عن مكتبة الأسرة العربية صدر كتاب “الديمقراطية – نظرة واقعية و رؤية شرعية” للكاتب د.عطية عدلان.
يبدأ الكاتب الدخول في موضوع الكتاب بذكر تعريف الديمقراطية بأنها حكم الشعب نفسه بنفسه. وأنها وليدة القرون الاخيرة وارتبطت بالتطور العلمي والسياسي والصناعي في الغرب الأوروبي.
لقد ظهر الفكر الليبرالي الذي يركز على الحرية الفردية ويستبعد الدور الديني المسيحي في الدولة والحياة عبر العلمانية. ويرى تحقيق تحقيق المسار السياسي الصحيح عبر الديمقراطية. من خلال الانتخابات الحرة. والمجالس النيابية التشريعية وتداول السلطة واستقلالية القضاء وفصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضاء. وان ذلك هو الطريق الأفضل لممارسة السياسة في الغرب وتحقيق مصالح الشعوب والحياة الأفضل.
لقد اقترن مع نشوء الليبرالية والعلمانية والديمقراطية، كمفاهيم وممارسات سياسية في أوروبا وجود الطور الرأسمالي حيث تطورت الصناعة ودخلت التكنولوجيا وأصبحت دولا رأسمالية كانت الديمقراطية أداة حكمها. داخل اوروبا . ولكن تحولت في علاقتها مع العالم الخارجي إلى دول استعمارية تحتل الدول وتستعبد الشعوب و تنهب ثرواتها وتصرّف إنتاجها فيها و تستغلها. استمر ذلك منذ القرن التاسع عشر والعشرين وحتى الآن وإن كان بأشكال مختلفة.
يقارن الكاتب بين الديمقراطية بكونها نظام سياسي من صنع البشر مع تحييد الدين عن السياسة واعتماد العلمانية ورفض الدولة الدينية “الثيوقراطية” المسيحية. كنموذج عن ذلك. ويرى الكاتب أن الديمقراطية وإن كانت تحقق بعض الخير للشعوب التي تأخذ بها. لكنها في بلاد المسلمين تكون متناقضة مع “الشرع الاسلامي”. بمرجعيه الاهم القرآن والسنة، وتاريخ الدولة الاسلامية الذي يراه الكاتب نموذجا رائعا في التاريخ. دون توسع في ذلك وكأنه بديهية لا تحتاج لإثبات. حيث يرى الشرع هو من كان يحكم في الماضي وهو الذي يجب أن يحكم الآن .
يتوسع الكاتب في ذكر المفكرين المؤيدين للاستفادة من الديمقراطية. كأسلوب في الحكم لا يلزم بموقف مسبق معادي للإسلام. كما رأى جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي قبل أكثر من قرن. وكما رأى راشد الغنوشي وحسن الترابي ويوسف القرضاوي وتيار الإخوان المسلمين ..الخ. وان ذلك مكملا لمبدأ الشورى الاسلامي.
كما ذكر مفكرين إسلاميين آخرين يرفضون الديمقراطية ويعتبرونها دخيلة على المجتمعات الإسلامية. وأن الشرع الإسلامي لا يحتاج الى ما يسانده في إدارة حياة المسلمين ومجتمعاتهم. وان مشكلة الديمقراطية بمرجعيتها وهو الشعب بينما مرجعية الإسلام هو الشرع أي الله تعالى. وان الديمقراطية قد تصل الى مرحلة تحلّل حراما أو تحرّم حلالا وهذا مرفوض.
لقد توسع الكاتب في ذكر أدلة كل طرف وبتفصيل كبير وتركيز شديد. ورجّح اخيرا ان الاسلام مكتفي بنفسه وبالشرع الذي قرره الله تعالى ولا يحتاج للديمقراطية التي ترتبط بالضرورة بالعلمانية التي تفصل الدين عن السياسة والحياة. وان الحل للمسلمين في مجتمعاتهم تحكيم شرع الله الذي جاء إليهم على يد النبي محمد ص.
في التعقيب على الكتاب أقول:
لقد كنت انتظر وأنا اقرأ الكتاب المكثف المؤلف من ١١٢ صفحة. أن يخبرنا الكاتب عن النظام السياسي الإسلامي كما يراه الكاتب على الاقل.؟!. هذا النظام الذي وضعه في مواجهة النظام الرأسمالي وتعبيراته ديمقراطية وعلمانية وغيرها.
لقد ظهر عند الكاتب وكأن النظام السياسي الإسلامي الشرعي عنده وكأنه معروف كبديهية ولا يحتاج الى ايضاح. بينما الواقع غير ذلك تماما…
من البداية نقول ان النظام السياسي الإسلامي لم يمارس في تاريخنا إلا في مرحلة الرسول الكريم محمد ص. وكان ذلك عبر الدمج بين الرسول كمبلغ للرسالة الإسلامية وبين الرسول كحاكم للمسلمين. كما ان الرسول ص ترك أمر المسلمين لهم بوحي الأمر القرآني بأن أمر المسلمين متروك لهم. “وأمرهم شورى بينهم” الشورى ٣٨، “وشاورهم بالأمر” آل عمران ١٥٩. فعلى مستوى الحكم لم يقرر الرسول ص من يحكم بعده. هذا في المنظور السني اما الشيعي فيرون تكليف الرسول ص لعلي بن أبي طالب بالحكم بعده في غدير خم. وعندما ندخل في عهد أبي بكر سنرى أنه جاء نتيجة مشورة بين المسلمين في المدينة. وبعد أبي بكر هو من اقترح عمر بن الخطاب وهو على فراش الموت. وبعد عمر بن الخطاب الذي قُتل غيلة هو اختار الستة الذين اختاروا عثمان. وبعد مقتل عثمان بن عفان بايع بعض المسلمين علي بن ابي طالب ورفض معاوية البيعة. وحصلت بعدها صراعات المسلمين على السلطة بين بعضهم. عائشة بنت أبي بكر زوجة رسول الله ص مع طلحة والزبير حاربوا علي رافضين حكمه في موقعة الجمل. وبعد ذلك حرب علي ومعاوية في صفين هذا غير حرب علي ضد الخوارج. والتي توجت بمقتل علي غيلة. ثم استتباب الحكم لمعاوية حاكم جبري “ملك عضوض” غير شوري واستمر كذلك في كل قرون الدولة الاسلامية الاموية والعباسية وما تلاهم…
طبعا هذا ما تم ممارسته من قبل الحكم الذي اعتبر أهل السنة من حكموا خلاله. أما الشيعة فلهم روايات مختلفة ويرون ان الحكم الاسلامي تكليف إلهي لعلي وأولاده من بعده. ولو أنهم لم يحكموا لكنهم استمروا يحملون هذا الاعتقاد الى الآن. وطوروا نظريتهم السياسية الشيعية حيث ينتظرون الإمام الثاني عشر محمد المهدي المعصوم حتى يخرج ليحكم بما أمره الله. وأن يتم تغطية فترة الغيبة بنائب الإمام كما طرح الخميني في كتابه الدولة الإسلامية. وجعل نفسه نائب الإمام الولي الفقيه. وخلفه بعد موته الخامنئي الحاكم بأمره حتى موته.
لن نتوسع بالحديث عن المذاهب والفرق الإسلامية الاخرى وعقائدها حول الحكم وغيره من امور الاسلام. العلويين والدروز والإسماعيليين وتطوراتهم وتفرعاتهم جميعا عبر مئات السنين…الخ.
السؤال الآن أين هو نموذج الحكم الشرعي الاسلامي في تاريخنا الذي حدّثنا عنه الكاتب؟.
وأين هذا النموذج في عالمنا المعاصر ؟.
الجواب لا يوجد.
ولكي لا نصل الى متاهة في موضوع الحكم في بلاد المسلمين وعلاقته مع الإسلام. نتحدث عن العمل التاريخي المتواصل والمراكم لعلماء أصول الفقه وعلماء أصول الشريعة. وتوصلهم ان الحكم الاسلامي والذي يقارب أن يكون اسلامي وعبر تطور الحياة والبشر. يجب ان يحقق مقاصد الشريعة في المجتمعات الإسلامية. وهي الحفاظ على الدين والنفس والعقل والمال والنسل. وأضافوا لها بعد ذلك تحقيق الحاجيات والتحسينات في حياة المسلمين. وهذا يعني أن مهمة الحاكم أن يحقق الحياة الأفضل للمسلمين في دولتهم. هذا غير تقرير مبدأ الشورى اصلا من القرآن ومن ممارسة الرسول ص…
عند هذه النقطة يكون الأخذ بالديمقراطية هو الأكثر فائدة ومصلحة للمسلمين في مجتمعاتهم التي يعيشون فيها. الديمقراطية بصفتها معرفة لواقع الحياة وتداول بين الناس حول السبل الأفضل لتحقيق هذه الحياة الأفضل. وممارستهم لهذه الحياة فعلا. عبر الحرية وتحقيق العدالة. ومن خلال مؤسسات الديمقراطية المقننة منذ قرون. تداول السلطة ومجالس نيابية وانتخابات حرة وفصل سلطات. كل ذلك من خلفية مصالح المجتمع مسلميه والغير مسلمين فيه.
وهنا نلفت الانتباه بأن نمط الدولة لم يعد منسوبا لدين الإسلام أو غيره. لأن ذلك يحمّل الإسلام كدين أخطاء البشر الحاكمين. ويشكل لهم غطاء شرعيا يحميهم من المحاسبة ان اخطأوا فهم يحكمون بما أمر الله؟!.
كما لا خوف على عقيدة الإسلام في ضمائر الناس وفي سلوكهم التعبدي والمجتمعي. فالديمقراطية المجتمعية لن تجعل الاغلبية الاجتماعية المسلمة تختار ما يناقض اخلاقها وضوابط تدينها الفطرية الصحيحة. فلا مكان ديمقراطيا لقبول المثلية مثلا أو غير ذلك من التحلل الأخلاقي طالما أن غالبية المجتمع لن تقبل بذلك وهكذا لن يتم اضفاء شرعية عليه في الدولة ولن يتم إلزام الناس بما يخالف دينهم وأخلاقهم وأعرافهم الاجتماعية…
واقع حال إيران الآن يقول ذلك . وهم اداة ظلم لشعبهم ولنا في بلادنا العربية حيث يشكلون قوة احتلال. وكذلك تنظيم القاعدة وداعش وفتاويهم وممارساتهم التي انعكست على الإسلام والمسلمين بالوبال والضرر…
الخلاصة: لم يعد هناك أي ضرورة أو مبرر لوجود دولة إسلامية “شرعية” كما يدعي بعض الأحزاب والمفكرين. لأن ذلك غير إسلامي وغير ممكن ولا متاح. ولأن ذلك سيستخدم كما حصل تاريخيا لإعطاء بعض البشر الحكام سلطة أنهم يحكمون باسم الله وبالتالي على المسلمين المحكومين القبول والطاعة مهما عاشوا من مظالم تحت ظل الحكّام الفاسدين المستبدين والضرر من افعالهم على كل المستويات…
اذن في المجتمعات التي يتواجد بها المسلمين أغلبية أو أقلية يجب أن يناضلوا لتحقيق الديمقراطية ويسقطوا المستبدين والمستغلين وأن ينتصروا لتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل للشعب المتساوي كله…
هكذا فعل الربيع العربي واراد ان يعيد العرب والمسلمين ضمنا إلى دورهم التاريخي. ولذلك عاد المستعمر الغربي داعما للحكام المستبدين وناصرهم ليقضوا على ثورات شعوبهم وجعلهم مستعبدين الى ان تعاد الكرة وتثور الشعوب وتنتصر…
كتاب “الديمقراطية نظرة واقعية ورؤية شرعية” للكاتب “د.عطية عدلان” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الكتاب يبدء من تعريف الديمقراطية “حكم الشعب نفسه بنفسه” وتطور المفهوم والممارسات والمدارس مرجّحاً بان الاسلام مكتفي بنفسه وبالشرع الذي قرره الله تعالى ولا يحتاج للديمقراطية التي ترتبط بالضرورة بالعلمانية التي تفصل الدين عن السياسة والحياة.