد من المحاكم في لاهاي. ليس مؤكداً أن مسألة أي لجنة ستحقق في إخفاقات 7 أكتوبر ستوجه راحة القضاة هناك، لكن ما يبدو كأبرتهايد وسلب وضم في الضفة، يعنيهم جداً. هذا يبدو كسبب مريح لفرض أوامر اعتقال على وزراء في الحكومة الحالية. وربما على رئيس الوزراء أيضاً. الإدارة الأمريكية قلقة من التغييرات في الضفة بقدر لا يقل عما هي قلقة من الجمود في غزة. ما يحصل في الضفة لا يبقى في الضفة.

https://www.alquds.co.uk/%d9%87%d9%83%d8%b0%d8%a7-%d8%a8%d9%86%d9%89-%d8%b3%d9%85%d9%88%d8%aa%d8%b1%d9%8a%d8%aa%d8%b4-%d8%a5%d9%85%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%aa%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d9%81/#:~:text=%D9%87%D9%83%D8%B0%D8%A7%20%D8%A8%D9%86%D9%89%20%D8%B3%D9%85%D9%88%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D8%B4,9/9/2024

المصدر: يديعوت أحرونوت /القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى